اليوم هناك 5 أو 6 مظاهرات – المفروض أن تكون مليونيات حسب دعوات القائمين عليها – لكن بالتأكيد هناك أشخاص لن يشاركوا في أى مظاهرة ، وذلك رغم أن هؤلاء عاشوا اياماً طويلة في ميدان التحرير من قبل .. فهم كانوا موجودين من أول نداء لإسقاط النظام يوم 25 يناير.. واستمروا في ميدان التحرير بداية من جمعة الغضب يوم 28 يناير ومرورا بموقعة الجمل وحصار الميدان حتي تم إسقاط النظام يوم 11 فبراير .. أحداث عديدة عاشوها وذكريات احتفظوا بها ومواقف صعبة لن ينسوها .. لم يشغلهم الظهور في ائتلافات الشباب أو برامج التوك شو , ولم يبحثوا عن دور سياسي بعدما قاموا بمهمتهم التي خرجوا من أجلها يوم 25 يناير , في السطور القادمة نسترجع مع الثوار الحقيقيين ذكرياتهم عن أيام الثورة .. فهذه الحكايات كفيلة بأن تجمعنا مهما تعددت اسباب التفرق الواهية .. كتب : شريف بديع النور - محمد فتحي الخرطوش لا يزال في رأسي ! يروي لنا محمد فاضل - 24 سنة بكالوريوس حقوق - ذكرياته في الميدان قائلا : في أول يوم كنا أمام دار القضاء العالي وكنا عشرات , وكنت أشعر بأننا لا يمكن أن ننجح , ولكننا فوجئنا بأننا نستعيد إرادتنا وكرامتنا ضد الاستبداد والقمع , ووجدت نفسي يوم جمعة الغضب مع أناس لا أعرفهم , ولكن الهدف وحدنا , وكنا أمام مجمع التحرير , وكان يوجد ضرب مستمر من ناحية وزارة الداخلية , وكانت هناك سيارة أمن مركزي نحاول تعطيلها , ولكننا فكرنا في أن نستحوذ عليها , وبالفعل استولينا عليها واخترقنا الأمن المركزي , وكان هناك شاب هو الذي قاد هذه التجربة , وكنا معه , وكنت متعجبا جدا مما أفعله , وبمجرد وصولنا أمام بعض جنود الأمن المركزي وجدناهم يهربون , ووصلنا بالسيارة حتي مجلس الشعب , فكانت هذه صورة من صور إبداع الشباب المصري , وبالطبع لن أنسي ما حدث لي من ضرب رصاص خرطوش في رأسي , وذهبت للمستشفي وأخرجوا مني الخرطوش ولكني بعد عمل اشعة اكتشفت وجود خرطوشة في رأسي , ولكني رفضت إخراجها حتي تكون ذكري غالية , وعندما أضع يدي علي رأسي أشعر بها حتي الآن , والدكتور طمأنني إلي أنها لا تمثل أي خطورة , ولكن حتي لو كانت خطرا فلن أخرجها , فهناك المئات ضحوا بحياتهم من أجل مصر , وأنا في وسط كل الأحداث التي حدثت في الميدان كنت في حالة تفاؤل كبيرة , وحتي الآن أشعر بالتفاؤل مادامت إرادة الشعب موجودة . النهاردة فيه كام شهيد؟ ! ويقول أحمد علي السيد عيد - 22 سنة مهندس بترول وتعدين -: أكثر الأيام التي أثرت في كان يوم موقعة الجمل , فأتذكر أني كنت أتولي تأمين الشارع القريب من طلعة كوبري أكتوبر بعد شارع شامبليون , وكان هناك ضرب نار وكل فترة نطلع نجري ثم نعود مرة أخري للشارع لنؤمنه من دخول البلطجية , وفي إحدي المرات التي كنت أجري فيها سمعت فجأة ' لا إله إلا الله ' الناس تصيح بها من حولي , فوجدت شخصا غارقا في دمائه والناس تقول إنه يموت , فجرينا نقول ' إسعاف ' ونبحث في الشوارع لعلنا نجد واحدة , وشعرت وقتها بأنني في حرب , وبعد ساعتين وجدنا سيارة إسعاف وذهبنا لحمل الرجل فوجدناه قد فارق الحياة ! في اليوم التالي لموقعة الجمل عشنا الحصار الغذائي , فلم يكن في الميدان أي أغذية , وكان الوضع مؤلما للغاية وأنت تجد شبابا كالورد يدور ويسأل :' مفيش رغيف؟؟ ' وتواصل الضرب يومها وحملت بيدي ثلاثة شهداء , كنا من كثرة الضرب نسأل بعضنا : النهارده فيه كام شهيد؟ حتي وصلنا للجمعة فكنت وقتها في قمة الاستفزاز العصبي ووقعت في نوبة بكاء شديد وتشنجات حتي أصبحت لا أستطيع الحركة فجاءني طبيب وأعطاني علاجا كان بداية تنبهي من جديد فذهبت لمجموعة من الزملاء وطلبت منهم أن نشكل مجموعة لرد البلطجية واتفقنا علي ذلك , وبينما كنا نذهب للتمركز قلت لهم إني ' عاوز أجيب حد منهم أقتله ' فطلبوا مني الرجوع وأصروا علي ذلك , فقد كنت في حالة نفسية لو أمسكت فيها بلطجيا ممن كانوا يضربون علينا النار كنت سأقتله . يكمل أحمد حكاياته عن يوم موقعة الجمل قائلا : الساعة الثالثة صباحا يوم موقعة الجمل بدأوا ضربنا بالمولوتوف والنار من فوق كوبري أكتوبر , وكانت المتاريس لم توضع بعد , فكان كل اثنين يسندان متراسا ليكون ساترا للباقين , وبالتبادل حتي يحل عليه الدور , وقتها ظللت ساعتين أحمل المتراس مع أحد الثوار بينما الضرب مركز علينا , وأري الناس من حولي يتساقطون , فصحت ' خلاص هنموت دلوقتي , خلاص كلنا هنموت ' فوجدت الشخص الذي يحمل المتراس بجانبي يقول لي ' ماتخافش ربنا معانا ' وفوجئت أنه شاب مسيحي . أيضا من أصعب الأيام التي مرت علينا في الميدان كان يوم 8 ابريل , فقوات الجيش طوقتنا يومها بالمدرعات , ثم فجأة هجموا علينا في عمليات كر وفر , ونزلوا فينا ضرب , يومها أخذت طوبة في رأسي عولجت بسببها أسبوعا .. وحدي في الميدان ! أما إيمان هاشم - طبيبة - فتقول : أنا لم أكن ثورجية قبل ذلك ولم أكن أشارك في المظاهرات ولكن بدأت مشاركتي يوم 27 يناير , ذهبت يومها لمظاهرة كانت أمام نقابة الصحفيين وطاردتنا الشرطة وجريت كثيرا , وكانت تجربة جديدة جدا علي , حتي أني عندما عدت لمنزلي وحكيتها لأمي لم تصدقني , في اليوم التالي اتفقت مع أصدقائي أن أقابلهم في شارع المنيل بالجيزة , فأنا من مدينة نصر , وفي طريقي لهم انقطعت خدمة الهاتف المحمول كما توقعنا , وبحثت في الشارع فلم أجد أحدا منهم , فقررت الذهاب للميدان وحدي , وفي الطريق بدأ الضرب , ووسط الضرب تعرفت علي مجموعة جديدة من الأصدقاء واحتميت بهم , كانوا يتكونون من مهندس وشاب دبلوم صنايع وشابين يعملان في أحد المطاعم وفتاة , مجموعة غريبة جدا ولكنها تجانست وقت الثورة وأصبحنا أصدقاء , يمكن ذكريات الميدان مليئة بالمواقف الصعبة خاصة وقت ضرب البلطجية وبحثنا عن ملجأ نحتمي فيه , أيضا بحثنا عن شمعة لنستدفئ بها . دم الشهيد لسه علي كتفي ! ويتحدث الحسيني محمد - 31 سنة بكالوريوس حقوق - قائلا : أول ما أتذكره مما حدث في الميدان طفل صغير اسمه علاء كان يحاول أن يشارك في المظاهرات , ولا يعرف كيف يهتف , ولكن علي نهاية اليوم كان محمولا علي الأكتاف ويقود المظاهرات ويهتف هتافات الثورة , أما ما حدث لي ففي البداية كانت المواجهة مع الأمن المركزي يوم 25 يناير والذي كان يمنعنا من دخول الميدان , وكنا نحاول اختراقه من كل الاتجاهات حتي نصل لميدان التحرير , ودخلت الميدان عن طريق بولاق , ووجدته ممتلئا عن آخره , وفي الساعة 12 ليلا قررنا أن نبقي في الميدان وحدث ضرب قنابل الغاز , ومشيت , ثم جئت اليوم التالي , أما في يوم جمعة الغضب فخرجت من الجيزة وكان الضرب يأتي من كل مكان , حتي وصلت إلي كوبري الجلاء , وأغرب ما سمعته كان من ضابط أمن مركزي يقول للعساكر ' كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة ', وحدث الضرب , وفكرت في التراجع , ولكني وجدت البنات موجودات ويرفضن العودة , فقلت لا يمكن أن أعود . أما عن ذكرياته مع موقعة الجمل فيقول : يوم موقعة الجمل كنت في وسط المعركة , ووجدت شابا عينه كلها دم , وطلبت منه أن يرجع للخلف ولكنه قال لي أنا طول عمري أحلم بهذه اللحظة , ولن أترك الميدان , وانشغلنا في الضرب , وبعدها بلحظات وجدت هذا الشاب يستشهد أمام عيني , وحملته علي كتفي , ودمه غطي الجاكت , وحتي الآن أحتفظ بهذا الجاكت ودمه موجود علي الكتف , وحتي رائحة الدم مازالت موجودة , وهذا الجاكت أخرج به كل المظاهرات , وكنت موجودا به في أحداث مجلس الوزراء , كما أني أصبت في موقعة الجمل بطوبة ولكنها كانت من زملائي وجاءت بالخطأ , ولكن الحمد لله ربنا سترها , وحتي الآن أشعر بالحزن لأني لم أحصل علي رصاصة واستشهد , وكنت موجودا في أحداث محمد محمود أيضا , فالموت لم يعد يفرق معي وأصبحت مهيأ نفسيا له . كنت أعيش في المدينة الفاضلة ! أما محمد علام - 30 سنة - بكالوريوس تربية رياضية فيقول : عندما كنت أدخل الميدان كنت أشعر بأني بالفعل أعيش في المدينة الفاضلة , فكل شيء له مذاق خاص , وكل شاب يضحي من أجل الآخر , وحدث ذلك في كل المعارك التي حدثت في الميدان من جمعة الغضب أو موقعة الجمل , وحتي الأكل كنا نقتسمه مع بعض , وأنا كنت أتعاون في الميدان في تأمين البوابات , وكان فيه شد وجذب كثير جدا , وبعض المشاجرات , ولكن في نفس الوقت كان فيه أمانة في الميدان , ويكفي أننا لم نر خلال 18 يوما أي حالة تحرش , والناس كانت تحافظ علي بعض , كما أني كنت أقوم بعمل كمائن في اللجان الشعبية حتي نؤمن كل شيء . وبالليل كنا ما بين التأمين وبين الأغاني الوطنية مع بعض , والتي كانت تشعل الحماس بداخلنا , ولكن أقسي شيء تعرضت له في كل هذه الأحداث هي استشهاد صديق لي في جمعة الغضب حيث أخذ طلقة في رأسه ومات علي الفور , وصديق آخر استشهد في أحداث محمد محمود حيث أخذ رصاصة في بطنه , فأصعب شيء في ذكريات الثورة هو أن نفقد عزيزا لنا , ولكن الحمد لله علي كل شيء , وكلنا علي استعداد لأن نضحي بأنفسنا , وهذا ما كنت أشعر به وأنا في الميدان , فكنت أشعر بأني علي استعداد للشهادة في أي وقت . القنبلة في حضني ! ويحكي إسلام عادل - 24 سنة - مهندس مدني ما حدث له في أحداث الثورة قائلا : يوم 28 يناير جمعة الغضب أصبح هدفي تغيير كل حاجة في مصر , وأهم شيء وجدته أن الطبقية تم نسفها في هذه الأيام , فكله يساعد بعضه , وكله لديه هدف واحد , وكلنا يد واحدة , ووجدت نفسي في الصفوف الثانية في الأحداث , وبالتحديد وراء ناس قلبها ميت فعلا , فكنت أخشي الضرب , ولكني وصلت للصفوف الأمامية بعد ذلك , وأساعد في نقل المصابين , وطبعا كم دخان رهيب كان موجودا , وكنت أقوم بتكتيك لتفادي القنبلة , حيث كنت أجري عكس اتجاهها دائما , إلي أن وجدت قنبلة في حضني لم أستطع تفاديها , وجلست علي الأرض في حالة اختناق ولا أري شيئا , حتي جاء أحد الأشخاص وسندني ووجهني إلي أن خرجت من المكان , وبعدها توجهت إلي شارع الأزهر , ووجدت كردونا أمنيا ولكن هناك لواء أمر العساكر بفتح الكردون لنمر منه وجرينا عليه نقبله , ولكننا فوجئنا بأنه عمل لنا كمينا وأصبحنا في النصف والضرب من كل الاتجاهات , وكنا نلعن فيه , وعندما نزل الجيش توجهنا نحو كردون شرطة لنعتدي عليه , وقبل أن نصل إليه بثوان أذن المغرب فصلينا أمام الكردون , وبعد الصلاة كنا قد قررنا أن نضربه ولكنهم فتحوا لنا الكردون ومررنا من أمامه دون أي اعتداءات .