-تلقى الكيان الصهيوني الغاصب هذه المرة صفعة قوية كان لها ارتدادات سياسية على الكثير من الدول وأحدثت حالة من الشجب والاستنكار في الإعلام والمجتمع الصهيوني،وجعلت رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو يشتطُّ غضباً ويطالب اليونسكو بأن لا تتدخل في الشؤون السِّياسية أو الدينية لأعضائها وذلك عندما أعلنت هذه المنظمة الأممية العالمية بأنَّ مدينة القدس هي مدينة عربية فلسطينية محتلة ولا سلطة لكيان الغاصب عليها،باعتبار أن نتنياهو يريد إعلانها مدينة يهودية وعاصمة أبدية لدولة الاحتلال الإسرائيلي وبالتالي فإن كل الإجراءات القانونية والقضائية والدبلوماسية وحتىَّ القراءات الدينية التٌّلمودية التوراتية التي بنيت عليها الأسطورة اليهودية المتعلقة بهيكل سليمان أصبحت كالعصف المأكول لا قيمة لها دولياً وطالبت كذلك هذه المنظمة الدولية من بين مقرراتها الكيان العنصري الغاصب بوقف الحفريات الغير شرعية تحت المسجد الأقصى لأنه معلم ديني وأثري وتاريخي إسلامي خالص ولا يحقُّ لغير أهل القدس الأصليين من المسلمين وربما المسيحيين أن يكونوا قائمين على حمايته ومراقبته المستمرة،وبالتالي لا حقَّ لسلطات الدينية أو السِّياسية أو الأمنية الإسرائيلية في الدخول لباحاته والتي تنتهك قدسيتها مراراً وتكراراً وكان تدنيس الهالك أرييل شارون لها بتاريخ28أيلول عام2000يوم كان رئيس حزب الليكود المعارض الذي يسيطر على الحكومة الصهيونية حالياً يوم كان حزب العمل برئاسة أيهود باراك رئيساً للوزراء الشرارة التي أدت لاندلاع الانتفاضة المباركة التي سميت انتفاضة الأقصى.الحرج الدَّولي والإقليمي الذي وضعت فيه الأممالمتحدة مرة أخرى الكيان الصهيوني والذي طالب مدير عام وزارة الخارجية فيه بتخفيض حوالي1مليون دولار من الأموال التي كانت مخصصة لدعم موازنتها السَّنوية،ودفع هذا القرار بممثل دولة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين كرهيل شما إلى القول:بأن على منظمة اليونسكو أن تخجل من نفسها لأنه ليس هناك حاجة لتصويت ضدَّ أي دولة من دولها الأعضاء وقد كان وقع الصدمة كبيراً على المجتمع الصهيوني لأنه تزامن مع الذكرى69لقيام هذا الكيان السرطاني فوق فلسطينالمحتلة،فالقرار الدولي الذي صوتت لصالحه 22دولة فيما امتنعت10دول عن ذلك وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية الراعي الرسمي لاستيطان والإجرام الصهيوني ضدَّ الشعب العربي الفلسطيني الأعزل،ورغم فشل الإستراتيجية الدبلوماسية الصهيونية في تغيير المعادلات القانونية والأخلاقية الدولية لتصب في صالحها لأنها دولة مدانة في الكثير من المنظمات الدولية وترفض الكثير من الدول الاعتراف بها كما صرح بذلك رئيسها رؤوفين ريفلين والذي قال:بأنه رغم أننا دولة إقليمية عظمى ولكن الكثير من دول العالم لا تعترف بإسرائيل ولا تتعاون معها بالقدر الكافي كدولة تسعى لسَّلام في الشرق الأوسط والعالم. -فالكيان الصهيوني الغاصب بذل جهوداً مضنية قبل التصويت على القرار لإلغاء الصفقة العربية الألمانية والتي كنت فحواها تقضي بأن تمتنع الدول الأوروبية مجتمعة عن التصويت أو تصوت لصالحه وبأن لا تصوت ضدَّه ولكن الإملاءات الأمريكية والضغوطات التي مارستها اللوبيات الصهيونية في أوروبا والتي تتحكم بالكثير من المؤسسات المالية والاقتصادية والإعلامية الكبرى في القارة العجوز على عدَّة دول أعضاء في حلف الناتو دفعهم لتغيير مواقفهم والانسحاب من الصفقة والتصويت ضدَّ قرار الإدانة كبريطانيا وهولندا وألمانيا واليونان،وحاول الكيان الصهيوني التقليل من أهمية القرار الصادر عن هذه المنظمة الأممية بالتأكيد على أن التأييد لفلسطين التي تعترف بها رسميا أكثر من82دولة حول العالم وتمَّ الاعتراف بها رمزياً في دول غربية لها وزن وثقل دولي كبريطانيا والتي صادق برلمانها13أكتوبر الماضي على الاعتراف بها ولو بشكل غير ملزم لحكومة البريطانية