ننشر 8 نصوص بقانون الإجراءات الجنائية بعد موافقة النواب استجابة لرئيس الجمهورية..    بالأسماء والأسباب .. تعرف علي قائمة المستبعدين من خوض انتخابات النواب بالقليوبية    يرتدي جلبابا أحمر ويدخن سيجارة.. تصرفات زائر ل مولد السيد البدوي تثير جدلًا (فيديو)    ذروة تاريخية.. ارتفاع سعر الذهب بنحو 2% ليصل إلى 4274 دولارًا للأوقية    إزالة 39 مخالفة بناء على أملاك الدولة والأراضي الزراعية خلال حملات في الشرقية    وزير الاقتصاد الفلسطينى: دمار غزة تجاوز 90%    الهيئة الإنجيلية تشارك في دعم المتضررين في غزة ضمن مبادرة "مسافة السكة"    السفير حسام زكي: قمة شرم الشيخ أنهت حرب الإبادة على قطاع غزة عمليا    جماعة الحوثى تعلن تعيين يوسف المدانى رئيسًا جديدًا لهيئة الأركان العامة    بيع أكثر من مليون تذكرة ل كأس العالم 2026 والكشف عن أكثر 10 دول إقبالا    ترامب يجري اتصال هاتفى مع الرئيس بوتين    حكومة طالبان الأفغانية تلقي باللوم على باكستان في هجومين بطائرات مسيرة على كابول    قائد القوات المسلحة النرويجية: قادرون مع أوروبا على ردع روسيا    منذ قليل .. نهضة بركان المغربي يصل القاهرة لمواجهة بيراميدز في السوبر الأفريقي.. صور    قناة ليبيا الرياضية تعلن إذاعة مباراة الاتحاد الليبي والمصري بالكونفدرالية    فوز أبو قير والقناة وبترول اسيوط وخسارة طنطا بالمحترفين    سيدات يد الأهلي يهزمن فلاورز البنيني في ربع نهائي بطولة أفريقيا    سكك حديد مصر تعلن موعد تطبيق التوقيت الشتوي على الخطوط    النيابة تستمع لأقوال مسن الدقهلية والتحفظ على الباص المتسبب فى سقوطه    حجز قضية اتهام عامل بمحل دواجن بالخانكة بقتل شخص بسكين لحكم الشهر المقبل    طه دسوقى من مهرجان الجونة: ربنا ينصر غزة وفلسطين ويحل السلام الدائم    نائب رئيس مهرجان الموسيقى العربية: آمال ماهر تبرعت بأجرها ورفضت تقاضيه    حسام زكى: العودة الكاملة للسلطة الفلسطينية السبيل الوحيد لهدوء الأوضاع فى غزة    رئيس الوزراء يطمئن على انتهاء أعمال تطوير المنطقة المحيطة بالمتحف الكبير    مسرح المواجهة والتجوال يصل رفح دعمًا لأطفال غزة    وزراء التعليم العالي والرياضة والتربية والتعليم والثقافة يشاركون في احتفالية تكريم الدكتور خالد العناني بجامعة حلوان    الشيخ خالد الجندى: رأينا بأعيننا عواقب مخالفة ولى الأمر (فيديو)    الشيخ خالد الجندي: الله حرم الخمر والخنزير والبعض يبحث عن سبب التحريم    قافلة طبية مجانية بقرية سنرو بالفيوم والكشف على 1362 حالة وتحويل 33 للعمليات    نائب رئيس جامعة الأزهر بأسيوط يشهد انطلاق المؤتمر العلمي الخامس لقسم المخ والأعصاب بالأقصر    رئيس النواب: أتهيأ لأن أضع القلم الذي خدمت به الدستور والقانون    وفد بيراميدز يجري جولة تفقدية لملاعب التدريب في قطر قبل مباريات الإنتركونتيننتال    محامي زيزو ل"اليوم السابع": أدلة مستحقات اللاعب في اتحاد الكرة    رئيس الوزراء: الأمن المائي ليس مجالًا للمساومة.. والنيل بالنسبة لمصر قضية وجود لا تقبل المغامرة    محافظ كفر الشيخ يناقش موقف تنفيذ مشروعات مبادرة «حياة كريمة»    مايا دياب ل يسرا: محظوظين بأسطورة مثلك    محمد رجب ينضم لنجوم دراما رمضان 2026 ب«قطر صغنطوط»    محافظ الجيزة يوجه بسرعة تجهيز مبنى سكن أطباء مستشفى الواحات البحرية    ضبط معمل تحاليل غير مرخص بإحدى قرى سوهاج    سحر نصر: نبدأ مسيرة عطاء جديدة في صرح تشريعي يعكس طموحات أبناء الوطن    وعظ كفرالشيخ يشارك في ندوة توعوية بكلية التربية النوعية    جامعة قناة السويس تطلق فعاليات«منحة أدوات النجاح»لتأهيل طلابها وتنمية مهاراتهم    في يوم الأغذية العالمي| أطعمة تعيد لشعركِ الحياة والطول والقوة    قرار جمهوري بترقية اسم الشهيد اللواء حازم مشعل استثنائيا إلى رتبة لواء مساعد وزير الداخلية    بطلها حسام عبد المجيد.. صفقة تبادلية بين الزمالك وبيراميدز    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 16-10-2025 في محافظة الأقصر    الصحة: فحص 19.5 مليون مواطن ضمن مبادرة الرئيس للكشف المبكر عن الأمراض المزمنة والاعتلال الكلوي    كامل الوزير: تجميع قطارات مترو الإسكندرية بنسبة 40% تصنيع محلى    كيف ظهرت سوزي الأردنية داخل قفص الاتهام فى المحكمة الاقتصادية؟    وكيل النواب يستعرض تقرير اللجنة الخاصة بشأن اعتراض الرئيس على الإجراءات الجنائية    الداخلية تكثف حملاتها لضبط الأسواق والتصدي لمحاولات التلاعب بأسعار الخبز    350 مليون دولار استثمارات هندية بمصر.. و«UFLEX» تخطط لإنشاء مصنع جديد بالعين السخنة    وزير الاستثمار يعقد مائدة مستديرة مع شركة الاستشارات الدولية McLarty Associates وكبار المستثمرين الأمريكين    إحالة مسؤولين في المرج والسلام إلى النيابة العامة والإدارية    السيطرة على حريق داخل مزرعة دواجن بالفيوم دون إصابات    الأهلي: لا ديون على النادي وجميع أقساط الأراضي تم سدادها.. والرعاية ستكون بالدولار    الصحة تنصح بتلقي لقاح الإنفلونزا سنويًا    .. ورضي الله عن أعمال الصالحين الطيبين لاغير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللسانيات التقابلية وتعليمية اللغات


الدكتور محمد سيف الإسلام بوفلاقة
يُعرف الكثير من الدارسين تعليمية اللغات،بأنها ذلك المجال الذي يركز على القضايا العلمية المرتبطة بطرائق تعليم، وتعلم اللغات،ومع ظهور اللسانيات وتعدد فروعها تركز الاهتمام بشكل بارز على تعليمية اللغات،وتم توظيف اللسانيات التقابلية بشكل كبير لترقية طرائق تعليم اللغات ومن ثمة تعليم الترجمة، ويمكن أن نستشهد في هذا الصدد بقول الدكتور أحمد حساني:« تضطلع اللسانيات التقابلية بمهمة لسانية تطبيقية وتعليمية إجرائية هادفة في مؤسسات تعليم اللغات،إذ لها حضور فعلي في تحضير المحتويات التعليمية،وتكوين التمارين والاختبارات ذات التصحيح المسبق التي لها علاقة مباشرة بالاختلافات،أو ما يسمى بنقاط الارتكاز بين اللغات.
تقر اللسانيات التقابلية منذ البدء بأن اللغات مختلفة بالضرورة،وأن اللسانيات بوصفها العلم الذي يعكف على دراسة اللغات متجانسة،فهي إذ ذاك ليست مطالبة فقط بوصف هذه اللغات،وإنما هي مطالبة أيضاً بالمقارنة بين هذه اللغات لمعرفة نقاط التلاقي ونقاط التباين...
أضحت اللسانيات التقابلية مرتبطة بفرضيات محددة ودقيقة تفيد من علم النفس التربوي حول طبيعة الأخطاء ودورها في تعليم اللغات،ومن ثمة فإن موضوع اللسانيات التقابلية الغالب هو التنبؤ بالأخطاء والتهيؤ إلى وصفها وشرحها وتذليل الصعوبات المختلفة الناتجة عن تأثير اللغة الأم،ولذلك فإن الحلول العلمية التي توفرها اللسانيات التقابلية هي موجهة لواضعي البرامج العلمية وأساتذة اللغات أكثر من المتعلم ،فهي تتوخى تطوراً نوعياً من أجل مقاربة اللغة الثانية انطلاقاً من وظيفة اللغة الأم»)1(.
