الدرس التاسع والعشرون لم يذكر ابن مالك المواضع التي يحذف فيها المبتدأ وجوبًا، وقد عدها في غير هذا الكتاب أربعة الأول: النعت المقطوع إلى الرفع في مدح، نحو (مررت بزيد الكريم) أو ذم نحو (مررت بزيد الخبيث) أو ترحم نحو (مررت بزيد المسكين) فالمبتدأ محذوف في هذه المثل ونحوها وجوبا والتقدير هو الكريم وهو الخبيث وهو المسكين. الموضع الثانية: أن يكون الخبر مخصوص نعم أو بئس نحو نعم الرجل زيد وبئس الرجل عمرو فزيد وعمرو خبران لمبتدإ محذوف وجوبا والتقدير هو زيد أي الممدوح زيد وهو عمرو أي المذموم عمرو. الموضع الثالث : ما حكى الفارسي من كلامهم (فى ذمتي لأفعلن) ففي ذمتي خبر لمبتدإ محذوف واجب الحذف، والتقدير (في ذمتي يمين)، وكذلك ما أشبهه؛ وهو ما كان الخبر فيه صريحا في القسم . الموضع الرابع أن يكون الخبر مصدرًا نائبًا مناب الفعل نحو (صبر جميل)، التقدير (صبري صبر جميل)، فصبري مبتدأ، وصبر جميل خبره ثم حذف المبتدأ الذي هو صبري وجوبا. – ويقول ابن مالك عن تعدد الخبر: وأخبروا باثنين أو بأكثرا ….. عن واحد كهم سراة شعرا – تعدد الخبر : اختلف النحويون في جواز تعدد خبر المبتدأ الواحد بغير حرف عطف نحو (زيدٌ قائمٌ ضاحكٌ) فذهب قوم منهم المصنف إلى جواز ذلك، سواء كان الخبران في معنى خبر واحد نحو (هذا حلوٌ حامضٌ)؛ أي: مز ، أم لم يكونا في معنى خبر واحد كالمثال الأول. وذهب بعضهم إلى أنه لا يتعدد الخبر إلا إذا كان الخبران في معنى خبرٍ واحدٍ، فإن لم يكونا كذلك تعيَّن العطف، فإن جاء من لسان العرب شيءٌ بغير عطف قدر له مبتدأ آخر، كقوله تعالى(وهو الغفور الودود ذو العرش المجيد) وقول الشاعر: من يك ذابت فهذا بتي ….. مقيظ مصيف مشتي وقوله: ينام بإحدى مقلتيه ويتقي ….. بأخرى المنايا فهو يقظان نائم وزعم بعضهم أنه لا يتعدد الخبر إلا إذا كان من جنسٍ واحدٍ، كأن يكون الخبران مثلا مفردين نحو (زيدٌ قائمٌ ضاحكٌ) أو جملتين نحو (زيدٌ قام ضحك)، فأما إذا كان أحدهما مفردًا والآخر جملة فلا يجوز ذلك، فلا تقول (زيد قائمٌ ضحك) هكذا زعم هذا القائل، ويقع في كلام المعريين للقرآن الكريم وغيره تجويز ذلك كثيرا، ومنه قوله تعالى (فإذا هي حيَّةٌ تسعى) جوزوا كون (تسعى) خبرًا ثانيًا، ولا يتعيَّن ذلك لجواز كونه حالاً . ***** الدرس الثلاثون النواسخ في باب المبتدأ والخبر كما ذكرت الأصل في المبتدأ أن يكون مرفوعًا والخبر كذلك، ولكن هناك بعض العوامل التي تدخل على الجملة الاسمية فتنسخ؛ أي: تغير عملها وإعرابها، وهذه النواسخ إمَّا أفعال ناسخة أو حروف ناسخة، والأفعال الناسخة مثل (كان وأخواتها)، و(كاد وأخواتها)، و(ظن وأخواتها)، ومن الحروف الناسخة (إنَّ وأخواتها)، و(لا النافية للجنس العاملة عمل إنّ)، و(ما النافية وأخواتها أو المشبهات بليس وتعمل عمل كان)، وتفصيل ذلك على النحو الآتي: (1) كان وأخواتها: يقول ابن مالك: ترفع كان المبتدا اسمًا والخبر ….. تنصبه ككان سيدًا عمر ككان ظل بات أضحى أصبحا …. أمسى وصار