مند أربعة أيام وأنا أحاول أن أكتب مقالاً، ولكن لشدة حزني واكتئابي على ما يحدث في مصر المحروسة لم أستطع التركيز، وعلام أتحدث وقد سبقني كثير من إخواني الأعزاء وسطروا ما يحدث باستفاضة دون أن يتركوا لي مجالاً للحديث.أرسل لي بعض قرائي الأعزاء متسائلين عن رأيي في ما يحدث على الساحة المصرية من مهازل، خطط لها أصحاب القرار، ونزلت على أسماعنا كالصاعقة، دون سابق إنذار، مما أجبرني أن أجلس أمام حاسوبي، وأستجمع ذاكرتي، لأسطر رأيي في ما يحدث، تاركاً خلفي حزني وألمي على وطني الغالي، وما يحاك به من مؤامرات من أناس صدعوا أدمغتنا بأنهم حماة الثورة، وهم في حقيقة الأمر سارقو الثورة، لأنهم حرمونا من قطف ثمارها، وكانوا المستفيد الأكبر منها.على الرغم من أن أصحاب القرار يعلمون يقيناً أننا احترمناهم ووقرناهم، ولم نحاول التطاول عليهم، رغم أخطائهم الكثيرة والمتكررة تجاهنا، ورغم أنهم لم يحمونا من بطش النظام المخلوع، عندما اعتدى علينا زبانيته وجلادوه بكل قسوة ووحشية، وعندما أخرج بلطجيته من السجون والمعتقلات للقضاء علينا، وكل هذا أمام مرأى ومسمع من قادتنا النشامى، دون أن يتدخلوا لحمايتنا، بل زاد الطين بلة عندما وقفوا يتفرجون علينا أثناء قمعنا، وكأنهم يشاهدون فيلماً هندياً، ومع ذلك كنا أثناء ثورتنا المباركة نرفع لافتات مكتوباً عليها «الجيش والشعب إيد واحدة»، لأننا لم نرد أن ندخل البلد في حرب أهلية، وأردنا أن نحفظ لمؤسستنا العسكرية هيبتها ووقارها، لأن ثورتنا كانت سلمية.أما عندما يستخف السادة أصحاب القرار بعقولنا، ويلعبون بنا كالشطرنج، فلابد لنا من وقفة، لكي يعلموا أن ثورتنا مازالت مستمرة، ولن تخمد إلا إذا حققت كل مطالبها.ما حدث في محاكمة المخلوع ووزير داخليته ومعاونيه، هي مهزلة بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ، لأنها ليست عادلة، ولم تلبي طموحاتنا، ونطالب بإعادتها أمام دائرة أخرى محايدة.رغم أنني أحترم القضاء المصري، ولا أشكك في نزاهته، إلا أنه في هذه القضية حاد عن جادة الصواب، لأن السادة القضاة يعلمون يقيناً أن كل المحبوسين على ذمتها مدانون فيها، ولم يتجن عليهم أحد، فإذا لم يكن لديهم المستندات الكافية لإدانتهم، كان الواجب عليهم أن يتنحوا عن الحكم فيها، لأنه معنى أن المستندات ناقصة أي أن الحكم فيها سيكون باطلاً.معنى أن مساعدي وزير الداخلية غير مدانين، حسب رأي هيئة المحكمة الموقرة، لأنه لا يوجد لديهم من المستندات ما يدينهم، فلماذا إذاً حكموا على مبارك ووزير داخليته بالمؤبد، هل هي مجاملة لنا، أم ذراً للرماد؟ أم إنهم يستخفون بعقولنا؟ ما حدث مفاده أنه سيفرج عن مبارك ووزير خارجيته لاحقاً بعدما تهدأ الأمور وتستقر الأوضاع، لأنه لا يوجد ما يدينهم.المسألة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، هناك سيناريو جرى كتابته خلف الكواليس، لإفشال القضية برمتها، وإعطاء المتهمين فيها براءة، ولم يخرج إعداد هذا السيناريو عن الثلاثي المرح، قادة المجلس العسكري والنيابة العامة وهيئة المحكمة، فحواه أنه جرى إعدام الأوراق والمستندات التي تثبت إدانتهم، وما براءة مساعدي وزير الداخلية إلا بالونة اختبار للشعب المصري، فإذا قبله سيتم الإفراج لاحقاً عن مبارك والعادلي في النقض.لكن أعضاء المجلس العسكري لكبر سنهم، وعدم وعيهم، بأن ما كان يحدث سابقاً من الصعب أن يحدث الآن، لأن حاجز الخوف قد كسر فينا، ولن نستطيع السكوت على سلب إرادتنا وحقوقنا المشروعة، لأننا نرفع شعار «العيش بكرامة أو الموت بكرامة»، وليس هناك من ثالث لهما.منذ أن طالب أعضاء البرلمان بتفعيل قانون العزل السياسي على أعضاء الحزب الوطني المنحل، وقادة المجلس العسكري يهددونهم بحل البرلمان، لأنهم يعلمون أن قادة الإخوان المسلمين يبحثون عن المناصب، وليس عندهم مانع من عقد أي صفقات للوصول إليها، حتى لو وصل الأمر إلى بيع مصر وأبنائها.قادة المجلس العسكري تعدوا السن القانونية، وليس من حقهم ممارسة أي عمل عسكري، وعليهم الذهاب إلى بيوتهم إكراماً لهم، وحفظاً لماء وجههم، لأنهم تعدوا كل الخطوط الحمراء في التعامل معنا، فلم يكفهم أنهم أجهضوا ثورتنا المباركة التي ضحينا فيها بالغالي والنفيس، وافتعالهم للأزمات المتكررة لكي نندم على قيامنا بها، بل إنهم يحاولون جاهدين بناء الحزب الوطني في صورة جديدة، والدليل على ذلك السماح بترشح عمر سليمان وأحمد شفيق وعمرو موسى، المقربين من المخلوع، في الوقت الذي طالبنا فيه بالقصاص من عمر سليمان وأحمد شفيق على جرائمهما في حقنا ومساعدتهما لمبارك في تحويل أموالنا المنهوبة من خزينة الدولة بأسماء آخرين.محاكمة القرن، هي بحق مهزلة القرن، لأنها أضغاث أحلام، ولا ننتظر فيها قصاصاً عادلاً، لأنه لا يوجد نظام يحاكم نفسه، فنظام مبارك مازال موجوداً يحكم البلاد والعباد، وجاسماً على صدورنا، ولا عجب في هذا، أليس أعضاء المجلس العسكري من أصدقاء مبارك المقربين؟ أليس شيوخ القضاة من أصدقائه المقربين؟ أليس النائب العام من أصدقائه المقربين؟ فممن ننتظر العدل؟ لابد وأن تستمر ثورتنا حتى يخلع هذا النظام من جذوره، لكي تكتمل ثورتنا ونحقق كل آمالنا. محمد أحمد عزوزكاتب وناشط سياسي مصري