ولا ريب في أن المقاربة المعرفية تُسهم«إسهاماً واضحاً في تطوير الاستراتيجيات البيداغوجية لتعليم اللغات،بل تعد أساساً لكثير من طرائق تعليم اللغات في العصر الحالي.
إن اكتساب اللغة الأجنبية وتعلمها في ضوء هذه المقاربة اكتساب لمهارات معرفية معقدة،تتطلب عمليات داخلية معرفية وعقلية تأخذ بعين الاعتبار طبيعة تعلم اللغة الذي يكون أكثر تعقيداً من تعلم العلوم الأخرى،وخاصة مراحل إنتاج الكلام الذي يمر فيه المتحدث بعدد من الخطوات كاختيار المفردات والتراكيب المناسبة للسياق والمقام،وتنظيمها ومراقبة الكلام،و في ضوء هذه المقاربة يتم تعلم اللغة الأجنبية من خلال عدد من الخطوات والعمليات العقلية المعقدة التي يمكن تصنيفها إلى ثلاث عمليات رئيسة هي:العمليات المضبوطة،والعمليات التلقائية،وعمليات إعادة البناء،وهي عمليات مرتبطة بكل من الذاكرة قصيرة المدى،والذاكرة طويلة المدى»)2(.
ومن بين الأسئلة التي تُطرح في مجال تعليمية اللغات،وتنصب في إطار اهتمامات اللسانيات التطبيقية:
«-ما دور اللغة الأولى في اكتساب وتعلم اللغة الثانية؟
-إلى أي مدى يُسهم النحو الكلي في اكتساب وتعلم اللغة الثانية؟
- ما الذي يمكن لمتعلم اللغة الثانية اقتباسه من مبادئه الكلية والفطرية؟
لقد أدت هذه التساؤلات وغيرها إلى ظهور مجموعة من الفرضيات أسهمت في تطوير البحث المرتبط باللسانيات التطبيقية بصفة عامة،مثل:فرضية تأثير اللغة الأم في تعلم اللغة الثانية،وفرضية النحو الكلي وتعلم اللغة الثانية،وفرضية الاكتساب والتعلم،وفرضية النسق الطبيعي في اكتساب اللغة الثانية.
ومن منظور اللسانيات التوليدية،فعملية تعلم اللغة الثانية هي إجراء يسهم المتعلم بحيوية في إنجازه تسانده في ذلك المعارف التي اكتسبها من النحو الكلي،فتشابه اللغتين الأولى والثانية في بنياتهما مثلا يعد عاملاً يساعد متعلم اللغة الثانية على التقدم السريع في إطار النحو الكلي،وبذلك تسهل اللغة الأولى عملية تعلم اللغة الثانية...
إن الإفادة من نتائج الدراسات التوليدية وتطبيقها في مجال تعليم اللغة الثانية أو الأجنبية خصوصاً في السنوات الأخيرة من القرن الماضي،نتج عنه ظهور نظرية من أهم النظريات في اكتساب اللغة الثانية عرفت بالنظرية الفطرية في اكتساب اللغة الثانية،وقد أثرت أسسها ومفاهيمها تأثيراً قوياً على طرائق تدريس اللغات الأجنبية،حيث أصبح ينظر إلى التعلم باعتباره إجراء حيوياً بالنسبة للمتعلم يرتبط بتكوينه العقلي والمعرفي ويكمل معرفته الضمنية بالبنيات اللغوية المراد تعلمها،كما أصبح ينظر إلى المتعلم باعتباره يساهم بشكل فعال وحيوي في عملية تعلم اللغة الهدف،وفي بناء كفايته اللغوية الشبيهة بكفاية الناطق الأصلي باللغة»)3(.
