الدرس الثاني والثلاثون التقديم والتأخير في باب (كان وأخواتها) يقول ابن مالك: وفي جميعها توسط الخبر….. أجز وكل سبقه دام حظر مرده أن أخبار هذه الأفعال إن لم يجب تقديمها على الاسم ولا تأخيرها عنه يجوز توسطها بين الفعل والاسم. 1-فمثال وجوب تقديمها على الاسم قولك (كان في الدار صاحبها)، فلا يجوز ههنا تقديم الاسم على الخبر؛ لئلا يعود الضمير على مُتأخِّرٍ لفظًا ورُتبةً. 2- ومثال وجوب تأخير الخبر عن الاسم قولك (كان أخى رفيقي) فلا يجوز تقديم رفيقي على أنه خبر؛ لأنه لا يعلم ذلك لعدم ظهور الإعراب. 3- ومثال ما توسط فيه الخبر قولك (كان قائمًا زيد)، قال الله تعالى (وكان حقًّا علينا نصرُ المؤمنين)، وكذلك سائر أفعال هذا الباب من المتصرف وغيره يجوز توسط أخبارها بالشرط المذكور. ونقل بعض العلماء خلافًا في جواز تقديم خبر ليس على اسمها والصواب جوازه قال الشاعر: سلي إن جهلت الناس عنَّا وعنهم… فليس سواءً عالمٌ وجهولُ وذكر ابن معط أن خبر دام لا يتقدم على اسمها، فلا تقول (لا أصاحبك ما دام قائمًا زيدٌ)، والصواب جوازه قال الشاعر: لا طيب للعيش ما دامت مُنغَّصَةٌ … لذاته بادِّكار الموت والهرم وأشار بقوله (وكل سبقه دام حظر) إلى أنَّ كل العرب أو كل النحاة منع سبق خبر دام عليها، وهذا إن أراد به أنهم منعوا تقديم خبر دام على (ما) المتصلة بها نحو (لا أصحبك قائمًا ما دام زيدٌ)، فمُسلَّمٌ، وإن أراد أنهم منعوا تقديمه على دام وحدها نحو (لا أصحبك ما قائمًا دام زيدٌ)، وعلى ذلك حمله ولده في شرحه ففيه نظر، والذي يظهر أنه لا يمتنع تقديم خبر دام على دام وحدها، فتقول (لا أصحبك ما قائمًا دام زيدٌ)، كما تقول (لا أصحبك ما زيدًا كلمت). كذاك سبق خبر (ما النافية) فجيء بها متلوة لا تاليه؛ يعني أنه لا يجوز أن يتقدم الخبر على (ما النافية)، ويدخل تحت هذا قسمان: – أحدهما ما كان النفي شرطًا في عمله نحو (ما زال وأخواتها)، فلا تقول (قائمًا ما زال زيدٌ)، وأجاز ذلك ابن كيسان والنحاس. – والثاني ما لم يكن النفي شرطًا في عمله نحو (ما كان زيدٌ قائمًا)، فلا تقول (قائمًا ما كان زيدٌ)، وأجازه بعضهم، ومفهوم كلامه أنه إذا كان النفي بغير ما يجوز التقديم فتقول (قائمًا لم يزل زيدٌ) (ومُنطلقًا لم يكن عمرو)، ومنعهما بعضهم. ومفهوم كلامه أيضًا جواز تقديم الخبر على الفعل وحده إذا كان النفي بما نحو (ما قائمًا زال زيدٌ) (وما قائما كان زيد)، ومنعه بعضهم. يقول ابن مالك: ومنع سبق خبر ليس اصطفى… وذو تمام ما برفع يكتفي وما سواه ناقص والنقص في… فتىء ليس زال دائما قفي اختلف النحويون في جواز تقديم خبر ليس عليها فذهب الكوفيون والمبرد والزجاج وابن السراج وأكثر المتأخرين ومنهم المصنف إلى المنع وذهب أبو علي الفارسي وابن برهان إلى الجواز، فتقول (قائمًا ليس زيدٌ)، واختلف النقل عن سيبويه، فنسب قومٌ إليه الجواز وقوم المنع، ولم يرد من لسان العرب تقدم خبرها عليها، وإنَّما ورد من لسانهم ما ظاهره تقدم معمول خبرها عليها؛ كقوله تعالى (ألا يوم