لم أكن أتخيل ان يُحدث مقالي الأخير " نومة مبارك " .. أهذا الذي كان يجكمنا " كل ردود الفعل هذه من خلال التعليقات في الدستور والموجز ، وأكثر من 10 مواقع أخرى نقلته عن الدستور .. وعلى قدرما أسعدتني تعليقات القراء الأعزاء ، على قدر ما شعرت بأننا كما لو كنا مغيبين ومصدقين فعلا أن مبارك لا يقدر على الحركة ولا الوقوف على قدميه .. لذلك قصدت أن أصور المشهد على حقيقته وأظهر هذا المخلوع في صورته الحقيقية ليبرز السؤال الأهم : أهذا الذي كان يحكمنا ؟ سؤال أراه جاء في الصميم ، وأظهر المذلة التي عليها مبارك الآن ، ومن هنا أرى أن الثورة حتى إن لم تحقق غير ذلك من محاولة استجداء رئيس سابق للرحمة ، فيبدو أمامنا عاجزاً ، حتى عن الكلام ، فهى قد حققت شيئا ذا قيمة ، جعلت الدكتاتور أرنبا خائفا ومرعوبا من الذبح ، حتى لو نجح محاميه الديب الذي أرى جُرمه أبشع من مبارك نفسه ، لأنه يدافع عن باطل ، وهو يعلم يقينا أن موكله مجرم يستحق الإعدام ، غير أن الأوراق لا تكفي لإدانته الإدانة الدامغة .. أقول حتى لو نجح هذا " الديب " في مهمته فما حدث لمبارك والذل الذي أراده الله له في أواخر أيامه وعمره ، يشفي غليل كل من اكتوى بظلمه وبات ليلته " يدعي عليه " بقلب محروق. وأكثر ما أسعدني بعد هذا المقال ردة فعل الكثير من المصريين هنا في الكويت الذين يعتبرون " الدستور الاصلي " نافذتهم الحقيقية والصادقة لما يحدث في مصر ، فاتصل بي البعض بعد أن عرف مكاني في جريدة الأنباء الكويتية وأسمعوني كلاما طيبا ربما لا استحقه. حتى زملائي المقربين معي في العمل بعد قراءة ما كتبته وكلامي عن جمال عبد الناصر في نهاية المقال تحرك السؤال في ذهنهم : لو كان عبد الناصر مكان مبارك فماذا كان سيفعل .. أجمع الكل على شيء واحد .. يستحيل أن يقبل على نفسه هذه الاستكانة وهذا الضعف المهين.. فقال لي احدهم : أتخيل لو عبد الناصر في هذا الموقف وفعل ما فعله مبارك بشعبه وجاء وقت الحساب ، فلن يتردد أن يطلق النار على نفسه ، لا هربا من المحاكمة ، ولكن تأديبا لذاته كرجل لم يحافظ على شعبه وحنث باليمين الذي اقسمه وهو يتولى مقاليد الحكم .. وقال أخر : أتخيل عبد الناصر في قفص الاتهام واقفا على قدميه وعيونه دامعة ، ليس حزناً على ما آل إليه حاله ولكن ندما على أبناء شعب لم يُقدّر قيمته وعظمته وحضارته الضاربة في أعماق التاريخ .. وكان سيطلب بنفسه بعد الاعتراف الكامل أن تطبق عليه أقصى عقوبة ليرد للشعب حقه واعتباره. وقال ثالث : أتخيل لو كان ناصر في هذا الموقف وحدث أن صدر حكم بالإعدام ضده ، فلو سألوه السؤال التقليدي : عايز تقول حاجة يا جمال .. فسيرد كما يرد الرجال اللي على حق : اعتذر لكل الذين وثقوا بي .. وخذلتهم. أتحدث عن الرجل حين يدرك مسؤوليته كرجل ، لا يحكم أسرة صغيرة ، ولكن يحكم دولة بقيمة وقدر مصر .. حتى السادات مع الفارق بينه وبين عبد الناصر مع اعتزازه الشديد بنفسه ، لو قُدّر له أن يقف موقف مبارك ، يستحيل أن يكون مثله خانعاً ضعيفاً هشاً .. لذلك قُتل السادات وهو واقفا مرتديا البدلة العسكرية ، رافضا يومها القميص الواقي رغم تنبيهه وتحذيره مما يمكن أن يحدث له في هذا اليوم. تخيلوا لو مبارك رئيسا مكان السادات يومها وقيل له : لا تذهب إلى العرض العسكري فهناك مخطط لقتلك .. لا أظن أنه كان فقط سيكتفي بإلغاء الاحتفال ، بل كان سيهرب خارج البلاد شهراً أو شهرين أو سنة كاملة ، حتى يطمئن أن من أرادوا وخططوا لقتله قد تم القبض عليهم وسجنهم. في فيلم " القلب الشجاع " ، وأنا مبهور دوما به ، والبطل بينه وبين الموت ذبحا ، دقائق معدودة ، والأميرة التي أحبته لا لشكله وعينيه الزرقاء ، ولكن كرجل مؤمن بقضية يدفع حياته طواعية في سبيلها ومن أجلها .. أرادات أن تعطيه مخدراً حتى لا يشعر بالعذاب الذي سيسبق الإعدام ، فرد عليها : أخشى أن يراني أحد ممن آمن بي وبقضيتي مسلوب الإحساس والشعور ، فأخذل أمامه رجولتي ، وأخذل ثقته وإيمانه بي. وقال وهو يودعها الوداع الأخير : كل الرجال يموتون .. ولكن قليلا منهم يعيشون بعد الموت. الرجولة لا تُشترى من السوبر ماركت.. الرجولة تربية وفعل وموقف .. ومبارك لا أظن أن أحدا ربّاه ، ولا فعل ما يستوجب علينا احترامه ، وكل مواقفه معنا مخذلة لا يستحق عليها حتى نظرة شفقة من أى نوع كان. لذلك لست مشغولا كثيرا بالحكم الذي سيصدره المستشار احمد رفعت ضد مبارك تحديدا.. فو الله الذي لا اله غيره.. مذلته وإهانته وهو في القفص وعلى السرير تكفيني.. قد لا تكفي أهالي الشهداء ، وهذا حقهم ، غير أننا لو أمعنا النظر جيدا في المشهد سنجد أننا فعلنا بثورتنا شيئا ليس أبدا بالقليل.