الدرس الثالث عشر تابع: الضمير. ينقسم الضمير بحسب ظهوره وخفائه إلى قسمين : الأول – بارز ، وقد بينته في الدرس الماضي . الثاني- المستتر : وهو الذي لا يظهر لفظاً في الجملة . والضمير المستتر ينقسم إلى قسمين : (جائز الاستتار ، وواجب الاستتار) . فجائز الاستتار : هو ما أمكن أن يأتي الضمير البارز مكانه . مثاله : زيد يقوم . ف (زيد) مبتدأ مرفوع ، و يقوم : فعل مضارع مرفوع . وهذا الفعل يحتاج إلى فاعل ، فالفاعل ضمير مستتر جوازاً تقديره (هو) يعود على زيد . والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر (زيد) المبتدأ . ففي هذا المثال يمكن أن أقول : زيد يقوم هو . فالضمير المستتر أمكن أن يأتي مكانه الضمير البارز ، فكان هنا جائز الاستتار . وهنا قاعدة يمكن بها معرفة الضمائر المستترة الواجبة والجائزة ، فما كان تقدير الضمير فيه : (أنا ، نحن ، أنت) فهو واجب الاستتار ، وما عدا ذلك فجائز الاستتار .مثال واجب الاستتار : (أوافقك الرأي) . (أوافق) فعل مضارع مرفوع ، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره أنا . والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب مفعول به . والرأي مفعول به ثان منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة . قد يقول قائل: فما تقول في قوله تعالى: { أسكن أنت وزوجك الجنة } ، فقد ظهر الضمير المستتر (أنت) ؟ فالجواب : الضمير في الآية مستتر وجوباً تقديره أنت ، و(أنت) الظاهرة في الآية إنما هي تأكيد للضمير المستتر ؛ لكونه قد عطف على الضمير اسم ظاهر (زوجك) ، والضمير لا يقوى على العطف لوحده فجاء مؤكداً بضمير ظاهر. و بذا نكون قد أنهينا ما يتعلق بالضمائر . يقول ابن مالك رحمه الله : نكرة : قابل (أل ) مؤثراً أو واقع موقع ما قد ذكرا وغيره معرفة : كهم وذي وهند وابني والغلام والذي فما لذي غيبة أو حضور ك (أنت) و (هو) سمِّ بالضمير وذو اتصال منه ما لا يبتدا ولا يلي (إلا) اختاراً أبداً كالياء والكاف من (ابني أكرمك) والياء والها من (سليه ما ملك) وكل مضمر له البنا يجب ولفظ ما جر كلفظ ما نصب للرفع والنصب وجرٍّ (نا) صلح ك (اعرف بنا فإننا نلنا المنح) وألف والواو والنون لما غاب وغيره ك (قاما) و(اعلما) ومن ضمير الرفع ما يستتر ك (افعلْ) (أوافقُ) (نغتبط إذ تَشكرُ) وذو ارتفاع وانفصال : (أنا) (هو) و (أنت) والفروع لا تشتبه وذو انتصاب في انقصال جعلا : (إياي) والتفريع ليس مشكلا عن وجود ضميرين في الجملة يقول ابن مالك : وفي اختيار لا يجيء المنفصل إذا تأتى أن يجيء المتصل وصلْ أو افصل هاء (سلنيه) وما أشبهه في (كنته) الخلف انتمى كذاك (خلتنيه) واتصالا أختارُ ، غيري اختار الانفصالا كل موضع أمكن أن يؤتى فيه بالضمير المتصل لا يجوز العدول عنه إلى المنفصل إلا فيما فلا تقول في (أكرمتك) (أكرمت إياك)؛لأنه يمكن الإتيان بالمتصل فتقول (أكرمتك). فإن لم يمكن الإتيان بالمتصل تعين المنفصل نحو(إياك أكرمت) وقد جاء الضمير في الشعر منفصلاً مع إمكان الإتيان به متصلاً كقوله : بالباعث الوارث الأموات قد ضمنت إياهم الأرض في دهر الدهارير وأشار إلى المواضع التي يجوز أن يؤتى فيها بالضمير منفصلاً مع إمكان أن يؤتى به متصلا فأشار بقوله (سلنيه) إلى ما يتعدى إلى مفعولين الثاني منهما ليس خبرا في الأصل وهما ضميران نحو الدرهم سلنيه فيجوز لك في هاء سلنيه الاتصال نحو سلنيه والانفصال نحو سلني إياه وكذلك كل فعل أشبهه نحو الدرهم أعطيتكه وأعطيتك إياه . وظاهر كلام المصنف أنه يجوز في هذه المسألة الانفصال والاتصال على السواء وهو ظاهر كلام أكثر النحويين وظاهر كلام سيبويه أن الاتصال فيها واجب وأن الانفصال مخصوص بالشعر ، وأشار بقوله في (كنته) إلى أنه إذا كان خبر كان وأخواتها ضميرا فإنه يجوز اتصاله وانفصاله واختلف في المختار منهما ، فاختار المصنف الاتصال نحو كنته واختار سيبويه الانفصال نحو (كنت إياه) تقول (الصديق كنته وكنت إياه) وكذلك المختار عند المصنف