الدكتور رمضان حسين الشيخ إن الإنسان يتعرض إلى الإحباط في حياته والمواقف المحبطة التي يمر بها كثيرة، والمشاعر التي تتركها تلك المواقف مؤثرة في الصحة النفسية للفرد، المواقف المحبطة العابرة يمكن أن تزول آثارها بسرعة، وتلعب شخصية الفرد دوراً في التصدي للمواقف المحبطة التي تعترضه، تكمن المشكلة في نوع من الإحباط يتخذ صفة الملازمة للفرد، فيؤثر في صحته النفسية، ذلك التأثير الذي ينعكس على تفاصيل حياة الفرد سلباً، فيتحول الفرد من النشاط والحيوية إلى الخمول والتبلد، وبالتالي تتأثر حياته من جميع جوانبها، إذ يفقد روح العطاء والمثابرة والإصرار. قد يكون الشعور بالإحباط مرتبطاً بطفولة الإنسان عبر تربية خاطئة، أو تجارب حياتية فاشلة لم ينجح في معالجتها فأورثت شعوراً بالإحباط تضاعف مع الوقت ليصبح شعوراً ملازماً. قد تكون تجربة عاطفية فشلت أو حلماً سقط في واقع الحياة أو خسارة مالية، فما أكثر الخيبات التي تعصف بحياة الإنسان، فإن لم يكن لديه من المهارات ما يتقوى به لينتصر عليها، فإن الإحباط سيطرق الباب مرة وثانية وثالثة، وإذا أراد كل منا تغيير حاله وتطوير ذاته والسعي إلى الكمال فإنه حتماً سيواجه معوقات كبيرة وكثيرة وأول هذه المعوقات وأشدها هو نفسه، إذ إن أكبر المعوقات هي التي تنبعث من الذات. ولهذا نجد القرآن الكريم ينسب الخلل والقصور إلى النفس الإنسانية "أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ" فالمصائب والأخطاء في غالبها مبعثها من النفس، فعملية البناء والهدم تبدأ أولاً من الداخل من النفس "إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ" وغالب الحال أن التأثير الخارجي لا يكون له أثر كبير ما لم يكن هناك قابلية من الداخل. وعندما ندرك أن أساس التغيير سلباً وإيجاباً هو التغيير الداخلي وأن العوامل الخارجية ليست أساسية في التغيير فإن الاهتمام الأولي يكون للداخل سواء كان للفرد أو الأمة بمجموعها في مقابلة الأمم. وهذا المسلك ضروري لمن أراد أن يتغلب على كثير من الإخفاقات ويتخلص من الإحباط أن يتجه إلى نفسه فيقوم بإصلاحها وتهذيبها وتقويمها. ومن أراد أن يغير من حاله ويرتقي بها في سلم الكمال فعليه أن يوطّن نفسه على مواجهة الصعاب، وليعلم أن الطريق لن يكون سهلاً خالياً من الأكدار والمنغصات، ومن أراد التغيير دون أن تواجهه مشاكل في الطريق فهو لم يعرف حقيقة الحياة وطبيعة التحول والترقي. وإذا كانت المعاناة من ضروريات التغيير فإن الأمر السلبي الذي قد يصاحب التغيير هو حالة الإحباط التي قد تصيب الإنسان من هذه المعاناة؛ والحقيقة أن الإنسان قد يجعل من الإحباط قوة دافعة للإنجاز وتحقيق أهدافه وطموحاته، فبالإمكان تحويل الإحباط إلى حدث إيجابي. إننا إذا نظرنا إلى الشيء الإيجابي في أمر ما فإننا نكون قادرين على حل مشاكلنا وتجاوز الوضع بطريقة أسرع وأسهل من هؤلاء الذين لا يرون إلا السلبيات والوقوف عند الإحباطات. فهناك فرق بين أن تكون ضحية أو أن تكون المنتصر، فأنت إذا نظرت إلى الإحباط على أنه منحة وهدية فإنك تكون قادراً على تجاوز هذا الإحباط وتحسين حياتك وتحقيق أحلامك. ومن المحزن أن الإحباط يصيب أصحاب الأهداف والأحلام، أما القادمين للعيش ضيوفاً فلا يعرفونه، فنحن أمام قول المتنبي "ذو العقل يشقى في النعيم بعقله.. وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم". يجب