ليس زال برحا فتىء وانفك وهذي الأربعه …. لشبه نفي أو لنفي متبعه ومثل كان دام مسبوقًا بما …. كأعط ما دُمت مُصيبًا درهما لمَّا فرغ ابن مالك من الكلام على المبتدأ والخبر شرع في ذكر نواسخ الابتداء، وهي قسمان أفعال وحروف، فالأفعال (كان وأخواتها وأفعال المقاربة وظن وأخواتها)، والحروف (ما وأخواتها ولا التي لنفي الجنس وإن وأخواتها)، فبدأ المصنف بذكر (كان وأخواتها)، وعددها ثلاثة عشر فعلاً، وكلها أفعال اتفاقًا إلا (ليس)، فذهب الجمهور إلى أنَّها فعل، وذهب الفارسي في أحد قوليه وأبو بكر بن شقير في أحد قوليه إلى أنها حرف. وهي ترفع المبتدأ وتنصب خبره، ويسمى المرفوع بها (اسم كان وأخواتها)، والمنصوب بها (خبر كان وأخواتها)، وهي أفعالٌ (ناسخة) أي: تنسخ وتغير عمل الجملة الاسمية فتغير (المبتدأ) المرفوع بعامل معنوي وهو الابتداء، فيصبح (اسم كان) المرفوع بها، وتغير (الخبر) المرفوع ، ليصبح (خبر كان) المنصوب. وأمَّا قولنا (ناقصة) أي تحتاج إلى خبرها فلا يتم المعنى بها مع اسمها فقط (كان الولدُ) فالمعنى ناقص وتحتاج(ينقصها) لخبرها فنأتي بالخبر ليتم المعنى ونقول (كان الولدُ مؤدبًا)، أمَّا الفعل التام فهو الذي يتم المعنى بمرفوعه (انتصر الجيش/فاز الفريق/ نجح الطالب). أقسام (كان وأخواتها) من حيث العمل بشروط ومن دون شروط وهذه الأفعال قسمان: 1- منها ما يعمل هذا العمل بلا شرط: وهي [كان، وظل، وبات، وأضحى، وأصبح، وأمسى، وصار، وليس]. 2- ومنها ما لا يعمل هذا العمل إلا بشرط: وهو قسمان:أحدهما: ما يشترط في عمله أن يسبقه نفي لفظًا أو تقديرًا أو شبه نفي وهو أربعة [زال، وبرح، وفتىء، وانفك]، فمثال النفي لفظًا: (ما زال زيد قائمًا)، ومثاله تقديرًا قوله تعالى:(قالوا تالله تفتؤ تذكر يوسف)؛ أي: لا تفتؤ، ولا يحذف النافي معها إلا بعد القسم؛ كالآية الكريمة، وقد شذَّ الحذف بدون القسم كقول الشاعر: وأبرح ما أدام الله قومي …. بحمد الله مُنتطقًا مُجيدًا أي: لا أبرح مُنتطقًا مُجيدًا؛ أي: صاحب نطاق وجواد ما أدام الله قومي، وعنى بذلك أنه لا يزال مُستغنيًا ما بقي له قومه، وهذا أحسن ما حمل عليه البيت. ومثال شبه النفي والمراد به النهي كقولك:(لا تزل قائمًا)، ومنه قوله: صاح شمر ولا تزل ذاكر الموت…. فنسيانه ضلال مبين والدعاء: كقولك:(لا يزال الله مُحسنًا إليك)، وقول الشاعر ألا يا اسلمي يا درامي على البلى …. ولا زال مُنهلَا بجرعائك القطرُ وهذا هو الذي أشار إليه المصنف بقوله وهذي الأربعة إلى آخر البيت. القسم الثاني: ما يشترط في عمله أن يسبقه ما المصدرية الظرفية: وهو [دام]، كقولك:(أعط ما دمت مُصيبًا درهمًا)؛ أي: أعط مُدَّة دوامك مُصيبًا درهمًا، ومنه قوله تعالى:(وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيًّا)؛ أي: مدة دوامي حيًّا. (حتى) في اللغة العربية أربعة أنواع:(عاطفة- جارة للاسم الصريح- جارة للاسم الصريح- ابتدائية) والجمهور على أنها ثلاثة أقسام فقط. النوع الأول: هو حتى العاطفة