الاتصال في نحو (خلتنيه) وهو كل فعل تعدى إلى مفعولين الثاني منهما خبر في الأصل وهما ضميران ، ومذهب سيبويه أن المختار في هذا أيضا الانفصال نحو (خلتني إياه) ومذهب سيبويه أرجح لأنه هو الكثير في لسان العرب على ما حكاه سيبويه عنهم وهو المشافه لهم قال الشاعر: إذا قالت حذام فصدقوها فإن القول ما قالت حذام عن الترتيب بين الضمائر يقول ابن مالك : وقدم الأخص في اتصال وقدمن ما شئت في انفصال من المعروف أن ضمير المتكلم أخص من ضمير المخاطب وضمير المخاطب أخص من ضمير الغائب فإن اجتمع ضميران منصوبان أحدهما أخص من الآخر فإن كانا متصلين وجب تقديم الأخص منهما فتقول (الدرهم أعطيتكه وأعطيتنيه) بتقديم الكاف والياء على الهاء لأنهما أخص من الهاء لأن الكاف للمخاطب والياء للمتكلم والهاء للغائب ، ولا يجوز تقديم الغائب مع الاتصال فلا تقول (أعطيتهوك ولا أعطيتهمونى) وأجازه قوم ومنه ما رواه ابن الأثير في غريب الحديث من قول عثمان رضي الله عنه (أراهمني الباطل شيطانًا) فإن فصل أحدهما كنت بالخيار ، فإن شئت قدمت الأخص فقلت (الدرهم أعطيتك إياه وأعطيتني إياه) ، وإن شئت قدمت غير الأخص فقلت (أعطيته إياك وأعطيته إياي) وإليه أشار بقوله (وقدمن ما شئت في انفصال).وهذا الذي ذكره ليس على إطلاقه بل إنما يجوز تقديم غير الأخص في الانفصال عند أمن اللبس، فإن خيف لبس لم يجز فإن قلت (زيد أعطيتك إياه) لم يجز تقديم الغائب فلا تقول (زيد أعطيته إياك)؛ لأنه لا يعلم هل زيد مأخوذ أو آخذ . وفي اتحاد الرتبة الزم فصلا وقد يبيح الغيب فيه وصلا إذا اجتمع ضميران وكانا منصوبين واتحدا في الرتبة كأن يكونا لمتكلمين أو مخاطبين أو غائبين فإنه يلزم الفصل في أحدهما فتقول (أعطيتني إياي وأعطيتك إياك وأعطيته إياه) ، ولا يجوز اتصال الضميرين فلا تقول (أعطيتني ولا أعطيتكك ولا أعطيتهوه) نعم إن كانا غائبين واختلف لفظهما فقد يتصلان نحو (الزيدان الدرهم أعطيتهماه) . (نون) الوقاية : وقبل (يا النفس) مع الفعل التزم نون وقاية وليسى قد نظم إذا اتصل بالفعل ياء المتكلم لحقته لزوما نون تسمى نون الوقاية وسميت بذلك لأنها تقي الفعل من الكسر ، وذلك نحو (أكرمني ، ويكرمني ، وأكرمني) ، وقد جاء حذفها مع ليس شذوذًا كما قال الشاعر: عددت قومي كعديد الطيس إذ ذهب القوم الكرام ليسى واختلف في (أفعل) في التعجب هل تلزمه نون الوقاية أم لا فتقول (ما أفقرني إلى عفو الله ، وما أفقري إلى عفو الله) عند من لا يلتزمها فيه ، والصحيح أنها تلزم. ويقول ابن ملك : وليتني فشا وليتي ندرا ومع لعل اعكس وكن مخبرا في الباقيات واضطرارا خففا (مني) و(عني) بعض من قد سلفا ذكر في هذين البيتين حكم نون الوقاية مع الحروف فذكر (ليت) وأن نون الوقاية لا تحذف منها إلا ندورا كقوله: كمنية جابر إذ قال ليتي أصادفه وأتلف جل مالي والكثير في لسان العرب ثبوتها وبه ورد القرآن قال الله تعالى (يا ليتنى كنت معهم) . وأما (لعل) فذكر أنها بعكس ليت فالفصيح تجريدها من النون كقوله تعالى حكاية عن فرعون (لعلي أبلغ الأسباب) ، ويقل ثبوت النون كقول الشاعر: فقلت أعيراني القدُّوم لعلَّني أخط بها قبرا لأبيض ماجد ثم ذكر أنك بالخيار في الباقيات أي في باقي أخوات (ليت ولعل) وهي (إن وأن وكأن ولكن) فتقول (إني وإنني وأني وأنني وكأني وكأنني ولكني ولكنني) ثم ذكر أن (من وعن) تلزمهما نون الوقاية فتقول (منِّي وعنِّي) بالتشديد ومنهم من يحذف النون فيقول (مني وعني) بالتخفيف وهو شاذ قال الشاعر: أيها السائل عنهم وعني لست من قيس ولا قيس مني ويقول ابن مالك : وفي لدني لدني قل وفي قدني وقطني الحذف أيضا قد يفي أشار بهذا إلى أن الفصيح في (لدني) إثبات النون كقوله تعالى (قد بلغت من لدنِّي عذرا) ويقل حذفها كقراءة من قرأ (من لدني) بالتخفيف، والكثير في (قد وقط) ثبوت النون نحو (قدني وقطني)، ويقل الحذف نحو (قدي وقطي) أى (حسبي)، وقد اجتمع الحذف والإثبات في قوله: قدني من نصر الخبيبين قدي ليس الإمام بالشحيح الملحد