اليوم.. الأوقاف تفتتح 17 مسجداً جديداً    توقعات مخيبة للأمال لشركة إنتل في البورصة الأمريكية    وزير المالية الإسرائيلي المتطرف يدعو الموساد لاغتيال قيادات حماس وإبادة قطاع غزة بالكامل    مسؤول أمريكي: واشنطن تستعد لإعلان عقود أسلحة بقيمة 6 مليارات دولار لأوكرانيا    قوات الاحتلال تعتقل شقيقين فلسطينيين بعد اقتحام منزلهما في المنطقة الجنوبية بالخليل    وزير الخارجية الصيني يلتقي بلينكن في العاصمة بكين    بداية موجة شتوية، درجات الحرارة اليوم الجمعة 26 - 4 - 2024 في مصر    الأسعار كلها ارتفعت إلا المخدرات.. أستاذ سموم يحذر من مخدر الأيس: يدمر 10 أسر    أعضاء من مجلس الشيوخ صوتوا لحظر «تيك توك» ولديهم حسابات عليه    إسرائيل تدرس اتفاقا محدودا بشأن المحتجزين مقابل عودة الفلسطينيين لشمال غزة    جامعة جنوب كاليفورنيا تلغي حفل التخرج بعد احتجاجات مناهضة للحرب على غزة    900 مليون جنيه|الداخلية تكشف أضخم عملية غسيل أموال في البلاد.. التفاصيل    طريقة تغيير الساعة في هواتف سامسونج مع بدء التوقيت الصيفي.. 5 خطوات مهمة    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الجمعة 26 أبريل 2024    شعبة أسماك بورسعيد: المقاطعة ظلمت البائع الغلبان.. وأصحاب المزارع يبيعون إنتاجهم لمحافظات أخرى    المستهدف أعضاء بريكس، فريق ترامب يدرس إجراءات ضد الدول التي تتخلى عن الدولار    «جريمة عابرة للحدود».. نص تحقيقات النيابة مع المتهم بقتل طفل شبرا الخيمة    ماجد المصري عن مشاركته في احتفالية عيد تحرير سيناء: من أجمل لحظات عمري    «الإفتاء» تعلن موعد صلاة الفجر بعد تغيير التوقيت الصيفي    أذكار وأدعية ليلة الجمعة.. اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا    بعد تطبيق التوقيت الصيفي 2024.. توجيهات الصحة بتجنُّب زيادة استهلالك الكافيين    مع بداية التوقيت الصيفي.. الصحة توجه منشور توعوي للمواطنين    جدعنة أهالي «المنيا» تنقذ «محمود» من خسارة شقى عمره: 8 سنين تعب    أحمد سليمان يزف بشرى سارة لجماهير الزمالك    إعلان نتيجة مسابقة المعلمة القدوة بمنطقة الإسكندرية الأزهرية    رئيس لجنة الخطة بالبرلمان: الموازنة الجديدة لمصر تُدعم مسار التنمية ومؤشرات إيجابية لإدارة الدين    نجم الأهلي السابق يوجه رسالة دعم للفريق قبل مواجهة مازيمبي    ناقد رياضي: الزمالك فرط في الفوز على دريمز الغاني    طارق السيد: ملف بوطيب كارثة داخل الزمالك.. وواثق في قدرات اللاعبين أمام دريمز    هيئة الغذاء والدواء بالمملكة: إلزام منتجات سعودية بهذا الاسم    إصابة 8 أشخاص في تصادم 3 سيارات فوق كوبري المندرة بأسيوط    أبرزها الاغتسال والتطيب.. سنن مستحبة يوم الجمعة (تعرف عليها)    عاجل.. رمضان صبحي يفجر مفاجأة عن عودته إلى منتخب مصر    انطلاق حفل افتتاح مهرجان الفيلم القصير في الإسكندرية    تشرفت بالمشاركة .. كريم فهمي يروج لفيلم السرب    بشرى سارة للموظفين.. عدد أيام إجازة شم النسيم بعد قرار ترحيل موعد عيد العمال رسميًا    ليلى زاهر: جالي تهديدات بسبب دوري في «أعلى نسبة مشاهدة» (فيديو)    «زي النهارده».. استقالة الشيخ محمد الأحمدي الظواهري من مشيخة الأزهر 26 أبريل 1935    رمضان صبحي يحسم الجدل بشأن تقديم اعتذار ل الأهلي    نقابة محاميين شمال أسيوط تدين مقتل اثنين من أبنائها    أحمد كشك: اشتغلت 12 سنة في المسرح قبل شهرتي دراميا    عاجل - محمد موسى يهاجم "الموسيقيين" بسبب بيكا وشاكوش (فيديو)    هاني حتحوت يكشف تشكيل الأهلي المتوقع أمام مازيمبي    عاجل - بعد تطبيق التوقيت الصيفي 2024 فعليًا.. انتبه هذه المواعيد يطرأ عليها التغيير    عاجل - تطورات جديدة في بلاغ اتهام بيكا وشاكوش بالتحريض على الفسق والفجور (فيديو)    "حزب الله" يعلن ضرب قافلة إسرائيلية في كمين مركب    مواقيت الصلاة بالتوقيت الصيفي .. في القاهرة والإسكندرية وباقي محافظات مصر    عيار 21 يسجل هذا الرقم.. أسعار الذهب اليوم الجمعة 26 أبريل بالصاغة بعد آخر انخفاض    بالصور.. مصطفى عسل يتأهل إلى نهائي بطولة الجونة الدولية للاسكواش    هل العمل في بيع مستحضرات التجميل والميك آب حرام؟.. الإفتاء تحسم الجدل    أنغام تبدأ حفل عيد تحرير سيناء بأغنية «بلدي التاريخ»    القومي للأجور: قرار الحد الأدنى سيطبق على 95% من المنشآت في مصر    مصدر نهر النيل.. أمطار أعلى من معدلاتها على بحيرة فيكتوريا    برج العذراء.. حظك اليوم الجمعة 26 أبريل 2024 : روتين جديد    قيادي بفتح: عدد شهداء العدوان على غزة يتراوح بين 50 إلى 60 ألفا    «اللهم بشرى تشبه الغيث وسعادة تملأ القلب».. أفضل دعاء يوم الجمعة    أنغام باحتفالية مجلس القبائل: كل سنة وأحنا احرار بفضل القيادة العظيمة الرئيس السيسى    مواطنون: التأمين الصحي حقق «طفرة».. الجراحات أسرع والخدمات فندقية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد صقر يكتب: الطريق من دبي إلى ميدان التحرير.. رحلة كسر الخوف بين اليائس والرجاء
نشر في الدستور الأصلي يوم 23 - 06 - 2011

كتبت حتى لا تبلى الذاكرة وتمحى مشاهد أشعر بالأمانة أن أنقلها كما شاهدتها والله على ما أقول شهيد
ميدان التحرير وقت الثورة
كنت أجلس فى مكتبي بعد إنتهاء العمل أتصفح الأخبار قبل عودتى إلى بيتى فى يوم مثل باقى الأيام عندما شاهدت صورة شاب بوجه محطم وممزق بكل وحشيه تبرأ منها الكواسر والحيوانات المفترسة.. حدقت في الصورة ذاهلا من بشاعتها وأحسست بصدمة وغضب لأجد نفسى ولأول مرة أنشر صورته فى كل ما تطاله يدى من مواقع الأنترنت وتابعت الحدث وتفاعل المصريين معه فى الأيام التالية وفى يوم أرسلت جارة لى فى سكنى رسالة أعتذار تشرح لى فيها أسباب مسحها للصورة من على جروب خاص بالسكان نظرا لفظاعتها و لعدم قدرتها على مشاهدتها..
