أعجب من بعض الجزائريين الذين يعتبون على التوانسة والمصريين معاداة المتأسلمين - ولا أعني بذلك الناس المحترمة ال- بل المستغلين للدّين لأغراضهم الدينية, أو المروّجين للمفاهيم المغلوطة التي تكفر الناس وتكرههم في الإسلام, أنسيتم معاناتنا معهم أيها الأفاضل؟ هؤلاء هم الذين أغرقوا الجزائر خلال تسعينيات القرن المنصرم في بحار دامية, وهم الذين استوردوا لنا فتاوى غريبة عن أوطاننا بهدف ضرب مرجعياتنا في عمقها, والتشكيك في ثوابتنا, بل استوردوا شكل هندام جديد لدين جديد لا نعرفه نحن ولا آباؤنا ولا أجدادنا الذين كانوا مسلمين بفطرتهم, ولم يستطع الاستدمار الاستيطاني أن يسلخهم من عقيدتهم الراسخة طيلة قرن ونصف... لا تقولوا لي إنهم يختلفون عن بعضهم في التوجه والفكر والتحزب, كلهم وجوه لعملة واحدة, هو اختلاف في التسميات لكن المسمّى واحد.. سأحكي لكم شيئا أصرّح به لأوّل مرّة, وقلّ من يعرفه..! تجربتي المريرة وأنا آخر من التحق بالركب بعد أن سادت حالة من الأمن والاطمئنان بالجزائر, لما كنت طالبا بالدراسات الإسلامية, تكفيني لأعرفكم من هم هؤلاء المتشدقون أعداء الذين لهم امتدادات في كل زمان ومكان...! كنت طالبا منذ زمن في أول تخصص لي درسته, دخلت ميدان علوم الشريعة الإسلامية عن حبّ وإرادة, لكنني ما لبثت أن اصطدمتُ بواقع هؤلاء الذين لا يمثلون الإسلام, فندمت على اليوم الذي زاملتهم فيه وكدت أكره الدّين, مع أنّي اخترت الطريق بمحض إرادتي, وكان معدّلي ساعتئذ يؤهلني لأية كلية أختارها في العاصمة الجزائرية, إذ إنني نجحت على رأس قوائم الثانوية العامة على مستوى ثانويات مدينتي آنذاك...! لولا أن تداركتُ الأمر وتخصصتُ في الإعلام والاتصال, ثم التحقت بكلية الآداب واللغات الأجنبية, ثمّ الحقوق بعد شهادتي الأولى التي أتممتها على مضض, لكنتُ نسيا منسيا, وحمدا لله أنّ وباءهم الخطير, لم ينتقل لي لأنه سريع العدوى, و قد كنت وقتها أتمتع بمناعة كبيرة...! فجزء من دراستي الابتدائية كان بفرنسا, وطبيعة عائلتي التي تضم الفنانين والإعلاميين وإطارات سامية في الدّولة , إلى جانب الأسرة التي نشأتُ فيها, وتكوين والديَّ, حيث إنّ أمّي أستاذة لغة فرنسية, ووالدي فنان شامل وأستاذ جامعي متخصص في الأدب الإنجليزي والإعلام, وكان يشغل منصبا مهما بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي الجزائرية, وختم مسيرته منتدبا بالسلك الدبلوماسي الجزائري...! كلّ هذا كان حائلا دون تطرفي, أو دون إيجاد مشروع إرهابي صغير, والإرهاب قد يكون فكريا وهو أخطر وأكثر تلوثا, لأنه دافع للإرهاب البشري الذي يزهق الأرواح...! مع ذلك نشأتُ تنشئة مسجدية, حيث كانت جدة والدتي تعلم القرآن باللوح والقلم بالطريقة التقليدية, وكانت تصطحبني معها لأشهد حلقات ( تكرار القرآن), وكتابته ومحوه بمادة الطين في غرفة ضيقة في مسجد يعد أحد معالم المدينة التي ولدتُ فيها, وهو في الوقت ذاته معلم تاريخي شاهد على الحضارات المتعاقبة على المدينة, وهو ثانيَ المسجدين في إفريقيا بعد مسجد القيروان...! فتلك المشاهد هي التي قذفت عشق القرآن في قلبي منذ تلك اللحظات وتعلمته بعد ذلك قبل أن أدرسه بجامعة إسلامية في مادة الترتيل التي أنقصت مني أكثر ممّا أضافت, لأنني لم أكُ أستلطف مدرّسها ملتحي القلب والعقل الذي درّسني خلال إحدى السنوات العجاف... مع ذلك كنت ملحدا وعلمانيا وزنديقا وفاسقا ومارقا وخارجا عن الدّين في نظر المتطرفين الذين درسوا معنا علوم الدّين...! لأنهم في واقع الأمر لا يتبعون تعاليم دين بل يتّبعون أشخاصا وجماعات تنسب إلى الدّين قدسوها أكثر من رب الدّين, ومشكلة الشعوب والجماهير الواسعة أنها تتبعهم ظنا منها أنهم هم الدّين, لذا فهم يصدق فيهم المثل العربي, وأقوله بالجزايري:" يقتلوا القتيل ويمشوا في جنازتو "...! فأيُّ دين يتحدّثون عنه, أو كما قالها الشاعر المصري جمال بخيت: دين أبوهم اسمه إيه؟ هذا فيض من غيض يا من تدافعون عن المتأسلمين, واليوم يسقط "شكري بلعيد" بطلقات رصاص جبانة, ماكرة, كافرة في تونس ...هذا العلماني أكثر وطنية منهم, وقد يكون عند الله أطهر من قذارتهم هؤلاء الأنجاس أعداء الدّين والوطن...! فليتركوا ربنا... يرحمنا أو يعذبنا, ونعبده كما نعرفه...!