أن ندرك جيداً أن كثير من الناس تشغلهم الأحداث الجزئية والجانبية عن الهدف الكلي والغاية الكبرى التي يسعون إليها، ولذلك على الإنسان منا أن يقف ويبتعد قليلاً عن الحدث كي ينظر إلى الصورة بشكل كامل. اتخذ وقتاً كافياً لإعادة تأكيد الهدف الأساسي وانظر هل لازلت تسير في الطريق الصحيح. فهذه الوقفة التأملية قد تكتشف فيها أنك قد سلكت طريقاً لم يخطر على بالك أنك قد تسلكه يوماً ما.. وأحياناً عندما نضع الخطط ؛ فإننا مباشرة نفكر في الحل ونتجه إليه دون دراسة كافية للخيارات الممكنة. وعندما تصاب بالإحباط فإنك تتجه إلى العصف الذهني، وهي دراسة لجميع الحلول والخيارات الممكنة وبالتالي قد تكتشف طرق أكثر فعالية بقليل من الجهد والتفكير. إن بعض الأشخاص عندما يواجهون عقبات في الطريق فإنهم يضخمون هذه العقبات ويعطونها أكثر مما تستحق من الوقت والجهد، مما قد يسبب ضغط نفسي يحول بينه وبين إدراك الحل. وإعطاء النفس فترة من الراحة أمر ضروري، فالضغط النفسي قد يصور الأمر على غير حقيقته مما يتعذر على الإنسان اكتشاف الحل. فقد نبذل جهداً قوياً وعملاً شاقاً تجاه تحقيق أهدافنا أو مشروعاتنا ومع ذلك نجد الإخفاق، وأحياناً نلتصق بعمل ما حتى إننا لا نستطيع أن نرى عملاً غيره، ولا ندري لماذا؟ وهذه النقطة بالذات تجعل كثيراً من الناس يقلعون ويتركون أعمالهم التي شرعوا فيها، ولهذا إعطاء النفس قسط من الراحة أمراً ضرورياً للاستمرار. عزيزي القارئ.. إذا نظرت إلى الإحباطات التي تواجهها كفرص وخبرات اكتسبتها فإنك ستواصل في مسيرك وتتغلب على العقبات والمشاكل التي تواجهك. فليس هناك فشل مطلق؛ بل مع الفشل هناك خبرات ومعلومات حصلت عليها، فغالب الشر ينطوي على شيء من الخير، إننا نحتاج فقط أن نتعلم كيف نتعامل مع الإحباط. ونظرتنا وطريقتنا مهمة جداً في ذلك وقد قيل: "يرى المتشائم العقبات في كل فرصة، ويرى المتفائل الفرصة في كل عقبة" لذلك انظر إلى عملك بدقة ستجد على الأقل هناك شيئاً صحيحاً، وهذا رائع، عندها أسأل نفسك: كيف يمكن تطوير ذلك النجاح؟ بوضعك هذا السؤال فأنت أخرجت نفسك من الحالة السلبية المحبطة وعدت لتركز على الوضع الإيجابي، وبالتالي ستتغلب على المشاكل التي تواجهها بإذن الله تعالى. إن سبب إحباطنا أحياناً هو في مكوثنا على حال واحد وعدم التغيير، ونظن أن هذا هو قدرنا ويجب علينا أن نرضى بهذا الواقع ونتعايش معه، وهذا في واقع الأمر سلب لقدرات الإنسان، فالإنسان إذا كان في وضع سيء فعليه أن يغير هذا الوضع فهو لن يخسر حالة حسنة. والحياة مكان للفرص ولن تنال الفرص إلا بالسعي والبحث عن هذه الفرص. ومما يساعد على مواجهة الإحباط هو الإصرار على الوصول للهدف المنشود وإعادة المحاولة تلو الأخرى حتى نحقق ما نريد. عندما فشل 'تيمورلنك' في إحدى معاركه ولم يكن قد جرَّب الهزيمة وكاد اليأس يتسرَّب إلى قلبه وقلوب جنده، جلس بجانب صخرة بمعزل عن قواده، يفكر فيما يصنع، وبينما هو على هذا الحال، إذا بنملة صغيرة تحمل طعامها، وتحاول أن تتسلق تلك الصخرة الملساء، فكانت كلما قطعت شوطاً في صعود الصخرة، انزلقت وهوت إلى الأرض، فتجمع طعامَها ثم تعاود الصعود مرة أخرى، وظلت هكذا تصعد ثم تسقط ثم تحاول من جديد حتى نجحت في آخر الأمر، لقد كان هذا أبلغ درس تلقاه 'تيمورلنك'، لقد أبى إلا أن يشرك معه قواده في ملاحظة النملة وصبرها وقوة جلدها، فقاموا