كانت حادثة مقتل خالد تشبه حوادث كثيرة للتعذيب والقتل بدم بارد على يد سلطة أمنية متجبرة بل أكاد إجزم يقينا أن هناك من تعرض لأفظع مما تعرض له خالد ولم نسمع عنهم.. لكن ولحكمة لم نكن نعلمها أراد الله وقتها أن تكون لقطة وجه خالد المحطم هى الكاسر الأول لأول حاجز من حواجز الخوف التى زرعت فينا بدهاء الشياطين المنعمين فى دولة الظلام..
فوجئت بانتشار العديد من الصفحات الرافضة لما حدث لذلك الشاب السكندري وكان حديثنا جميعا أنا وأصدقائى سواء فى داخل العمل أو خارجه مستمر لأيام و نحن نشاهد تفاعل الأعلام والمجتمع الأفتراضى للأنترنت مع الجريمة..
ورويدا عادت الحياة تاخذنا إلى دروبها من عمل وكد وإنشغال ولكن كان أسم خالد دوما يثير فينا ومضات نارية من ثورة غضب وألم لقيمة الأنسان المصرى المهدره على يد من إستعبدونا وقد ولدنا احرارا... ثم ومن رحم العديد من الصفحات استمرت صفحة كلنا خالد سعيد متوازنة الطرح ومتفاعلة مع الحدث ومرتبطة بواقع الأنسان المصرى ...
كنت أدخل عليها من وقت لأخر إلى أن تصادف وجودى فى مصر مع وقفه من وقفات خالد سعيد الصامتة فذهبت و شاركت فيها دون أن أخبر أهلى وثم عدت بعد ذلك إلى الأمارات أفكر فى حالة اللا أمل الموجودة فى عيون المصريين جميعا بلا أستثناء ...كانت أنتخابات مجلس الشعب تصدح أبواقها إيذانا ببدء أكبر وأقذر عمليات التزوير الفاجر فى تاريخ الحياة السياسية المصرية ...كانت العملية السياسية فى مصر قد سلمت من يد كمال الشاذلى عراب التزوير الذى يسمح فقط بالحد الأدنى من المشاغبين المستأنسين داخل البرلمان إلى يد أحمد عز محتكر الحديد الذى تعامل مع الأنتخابات بعقلية التاجر المحتكر المتشوق للبدء فى سيناريو التوريث تحسبا من أسترداد الله لوديعته و هى روح رئيس لا يحكم ليسلم مقاليد البلاد إلى إبن فاقد الأهليه لا يرى فى مصر ألاضيعة ورثها عن أبيه ليفعل فى أهلها ما يشاء متى شاء كيف شاء ...
فكان هذا السيناريو هو الضربة القاضية التى أنهت أحلام الحالمين بتغير النظام من الداخل... وهكذا تأكدنا أن مشروع التوريث الذى كان قد بدأ فعلا يصل إلى مراحل التنفيذ الاخيرة ودخلت فى مناقشات عديدة مع أخى و أصدقائى كانت تنتهى دوما إلى أن جمال هوأمر واقع و أفضل المتاح و كنت أرد ..لا أعرف كيف قائلا أن مصر لن يحكمها جمال مبارك و الأيام بيننا ...لم تكن لدى أى اسباب لأجزم بذلك و لكنها حالة الدفاع الأخيرة التى الجاء إليها عندما أجد الجميع مستسلما و مساقا إلى حتفه عن قلة حيلة ...لا أعرف إن كانت مثالية منى أو تقمصا لدور دون كيشوت لكنى وجدت نفسى أتواصل مع أهلى و أصدقائى فى مصر لأخبرهم أنى أود إفتتاح جمعية تنمية مجتمع محلى فى حى الظاهر مهد طفولتى وكان أن تواصلت مع شيخ مسجد الظاهر بيبرس الذى تجمعنى به صداقة وطيدة و قصة قدرية طويلة إنتهت بزوجة رزقنى الله بها فى ليلة القدر ..
رحب الشيخ هشام بالفكرة و لكنه حذرنى أن يكون للجمعية أى نشاط سياسى بجانب الأجتماعى فأخبرتة أنى قادم إلى مصر قريبا و سننزل إلى الشارع و نستعد من ألان لأنتخابات 2015 و من فرط الحماس أنشأت صفحة على الفيس بوك خصيصا لهذا الغرض و إنضم لها الكثير من الناس كان أغلبهم المشفقين على دون كيشوت المحارب لطواحين الهواء ..مالك أنت و مال السياسة ...حافظ على وظيفتك المرموقة و رفاهية العيش التى رزقك الله بها...أنت حديث الزواج منذ أسابيع قليلة و لديك زوجة و بيت ...لا تهدم كل ما رزقك الله به من قضية خاسره لا مخرج منها إلا من عند الله وحده ...كان هذا قليل من فيض كثير قيل لى يمتلىء بمنطق الواقع المرير من أصدقاء و أهل عرفوا بما أنتويت عليه بل أن كثير منهم تهكم ساخرا من هذا ألامر ...كنت أشعر أنهم على حق لكن يعلم الله أنى لا أعرف من أين ولدت هذه القوة الدافعة المتهورة التى إجتاحتنى ..وجاء العام الجديد و كانت السماء حبلى بتاريخ يكتب ليغير وجه العالم كله من حيث لا ندرى ...حادث أرهابى شنيع إزهقت فيه أرواح مصرية بريئه و هى بلباس العيد لتنزلق البلاد فى حالة من الحزن و الصدمه و الرعب مما هو أت ...تدخل البلاد فى حالة فوران و غليان شديد و تتشح مصر بالسواد حداداعلى شهدائها ..كان لدى زميل مصرى مسيحى فى المكتب كف الحديث معي أو مع أحد أخربعد الحادث و كلما حاولت أن أتكلم معه تأتينى ردوده مقتضبة و أنا أرى الدمع يلمع فى عينيه ..و فى اليوم التالى ذهبت له صباحا .. لم أتكلم و لكننى نظرت فى عينيه ثم أخذته بالحضن لثوانى طوال ثم تركته دون أن أنبس بحرف..لم يكن لدى شيأ لأقوله و لم أعرف ماذا أقول و أنا أرى بلدى تسيرمن سىء الى أسوأ ...كانت أحداث تونس قد بدأت وأشعل البوعزيزى شرارة الحرية دون أن ندرى ثم بدأت تنتشر أخبار قصيرة مقتضبة عن أحداث شغب و أحتجاجات تحدث هنا أو هناك حتى تنبه العالم لما يجرى فى تونس مع تصاعد الأحداث ...
