الاحتفال بعيد الأم يوم 21 مارس من كل عام هو رمز ومعني جميل للاحتفال بالأم كل يوم من أيام السنين ، والاحتفال بهذا اليوم ليس حرام كما يدعي وعاظ التشدد والغلو في عالمنا الحديث بل هو حلال ولاشئ فيه ، أما الذين يفتون كل عام بتحريمه سواء علي الفضائيات أو من علي منابرهم المتنوعة في بعض المساجد أو في الصحف أو في الكتب أو في غير ذلك فلا يوجد عندهم سند شرعي في تحريمه ، والدين يسر وليس عسر وهؤلاء الوعاظ الذين يفتون بدون دليل شرعي هم علي خطر عظيم يوم القيامة لأنهم حرموا كل شئ في حياة الناس إتباعا لمفاهيم وتفاسير قديمة في بعض الكتب التي تعلموا منها هذا التشدد وليس لها سند شرعي من كتاب الله تعالي ولا سنة النبي صلي الله عليه وسلم الصحيحة والتي تتفق مع كتاب الله تعالي يقول الدكتور علي جمعة محمد مفتي مصر عن حكم الاحتفال بعيد الأم فقال ما نصه ( الإنسان بنيان الرب ، كرمه الله تبارك تعالي لآدميته ، فصنعه بيديه ، ونفخ فيه من روحه ، وأسجد له ملائكته ، وطرد إبليس من رحمته ، لأنه استكبر عن طاعة الله بالسجود له ، فكان احترام الآدمية صفة ملائكية قامت حضارة المسلمين عليها وكانت إهانة الإنسان وإذلاله واحتقاره نزعة شيطانية إبليسيه زلزلت كيان الحضارات التي بنيت عليها قال تعالي في كتابه الكريم (ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا ) سورة النساء الآية 119 وكما جاء الإسلام بتكريم الإنسان من حيث هو إنسان بغض النظر عن نوعه ، أو جنسه أو لونه ، فإنه أضاف إلي ذلك تكريما آخر يتعلق بالوظائف التي أقامها الله فيها طبقا للخصائص التي خلقه الله عليها فكان من ذلك تكريم الوالدين الذين جعلهما الله تعالي سببا في الوجود وقرن شكرهم بشكره فقال تعالي ( ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا علي وهن وفصاله في عامين أن أشكر لي ولوالديك إلي المصير) سورة لقمان الآية 14 وجعل الأمر بالإحسان إليهما بعد الأمر بعبادته سبحانه وتعالي فقال تعالي ( وقضي ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ) سورة الإسراء الآية 23 وكان ذلك لأن الله جعلهما السبب الظاهر في الإيجاد فكان أعظم مظهر كوني تجلت فيه صفة الخلق ، وناهيك بذلك شرفا علي شرف وتكريما علي تكريم . والنبي صلي الله عليه وسلم يجعل الأم أولي الناس بحسن الصحبة بل ويجعل برهم هم الطريق الموصل إلي الجنة ويضيف الدكتور علي جمعة ومن مظاهر تكريم الأم الاحتفاء بها وحسن برها والإحسان إليها وليس في الشرع ما يمنع من أن تكون هناك مناسبة لذلك يعبر فيها الأبناء عن برهم بأمهاتهم ، فان هذا أمر تنظيمي لاحرج فيه ولا صلة له بمسألة البدعة التي يدندن حولها كثير من الناس فإن البدعة المردودة هي ما أحدث علي خلاف الشرع لقوله صلي الله عليه وسلم ( من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو رد ) رواه أحمد في مسنده . ومفهومه أن من أحدث فيه ما هو منه فهو مقبول غير مردود وقد أقر النبي صلي الله عليه وسلم العرب علي احتفالاتهم بذكرياتهم الوطنية وانتصاراتهم القومية التي كانوا يتغنون فيها بمآثر قبائلهم وأيام انتصاراتهم فعن السيدة عائشة رضي الله عنها أن النبي صلي الله عليه وسلم دخل عليها وعندها جاريتان تغنيان بغناء يوم بعاث ) رواه البخاري ومسلم وابن ماجه والطبراني والسيوطي وغيرهما . وجاء في السنة أن سيدنا النبي صلي الله عليه وسلم ( زار قبر أمه السيدة آمنة في ألف مقنع فما رؤى أكثر من ذلك اليوم ) رواه الحاكم وغيره في المستدرك. إن معني الأمومة عند المسلمين وغيرهم هو معني رفيع له دلالته الواضحة في تراثهم اللغوي فالأم في اللغة العربية تطلق علي الأصل وعلي المسكن وعلي الرئيس وعلي خادم القوم الذي يلي طعامهم وخدمتهم وهذا المعني الأخير مروي عن الإمام الشافعي رضي الله عنه وهو من أهل اللغة . قال ابن دريد : وكل شئ انضمت إليه أشياء من سائر ما يليه فإن العرب تسمي ذلك الشئ ( أما ) بضم الألف ولذلك سميت مكة ( أم القرى )لأنها توسطت الأرض ، ولأنها قبلة يؤمها الناس ، ولأنها أعظم القرى شانا. ولما كانت اللغة هي وعاء الفكر فإن مردود هذه الكلمة عند المسلم ارتبط بذلك ارتبط بذلك الإنسان الكريم الذي جعل الله فيه أصل تكوين المخلوق البشري ثم وطنه مسكنا له ثم ألهمه سياسته وتربيته وحبب إليه خدمته ، والقيام علي شئونه فالأم في ذلك كله هي موضع الحنان والرحمة الذي يأوي إليه أبناؤها وكما كان هذا المعني واضحا في أصل الوضع اللغوي