تحت عنوان : يوم مات جمال عبد الناصر كتب الاستاذ صلاح منتصر فى مجلة الشباب : من مذكراتي أنقل ما كتبته عن يوم الأثنين 28 سبتمبر 1970 وقد سجلته للأمانة يوم 2 أكتوبر 1970 وفى ذلك اليوم كتبت : حضر هيكل الاجتماع المسائي للديسك المركزى فى حوالى الخامسة والثلث ، ودار حديث عن عدد من الحكايات التى جرت فى اجتماع القمة العربية العاجلة الذى انتهى أمس وعقد بدعوة من عبد الناصر لمواجهة الصدام الدامى بين قوات الملك حسين ملك الأردن ، والقوات الفلسطينية الموجودة فى الأردن وأعتبر حسين أنها تجاوزت حدودها وأعطت لنفسها حرية الاستقلال فى دولته ومن ثم قرر تأديبها .. وقد حكى لنا هيكل أن العقيد معمر القذافى فى اجتماع مؤتمر القمة اتهم الملك حسين بالجنون وأقترح القذافى إرسال " أربعة " يخطفون الملك حسين ويضعونه فى مستشفى للأمراض العقلية لأنه مجنون .. وقال الملك فيصل ( ملك السعودية فى ذلك الوقت ) : لكن الملك حسين رئيس دولة .فأجاب القذافى : ولو .. هذا مجنون ..هناك رؤساء مجانين ولابد من تشكيل لجنة طبية تكشف عليهم . قال عبد الناصر : أنا أقترح أن تكشف اللجنة على كل الملوك والرؤساء .قال فيصل موجهاً حديثه إلى عبد الناصر : أنا أرجو يا فخامة الرئيس أن أكون أول من تطلب الكشف عليه بمعرفة هذه اللجنة كى تثبت أننى مجنون وأخرج من هذا الاجتماع .قال عبد الناصر ضاحكاً : الظاهر أن القذافى سيصبح أول من يقع فى هذه اللجنة ! . فجأة قال هيكل بالحرف : بقالى 5 دقائق مش قادر أقوم .هلكت خالص أيام المؤتمر ..! قال أحدنا : سيادتك تروح على البيت على طول وتنام وخصوصاً أن الأمور هديت . سكت هيكل وقد بدا أنه يغالب الرغبة فى الاستسلام للجلوس وضرورة أن يقوم .. ثم بطريقته وعبارته التى تعودناها منه نهض واقفاً وهو يقول : يالا .. بلا هوسة ! . قال ذلك ومضى متجهاً إلى مكتبه بخطا تبدو فعلاً متعبة ولكن كان يعوضها أنه سيخرج من المكتب إلى البيت وينام مبكراً ( عادة ينام هيكل فى الحادية عشر مساء وكنا فى الأهرام نراعى عدم الاتصال به فى وقت متأخر بعد ذلك إلا فى الأمور العاجلة عن طريق خط مباشر يربط بين الأهرام وإلى جانب سريره ) . خبر يستوجب التدريس هل كان أحد فى الدنيا يعرف ما الذى سوف يحدث فى ذلك اليوم ؟ فبعد دقائق من وصول هيكل إلى مكتبه وبدلأً من أن يغادر مكتبه إلى منزله لينام ، كان هناك تليفون يستدعيه ليستقل سيارته إلى منزل الرئيس جمال عبد الناصر ليعيش " ليلة الأحزان " وليتحول الرجل الذى يتحدث عنه العالم إلي " ماض " رحل .. ! . وأنقل من مذكراتى : فى نحو الثامنة والربع مساء اتصل الاستاذ هيكل تليفونياً بالديسك المركزى ( يوجد للديسك رقم خاص مباشر ) وقد رد عليه محمود عبد العزيز الذى فوجيء بهيكل يقول له : دخلوا كل أخبار الصفحة الأولى فى الصفحات الداخلية وخلوا الصفحة الأولى فاضية وخلى كله " ستاند باى " .. وبعد نحو نصف ساعة عرفنا أن الرئيس جمال عبد الناصر مات ، وبدأت الإذاعة والتلفزيون فى إذاعة القرآن الكريم حتى الحادية عشرة إلا خمس دقائق عندما وجه أنور السادات من التلفزيون بياناً يعلن فيه موت عبد الناصر .. عاد هيكل إلى الأهرام فى حوالى الحادية عشرة مساء وشاهدته وهو يخرج من باب الأهرام .. فى الواحدة والنصف صباحاً (!) بعد أن كتب خبر وفاة عبد الناصر والذى يمكن أن يدرس فى كليات الإعلام لتوضيح كيف يمكن أن ينحى الصحفى الصديق جانباً مشاعره ويقدم للقاريء حقه فى المعلومة والقصة الإخبارية المتكاملة ، وغير ذلك كيف استطاع هيكل فى لحظات غارقة فى الأحزان أن يلتقط كل مادار ويضعه فى الصورة التالية : وقف الشعب المصرى وأمته العربية والعالم كله أمس أمام فجيعة بغير حدود , مفاجئة كأنها الصاعقة وذلك بأنتقال الرئيس جمال عبد الناصر بطل هذه الأمة وقائدها ومعلمها الى رحاب الله وكان ذلك أثر نوبة قلبية مفاجئة أحس بأعرضها وهو فى مطار القاهرة الدولى يودع أمير الكويت