ووقف الجميع يشاهد فى حاله شغف و أنبهار كيف يمكن للضعف أن يصبح قوه و كيف يمكن أن يولد الأمل من رحم اليائس ...كنا نتسمر أمام التلفزيون نشاهد مذهولين ما يجرى و نتابع كل ما تطاله أيدينا من أخبار على الأنترنت و بدأت حالة من الحراك المصرى مدفوعة بشحنة غضب على تعذيب الدولة الأمنيه وقتلها لزهرة شبابها و ما خالد و بلال إلا رموز لألاف أجتاحهم غضب من إستبداد و تزوير فاجر ينهى كل أمل فى إصلاح ذاتى للدوله المصريه ...و كان الختام هو حادث تفجير تفجير كنيسة القديسين ليتحول المصريين لبرميل بارود إمتلاء طوال 30 عاما فى إنتظار البوعزيزى ليشعل شراراته...
هل هذا معقول !! ؟ بن على هرب ! ...وكانت حالة من الفرح الشديد الممزوج بالاسى و الحسره تملاء نفوس كل المصريين ...وكانت هناك حالة هيستيرية من الفرح و الحراك الشعبى على الفضاء الألكترونى ممزوجة بالسخط و الأسقاط على الواقع المصرى الأسوأ بكثير من حالة تونس الثائرة ,,,فلماذا لا يثور المصريون ؟ .....ذهبت إلى بيتى أبحث فى كتبى عن كتاب لماذا لا يثور المصريون للكاتب علاء الأسوانى ...كنت قد قراته قبل شهور عديدة لكنى شعرت برغبة عارمة فى أن أقرأ كيف و ماذا فعل بنا هذا النظام المتجبر .
أكاد أجزم صدقا و يقينا إنى قرأت الدعوة للتظاهر فى يوم عيد الشرطة من مئات المصرين فى يوم واحد و وقت واحد دون سابق معرفة بين أى منهم والأخر ...هذا يقول فلننزل لنحتفل بالشرطه على الطريقة التونسية ...وذاك يقول و ذلك يقول كل على طريقته ...فما كان إلا أن تلقف الشاب النابه أدمن خالد سعيد كل ذلك الزخم و بلوره فى حدث إلكترونى باسم يوم الثوره على الفقر و التعذيب و البطالة و من هنا كانت البداية ..
تحول مؤشر المشاركين فى اليوم الأول إلى عداد إلكترونى شديد التصاعد و كانت التعليقات كلها إما داعيه بكل ما أوتيت من قوه للنزول إلى الشارع و إما ساخرة من تلك الدعوة ولاعنة لها من أناس كنا نظنهم مغيبين و عرفنا بعد ذلك أنهم اللجنة الألكترونية للحزب الوطنى و مخبرين و ضباط أمن الدولة ...يظن الكثيرون أن محنة الشباب بدأت من نزوله الشارع لكن لا أحد يعرف أن المعركه كانت دائرة لمده 10 أيام متصلة قبل 25 يناير على الفضاء الألكترونى .,..إستخدمت فيها كل خبرات أجهزة الأمن فى التشتيت و التخوين و الترهيب و الردع الألكترونى ...كانت معركه ذات حجم كبير بحق و أكاد أجزم أنه سقط فيها ضحايا ممن أستسلموا لحالة الترهيب و تغلب خوفهم على شعاع نور الأمل و الحريه الخافت الذى شعرنا به من أخوتنا فى تونس و ملحمتهم ضد بن على الهارب ...عندما فشل التهوين و التحقير مما ندعو له أستخدموا سلاح التخوين للوطن و جاءتنى رساله من مجهول يتوعدنى بأقذع الشتائم و أخبرنى أنهم يعرفون من الأى بى أدرس أنى متواجد خارج مصر و خائن أحرض على خراب الوطن و أنهم سيفعلون بى الأفاعيل مما لا يليق أن يكتب لفظا ...كنت أشعر بالرعب و لا أعرف الى أين أنا سائر و لكن الله وهبنى قدرا كافيا من الثبات ساعدنى على أن أرد عليه بكلمات مقتضبة ..هاننزل الشارع علشان نكنسكو و ننضف البلد منكو ...
كنت أشعر بمزيج من الخوف و الحمق ...والأمل ... و كنت وقتها قد شاهدت الفيديو الخاص بالشاب التونسى و هو يتحدى حظر التجوال فى شارع الحبيب بو رقيبه فى أول ليال الحرية هاتفا بن على هرب ...الشعب التونسى مايموتش ..الحريه للتوانسه ..بن على هرب ...بكيت كالطفل وحيدا فى بيتى و أعدت المقطع عشرات المرات و أنا كالمسحور و لم اشعر بنفسى إلا متصلا بشركة الطيران حاجزا تذكرة طائرة تلامس أرض الوطن الغالى فى صباح يوم25 يناير ...لقد سبق السيف العزل !!...كنت فى ورطة متعددة الجوانب ...ذلك التهديد الذى لا أعرف جديته من هزله ...عملى الذى يرفض أن يعطينى أجازات حتى مايو القادم ....زوجتى التى تدرس فى عامها الأخير منتظره للقاء فى أجازه نصف العام فى دبى ...و أمى !!
لم أصارح إلا دائرة ضيقة من أصدقائى فى الغربة و صديق عمرى ضابط الشرطة الحافظ للقراءن فى مصر.. كانوا جميعا يعطون انطباع الغير مصدق لقرارى ليعيدون السؤال مرات و مرات هل حجزت ّ؟ لم تكن تنقصهم الوطنيه بل لعلهم أكثر منى حبا و وطنيه لهذا البلد لكن جميعهم حاول أن يقنعنى بعدم النزول لإستحالة تغير الوضع و لأن حسنى مبارك و دولته الامنية أقوى من كل شىء و أن مصر ليست تونس و كنت أقول نعم نحن لسنا تونس...نحن أسوأ من تونس ألف مره ...وقسم أخر حاول يقنعنى أن اؤجل سفرى يوما أو أثنين و فى حالة حدوث شىء جلل فلننزل و نشارك و لكنى أحمد الله أنى لم أستجب ..فما يدرينى إن لم أنزل مع أول خيوط الفجر أن لا ألحق صلاه الجماعة فى فجر الحرية؟ ...ما يدرينى أنه أذا أنتظر الجميع الحدث الجلل ليحدث ثم ينزل ليشارك أن يخذل المنتظرين هناك فى الميدان لنكون جميعا كتفا بكتف فى معركة الحرية من أول لحظة ...كما شعرت أنى أذا لم أنزل بعد كل هذا فأن كلام هذا المجهول لى سيكون صحيح و أنى بالفعل ما كنت ألا محرضا على الخراب وفى الوقت ذاته أنعم برغد العيش فى بلاد غير بلادى ...