والاشتقاق من جذر الكلمة في اللغة ، فإن موروثنا الثقافي يزيده نصاعة ووضوحا وذلك في الاستعمال التركيبي ( لصلة الرحم ) حيث جعلت هذه الصفة العضوية في الأم رمزا للتواصل العائلي الذي كانت لبناته أساسا للاجتماع البشري ، إذ ليس أحد أحق وأولي بهذه النسبة من الأم التي يستمر بها معني الحياة وتتكون بها الأسرة وتتجلي فيها معاني الرحمة والمحبة . ويبلغ الأمر تمامه وكماله بذلك المعني الديني البديع الذي يصوره النبي المصطفي صلي الله عليه وسلم بقوله ( الرحم معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله ) رواه أحمد ومسلم وابن حبان وغيرهما . وفي الحديث القدسي : قال الله تعالي ( أنا الله وأنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته ) رواه أحمد وابن حبان والحاكم . ويتجلي هذا المعني الرفيع للأمومة عندنا مدلولا لغويا وموروثا ثقافيا ومكانة دينية يمكننا أن ندرك مدي الهوة الواسعة والمفارقة البعيدة بيننا وبين الآخر الذي ذابت لديه قيمة الأسرة وتفككت في واقعة أولها فأصبح يلهث وراء هذه المناسبات ويتعطش إلي إقامتها ليستجدي بها شيئا من هذه المعاني المفقودة لديه ، وصارت مثل هذه الأعياد أقرب عندهم إلي ما يمكن أن نسميه ( بالتسول العاطفي ) من الأبناء الذين ينبهون فيها إلي ضرورة تذكر أمهاتهم بشئ من الهدايا الرمزية أثناء لهاثهم في تيار الحياة الذي ينظر أمامه ولا ينظر خلفه ، ومع هذا الاختلاف والتباين بيننا وبين ثقافة الآخر التي أفرز واقعها مثل هذه المناسبات إلا أن ذلك لا يشكل مانعا شرعيا من الاحتفال بها ، بل نري في المشاركة فيها نشرا لقيمة البر بالوالدين في عصر أصبح فيه العقوق ظاهرة تبعث علي الأسى والأسف ولنا في رسول صلي الله عليه وسلم الأسوة الحسنة ، حيث كان يحب محاسن الأخلاق ويمدحها من كل أحد حتى ولو كان علي غير دينه فلما أتي بإحدى الأسري في الحرب وكانت ابنة حاتم الطائي من هؤلاء الأسري فقالت للنبي عليه السلام ( يا محمد إن رأيت أن تخلي عني ولأتشمت بي أحياء العرب فإني ابنة سيد قومي ، وإن أبي كان يفك العاني ويشبع الجائع ويكسو العاري ويستضيف الضيف ويطعم الطعام ويفشي السلام ويدافع عن المظلوم ، ولم يرد طالب حاجة قط وأنا ابنة حاتم الطائي فقال النبي هذه صفة المؤمنين حقا ثم أشار إلي الصحابة ( خلوا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق والله تعالي يحب مكارم الأخلاق) فقال الصحابي الجليل أبو بردة ابن نيار رضي الله عنه والله يحب مكارم الأخلاق ...فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم (والذي نفسي بيده لا يدخل الجنة احد إلا بحسن الخلق ) رواه الإمام الديلمي في مسند الفردوس . وقال صلي الله عليه وسلم ( لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم ولو أدعي به في الإسلام لأجبت ) رواه البيهقي . وعليه فإن الاحتفال بعيد الأم أمر جائز شرعا ، لامانع ولا حرج فيه والفرح بمناسبات النصر وغيرها جائز كذلك والبدعة المردودة إنما هي ما أحدث علي خلاف الشرع ، أما ما شهد لأصله فإنه لا يكون مردودا ولا إثم علي فاعله ) انتهي كلام الدكتور علي جمعة بتصرف . ويقول الدكتور محمد بكر إسماعيل من كبار علماء الأزهر رحمه الله في كتاب بين السائل والفقيه في خلاصة كلامه عن الاحتفال بعيد الأم ما نصه ( وعيد الأم لا يؤدي إلي إخلال بالسنن المشروعة وبالتالي لا يعد من البدع والاحتفال بعيد الأم هو الاعتراف بالجميل والإحسان إلي من تستحق البر والحب كالأم والأب ومن في حكمهما كالجدة والجد والخالة والعمة فإن الإسلام يبارك هذه العادات الطيبة ويقرها . وايها الناس الأحتفال بعيد الأم هو فرصة لبر الأم لمن جفي قلبه ليحتفل بها طوال العام وبر الوالدين في كل يوم من أيام السنة وكذلك الأحتفال به في 21 مارس وغيره من كل عام هو من طاعة الله تعالي الذي اوصانا ببر الأم والأب وهم باب الجنة لمن خاف الله وصفي قلبه . ------------------------------- المصادر: 1-كتاب البيان لما يشغل الأذهان لفضيلة الدكتور علي جمعة محمد مفتي مصر. دار نهضة مصر. 2-كتاب بين السائل والفقيه لفضيلة الدكتور محمد بكر إسماعيل من علماء الأزهر رحمه الله . دار المنار . 3-مسند أحمد الجزء الثاني ص 327 والبخاري المجلد الخامس ص 2227 ومسلم المجلد الرابع ص 1974 . 4-مسند الفردوس للإمام الديلمي المجلد الخامس 398 . 5-شعب الإيمان للإمام البيهقي المجلد السادس ص 241. 6-جمع الجوامع للإمام السيوطي .