أسعار العملات اليوم الجمعة 24-5-2024 مقابل الجنيه المصري بالبنوك    تراجع مؤشر الثقة بين الشركات الصناعية في فرنسا شهر مايو الجاري    مدينة المراقد والآثار.. ماذا نعرف عن مشهد التي دُفن بها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي؟    تفاصيل انهيار ملهى في إسبانيا.. مصرع وإصابة 25 شخصا    كولر: جاهز للترجي بأكثر من سيناريو.. ولدي حل لغياب معلول    كولر: سنجد لاعب بديل لعلي معلول وسنحاول منع الترجي من تسجيل الأهداف    ضبط قضايا اتجار في العملات الأجنبية ب11 مليون جنيه خلال 24 ساعة    ضبط عصابة تزوير المحررات الرسمية وترويجها على فيسبوك    موضوع خطبة الجمعة اليوم.. الحج بين كمال الإيمان وعظمة التيسير    محافظ بني سويف يتابع انتظام العمل بسوق بيع السيارات    تشافي يستعد للرحيل.. موعد الإعلان الرسمي عن تعاقد برشلونة مع المدرب الجديد    15 دقيقة لوسائل الإعلام بمران الأهلى اليوم باستاد القاهرة قبل نهائى أفريقيا    قصف إسرائيلي مُكثف على أنحاء غزة.. وكارثة صحية بعد توقف محول مُستشفى "شهداء الأقصى" لنقص الوقود    واشنطن تدرس تعيين مسئول أمريكى للإشراف على قوة فلسطينية فى غزة بعد الحرب    موجة حارة جديدة تضرب البلاد.. توقعات الطقس ليوم الجمعة 24 مايو 2024    ظهرت الآن.. رابط بوابة التعليم الأساسي للحصول على نتيجة الفصل الدراسي الثاني 2024    عاجل.. أنباء عن العثور على آخر ضحايا حادث معدية أبو غالب    4 أفلام تتنافس على جوائز الدورة 50 لمهرجان جمعية الفيلم    الإسلام الحضاري    وزارة الثقافة تحتفي بأعمال حلمي بكر ومحمد رشدي بحفل ضخم (تفاصيل)    وزيرة البيئة: بنجلاديش كانت لاعبا رئيسيا ولها دورا بارز فى مفاوضات المناخ    تجديد ندب أنور إسماعيل مساعدا لوزير الصحة لشئون المشروعات القومية    الأكاديمية العسكرية المصرية تنظم زيارة لطلبة الكلية البحرية لمستشفى أهل مصر لعلاج الحروق    تعرف على مباريات اليوم في أمم إفريقيا للساق الواحدة بالقاهرة    موعد ومكان تشييع جنازة شقيق الفنان مدحت صالح    وزير العمل يشهد تسليم الدفعة الثانية من «الرخص الدائمة» لمراكز التدريب    نقل شعائر صلاة الجمعة المقبلة من ميت سلسيل بالدقهلية    مجلس أمناء جامعة الإسكندرية يوجه بضرورة الاستخدام الأمثل لموازنة الجامعة    العنب لمرضى القولون العصبي- هل هو آمن؟    رئيس الأركان يتفقد أحد الأنشطة التدريبية بالقوات البحرية    الإسكان: تشغيل 50 كم من مشروع ازدواج طريق «سيوة / مطروح» بطول 300 كم    بوتين يصحّح لنظيره لوكاشينكو تعليقه على محادثاته مع ملك البحرين في موسكو    انطلاق امتحانات الدبلومات الفنية غدا.. وكيل تعليم الوادى الجديد يوجه بتوفير أجواء مناسبة للطلاب    سويلم يلتقى وزير المياه والري الكيني للتباحث حول سُبل تعزيز التعاون بين البلدين    سول تفرض عقوبات ضد 7 أفراد من كوريا الشمالية وسفينتين روسيتين    نقيب المحامين الفلسطينيين: دعم أمريكا لإسرائيل يعرقل أحكام القانون الدولي    عائشة بن أحمد تروي كواليس بدون سابق إنذار: قعدنا 7 ساعات في تصوير مشهد واحد    هشام ماجد: الجزء الخامس من مسلسل اللعبة في مرحلة الكتابة    النشرة المرورية.. سيولة فى حركة السيارات على محاور القاهرة والجيزة    «المعلمين» تطلق غرفة عمليات لمتابعة امتحانات الدبلومات الفنية غدًا    مصرع 4 أشخاص وإصابة 30 آخرين فى انهيار مطعم بإسبانيا..