حسمت أمرى و توكلت على الله و فكرت في أن أكتب خطابا أرسله لأبراهيم عيسى و علاء الاسوانى لعلهم يكتبون قصتى أذا كتبت مع الشهداء ليعلم الجميع أن المصريين فى الخارج قد تركو قلوبهم فى مصر و يعيشون خارجها اجسادا خاويه لا تسترد الدفء و الحياه إلا فيها ..هل كنت حالما فى هذا الأمر؟ هل كانت مشاعرى ممزوجه بطفولة مخبأة؟ لا أعرف لكن نفسى حدثتنى كثيرا بهذا...و اخبرت أهلى قبل نزولى ب 48 ساعه لأواجه بعاصفة من الرفض أستعملت فيها كل الأسلحه المشروعة و غير المشروعة و الضغوط العاطفية ...أم تبكى و هى تعرف اني لا أحتمل دموعها و زوجة تتشاجر ...ثم تسخر ...ثم تبكى ..ثم تتوعد و لها كل الحق !...و أخ أكبر ينصح بغضب و وعيد ,,...نعم تأثرت مثل سائر البشر و أتذكر أنى جلست يوم 24 يناير بعد أن أعددت حقيبه سفرى و مسحت كل ما يتعلق باليوم المشهود من على الكمبيوتر بل تكلمت مع بعض العملاء فى مصر و حددت موعدا لمقابله عمل حتى إذا قبض على فى المطار يكون لدى اى حجه لنفى سبب سفرى الحقيقى الى مصر فى ذلك اليوم ...هل كنت أطمئن نفسى و فقط؟ ,,هل كان سيردعهم سبب كميعاد عمل عن البطش و القتل التعذيب؟..جلست وحيدا أمام حقيبتى قبل ساعات من سفرى لا أعرف ماذا افعل و كان أخى قد أنهى ثورة غضب نهائية فى الهاتف أستخدم فيها ما بقى من أسباب كى لا أنزل مصر و أخسر كل شىء إما حياتى نفسها أو مستقبلى على أقل تقدير ..
بل أنى قد أكون سبب فى خسارة مستقبله فى الجيش و قال لى انه إستدعى إلى عمله و لذلك لن يستطيع أن يستقبلنى فى المطار كما تعودت فتفهمت غضبه و قلقه و أغلقت الخط ..أحسست بحالة من الكسل و الحاجة للنوم و أنا مستلق على سريرى ناظرا إلى السقف لا أعرف ماذا يجرى ...ثم تذكرت فجأة أن الشركة التى أعمل بها لا تعرف أنى لن أذهب الى العمل غدا ...تحدثت سريعا مع صاحب العمل و كانت الساعه تقترب من الحاديه عشر ليلا و أخبرته أنى ذاهب غدا الى القاهره لظروف عائليه طارئه لمده 3 أيام و لكنه رفض و قال فلنتقابل غدا لتسليم بعض المهام منك ثم سافر يوم الاربعاء او الخميس إن أردت ..فشكرته و أغلقت الخط و حملت حقيبتى و أغلقت باب الخوف خلفى إلى الأبد...
كنت اجلس فى صالة المطار متصفحا كتاب لماذا لا يثور المصريون و حدثت نفسى ساخرا أنى مسحت كل ما يتعلق باليوم المشهود من على جهاز الكمبيوتر و لكنى حملت معى كتابا كفيل وحده بأعتقالى دون أى شىء اخر ... كنت أقرأ كمن يذاكر في ليلة الأمتحان و كنت أحدق فى وجوه المنتظرين معي فتح باب الطائره لعلى أرى فى نظره من أى منهم ما يخبرنى أننا ذاهبون معا ...لم أستطع النوم فى الطائرة و كنت أذكر نفسى أنه أذا خرجت بالمطار بسلام فلدى أمتحان عسير للعبور من زوجتى و أمى ...نزلت إلى المطار وحيدا و الغريب أنها كانت من أسرع إن لم تكن أسرع المرات التى وجدت نفسى خارج المطار و كانت هناك حالة من ذلك السكون الذى يسبق العاصفة ..حتى ضباط الجمارك الذين ينتظرون طائره دبى للتفتيش لم ينظر أحدهم لى حتى ,,وإلى أن خرجت من المطار و عند الباب الأخير التقت عينى فى عين أمين شرطة و صدقا رأيت فيها خوفا من شىء ما ...ركبت تاكسى إلى بيتى الذى يقع على طريق السويس و كانت الساعه تقترب من السابعة صباحا و قابلت زوجتى التى طلبت منى بحنان أن أستريح و ألا انزل اليوم من البيت و كنت أتساقط من النعاس فوافقتها فقط حتى أنهى الجدل إلى حين و أظلمت الدنيا حتى أستيقظت على منبه الساعة الواحدة و أخبرت زوجتى أنى يجب أن أذهب لاسلم على أمى و نتناول الغذاء معها كما وعدتها ..لم تصدقنى زوجتى و لكنها أنصاعت فى هدوء...
وخلال الطريق من بيتى الى حى الظاهر كنت اتصفح الانترنت و تويتر و اعرف ان التجمعات بدات من المناطق الشعبيه و وصلنا الى بيت امى و كان الطعام معدا و شهيا كالمعتاد و كانت امى و زوجتى طوال الوقت يتحدثون على المائده مع بعضهم البعض انى خلاص قد انصعت لهم و عاد لى رشدى و ما جئت إلا لكى أستريح قليلا فى بيتى و أنعم برؤياهم ..كان هذا حقيقى جدا لكن كان هناك شيىء أخر أقوى من كل ذلك ...تعمدت أن أكل سريعا من طعام أمى و ما أدراك ما طعام أمى ثم غسلت يدى و قبلت رأسها و جريت فى أتجاه الباب قائلا أن لدى أصدقاء تذكرت أنى يجب أن ألحق بهم فى أمر مهم و أغلقت الباب خلفى بالمفتاح سريعا لكى اعطلهم و أنا اسمع صدى صوت زوجتى ..أحمد أستنننننننى ..سامحينى يا زوجتى الحبيبه وأغفرى لى و ليغفر لى ربى ما كبدت أهلى من قلق و خوف و جزع .