يأتيهم ليس مصروفًا عنهم)، وبهذا استدلَّ مَنْ أجاز تقديم خبرها عليها، وتقريره أن (يوم يأتيهم) معمول الخبر الذي هو (مصروفًا)، وقد تقدَّم على ليس، قال: ولا يتقدم المعمول إلا حيث يتقدم العامل. ***** الدرس الثالث والثلاثون أقسام (كان وأخواتها) من حيث النقص والتمام وقوله (وذو تمام.. إلى آخره) معناه أن هذه الأفعال انقسمت إلى قسمين: أحدهما: ما يكون تامًا وناقصًا. والثاني: ما لا يكون إلا ناقصًا. والمراد بالتام ما يكتفي بمرفوعه، وبالناقص ما لا يكتفي بمرفوعه بل يحتاج معه إلى منصوب، وكل هذه الأفعال يجوز أن تستعمل تامة إلا (فتىء وزال) التي مضارعها (يزال) لا التي مضارعها (يزول)، فإنَّها تامَّةٌ؛ نحو (زالتْ الشَّمسُ)، و(ليس) فإنها لاتستعمل إلا ناقصة، ومثال التام قوله تعالى (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة)؛ أي: إن وجد ذو عسرة، وقوله تعالى (خالدين فيها ما دامت السموات والأرض)، وقوله تعالى (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون). ويقول ابن مالك: ولا يلي العامل معمول الخبر ….. إلا إذا ظرفا أتى أو حرف جر يعني أنه لا يجوز أن يلي (كان وأخواتها) معمول خبرها الذي ليس بظرف ولا جار ومجرور، وهذا يشمل حالين: أحدهما: أن يتقدم معمول الخبر وحده على الاسم، ويكون الخبر مؤخرًا عن الاسم نحو (كان طعامك زيد آكلا)، وهذه ممتنعة عند البصريين، وأجازها الكوفيون. الثاني: أن يتقدم المعمول والخبر على الاسم، ويتقدم المعمول على الخبر نحو (كان طعامك آكلا زيد)، وهي ممتنعة عند سيبويه وأجازها بعض البصريين. ويخرج من كلامه أنه إذا تقدم الخبر والمعمول على الاسم وقدم الخبر على المعمول جازت المسألة؛ لأنه لم يل (كان) معمول خبرها، فتقول (كان آكلا طعامك زيد)، ولا يمنعها البصريون، فإن كان المعمول ظرفًا أو جارًا ومجرورًا جاز إيلاؤه (كان) عند البصريين والكوفيين نحو (كان عندك زيد مُقيمًا) و(كان فيك زيد راغبًا). ويقول ابن مالك: ومضمر الشأن اسما انو إن وقع….. موهم ما استبان أنه امتنع يعني أنه إذا ورد من لسان العرب ما ظاهره أنه ولي (كان وأخواتها) معمول خبرها فأوله على أن في كان ضميرًا مُستترًا هو ضمير الشأن، وذلك نحو قوله: قنافذ هداجون حول بيوتهم….. بما كان إياهم عطيةُ عودا فهذا ظاهره أنه مثل (كان طعامَك زيدٌ آكلا)، ويتخرج على أن في كان ضميرا مستترا هو ضمير الشأن وهو اسم كان. ومما ظاهره أنه مثل (كان طعامك آكلا زيد) قوله: فأصبحوا والنوى عالى معرسهم….. وليس كل النوى تلقي المساكين إذا قرىء بالتاء المثناة من فوق فيخرج البيتان على إضمار الشأن والتقدير في الأول (بما كان هو؛ أي الشأن) فضمير الشأن اسم كان، و(عطيةُ) مبتدأ و(عود) خبر و(إياهم) مفعول (عود)، والجملة من المبتدأ وخبره خبر (كان)، فلم يفصل بين كان واسمها معمول الخبر؛ لأن اسمها مضمر قبل المعمول. والتقدير فى البيت الثاني (وليس هو؛ أي: الشأن)، فضمير الشأن اسم (ليس) ،و(كل النوى) منصوب بتلقي، وتلقي المساكين فعل وفاعل، والمجموع