وكذلك فعل البرلمان الفرنسي2ديسمبر2016والبرلمان الاسباني في 18نوفمبر2016وذلك لأنَّ عدد المصوتين بنعم لصالح القرارات والحقوق الشرعية لفلسطينيين في اليونسكو قد تراجع من32دولة العام الماضي إلى26دولة إلى22وهذا شيء مريح لصهاينة ويعكس تذبذباً لدى الدول المؤيدة لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة مستقلة حرة قابلة لحياة والاستمرار،ولكن ومن الناحية القانونية فإنَّ لهذا القرار تداعيات مهمة على السَّاحتين العربية والدولية لأنه سيجعل كل من يفرط في مدينة القدس أو المسجد الأقصى أو يسعى لتوطيد العلاقات مع الكيان الصهيوني كما تفعل كل من الأردن ومصر الموقعتان لاتفاقيات سلام مذلة مع الكيان الصهيوني أو حتىَّ السعودية ودول الخليج والتي تنوي إطلاق ما يعرف بالحلف المسيحي الإسلامي اليهودي لمكافحة الإرهاب الإسلامي الذي هو صناعة صهيونية أمريكية بامتياز تضعها في موف محرج مع شعوبها،فبعدما كان العرب كما صرح بذلك إيهود باراك على شاشة أحد القنوات العبرية يرفضون الاعتراف بالكيان المحتل كدولة أو التفاوض معه حتى،ورفعوا اللاءات الثلاث الشهيرة في مؤتمر الخرطوم1968واليوم أصبح الزعماء العرب يشكلون أحلافاً لتقرب من إسرائيل لحمايتهم من الخطر الإيراني المزعوم،وكذلك سيمنع هذا القرار الرئيس دونالد ترامب ويجعل من عملية نقل السفارة الأمريكية إلى القدس إن تمَّت وذلك تنفيذاً لقانون الذي صدر بهذا الشأن عن الكونغرس الأمريكي بتاريخ23أكتوبر1995والذي سمي"قانون سفارة القدس"وهي لن تتمَّ حسب تأكيدات المهتمين بالشأن الصهيوني كالدكتور ناصر قنديل وذلك لأن هناك قراراً دولياً صادراً عن مجلس الأمن بهذا الخصوص حمل رقم478والذي يمنع إسرائيل من ضمِّ مدينة القدس بالقوة ويعتبرها أراضٍ محتلة وبعده فوراً قامت حوالي13دولة معظمها من أمريكا اللاتينية بنقل سفاراتها من القدس لتل أبيب،فهناك حالياً أكثر من86سفارة في إسرائيل ولا واحد منها في القدسالمدينة العربية المحتلة. -وترامب يعرف جيداً بأنَّ قرار اليونسكو المُدين لإسرائيل يصعب كثيراً من تنفيذ وعوده الانتخابية إرضاء لجمهوريين ولوبيات المال والأعمال اليهودية في أمريكا والتي كانت في جزء كبيراً منها وراء دخولهم إلى البيت الأبيض،ويصبح بالتالي السَّفير الأمريكي الجديد لإسرائيل وهو اليميني المتطرف ديفيد فريدمان ملزماً على مسايرة المجتمع الدولي،لتلميع صورة الرئيس ترامب الذي منيَ بفشل ذريع في100يوم الأولى من فترة رئاسته لأمريكا،ولامتصاص الغضب والحنق الداخلي الأمريكي من جهة وكسب المزيد من الدَّعم والتأييد من حلفائه الإقليميين كالسعودية والأردن لتنفيذ الأجندات الأمريكية في المنطقة لمواجهة إيران التي تعتبرها دول الخليج العدو الأوحد لها بينما ترى في من يقتل الأطفال ويغتصب المقدسات حلفاء جدد يمكن الاعتماد عليهم عسكرياً وأمنياً وتقنياً وسياسياً،ويمكن اعتبار هذه الإدانة الدولية التي بالتأكيد تعتبر إنجازاً لدبلوماسية الفلسطينية والعربية مكسباً قانونياً وسياسياً هاماً،ولكن يجب بذل المزيد من الجهود الدَّولية والتنسيق بين مختلف الأطراف الفلسطينية والعربية ودول منظمة المؤتمر الإسلامي لإجبار مجلس الأمن على استصدار قرار تحت الفصل السَّابع منه يحتِّم على إسرائيل الانسحاب الفوري من مدينة القدسالشرقية والغربية وإيفاد قوات حفظ سلام أممية على غرار جنوبلبنان،وإعلانها عاصمة تاريخية لدولة الفلسطينية حتىَّ دون موافقة واشنطن التي فشلت منذ سنة1948في تنفيذ وعودها بالمساعدة في إعلان دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدسالشرقية مع مواصلة العمل الدِّبلوماسي والعسكري المقاوم في نفس الوقت،لأن القانون الدَّولي حتى وإن كان له مفاعيل سياسية ويضفي الشرعية على الحقوق الفلسطينية ولكن لابد من الكفاح المسلح لأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة بالتأكيد. عميرة أيسر-كاتب جزائري