كنت أهرول فى الشارع حتى أخذت تاكسيا إلى ميدان رمسيس و نزلت لأرى من بعيد أرهاصات ثوره شعب عند دار القضاء العالى ..كان شارع رمسيس قد توقف من كثرة البشر و كان كتلة حرجة منهم تتحرك إلى ميدان التحرير و أجرى و أهرول معهم متذكرا اول لحظات هرولتى فى لقائى الأول بالكعبه الشريفه التى لم أشعر متى بداء الطواف حولها و انفصلت عن الزمن .... هكذا كان حالى و حال الكثير من المصريين ..ولدنا من جديد ..كر و فر و دخان و مياه و صوت النار يخترق الاذان و يا الهى ...هذا شاب مصرى جسور يصعد فوق المدرعه ليأخذ من فوقها أحد عساكر النظام و يسقط به على الأرض ليمنعه من ضربنا بالمياه ....تراجعنا أمام هجوم ثم دحرناهم بهجوم مضاد حتى أصبح الميدان ملك لنا يصدح فيه صوت هادر كالرعد ...الشعب يريد إسقاط النظام ...كان وقت المغرب يزحف علينا عندما رأيت إبراهيم عيسى جالسا على رصيف الميدان يستريح فذهبت له و سلمت عليه و أخبرته أنى ما قدمت هذا الصباح من دبى إلا لأكون هنا مع أهلى فنظر إلى أعلى لا أعلم لمن و قال جمال حمدان بشر بقدومكم من سنين عديده... و أرتفع صوت أذان المغرب و كانت أول صلاه جماعه لى طبعت فيها جبهتى على أرض الميدان و أظن بالله خيرا أنها كانت ليس كمثل أى صلاه ..أنهيت صلاتى و نظرت لمكان أبراهيم عيسى و لكنه كان قد تحرك وسط أمواج البشر و كم تمنين أن استوضح منه مقصده من أمر جمال حمدان الى أن عرفت بعد ذلك ماذا كان يقصد ..
ظللنا نهتف فى الميدان و شاهدت صديق لى من دبى عاد إلى مصر قبل عام و كم كانت الدنيا صغيرة ..كنا ننام فى غرفه واحدة فى الغربة لاجده هنا فى الميدان قادما من المنصوره ليشارك .... أبحرنا فى الميدان حتى الساعه العاشرة ليلاعندما شاهدنا مجموعة كبيرة من المصرين قادمين من إتجاه كوبرى قصر النيل يمنعهم الكردون الأمنى من الدخول و الألتحام معنا فجرينا على الحاجز و فى هذه اللحظة حدث ما لم يكن فى الحسبان ...
أخذ الجنود أشاره من قائدهم فبدوا يضربون الأرض باحذيتهم الثقيله ممزوجة بصيحة عاليه تلويحا ببدء التعامل مع القادمين من داخل الميدان لأدخال اخوانهم اليه ...و بدون أى تنسيق أو ترتيب بدأنا نفعل مثلهم تماما و اكثر فكنا ندب الارض تحت أقدامنا و نصيح صيخات هادره أكثر و أعلى و أقوى منهم و كنا كفريقين يتحضرون للأنقضاض على بعضهم البعض لنفاجاء أن قائدهم أعطى أشاره بفتح ممر للقادمين و دخل الشباب المصرى وسط فرح عارم و أحساس أن اليوم ليس كمثل أى يوم سمعنا أو قرأنا عنه فى تاريخ مصر الحديث ..و لم نكن ندرى أنه بعد ساعة أو أكثر سيتحول الميدان إلى ساحة حرب من جديد و هذا ما حدث ...بعد منتصف الليل بقليل كان تم تركيب أول ميكرفون أذاعه حرة فى مصر على عمود أشارة المرور و علقت الأعلام و قرر الجميع المبيت فى الميدان و تبرع أحد الموجودين و هو تاجر بطاطين فى الموسكى بكمية من البطاطين التى أحضرت إلى الميدان و عندما تكالب عليها الجميع نادى مناد إنها للسيدات أولا فتفرق الجمع من حولها و تركوها توزع على السيدات و كانت هذه أشارة لروح الميدان التى ولدت و أستمرت و كانت من أهم أسباب نصر الله للمؤمنين ...و أذ فجأة تهدر عربات الشرطة و تنطلق القنابل المسيله للدموع و الخرطوش و المطاط من خمس إتجاهات مختلفة فى الميدان و تركوا لنا منفذ طلعت حرب و عبد المنعم رياض لنركض مختنقين من ذلك الكم الرهيب من الدخان و الضرب المبرح و المياه ...
أفترقت عن رفيق غربتى الذي جرى إلى طلعت حرب وقت أن جريت إلى عبد المنعم رياض و تحت الكوبرى كانت هناك عربه شرطة من قسم قصر النيل قادمه فهجم عليها الشباب الغاضب تحت الكوبرى و هرب السائق و ضرب الضابط ضربا مبرحا و يشهد الله أنى حاولت حمايته قدر ما أستطعت إلا أن غضب البطش الشديد الذى عوملنا به جعل الشباب الثائر يفرغ شحنته فى تلك العربه و بصعوبه أنا و أخرين ممن أحتفظوا بالقليل القليل من الوعى أخذنا الضابط ذو البلده الممزقه و أركبناه عربه سائره فى أتجاه رمسيس و ننظر خلفنا لنرى الشباب يشعلون النار فى أول عربة شرطة فى هذه الثوره بعد منتصف ليل 25 يناير و رأينا قوات قادمه من إتجاه الأسعاف لتقع المجموعه فى كماشة بين شرطة تضرب و تبطش من التحرير و قوة من الأسعاف ترى عربة الشرطة المحترقة و تهجم لتعتقل من تطاله يدها ..ألهمنى الله ان أقف أمام تاكسى أبيض ..الظاهر ياسطى... و أخلع الجاكت الضخم المخصص لسفريات الصقيع فى أوروبا و الذى كنت قد أرتديته على أمل أن يحمينى قليلا من الضرب و عدت إلى بيتى و أنا أشاهد البطش و الأعتقال على قدم و ساق فى الميدان .
نعم لم نستطع الأحتفاظ بالميدان فى تلك الليله لكننا عرفنا أننا قادرين على أن نصل إليه من الأن فصاعدا فى كل ليله و كانت هناك دعاوى لأستمرار التظاهر أيام الأربعاء و الخميس حتى و لو بأعداد صغيرة لعدم إعطاء الفرصة لقوات الشرطة لألتقاط الأنفاس و ولأبقائهم فى حاله أستنفار مستمر حتى يوم جمعه الغضب الذى كنا نشعر أن ما حدث اليوم ينبىء أن هذه الجمعه حبلى بالكثير لهذا البلد ..عدت إلى بيتى فى الثانيه بعد منتصف الليل لأجد أمى و زوجتى فى حاله خصام شديد لى ..حمدت أمى الله على رجوعى مع كثير من التقريع و نزلت مع زوجتى إلى بيتنا فى صمت ...