خبر ليس، هذا بعض ما قيل في البيتين. ويقول ابن مالك عن (كان) الزائدة: وقد تزاد كان في حشو كما….. كان أصح علم من تقدما (كان) على ثلاثة أقسام: أحدها الناقصة، والثاني التامة، وقد تقدم ذكرهما، والثالث الزائدة، وهي المقصودة بهذا البيت، وقد ذكر ابن عصفور أنها تزاد بين الشيئين المتلازمين: من مواضع كان الزائدة وأمثلتها: – بين المبتدأ وخبره؛ نحو (زيد كان قائم). -بين الفعل ومرفوعه؛ نحو (لم يوجد كان مثلك). – بين الصلة والموصول؛ نحو (جاء الذي كان أكرمته). – بين الصفة والموصوف؛ نحو (مررت برجل كان قائم). وهذا يفهم أيضًا من إطلاق قول المصنف: (وقد تزاد كان في حشو)، وإنما تنقاس زيادتها: – بين (ما) وفعل التعجب نحو (ما كان أصح علم من تقدما)، ولا تزاد فى غيره إلا سماعًا. وقد سمعت زيادتها بين الفعل ومرفوعه كقولهم (ولدت فاطمة بنت الخرشب الأنمارية الكملة من بني عبس لم يوجد –كان- أفضل منهم)، وقد سمع أيضًا زيادتها بين الصفة والموصوف كقوله : فكيف إذا مررت بدار قوم….. وجيران لنا –كانوا- كرام وشذ زيادتها بين حرف الجر ومجروره كقوله: سراة بني أبي بكر تسامى …..على –كان- المسومة العراب وأكثر ما تزاد بلفظ الماضي، وقد شذت زيادتها بلفظ المضارع في قول أم عقيل ابن أبي طالب: أنت –تكون- ماجدٌ نبيل….. إذا تهب شمأل بليل ************** الدرس الرابع والثلاثون الحذف في باب (كان) وأخواتها: يقول ابن مالك: ويحذفونها ويبقون الخبر….. وبعد إن ولو كثيرا ذا اشتهر – تحذف كان مع اسمها ويبقى خبرها كثيرا بعد (إن)؛ كقوله: قد قيل ما قيل إن صدقا وإن كذبا….. فما اعتذارك من قول إذا قيلا التقدير: إن كان المقول صدقًا، وإن كان المقول كذبًا. – وبعد (لو) كقولك: ائتني بدابة ولو حمارًا؛ أي: ولو كان المأتي به حمارًا. – وقد شذ حذفها بعد (لدن) كقوله: (من لد شولا فإلى إتلائها)، التقدير: من لد أن كانت شولا. ويقول ابن مالك: وبعد أن تعويض ما عنها ارتكب …..كمثل أما أنت برا فاقترب ذكر في هذا البيت أن كان تحذف بعد أن المصدرية، ويعوض عنها (م)،ا ويبقى اسمها وخبرها نحو: (أما أنت برًا فاقترب)، والأصل: أن كنت برًا فاقترب. فحذفت (كان)، فانفصل الضمير المتصل بها وهو التاء، فصار (أن أنت برًا) ثم أتى(بما) عِوضًا عن (كان)، فصار(أن ما أنت برًّا) ثم أدغمت النون في الميم، فصار (أمَّا أنت برا)، ومثله قول الشاعر: أبا خراشة أما أنت ذا نفر….. فإن قومي لم تأكلهم الضبع فأن مصدرية وما زائدة عوضًا عن كان، و(أنت) اسم كان المحذوفة، و(ذا نفر) خبرها، ولا يجوز الجمع بين كان وما لكون ما عوضا عنها ، ولا يجوز الجمع بين العوض والمعوض، وأجاز ذلك المبرد فيقول (أمَّا كنت مُنطلقًا انطلقت)، ولم يسمع من لسان العرب حذف (كان) وتعويض ما عنها وإبقاء اسمها وخبرها إلا إذا كان اسمها ضمير مخاطب كما مثل به المصنف. ولم يسمع مع ضمير المتكلم نحو (أمَّا أنا مُنطلقًا انطلقت)، والأصل (أن كنت مُنطلقا)، ولا مع الظاهر نحو (أمَّا زيدٌ ذاهبًا انطلقت)، والقياس جوازهما كما