برغم ما بدا عليه الآمر من هدوء ورتابة واعتياد وأنا أسير فى نفس الطريق يوميا مساءا وتقابلنى نفس الوجوه تقريبا.باهتة ..كئيبة ..كالحة.. ومن المؤكد انى أبادرهم بالتحية حتى ولو بدون رغبة ..كنوع من الآعتياد...واتلقى نفس الرد .وبنفس الرتابة والاعتياد.. والمح على الرصيف فى كلا الاتجاهين نف...س السيارات ... نعم .... قد تختلف ترتيبا ...ولكنها تظل هى هى نفس السيارات المتراصة...ويقابلنى شحاذأشعث... هو نفس الشحاذ...بنفس الملابس ونفس الهيئة الرثة والوجه المغبر القذر ..يخرج من زقاق معلق فى كتفه كيسا من القماش متسخ ..وفى اليد الاخرى دلو ملطخ ..لا اعرف ماهية ما فيه..ولكنه هكذا يوميا.. ولا شئ غير عادى....ولكن حدث ما لم أكن أتوقعه...أو اننى اكتشفت معنى جديدا للحياة ..أو ربما حلا للغزالذى طالما آرقنى..وهو من أنا ..؟؟ و من أكون..؟؟... أو ان الاجابة على أسئلتى وصلتنى فجأة و اخترقتنى كنيزك من الفضاء ... وجاءتنى من حيث لا أدرى... بدأ الآمر فجرا مع أول خيوط الصباح وتباشيره كانت خيوطا ملونة ناعمة..تسللت الاشارات الى من خلال النافذة الزجاجية ..وكنت أتعمد اخفاؤها بنوع من الستائر الثقيلة ظاهريا لا ضمنيا فقد زينتها الكثير والكثير من الفراشات الملونه... ...فحقيقة لم ترقنى أن تكون نافذة حجرتى زجاجية ... ينفذ منها الضوء مباشرة الى عينى..ولا تحجب الرؤيا...فلم أشهد منذ ما يقرب من عامين ميلاد الصباح وبمنتهى الابتهاج والانتشاء والغرور.لم ترقنى الفكره لآنى من هواة السهر ليلا ..أدمنه..أعشق تفاصيله الملهمة ...يحيطنى بهالة كالتى حول رؤوس القديسات..أنا كائن ليلى من العصور الوسطى..أو الآساطير.أو ربما أميرة تغفو فوق غيمات الفرسان..وتداعب أحلامهم...ينامون ويحلمون..و أتناسى أنا النوم فهو بالنسبة لى رفاهية لا أقدر عليها ووهم لا أتمناه... وأظل أحاول النوم بشتى الطرق..ولا أفلح الا حين يعلن هذا الوليد قدومه بصرخة تشق رحم الزمن ...و ها قد آتى برغبة أو بدون رغبة..ولكنه أتى فى موعده تما ما دون أى تقديم أو تأخير...وها أنا ذا لم أنم. مللت انتظاره ونعم عيناى ثقيلتان محمرتان وأكاد لا أقوى على الوقوف... ولكنى اكتشفت معنى جديدا للصباح وأشعر بفرح لفكرة التحرر والانعتاق حتى من نفسى وها أنا على أول الطريق..كرضيع يخطو أولى خطواته.يكتشف..يتقدم وينزلق ويقوم ليعيد الكره..فلا شئ يرهبه أو يثنيه...أكاد ربما أكون الوحيده وكأننى أكتشف مدينه جديدة فى مصباح الجن أو ربما أكون أنا التى بعثت من مصباح أو تنور ..لا فرق ... يا للسكون ..والحرية وروعة النسمات ..وحيدة أنا فى مدينة الجنى..ولو أنك تملك آلة تصوير لسجلت المشهد فورا أو لظللت ترقب من بعيد..أو من خلف نوافذك الزجاجية ..أفضل شخصيا أن تشاركنى جنون اللحظة..فالآمر يستحق أكتشفت أن لوقع قدمى على الطريق سحرا خاصا ...وايقاعا مختلفا عن كل مره ..يبدو لى منظما متناسقا ورنانا وكأنه يعلن وجودى ومقدمى...لم أعتقد أنى سمعته أبدا بمثل هذه الروعة والوضوح فاستعذبته وانطلقت مسرعة تارة ومتثاقلة مرات و لكن فى كل الاحوال مستمتعة ومستغرقة وكأنى أملك مفاتيح الكون وخزائن أسراره. ألمح أشعة الشمس مضيئة و رقيقة و ذكية..تنتشر برفق و دلال فوق الآبنية ..وتخترق المسافات الفاصلة بينها ..تصل الى ..ولكن بنعومة تتخللها نسمات باردة منعشة تداعبنى بفرح وتوشوشنى بهدوء وتبعثرنى معها .وأرى الآشجار وقد اكتست ثوبا من الرغبة والرهبة....وتتوج رؤوسها الخضر بتيجان من ألق وكأنها تناست جور البشر..ونوافذ مغلقة اختبأت خلفها همسات وحكايات سعيدة ومعذبة ولعل كونها مغلقه ما منحها هذا السحر تحديدا..وهذا الغموض ..لقد أهدانى الصباح روحا منه ..أو ربما نفحة من الجنة ...كأنى فى منطقة ما بين بين أو أنى فى الهواء تعلقت لا ادرى بماذا تعلقت.. خيط نوارانى شفاف فى فراغ متسع وعميق... وقتها قررت أن أكون رفيقة الصباح ... أى كائن صرت أنا...؟ اكتشفت اننا توأمان ..نعم أحبها بالتأكيد.. أكرهها أحيانا...أريدها بشدة ... وأرفض عبثيتها كثيرا ...فهى مزعجة..ومتطلبة..ولكنها فى النهاية أنا..والآن تركتها خلف زجاج النافذه وانطلقت أبحث عن النصف الآخر...هى تغادرنى ليلا ..وترتحل بعيدا ...أرقبها حتى تعود وتملآنى ..تدنو منى .تحمل الكثير من أحلامى وعذاباتى ..تمنحها لى طوعا واختيارا ..أنقشها ..ألونها مساءا ..وتلوننى صباحا ... وتعود من جديد مساءا لتملآنى ..تبعثرنى صيفا وشتاءا ..وألملمها وتلملمنى ..أعانقها ونعود لا ننشطر ..لا نفترق الا فى المساء ..ولكنى تركتها اليوم خلف النافذة وحيدة وانطلقت ..ها أنا ذا أولد من جديد ... فقد عشقت الصباح