حتى العاطفة تفيد شيئين: تفيد الجمع بين المتعاطفين في الحكم، وتفيد معنى ثانيا، وهو الدلالة على الغاية، والمراد بالغاية النهاية، مثل لو قلت: وصل الحجاج مزدلفة حتى المشاة، فهنا حتى أفادت شيئين: أولا الجمع، أنها جمعت بين المعطوف وهو (المشاة)، والحجاج والمقصود بهم الراكبون، جمعت بينهما في الوصول، يعني: كلهم وصلوا. المعنى الثاني: أنها دلت على الغاية والنهاية، فإذا سمعت قائلا يقول: وصل الحجاج إلى مزدلفة حتى المشاة. تستفيد أنه لم يبق في عرفة أحد؛ لأنها دلت على الغاية وعلى النهاية. النوع الثاني: حتى الجارة للاسم الصريح، كما في قول الله -تعالى-: { سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ } فحتى: حرف جر، ومطلع: اسم مجرور ب(حتى) وعلامة جره الكسرة الظاهرة. فحتى من حروف الجر، لكنها هنا جرت الاسم الصريح، يعني: غير المؤول. النوع الثالث: (حتى) الجارة للاسم المؤول، من أن المصدرية والفعل المضارع. والفرق بين حتى الثانية والثالثة: أن حتى الثانية تذكر في باب حروف الجر، لكن حتى الثالثة وإن كانت جارة، لكنها تذكر مع نواصب الفعل المضارع -مع نواصب الفعل المضارع -، كما في قول الله -تعالى-: {لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى } فحتى: حرف غاية وجر، يرجع: فعل مضارع منصوب بأن المضمرة بعد حتى، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، إلينا: جار ومجرور متعلق بأيش؟ ب(يرجع)، موسى: فاعل مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر، وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور ب(حتى)، ويكون التقدير -والله أعلم-: لن نبرح عليه عاكفين حتى رجوع موسى. إذن حتى هنا صارت النهاية أنها جارة، لكن ما فرقها عن الجارة الثانية اللي قبله؟ الثانية جرت الاسم الصريح، والثالثة جرت المصدر المؤول، والتفريق بينهما: إذا رأيت (حتى) بحروف الجر، اعرف أنها هي الجارة للاسم الصريح، وإذا رأيتها مع نواصب الفعل المضارع، اعرف أنها هي الجارة للمصدر المؤول. النوع الرابع ل(حتى): (حتى) الابتدائية. وحتى الابتدائية هي التي تدخل على الجملة الاسمية، وتكون الجملة التي بعدها مستأنفة لا محل لها من الإعراب، هذه تسمى (حتى الابتدائية). ومن أمثلتها قول النبي – صلى الله عليه وسلم – كما في الحديث الصحيح المتفق عليه: " ما يصيب المؤمن من هم ولا حزن ولا نصب ولا أذى، حتى الشوكةُ يشاكها، إلا كفر الله بها خطاياه ". فحتى هنا ابتدائية، الشوكة مبتدأ، إذا قيل: ابتدائية معنى اللي بعدها مبتدأ مرفوع وعلامة رفع الضمة الظاهرة على آخره، وجملة يشاكها خبر المبتدأ الجملة، صغرى ولّا كبرى؟ ها…؟ صغرى، وجملة الشوكة (يشاكها) كبرى. ويشاك: فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره هو، يعود على المؤمن مستتر جوازا. والهاء مفعول، والجملة من المبتدأ، والخبر جملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب، وحتى كما قلنا هي حتى الابتدائية.