وأهم ما يجب تمييزه في تعليمية اللغات هي مراتب المعرفة النحوية،حيث يجمع الدارسون على تقسيمها إلى أربع طبقات تتعلق بالمعرفة اللغوية:
« أ-المعرفة اللغوية العلمية:وهي الهيئة المتسامية للقواعد،أو صورتها كما تتداول في الكتب المتخصصة،وما تتناوله من تعليل للأحكام،وتفريع للمسائل،بغية الإحاطة بموضوع العلم،ولهذه المعرفة منطقها الخاص،ونسقها المعرفي-المنطلقات الإبستيمولوجية-الذي يميزها عن غيرها من طبقات المعرفة،لأن هذا النوع من المعرفة قصده الوصف العام لأنظمة اشتغال اللغة،والآلية التي تقوم بها،من خلال بناء شبكات من العلاقات المفاهيمية بين عناصر الاشتغال تلك،بصورة تجريدية،دون أن يكون هدفها الأول والأساس هو التعليم،الذي قد يبدو كالعرض.
ب-المعرفة اللغوية المعدة للتعليم،أو الواجب تعليمها:والمقصود بها المعرفة النحوية كما تتبناها مناهج التدريس في مقرراتها،وكما ترشد إليه الجهات الوصية،بناء على دراسات سابقة تراعي مستوى العينات التي تتعلق بالمادة اللغوية،وتفاوت مستوياتها تحت اليافطة الشهيرة والعنوان الكبير:الفروق الفردية.
لكن ما يطبع قواعد اللغة كما تنطق به الكتب المدرسية عادة هو الثبات أو الوصف المعمم،الذي ينبغي أن يدرج في السياق،وهي المهمة التي يتكفل بها المعلم والأستاذ.
ج-المعرفة النحوية المدرسة بالفعل:وهي العملية الأهم في مسار تعليم قواعد اللغة،لأنها تتسم بالتحيين أو التسييق،بأن ينتقي المدرس الأهم مما تمت برمجته،وما يتسع له الوعاء الزمني المخصص للحصة،آخذاً في الحسبان مناسبة ما ينتقيه لمستوى متوسط الفهم والاستيعاب لدى التلاميذ،أو ما يعرف بالتمثلات،التي تعد مقدمة ضرورية أثناء التخطيط والتحضير للحصص،مستفيداً في كل ذلك من تجاربه وخبراته التدريسية السابقة،ودورات التكوين التي يتلقاها،وإرشادات المفتشين والمتابعين التربويين،وكل ذلك يكون له أثره في تبني المدرس للطريقة المناسبة لكل تلك المتغيرات المسكوت عنها في معرفة المقرر في المنهاج.
إنها سيرورة لتحول مجال ما من كونه موضوعاً للتعليم،استجابة لحاجات العملية التعليمية ذاتها،كما يرى شوفلار...
د-المعرفة النحوية المكتسبة بالفعل:بما أن التعلم عملية معقدة،تتدخل فيها عوامل نفسية واجتماعية وعضوية وغيرها،فإن المعارف التي يجري تعليمها في القسم من قبل المدرس بالفعل، لا يمكن أن تنتج تعلماً مماثلاً لدى التلاميذ بالقدر نفسه الذي جرى به تقديمها(الكم المعرفي)،كما أن ردود فعل التلاميذ داخل حجرة الصف سوف تتباين بالطبع،بحكم اختلاف تمثلاتهم(معارفهم المسبقة)من جهة،ومستوى استعدادهم للتلقي،والفروق الفردية البادية بينهم من خلال ردات الفعل تلك،من جهة ثانية،فمنهم سريع الفهم والتحصيل،والبطيء والمتردد،والمنتبه واللاهي،فلا بد من العناية أثناء النقل بطريقة العرض،والتركيز على المهم من المعرفة،والوظيفي،على أن يكون ذلك داخل وضعيات،لأن النحو وسيلة لا غاية»)4(.
إن البحث العلمي في حقل التعليمية بعامة،و تعليمية اللغات على وجه الخصوص،يفرض على الباحث أن يكون وعيه عميقاً«بالأهداف العلمية والبيداغوجية التي ترمي التعليمية إلى تحقيقها في الوسط البيداغوجي،وقد يعسر على الدارس امتلاك هذا الوعي العلمي العميق،بمعزل عن المخاض المعرفي الذي نشأت في رحابه تعليمية اللغات منذ اكتسابها الشرعية المنهجية في الفكر الإنساني المعاصر،ومن ثمة فإن تعليمية اللغات،بوصفها وسيلة إجرائية لتنمية قدرات المتعلم قصد اكتساب المهارات اللغوية واستعمالها بكيفية وظيفية،تقتضي الإفادة المتواصلة من التجارب والخبرات العلمية التي لها صلة مباشرة وملازمة في ذاتها بالجوانب الفكرية والعضوية والنفسية والاجتماعية للأداء الفعلي للكلام عند الإنسان.