جاز مع المخاطب، والأصل (أنْ كان زيدٌ ذاهبًا انطلقت)، وقد مثل سيبويه- رحمه الله- في كتابه (بأما زيدٌ ذاهبًا). وعن جزم (يكون) يقول ابن مالك: ومن مضارع لكان منجزم….. تحذف نون وهو حذف ما التزم إذا جزم الفعل المضارع من (كان) قيل (لم يكن)، والأصل (يكون)، فحذف الجازم الضمة التي على النون، فالتقى ساكنان الواو والنون، فحذف الواو لالتقاء الساكنين فصار اللفظ (لم يكن)، والقياس يقتضي أن لا يحذف منه بعد ذلك شيء آخر، لكنهم حذفوا النون بعد ذلك تخفيفًا لكثرة الاستعمال، فقالوا (لم يك)، وهو حذفٌ جائزٌ لا لازم، ومذهب سيبويه ومَنْ تابعه أن هذه النون لا تحذف عنه ملاقاة ساكن، فلا تقول (لم يك الرجل قائمًا)، وأجاز ذلك يونس، وقد قرىء شاذًّا (لم يك الذين كفروا)، وأمَّا إذا لاقت مُتحرِّكًا فلا يخلو: إما أن يكون ذلك المتحرك ضميرًا مُتصلًا أو لا، فإنْ كان ضميرًا مُتصلًا لم تحذف النون اتفاقًا، كقوله لعمر رضي الله عنه في ابن صياد (إن يكنه فلن تسلط، عليه وإلا يكنه فلا خير لك في قتله)، فلا يجوز حذف النون فلا تقول (إن يكه وإلا يكه)، وإن كان غير ضمير متصل جاز الحذف والإثبات نحو (لم يكنْ زيدٌ قائمًا) (ولم يكُ زيدٌ قائمًا)، وظاهر كلام المصنف أنه لا فرق في ذلك بين كان الناقصة والتامة، وقد قرىء (وإن تك حسنةٌ يضاعفها) برفع حسنة، وحذف النون وهذه هي التامة ************** الدرس الخامس الثلاثون المشبهات بليس فصل في (ما ولا ولات وإن) المشبهات بليس: إعمال ليس أعملت ما دون إن….. مع بقا النفي وترتيب زكن وسبق حرف جر أو ظرف كما….. بي أنت معنيا أجاز العلما تقدم في أول باب (كان وأخواتها) أن نواسخ الابتداء تنقسم إلى: أفعال وحروف، وسبق الكلام على (كان وأخواتها) وهي من الأفعال الناسخة، وسيأتي الكلام على الباقي. وذكر المصنف في هذا الفصل من الحروف الناسخة قسمًا يعمل عمل (كان) وهو (ما ولا ولات وإن) النافيات، المشبهات بليس. أمَّا (ما) فلغة (بني تميم) أنَّها لا تعمل شيئًا، فتقول: ما زيدٌ قائمٌ، ف(زيدٌ) مرفوع بالابتداء، و(قائمٌ) خبره، ولا عمل ل(ما) في شيء منهما، وذلك لأنَّ (ما) حرف لا يختص لدخوله على الاسم؛ نحو: (ما زيدٌ قائمٌ)، وعلى الفعل نحو: (ما يقومُ زيدٌ)، وما لا يختص فحقه ألا يعمل. ولغة (أهل الحجاز) إعمالها كعمل ليس؛ لشبهها بها في أنها لنفي الحال عند الإطلاق، فيرفعون بها الاسم، وينصبون بها الخبر نحو (ما زيد قائمًا)، قال الله تعالى (ما هذا بشرًا)، وقال تعالى (ما هُنَّ أمهاتِهم)، وقال الشاعر: أبناؤها متكنفون أباهم ….حنقو الصدور وما هُمْ أولادَهَا لكن لا تعمل عندهم إلا بشروط ستة ذكر المصنف منها أربعة: -الأول: أَلَّا يزاد بعدها (إن)، فإنْ زِيْدَتْ بَطُلَ عَمَلُهَا نحو (ما إِنْ زيدٌ قائمٌ) برفع (قائمٌ)، ولا يجوز نصبه، وأجاز ذلك بعضهم. – الثاني: ألا ينتقض النفي ب(إلا) نحو (ما زيد إلا قائمٌ)، فلا يجوز نصب (قائم)، وكقوله تعالى (ما أنتم إلا بشرٌ مِثلُنَا)، وقوله (وما أنا إلا نذيرٌ)، خلافًا لمَنْ أجازه. – الثالث: ألا يتقدَّم خبرها على اسمها وهو غير ظرف ولا جار ومجرور، فإن تقدَّمَ وجب رفعه نحو (ما قائمٌ زيدٌ)، فلا تقول (ما قائمًا زيدٌ). وفي ذلك خلافٌ، فإنْ كان ظرفًا أو جارًا ومجرورًا فقدمته فقلت (ما في الدار زيدٌ)، و(ما عندك عمرو)، فاختلف الناس في (ما) حينئذٍ: هل هي عاملة أم لا ؟ فمَنْ جعلها عاملة قال: إنَّ الظرف والجار والمجرور في موضع نصب بها، ومن لم يجعلها عاملة قال: إنهما في موضع رفع على أنهما خبران للمبتدأ الذي بعدهما. وهذا الثاني هو ظاهر كلام المصنف، فإنه شرط في إعمالها: أن يكون المبتدأ والخبر بعد (ما) على الترتيب الذي زكن، وهذا هو المراد بقوله: (وترتيب زكن)؛ أي: علم. ويعني به أن يكون المبتدأ مُقدمًا، والخبرُ مؤخَّرًا، ومقتضاه أنه متى تقدَّم الخبر لا تعمل (ما) شيئًا، سواء كان الخبر ظرفًا أو جارًّا ومُجرورًا أو غير ذلك، وقد صرح بهذا في غير هذا الكتاب. -الشرط الرابع: ألا يتقدم معمول الخبر على الاسم وهو غير ظرف ولا جار ومجرور، فإن تقدم بطل عملها نحو (ما طعامك زيد آكل) فلا يجوز نصبُ (آكل)، ومن أجاز بقاء العمل مع تقدم الخبر يجيز بقاء العمل مع تقدم المعمول بطريق الأولى لتأخر الخبر، وقد يقال: لا يلزم ذلك لما في الإعمال مع تقدم المعمول من الفصل بين الحرف ومعموله، وهذا غير موجود مع تقدم الخبر، فإن كان المعمول ظرفًا أو جارًا ومجرورًا لم يبطلْ عملها نحو (ما عندك زيدٌ مُقيمًا) و(ما بي أنت معنيًّا)؛ لأن الظروف والمجرورات يتوسَّعُ فيها ما لا يتوسع في غيرها. وهذا الشرط مفهوم من كلام المصنف؛ لتخصيصه جواز تقديم معمول الخبر ب(ما) إذا كان المعمول ظرفًا أو جارًا ومجرورًا. – الشرط الخامس: ألا تتكرر (ما) فإنْ تكرَّرت بطل عملها نحو (ما ما زيدٌ قائمٌ)، فالأولى نافيةٌ، والثانيةُ نفت النفي فبقي إثباتًا (نفي النفي إثباتٌ)، فلا يجوز نصب (قائم)، وأجازه بعضهم. -الشرط السادس: ألا يبدل من خبرها موجب، فإن أبدل بطل عملها نحو (ما زيدٌ بشيء إلا شيء لا يعبأ به)، فبشيء في موضع رفع خبر عن المبتدأ الذي هو (زيد)، ولا يجوز أن يكون فى موضع نصب خبرًا عن (ما)، وأجازه قوم. وكلام سيبويه رحمه الله تعالى في هذه المسألة محتمل للقولين المذكورين أعني القول باشتراط ألا يبدل من خبرها موجب، والقول بعدم اشتراط ذلك، فإنه قال بعد ذكر المثال المذكور وهو (ما زيد بشيء إلى آخره) استوت اللغتان؛ يعني: لغة الحجاز، ولغة تميم، واختلف شراح الكتاب فيما يرجع إليه قوله (استوت اللغتان)، فقال قومٌ: هو راجع إلى الاسم الواقع قبل (إلا)، والمراد أنه لا عمل ل(ما) فيه، فاستوت اللغتان في أنه مرفوع، وهؤلاء هم الذين شرطوا في إعمال (ما) ألا يبدل من خبرها موجب. وقال قومٌ: هو راجعٌ إلى الاسم الواقع بعد (إلا)، والمراد أنه يكون مرفوعًا، سواء جعلت (ما) حجازية أو تميمية، وهؤلاء هم الذين لم يشترطوا في إعمال ما ألا يبدل من خبرها موجب، وتوجيه كل من القولين وترجيح المختار منهما وهو الثاني لا يليق بهذا المختصر. ************************