يوم الأربعاء: ذهبت إلى بيت أهل زوجتى وكان هناك لوم شديد على تهورى و ضغط شديد عليا بأن أنسى نزولى مره أخرى يوم الجمعه القادم ...أخبرت زوجتى أنى ذاهب إلى أمى و كانت تقترب الساعه من السابعه ليلا و ذهبت بسيارتى أتجول فى وسط البلد لأشاهد أستنفار أمنى و كر و فر فى منطقه وكاله البلح ثم عدت إلى أمى أقبل رأسها و أطلب منها أن تدعو لى وأن تسامحنى
يوم الخميس : طلب منى حماى اللقاء لشىء هام و ذهبنا له فى الظاهر و تكلم معي بلغة الأب الناصح و هو كذلك حقا و أقر أن نزولى يوم الجمعه هو خطاء كبير محذرا من أنه مش كل مره تسلم الجره و كفى تهورا و نادى زوجتى من الداخل قائلا ...أحمد خلاص وعدنى أنكم بكره هاتقضوا اليوم فى البيت و مفيش نزول ..نظرت له و أنا لم أعد و لم أرد أيضا و رأيت أبتسامة شك على وجه زوجتى و نظرة ثاقبة من حماتى على وجهى و بعد قليل طلبت منها أن أذهب لأرى أمى قليلا و لكننى أخذت سيارتى مره أخرى لميدان التحرير لأرى ضربا شديدا و أعنف من امس فى وسط البلد و وكاله البلح و كنت أشم رائحه الغد القادم في هذه اللحظه و عدت إلى أمى أقبل رأسها و يدها و أطلب منها الدعاء و السماح و عندما عدت لأخذ زوجتى ذهبت حماتى معنا لتبيت فى الرحاب عند أبنتها الكبرى و أخبرتنى قائله ...أذا لم تستطع أن تمنع نفسك غدا عما أراه فى عينيك يتقد ..فحضر لى أبنتى أولا و أفعل ما شئت ,,لم أرد و أخذت زوجتى الى بيتنا و لم أتكلم فى هذا الأمر و كانت ليله بدون توتر من زوجتى بناء على وعد لم أقطعه لحماى.......اليس الصبح بقريب !!
جمعه الغضب : أستيقظت فى التاسعة دون منبه و ظللت أتقلب فى سريرى أبحث عن طريقة لأخبر زوجتى أنى ذاهب إلى مسجد النور فى العباسيه لأشارك فى المظاهرات من هناك ...كانت شبكات المحمول و الأنترنت قد إنقطعت تمام و لا يوجد لدى هاتف أرضى فى منزلى الجديد ..إستيقظت زوجتى و نظرت لى و قالت ..أنا كنت عارفه ..فاخبرتها أن هذا امر أكبر منى و منك و أرجوكى أن تفهمى موقفى فغضبت و بكت و أخبرتها بحده أنى قطعت وعدا لأمك أن أذهب بك لها فأما أن تجهزى الأن أو أتركك فى البيت ....هل كنت قاسيا ؟؟ نعم ...لكنى كنت أشعر أن وقت المناورات قد أنتهى و قامت زوجتى الحبيبه باخر مناوره و هى أستغراق ما يقرب من الساعه فى التجهيز للخروج و عندما خرجنا فى أتجاه الرحاب لنقابل حماتى دون أى أتصالات مسبقه كان أذان الجمعه يرفع فى المسجد و كان أمرا حتميا أن أصلى الجمعه هناك فصليت و كانت الخطبه عن حرمه الخروج عن الحاكم و الفتن الشديده من وراء ذلك و كم تمنيت أن اقف فى المسجد زاعقا فى هذا الخطيب ...الشعب يريد إسقاط النظام ...
بمجرد أن انتهت الصلاه وقفت منتظرا زوجتى و حماتى على باب المسجد و خيرتهم بان أتركهم فى الرحاب أو أوصلهم الى الظاهر فأختارو الظاهر و كنت أقود مسرعا و طرق القاهره خاليه تماما فى سكون يسبق العاصفه حتى وصلنا إلى كوبر العباسيه لأرى مظاهره تنقسم إلى إتجاه أحمد لطفى السيد و النصف الأخر فى إتجاه شارع الجيش و الشرطه تقف حائره فى المنتصف لا تعرف ما تحاصر و كيف تحاصر ...أخرجت يدى كالطفل فرحا بعلامة النصر للمتظاهرين فى أحمد لطفى السيد و نحن فى طريقنا إلى الظاهر و نظرت فى المرأة لأجد زوجتى تنظر لى بذعر و خوف و قلق ...أسرعت الى البيت و نزلت زوجتى و حماتى و همت زوجتى بالكلام تدعونى للصعود قليلا و لكن وقت الكلام كان قد ولى و أخبرتها بكلمات مقتضبه إنى ذاهب و أدعى لمصر ..أخذت عربتى مسرعا عائدا لألحق بالمظاهره عند وصولها أسفل كوبرى غمره و فى الطريق وجدت مجموعه شباب كانو خارجين من مسجد الظاهر و أخبرتهم أن مظاهره مسجد النور ستصل إلى غمره بعد قليل و اللى ليه حق فى البلد دى يجى معاهم ...كنت قبلها بليله قبل إنقطاع الأتصالات أتصلت بشيخ مسجد الظاهر طالبا منه أن نخرج في مظاهره من هناك لكنه قال لى كم أتمنى لكن المسجد تحت الترميم ونصلى فيه بإذن من المقاولين العرب فأذا خرجت مظاهره منه يقينا سنمنع من الصلاه فيه حتى أنتهاء الترميم فى 2014 أو بعد ذلك فأحترمت رغبته و لم تخرج مظاهرات من مسجد الظاهر بيبرس ...ركنت سيارتى بالقرب من غمره و ترجلت مهرولا أسفل الكوبرى لأشاهد قهوه تمتلى بالبشر يشاهدون قناه الجزيره بترقب ..لا أعرف من أين أتت هذه الشجاعة و لكنى وقفت على بابها صائحا مظاهره النور قادمة الأن من العباسية للتحرير ...اللى ليه حق فى البلد دى يجى معانا لأجد ما يقرب من عشرة أشخاص يخرجون معى لنصبح ما يقرب من الخمسين حال وصولنا أسفل الكوبرى و نرى الفجر قادم إلى بلادى و نلتحم بهم لنبداء هتافنا للمصرين فى شرفات العمارات ...يا أهالينا ضمو علينا ...إنزل ...إنزل ...إنزل و صدقا كنا نشاهد الأسر كامله فى الشرفات و بعد النداء رأينا بعض الرجال يختفون من الشرفات ليلحقوا بنا علي طوال شارع رمسيس و حتى من لم يلتحم كان يلوح لنا بالنصر و كنا نر الأمل و البهجه و الحماس ..حتى وصلنا إلى مدخل ميدان رمسيس لنجد أول حاجز شرطه فى أنتظارنا ليبدأ الضرب دون حتى أن نقترب منهم و يتراجع البعض و يهرب البعض إلى الشوارع الجانبيه و يبدأ الكر و الفر و أستخدام الطوب حتى أذان العصر و نحن عاجزون عن أقتحام أول حاجز من قسوه الضرب و هستيريته ...أذن مؤذن للصلاة على بعد مائه متر من الحاجز و أثناء وقوفنا لأقامه الصلاه رأينا مظاهره بالألف تنضم إلينا قادمه كما قيل من مسجد الشيخ كشك ..أو لعلها كانت ممن أفترقو فى العباسية و أتجهو لشارع الجيش ...كبر الجميع كثيرا و احسسنا أنه المدد اللازم لأكمال المشوار ...