وما كان ذلك إلا لأن الخبرات الإنسانية في أي حقل من حقول المعرفة،بشكليها النظري والتطبيقي،تقدم الأدوات المنهجية التي تفي في مجملها بمتطلبات العمليتين البيداغوجية والتعليمية على حد سواء،وقد تظهر الفاعلية العلمية لهذه الخبرة في تذليل العوائق والصعوبات التي تعترض سبيل العملية التواصلية بين المعلم والمتعلم،وإيجاد التفسير العلمي اللازم لكثير من الإشكال الذي يعيق عملية اكتساب النظام القواعدي للغة المدروسة لدى المتعلم.
ولهذا فإن أقل الناس معرفة بحقيقة تعلم اللغة وتعليمها يدرك لا محالة أن أقرب العلوم الإنسانية إلى تعليمية اللغات هي اللسانيات، من حيث إنها المنوال العلمي الوحيد الذي يعكف على دراسة الظاهرة اللغوية،فيتخذها موضوعاً للدرس،ووسيلة إجرائية في الوقت نفسه.
ومن هنا،فإن تعليمية اللغات لا يستقيم لها أمر إلا إذا انبنت على الرصيد المعرفي للفكر اللساني المعاصر،و ما يوفره هذا الفكر من نظريات وإجراءات تطبيقية مؤهلة سلفاً لإيجاد التفكير الكافي لكل القضايا التي تتعلق بكل جوانب الظاهرة اللغوية،من هذه الجوانب ما هو صوتي،ومنها ما هو دلالي،ومنها ما يقع بين ذلك من حيث التركيب والتأليف بين العناصر اللسانية في سياقها المألوف.
انطلاقاً من هذا التوجه،يمكن لنا القول:إن منهجية البحث العلمي في هذا الحقل الخصب من حقول المعرفة الإنسانية،تقتضي بالضرورة إلزامية استثمار التجربة اللسانية العالمية لتنمية الحصيلة المنهجية والعلمية لتعليمية اللغات بوصفها ممارسة بيداغوجية،غايتها تأهيل المتعلم لاكتساب المهارات اللغوية،وما كان ذلك إلا لأن النظرية اللسانية من اهتماماتها الجوهرية ضبط العملية التلفظية وحصر العوائق العضوية والنفسية والاجتماعية التي تعوق سبيلها لدى المتكلم»)5(.
وإذا تحدثنا عن لغتنا العربية على سبيل المثال، فلا ريب في أن الممارسات التعليمية المتعلقة باللغة العربية السائدة في المؤسسات التربوية تغدو ممارسات آلية عشوائية،في ظل غياب تحديد خطط تدريسية واضحة،ومناهج تربوية سليمة،فطرائق التدريس هي حجر الزاوية في تعليم اللغة العربية،ولاسيما إذا علمنا أن تعليم اللغة العربية أمر صعب وخصب في الآن ذاته،فهو صعب من حيث إن هناك الكثير من التضارب، والتباين في طرائق تدريس اللغة العربية،وكذلك من حيث دقة تحديد المضامين التي يتوجب تعليمها، والاقتصار عليها...
وهي ميدان خصب كونها لم تلق الكثير من البحث، والتنقيب،ولم تحظ باهتمام كبير من لدن مختلف الدارسين والباحثين،ومن جانب آخر فهي قضية لا يمكن الحسم فيها ،لأنها قابلة للتجدد، ولاسيما في عصرنا هذا، عصر الانفجار العلمي، والتكنولوجي، والتقني،فقضايا تعليم اللغة العربية وتعلمها هي في حاجة إلى المزيد من الدراسة، والبحث،بغرض الارتقاء، والنهوض بالعملية التعليمية،وبهدف تقويم الجهود المبذولة،والوقوف على أسباب نجاحها،والإفادة من أخطائها،وتحويلها إلى نجاحات،وكذلك لاستكشاف بعض المجالات المجهولة التي لم يتم التطرق إليها،وإيجاد الحلول الناجعة للكثير من القضايا المتصلة بموضوع تعليم اللغة العربية وتعلمها.
