بالغرب حالة من الكراهية أو الخوف من الإسلام والمسلمين ان لم يكن من العرب عموماً تتصاعد وتيرتها بين الحين والحين منذ أحداث سبتمبر 2001، فالنموذج الذي ساقه الإرهاب المتستر بغطاء إسلامي زائف لا شك أنه يدفع للسير بهذا الاتجاه بكل قوة وسرعة جنونية. النقيض
فبعد ان كانت معدلات اعتناق الإسلام هناك تشهد حدوداً غير مسبوقة هيأت لصدور توقعات متفائلة بأنه ربما سيسود أراضيها بغضون سنوات ليست ببعيدة، وبعد ان كان العالم الأوربي والأمريكي يميل لتشكيل بيئة شبه حاضنة لسياسيين إسلاميين بل ولرموز متشددة ومتطرفة لاعتبارات ودوافع متباينة.
تحول المشهد للنقيض وأصبح هناك وضع مغاير فرض نوعاً من المواقف المتعسفة تجاه كل ما هو إسلامي وعربي، فبدأنا نشاهد ظواهر غاية بالسلبية كحرق المصحف والإجتراء على الرسول محمد صلى الله علية وسلم ومنع الآذان وتجريم تشييد المآذن وحظر الحجاب والاعتداء على المساجد والتضييق على روادها وتدنيس مقابر المسلمين والهجوم على تجمعاتهم وسن تشريعات مقيدة لحقوقهم وحرياتهم.
الإسلاموفوبيا
والأخطر أنه مع امتداد الإرهاب المتأسلم وضربة لأكثر من دولة أوربية واختراقه لعمق مجتمعاتها ونفاذة لأجيال من أبناء المهاجرين ممن هم بحكم الواقع والقانون مواطنين أوربيين، بدت ظاهرتان بغاية الأهمية.
إذ عادت حالة الخوف المرضى من الإسلام (الإسلاموفوبيا) للسطح مرة أخرى بعد مرحلة زمنية طويلة من الخفوت، ونجح اليمين السياسي المتطرف في استغلالها لتقوية نفوذه الى الحد الذي مكنه مع عوامل ثانية بالطبع من الصعود وتحقيق نجاحات تلو الأخرى بأكثر من دولة أوربية حتى تلك المعروفة تاريخيا ببعدها عن تخومه كسويسرا.
ومفهوم الإسلاموفوبيا يعود تاريخيا لحقبة الاستعمار، فقد كان علماء الاجتماع الفرنسيين أول من أطلقوا هذا المصطلح لوصف حالة مواطنيهم من الإداريين الرافضين العمل بالمجتمعات الإسلامية الرازحة تحت الاحتلال الفرنسي، لكنه عاد للسطوع بقوة بعد تفجيرات نيويورك وواشنطون.
فأصبح هناك من يرى أن الإسلام يمثل الخطر الأكبر على القيم المسيحية والهوية الغربية، وأنه لا ينتمي لأوربا، ولا يجلب غير العنف والخطر في كل مكان، وأن وجود المسلمين لا يعنى سوي زيادة فرص الإرهاب بأوربا دون أن نغفل بالطبع أن بعض تلك الترديدات تمثل بشكل أو آخر صدى لكلام قديم لكن بصيغ جديدة.
المثير ان مثل ذاك الخطاب لم يعد قاصراً على نماذج نخبوية أو شعبويه متطرفة بل صار يجري على لسان رؤساء وقادة كرئيس الوزراء المجري الذي التقته قيادتنا السياسية قبل شهر تقريباً في إطار مشاركتها بقمة تجمع دول (الفيش جراد) حيث كان أطلق تصريحات حذر فيها من اللاجئين بوصفهم حاملي ثقافة إسلامية غريبة تحمل في طياتها تهديداً لشعوب أوربا المسيحية الذين سيتحولون وفقاً لرأيه لغرباء في أوطانهم بعد عقود.
اليمين المتطرف
كل هذا صب بالطبع في صالح اليمين السياسي المتطرف الذي لا تكمن اشكاليته في صعوده وانما في تبنيه لمفاهيم تقصى الآخر وترفضه وتعبأ الرأي العام تجاهه، ناهينا عن تورطه بالفعل في أعمال كراهية وعنف.
وقد تجسدت أبرز ملامح ذاك الصعود فيما حققه من نجاح بانتخابات بعض البرلمانات الوطنية والبرلمان الأوربي والمجالس البلدية بألمانيا وهولندا وبريطانيا وايرلندا والنمسا وسويسرا والدنمارك وإيطاليا وبالطبع فرنسا حيث وصلت ماري لوبآن لجولة الإعادة بانتخابات الرئاسة التي انتهت لصالح إيمانويل ماكرون.
أيضاً على مستوي الشارع ففي المانيا مثلاً هناك حركة بيجيدا (وطنيون ضد أسلمة بلاد الغرب) التي أنشأت 2014 وتحولت لحزب سياسي (الحزب الشعبي للحرية والديموقراطية المباشرة) عام 2016 بعد أن نجحت في تكوين قاعدة شعبية مسموعة لحد ما بالإضافة كذلك لحركة النازيين الجدد.
وهنا ينبغي الالتفات لأن التيار الشعبي الأوربي مازال في أغلبيته يراهن على الاعتدال ولا يدعم التيارات اليمينة المتطرفة بشكل كبير، مما حال دون امساكها بمراكز صنع القرار فهي مازالت بعنصريتها البغيضة تحوم خارجها.
كما أنه من غير الموضوعي النظر الى المكون الإسلامي حتى في صورته المتطرفة أو العنيفة باعتباره العامل الأساسي والوحيد في صعود اليمين المتطرف فهنالك لا شك عوامل سياسية واقتصادية واعتبارات قومية لها دورها المؤثر وربما الحاكم في هذا التنامي.
السؤال
لكن يبقى السؤال مع تصاعد العمليات الإرهابية ونموها وتكرارها بأكثر من موقع أوربي وتحولها لرقم مخيف في اهتمامات شعوبها لما تمثله من تهديد حال وخطير.. لأين ستتجه الرياح.
فنحن الآن أمام نموذج إرهابي شعبوي تكمن خطورته في بساطته وسهولة أهدافه وان كان غير جديد فهو يمثل استجابة لنداءات قديمة كانت أذاعتها قيادات من القاعدة قبل سنوات دعت خلالها أعضائها والمتأثرين بمنهجها الفاشستي لتنفيذ عملياتهم العنيفة بأيسر الوسائل وأسهل الأدوات.
فحوادث الدهس لا تحتاج لثمة تعقيدات أو ترتيبات مضنية فالأمر لا يعوزه أكثر من عنصر أو أكثر قليلاً وحافلة ودافع يقف وراء العملية يختفي خلف غطاء إسلامي يبرره ويشرعنه على الأقل أمام مرتكبيه وداخل محيطهم العائلي والسكنى.
ومن ثم فالتصاعد في ارتكابها قائم ما لم يكن مرجح ان لم يجرى حصارها ومعالجة أسبابها التي لا أظن انها تعود لمرجعية إسلامية أو حتى لتفسير مغلوط لنصوصه بقدر ما تستند لمظلومية ودوافع سياسية واحباطات اقتصادية وشعور قاس بالتهميش ورغبة نفسية في الهروب من واقع غير مرضى، فمن هنا أعتقد أنه ينبغي أن يبدأ العمل وتنطلق شرارة العلاج.