أثناء الصلاه كان هناك بعض الشباب لم يصل و يحاول العبور و قامت قوات الشرطه بقذفهم بالقنابل المسيلة للدموع ليتساقط بعضها وسط المصلين ..أكملنا الصلاه على عجل و بصعوبه و أنهينا الصلاه على هتاف الله اكبر مقتحمين أول حاجز للشرطه كموج البحر و حاولت عربه الشرطه الهروب لكن الغضب طالها نارا مشتعله و ضرب العساكر و الظباط ضربا مبرحا و كانا يتلقون الضرب و هم فى ذهول ...حصلت على درع من عسكرى شرطه و لم أشعر بنفسى إلا و أنا أجرى داخل ميدان رمسيس هاتفا الله أكبر ....عند مسجد الفتح رأينا المصلين محتجزين داخل المسجد و يضرب حرم المسجد الخارجى بشدة بالغاز لمنعهم من الخروج ...عندما تم أقتحام الميدان أستطاع المصلين الخروج و تراجعت الشرطه قليلا للخلف ...جاء لى شاب لا أعرفه طلب مني أن أتخلص من الدرع لأنهم يقبضون على من يحمله ..فرميت الدرع و رايته من بعيد يلتقطه فرحا J لو كان طلبه منى لاعطيته له عن طيب خاطر لكنه منحنى أبتسامه وسط الدخان و الدم ...ذهبت إلى حاجز الشرطه ولا أعرف من أين أوتيت هذه الشجاعة يومها و كان هناك نقيب شرطة واقفا خلف حاجز حديدى بعرض شارع رمسيس و صحت فيه طالبا أفتح الطريق لميدان التحرير لأن أخوة لنا عساكر و ضباط سحقوا فى مدخل الميدان و رجوته حقنا للدماء و لكنه رفع سلاحه قائلا ...مفيش حد هايعدى و أرجع ورا و جرينا و بدأ الضرب بشده ...سقط شاب مضرج فى دمائه و حملناه إلى ممرات ميدان رمسيس و تركناه لا نعلم حيا أم شهيد و عدنا لنجد شارع رمسيس قد تحول لساحه حرب حقيقه و التحمت معنا مظاهرات شبرا مع وصول مظاهرات رابعه العدويه و بدا الأمر كفيلم سينمائى لا نعرف نهايته ....
تحرك جمع غفير فى الشارع الموازى لرمسيس عند جريده الأهرام و تركت عربه أمن مركزى فارغه أمام التوحيد و النور و اشعل فيها الشباب النار و عندما وصلنا إلى جريده الاهرام فطنت الشرطه و هاجمتنا من الشارع الواصل بينهم و كانت معركه كر و فر و كنا قبلها بقليل قد أشترينا كميات كبيره من الصودا لنغسل أعيننا من الغاز و المياه لنشرب ناهيك عن الأهالى التى تقذفنا بالبصل من الشرفات لنستنشقه ...رفض صاحب الكشك ان يأخذ منا أموالا و كنا نشكره و نصر أن نعطيه و هو يرفض ...هو أيضا يريد أن يشارك فى تحرير وطنه و هنا هوجمنا بشده من الشرطه و تراجعنا و شاهدت وقتها حدثا لن يمحى من ذاكرتى ...سقطت قذيفه على سقف الكشك و أشتعلت فيه النيران ...جرى شاب ببطانيه لا أعلم من أين اتت و قام شاب أخر لا يعرفه بتشبيك يده و رفع الشاب بالبطانية فى وسط الضرب لأطفاء النيران ...ما هزنى حقا أن الشاب المصرى بالبطانيه كان ملتح و الشاب الذى رفعه للأطفاء كان صليبا يلمع علي صدره ,,,و أحتضن صاحب الكشك الشابين معا و هويبكي و دحر الشباب قوات الشرطه إلى شارع رمسيس مره أخرى ...لن أنسى ما حييت هذا المشهد وعرفت وقتها أن هذا تاريخ جديد يصنع على أعيننا
حملنا الشباب المصاب إلى مدخل جريده الأهرام و كان أغلب صحفييها فى المدخل أنتظارا للأسعاف ليحملهم و لم أشعر بنفسى إلا هاتفا فيهم أن يبلغوا سرايا المنافق أن هذه الدماء ليست لشرذمة من المصرين كما يدعى بل هى لأشرف و أطهر دماء أنجبتها هذه البلد ....رفع لى كثير منهم اياديهم بعلامه النصر فصحت فيهم قائلا أكتبو باسم الشعب و أكلوا الخبز بكرامه و كفى نفاقا لحكومه تذبح زهره شبابها فى الشارع ...هدأنى رجل منهم و صحبنى بعيدا خوف من ان يتطور الأمر لقذف المبنى بالحجاره من الغاضبين و سمعنا فى ذلك الوقت جلبه من شارع رمسيس شديده لنجرى على هناك لنشاهد العديد من عربات الشرطه محترقه و البقية الباقية تستدير و تهرب و العساكر تجرى لتلحق او لا تلحق بها و عربة شرطة بوكس صغيرة تهرب و ضابط بها يخرج طبنجته ضاربها فى إتجاه المتظاهرين أول الرصاص الحى ...جرى الجميع إلى الميدان فرحا و رأينا عربات كثيره من الشرطه تهرب من أمام المتحف بأقصى سرعه و دخلنا الميدان لنرى جموع المصريين تفيض من كل ركن فيه قادمة من ملحمه قصر النيل و من ماسبيرو و من رمسيس و شبرا و القصر العينى مع مغيب الشمس فى مشهد أسطورى حقا تقشعر له الأبدان ....الأن عرفنا أننا كنا على حق ...كنا نشك فى لحظه ما أننا الوحيدون لكننا كنا نذكر أنفسنا اننا كما هنا موجودون فى رمسيس.. يقينا هناك أخرون و أكثر فى مصطفى محمود و الجيزه و شبرا و في كل مصر ,.,,كنا نظن لأنقطاع الأتصالات أن الثوره قد تفشل و الأن عرفنا أن التاريخ لن يعود للوراء و ما نحن فيه يفوق كل تصور ....تحصنت كل قوات الشرطة الباقية عند باب مجلس الشعب و أصبح الميدان لنا دون حصار و بدون ترتيب بداء كل الشباب فى الطرق على كل ما هو حديد فى الميدان ...كان الطرق مهيبا ..بكل شىء و على أى شىء كان الشباب يطرق ..هل كانوا يدقون أجراس الحريه؟؟ ...هل كانو يعلنون زوال الظلم و الفساد و إنكسار التجبر؟؟؟ ..كان صوتا تقشعر له الأبدان !!...إستراح البعض فى الميدان علي الأرض منهكا إلا ان كثير و ليس قليل أبى و قررنا أن نحاول دخول مجلس الشعب مكررين التجربة الاندونيسية فى إحتلال مجلس الشعب حتى رحيل سوهارتو ...كانت معركه من السادسه إلى منتصف الليل لم تذكر فى كل ما قيل عن الثوره حتى الأن ...كر و فر شديد ..دفاع مستميت عن أخر حصن إستخدمت فيه عربات الأسعاف لنقل الزخيرة للشرطة خسة و نذاله منهم و إصرار رهيب فى المقابل من الشباب ...
