ظهر مصطلح "الديمقراطية الرقمية " في منتصف تسعينيات القرن الماضي حيث تداولته الدراسات المعنية بتوظيف أدوات جديدة للاتصال في العملية الديمقراطية لتواكب به انتقال التكنولوجيا التى توفر الانترنت للاستخدام العام. أصبحت الصحافة الإلكترونية والإعلام البديل الوسيلة الأسرع انتشارا لتوجيه الرأى العام وباتت مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل التعبير الرقمي هى التعبير الأول عن السلطة الشعبية ومن خلالها يمكن ممارسة مبادئ الديمقراطية بحرية، مثل المشاركة في بناء المؤسسات الحاكمة عبر الانتخابات، والمشاركة في اتخاذ القرار، وممارسة نوع من الرقابة علي الأجهزة التنفيذية للنظام الحاكم. وفي إطار ما تقدم يصدر مركز هردو لدعم التعبير الرقمي تقريره بعنوان " المسائلة السياسية والصحافة الالكترونية" يتناول فيه المسئولية السياسية للصحافة والإعلام والقدرة الحقيقية للصحافة فى التعبير عن مطالب الشعب والرأي العام وتبني توجهاته المشروعة. التجربة العملية أكدت أن الصحافة والإعلام البديل سلطة شعبية مستقلة تمارس دورها في الرقابة والمسائلة حتى وإن تم حذف هذه المادة من الدستور: يناقش التقرير التشريعات الخاصة بالصحافة من خلال مواد الدستور 25 , 31 , 70 , وقانون تنظيم الصحافة رقم 96 لعام 1996, ويشير إلى أن الصحافة تستمد قوتها من حريتها واستقلاليتها ولذلك فهي قادرة على المساهمة فى طرح البدائل والإسهام بشكل مباشر في عملية التنشئة الاجتماعية السياسية من اجل الوصول إلى عملية التغير الاجتماعي التى تعتبر هي محور كل مجتمع سياسي متحضر. كما يقدم التقرير شرحا تفصيليا لنظريات الإعلام التى استخدمتها الحكومات في التعبير عن أيدولوجياتها في عملية التنشئة الاجتماعية السياسية وهى: نظرية السلطة, النظرية الليبرالية, النظرية الشيوعية أو الاشتراكية, ونظرية المسئولية الاجتماعية, و في إطار هذه النظريات يوضح العلاقة الوطيدة بين الصحافة والرأى العام وكيف أدى التطور التكنولوجي الهائل الذي شهدته الصحافة فى القرن العشرين إلى انتشار الصحافة بكل أنواعها فى العالم أجمع حيث أن الصحافة الحرة تعتبر هى حجر الزاوية في أي رأى عام لكي يقوم على أساس ديمقراطي سليم. مواقع التواصل الاجتماعي أداة تغيير وتأثير في الوعي السياسي للأفراد فقط إذا لم تقمعه الدولة: ويناقش التقرير دور الصحافة الإلكترونية فى التغير السياسي من خلال مصطلح " الديمقراطية الرقمية " والمقصود به توظيف أدوات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الرقمية في تداول المعلومات المتعلقة بممارسة الديمقراطية, ويوضح الدور التنويري الذي الذي لعبته شبكات التواصل الاجتماعي في تغيير ملامح الحياة السياسية فى الشارع المصري، من خلال تقديم المعلومات، وإلقاء الضوء علي قضايا الفساد, وكيف قوبل ذلك بسياسة القمع والتضييق من قبل الدولة من خلال قطع وإيقاف أنظمة الاتصالات وخدمات الانترنت أثناء الاحتجاجات خوفا من الانتشار السريع للأخبار. ويشير التقرير إلى أن الدور السياسي التى تلعبه مواقع التواصل الاجتماعي إنما يعتمد بشكل عام على البيئة التى ينشط فيها مستخدميها وفى ظل وجود المواطن الصحفي أصبح من الصعب السيطرة علي الفضاء الالكتروني وإخفاء سلبيات النظم الحاكمة على الرغم من محاولات بعض السلطات تقليص الحرية الممنوحة لمستخدمي هذه الوسائل، وغلق بعضها. كما يعرض التقرير أيضا شرحا لقانون مكافحة تقنية المعلومات وفى نظرة تحليلية يشير إلى أن حذف الاعتراف الدستوري التاريخي للصحافة بأنها سلطة شعبية في دستور 1971 جاء فى إطار تحجيم الدولة للدور الهام والاستراتيجي الذى تلعبه الصحافة والإعلام البديل في المسائلة السياسية والرقابة وتوجيه الرأي العام بالإضافة إلى التضييقات الأمنية التى تمارسها الدولة على الصحفيين مما يعوق دون تأسيس دولة ديمقراطية تحترم حرية الرأى و التعبير الفكري. وفى ختام التقرير يناشد مركز هردو لدعم التعبير الرقمي الحكومة بالوقف الفوري لعمليات القبض على الصحفيين وسياسة تكميم الأفواه وإخلاء سبيل جميع الصحفيين المقبوض عليهم أثناء تغطيتهم الصحفية, مع ضرورة تعديل قانون مكافحة تقنية الانترنت بما يتوافق والمواثيق الدولية وأحكام الدستور.