لذا يتوجب على الدارسين والباحثين تلمس شتى السبل التي من شأنها النهوض والارتقاء بلغتنا العربية،وجعلها منسجمة مع متطلبات العصر، من خلال تشخيص الوضعية بدقة«ودراسة ظاهرة انخفاض المستوى من شتى الجوانب النفسية، والاجتماعية، والبيئية، والحضارية قصد الوقوف على مسبباتها الكثيرة، وانعكاساتها الخطيرة قبل تقديم الوصفة العلاجية»)6(،فلا جدال في أن تعليم اللغة العربية تعترضه مجموعة من العوائق،مما يحول دون انتشارها في أنظمة التواصل العالمية،من بينها:
1-عوائق ذاتية خاصة بنظام اللغة العربية نفسه(النظام القواعدي)،فهو يبرز مجموعة من الإشكالات،تنجم عنها مشاكل تعليمية حقيقية،منها ما نراه في ضوابط اللغة ونظام قواعدها،وذلك بغرض تيسير تعليمها.
2-عوائق خارجية، وهي تتصل بقضايا خارجية ترجع إلى واقع الأمة العربية،التي تتخبط في مجموعة من الأزمات الصعبة،وهذا ما يكون له جملة من الانعكاسات،فعندما تعاني الأمة غربة حضارية وثقافية،فهذا سينعكس على اللغة،وتظهر معه غربة ثقافية للذات العربية نفسها)7( .
إن الحديث عن بنيات اللغة العربية المعاصرة،يدفع الباحث إلى طرح جملة من الأسئلة تتصل بالإضافات التي قدمها البحث اللساني العربي الحديث.
يقول أحمد المتوكل مشخصاً أبعاد هذه الإشكالية: (إذا ما تناولنا بالبحث اللغة الفصيحة المعاصرة،أي اللغة التي يتقاسمها أبناء العالم العربي التي تتجلى في كتاباتهم الأدبية و الصحفية وغيرها)،تجدنا أمام نسق لغوي يختلف اختلافاً ملحوظاً عن نسق اللغة العربية الفصحى على جميع المستويات اللغوية-الصوتية والصرفية والنحوية والدلالية-،فتطور اللغة العربية الفصحى جعلها كسائر اللغات:
أ-تفقد ألفاظاً وأصواتاً وبنيات كثيرة كصيغة التعجب وصيغة الندبة وصيغة الاستغاثة إلى غير ذلك.
ب- وتكتسب بالاحتكاك الدائم والتفاعل المستمر مع اللغات الدارجة من جهة ومع اللغات الأجنبية من جهة أخرى ألفاظاً وبنيات جديدة.
وهنا نتساءل-يقول المتوكل- هل من الممكن أن ندرس وأن ندرس اللغة العربية الفصيحة المعاصرة بقواعد اللغة العربية الفصحى؟ هل من المقبول علمياً أن نصف نسقاً لغوياً بقواعد وضعت لنسق يختلف عنه اختلافاً واضحاً رغم ما بينها من تآلف سلالي؟
الهوامش:
(1)د.أحمد حساني:تعليميات اللغات والترجمة،بحث في المفاهيم والإجراءات ،ص:108 وما بعدها.
(2)د.حسن مالك:المرجع السابق،ص:22.
(3)د.حسن مالك:المرجع نفسه،ص: 44 وما بعدها.
(4)د.نواري سعودي أبو زيد:المرجع السابق،ص:100 وما بعدها.
(5)د.أحمد حساني:دراسات في اللسانيات التطبيقية-حقل تعليمية اللغات-، ،ص:1-2.
(6)د.عثمان حشلاف: التمكن اللغوي أساس تحصيل العلوم الإنسانية ،ص:43.
(7) د.أحمد حساني:المرتكزات اللسانية لتعليمية اللغة العربية في وسط تعدد الثقافات واللغات ،ص:75.
الدكتور/محمد سيف الإسلام بوفلاقة
قسم اللغة العربية بجامعة عنابة-الجزائر
العنوان:
الدكتور/محمد سيف الإسلام بوفلاقة
Mouhamed saif alislam boufalaka
ص ب:76 A ( وادي القبة) -عنابةالجزائر
المحمول: 775858028 (213)00
الناسوخ (الفاكس) : 35 15 54 38 (213)00
البريد الإلكتروني : [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.