أخيراً انجلت الصورة، وزال اللغط، ونطق العرب كلمتهم المزلزلة حول المشاركة في المفاوضات المباشرة مع الإسرائيليين، وتنزّل شرطهم كالصاعقة، بضرورة حصول الفلسطينيين على ضمانات خطية، ولا بأس بعد ذلك من استئناف لعبة المفاوضات مع إسرائيل، ولكن ضمن الشروط العربية التي استبدلت تحرير فلسطين ذات يوم بدولة فلسطينية على حدود 67، ثم استبدلت الدولة بسلطة فلسطينية على جزء من السكان، مرجعيتها اتفاقية أوسلو، لتكتفي الآن بورقة ضمانات خطية، تكف عن العرب شر الاستنكاف عن المفاوضات، وتشبع شهيتهم المفرطة بالاستئناف. من المؤكد أن الجهة التي ستعطي الضمانات الخطية هي الجهة التي أعطت الضمانات الشفوية من قبل، وتهربت منها، لذلك وضع العرب هذا الشرط المحرج من وجهة نظرهم لأمريكا، أو الملزم لأمريكا بالوقوف عند كلمتها المكتوبة، ما دامت قد تهربت من كلامها الشفوي، وكل ذلك دون أن يكون ملزماً لإسرائيل، التي ستفاوض إلى أبد الآبدين، فإن ضاق العرب ذرعاً بطول الزمن، فما عليهم إلا أن يمسحوا عجزهم في ذقن الضمانات الأمريكية، أما ما هيه هذه الضمانات المكتوبة، فهي لن تتعدي تلك الضمانات الأمريكية الشفوية التي سمحت بانطلاق المفاوضات لمدة ثمانية عشر عاماً دون جدوى. لقد نسي العرب والفلسطينيون أن الذي تهرب من الشفوي لا يصعب عليه التهرب من المكتوب، والدليل على ذلك، أن نتائج مؤتمر "أنابولس" نوفمبر 2007 والتي شارك فيها أربعون دولة، قد دعت خطياً إلى إحياء عملية السلام المجمدة، والسعي إلى إيجاد تسوية سلمية بحلول نهاية العام 2008، تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية، ألسنا في عام 2010؟ ألم يسبق مؤتمر "أنابولس" خارطة الطريق التي صدرت عن وزارة الخارجية الأمريكية في إبريل 2003، والتي قالت فقراتها الخطية: إن الهدف هو تسوية نهائية وشاملة للصراع (النزاع) الإسرائيلي الفلسطينية بحلول عام 2005م، بقيام دولة فلسطينية مستقلة قادرة على البقاء، على أن تجمد الحكومة الإسرائيلية جميع النشاطات الاستيطانية (بما في ذلك النمو الطبيعي للمستوطنات).. فهل التزمت أمريكا، والمجتمع الدولي بما صدر عنهم خطياً؟. ثم؛ ألا يمكن اعتبار القرار الدولي رقم 181، والقرار 194 ضمانات خطية صادرة عن هيئة الأمم المتحدة؟ ألا يمكن اعتبار قرار مجلس الأمن رقم 242، ضماناً خطياً دولياً، فأين هي تلك الضمانات الخطية الموثقة التي لم تلزم الدولة العبرية؟. الضمانات الخطية ألفاظ تبريرية ابتدعتها الدول العربية كي تسهل على سلطة السيد عباس مواصلة خيار المفاوضات الوحيد الذي اعتصمت فيه كحبل بقاء، وكان حرياًً بالسيد عباس أن يكف عن تطبيق بند محاربة المقاومة (الإرهاب) الذي جاء شرطاً في خارطة الطريق يقابله شرط وقف التوسع الاستيطاني. لقد التزمت سلطة رام الله بمحاربة المقاومة بكل قوة وعنف وشراسة، في حين أطلقت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة يد المستوطنين ليضاعفوا استيلائهم على الأرض ثلاثة مرات. وهم ينتظرون الآن فرصة جديدة ليطفئوا ظمأهم إلى التوسع الاستيطاني، ليكمل المفاوض الفلسطيني خطوته في الانقراض الميداني. .