بعد ذلك يقاتلون بعزيمة جديدة وأمل جديد حتى ظفروا بأعدائهم. إذا كانت النملة لا تشعر بالإحباط ولا تستسلم للواقع، فجدير بالإنسان أن يفعل أكثر من ذلك. الحكمة هنا واضحة: لا تفقد الأمل واستمرَّ في العمل. إذا استشعر الإنسان لحظات حياته لحظة لحظة ونظر إلى يومه يوماً يوماً، فإنه ولا شك سيحاصر هذا الإحباط المتكرر، وهو بذلك يعتبر هذا اليوم هو حياته كلها، فلذلك فهو يعمل ولا ينظر لا إلى ما فات، ولا إلى ما يأتي فيومه يومه، كثير منا يبدأ حياته ويحدد مصيره ويمسك بورقته وقلمه ويحدد أهدافه، ولكنه لا يلبث أن يعود إلى حاله من جديد، ويرجع ولكنه لابد عليه ألا ييأس، فكل محاولة للرجوع من جديد تكتب له لا عليه، وكل مجهود يبذله في ميزانه فلا تيأس ودائماً حدد هدفك. بالتأكيد هناك الكثيرون الذين مروا بمواقف انتهت بتسرُّب الإحباط إلى نفوسهم، منهم مَن تعامل مع الإحباط بشكل جيد واستطاع أن يتغلب عليه، ومنهم من تغلب عليه الإحباط، أنت تستطيع أن تستفيد من الفريقين، تستطيع أن تحدّد الأخطاء التي وقع فيها الفريق الذي رفع راية الاستسلام للإحباط وسمح له بأن يسيطر على مشاعره، وتستطيع أن تستفيد من الفريق الثاني الذي حقق الانتصار وقهر الإحباط. تستطيع أن تستفيد من أخطاء الآخرين كما تستطيع أن تستفيد من صوابهم. التاجر الذي فشل في أول صفقة له في السوق وحقق الخسارة التي أصابته بالإحباط وقرَّر الانسحاب، تستطيع أن تستفيد منه. والتاجر الذي حدث له الحدث نفسه ومنِي بالخسارة ولكنه أدرك مفهوم السوق وأن الخسارة أمرٌ منطقي، وأن المحاولات القادمة لا بدَّ أن تسفر عن نجاح، هذا التاجر تستفيد منه أيضاً، في كلّ المجالات والمهن. هناك إحباطات وهناك نجاح في مواجهة الإحباطات. مطلوب منك أن تكتب قصة هؤلاء الذين تعرَّضوا للإحباط وتفكر في هذه القصص جيداً وتصل إلى استخلاص الدروس المستفادة، اكتب هذه الدروس واستعرضها دائماً واتخذها دليلاً لك في مواجهة الإحباط. عزيزي القارئ.. لا ييأس أبداً مَنْ كان وكيله الله، ولا يحزن أبداً مَنْ كان وليه الله، فدائماً استعانتنا بالله وذكرنا له، وتذكرنا لنعمه، وبكاؤنا من خشيته قادرة على تغيير الحال، فكيف يجد مَنْ فقد الله؟ وكيف يفقد مَنْ وجد الله؟، ولا بد من السعي دائماً، ونعمل ما علينا من واجبات حتى لا نجعل هناك باباً مفتوحاً أمام مفترق طرق بين الإحباط والإصرار وحتى لا تتملكنا الحيرة.. وإذا علمت أن بقاء الحال من المحال، فما تعيشه من لحظات إحباط فهي لن تدوم، وكلما أزداد الكرب والضيق قرب الفرج. وعندما تقول لله إنّك على كلّ شيء قدير، وتؤمن بطاقتك الإنسانيّة التي يمنحها الله القوّة التي هي حالة تعيش في داخل إنسانيّتك، وتعيش في تطلّعاتك الإيمانيّة فيما تستقبله من أوضاع، وبما يمنحك الله من قوّة.. إنّك عندما لا تيأس، فإنّك تستطيع أن تفكّر، لأنّك إذا يئست، فلا مجال لأيّ تفكير عندك، وعندما يكون الأمل دائم الاخضرار في عقلك وقلبك، فإنّك تستطيع أن تفهم كلّ مرحلة بحجمها، لتكتشف فيها ثغرةً تنفذ منها إلى ذلك الأفق، وثغرة تنفذ منها إلى ذلك الأفق. "اليأس ظلام، والأمل نور". الدكتور / رمضان حسين الشيخ متحدث تحفيزي وموجه شخصي ومهني باحث وكاتب في العلوم الإنسانية وفلسفة الإدارة الخبير الدولي في التطوير المؤسسي والتخطيط الاستراتيجي مصمم منهج فرسان التميز لتغيير فكر قادة المؤسسات [email protected]