شاهدنا عربات بيضاء تهرب من منطقه السفارات و عرفنا بعدها أنها إرتكبت مذبحه و وضع الشباب عربتين منهم فى مدخل شارع مجلس الشعب ليحتمو خلفهما و دارت معركه كنا متسلحين فيها بكثير من دروع الشرطة و رأينا السنه النار تتصاعد من مبنى الحزب الوطنى و كبر الجميع فرحا بسقوط رمز الظلم و الفساد . كان الميدان ساحه حرب لا تشاهد الأفق من كم العربات المحترقه و النيران .كانت الحاديه عشر مساء و كان من فى الميدان لا يعرف أنه هناك حظر تجوال أو جيش فى الطريق ..كل ما كنا نعرفه أننا فى معركه لدخول مجلس الشعب ,,,,تجمعنا في صفوف و كان أول صف كله شباب يحمل دروع الشرطه مثل الافلام تماما و من خلفهم نحن مسلحون بكل ما تطاله أيدينا و أستطعنا إرجاع قوات الشرطه بعد معركه عنيفه جدا لأمتار قليله من باب مجلس الشعب و إذ فجأة نرى ضرب شديد ياتى من حيث لا ندرى و يتساقط الشباب من حولنا و نهرول منسحبين و المزيد يتساقط و فى هذه اللحظة يظهر ظابط من خلف سور الجامعه الامريكيه من على بعد 3 أمتار تقريبا و يضربنا فى مستوى الرأس بالخرطوش و هى مسافه قريبة قاتلة و لم أدر بنفسى إلا مستلقيا على الأرض شاعرا بالم كالكهرباء فى كتفى و ظهرى و ذراعى الذى كنت أحمى به وجهى لحظة الضرب ..قمت متحاملا لا أشعر بنصفى الأيسر و و أنا أرى فى الطريق شباب ملقى على الأرض و أخرون يسحبوهم جريا من ضرب قادم من جهه غير معلومة ...وصلنا حتى مطعم هارديز لنرى أشباحا سوداء فوق مبنى الجامعه الأمريكيه تصطاد شباب مصر من أعلى فى قمه الخسه و النذاله من دوله القمع ...
كان الشباب المصرى العامل فى هارديز يوزع المياه و الصودا على الجميع و عندما شاهدونى متعكزا و ممسكا بذراعى النازف حاولى أدخالى الي داخل المطعم لكنى كنت قادرا على الوقوف فرفضت و جلست مع اخوه لى لا أعرفهم و قد لا نلتقى ثانيا و حتى أذا التقينا قد لا نتعرف على بعض لكن كل ما أذكره أننا جلسنا نستريح كل مصاب فى مكان ما من جسده و خرج شاب بكيس من الخبز يوزعه علينا لنأكل و كانت هى أول ما تذوقناه فى هذا اليوم و يا له من خبز شهى مغموس بطعم الحرية ...
سمعنا ندأ قادما من مسجد خلف المطعم يطلب توجه طلبة الطب و أى أمدادات طبيه و كانت هذا النداء هو أشاره البدء في إنشاء أشهر مستشفى ميدانى فى تاريخ مصر الحديث ..مستشفى ميدان التحرير لتصعد منه أرواح شهداء وهبوا لنا الحريه و الكرامه و العزه ...تحاملت على نفسى و أنا اشعر بلزوجة تحت الجاكت شديد السماكة و رأيت شباب مصرى يطوق المتحف المصرى و يمنع أحدا من الاقتراب لتراث مصر ...شاهدت عربه جيش تصل أمام المتحق ثم تتعطل و يقبع العسكرى بداخلها رافضا الخروج و يلح عليه الشباب ان يخرج وألا يخاف ...ثم سمعنا أصوات هدير شديد لمجنزرات الجيش تعلن عن وصولها إلى الميدان و عرفت وقتها أنه على ما يبدو ما بدأ بتظاهر سلمى تحول بقدر الله الى ثوره شعب و كنت أشعر بخوار قوتى و تذكرت فجأة أمى و زوجتى و تخيلت حالهما فى يوم مهول كهذا تقطعت بهم فيه سبل الاتصال فقررت أن أعود إلى بيتى لأقر عين أمى و أطمئن زوجتى و لأصطحب امى و زوجتى معى صباحا إلى ميدان التحرير بعد التحرير و هذا ما حدث و تلك قصه اخرى .............
لا أعرف هل كان من حسن حظى أم من سوء حظى أن أخطأنى الرصاص الحى ليختار من هم أحق منى بالشهاده لكن كل ما أعرفه أنى ولدت من جديد وأننا لن نتأخر ثانية على بلادنا و لن نتركها فى أيدى أشباه الرجال يذيقون أهلنا سوط العذاب ....و أن عدتم عدنا .... رجعت إلى أهلى مثخنا بجراح تركت لى ندوبا لتذكرنى أنه ... "إذا الشعب يوما أراد الحياة... فلابد أن يستجيب القدر".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.