فيديو وصور    حملات توعية لترشيد استهلاك المياه في قرى «حياة كريمة» بالشرقية    الصحة العالمية: شركات التبغ تستهدف جيلا جديدا بهذه الحيل    "صحة مطروح" تدفع بقافلة طبية مجانية لخدمة أهالي قريتي الظافر وأبو ميلاد    «العدل الدولية» تحاصر الاحتلال الإسرائيلي اليوم.. 3 سيناريوهات متوقعة    «الإفتاء» توضح مناسك الحج بالتفصيل.. تبدأ بالإحرام    «الإفتاء» توضح نص دعاء السفر يوم الجمعة.. احرص على ترديده    حظك اليوم برج العقرب 24_5_2024 مهنيا وعاطفيا..تصل لمناصب عليا    نقابة المهندسين بالغربية تنظم لقاء المبدعين بطنطا | صور    الحج بين كمال الإيمان وعظمة التيسير.. موضوع خطبة اليوم الجمعة    مدرب الزمالك السابق.. يكشف نقاط القوة والضعف لدى الأهلي والترجي التونسي قبل نهائي دوري أبطال إفريقيا    نقيب الصحفيين يكشف تفاصيل لقائه برئيس الوزراء    أوقاف الفيوم تنظم أمسية دينية فى حب رسول الله    شخص يحلف بالله كذبًا للنجاة من مصيبة.. فما حكم الشرع؟    جهاد جريشة: لا يوجد ركلات جزاء للزمالك أو فيوتشر.. وأمين عمر ظهر بشكل جيد    اليوم.. الأوقاف تفتتح 10 مساجد بالمحافظات    هيثم عرابي: فيوتشر يحتاج للنجوم.. والبعض كان يريد تعثرنا    وفد قطرى والشيخ إبراهيم العرجانى يبحثون التعاون بين شركات اتحاد القبائل ومجموعة الشيخ جاسم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الواقعية الروحيَّة وتمثيل الوجدان الشعبى

عرفت روايات محمد جبريل قبل أن أعرفه شخصيَّاً. كنت أكتب بحثاً عن «التاريخ القناع فى الرواية العربية»‬، واتخذت روايته «‬من أوراق أبى الطيِّب المتنبِّى» أنموذجاً. بدا لى أن الراوى، فى هذه الرواية، يتَّخذ وقائع التاريخ مادَّة أوَّليَّة، ويختار منها، من منظوره ما يقيم منه، ومن منظوره أيضا، بنية روائية متخيَّلة، تصدر عن المرجع التاريخى، وتغايره، وتنطق برؤية اليه. وهو؛ إذ يفعل ذلك، يتيح للرواية أن تروى حكاية التاريخ الكاشفة حقائقه وحقائق الواقع الحياتى المعيش فى الوقت نفسه، فيكون النصُّ الروائى التاريخى ناطقا برؤية إلى التاريخ، وفى الوقت نفسه ضوءاً كاشفاَ للواقع المعيش، ما يعنى اتخاذ التاريخ قناعا للنُّطق بخطاب الحاضر. هذا إضافة إلى اعتماد تقنية روائية توهم بصدقية ما يُروى وجعله يؤدَّى من منظور شاعر العربية الكبير المتنبى؛ وذلك عندما أوهم القارى بأنه عثر على أوراق للمتنبى يقدم بعضها للقارى.
ثم عرفت محمد جبريل شخصيَّا،ً عندما التقيت به فى مؤتمر اتحاد الأدباء والكتاب العرب العام، فى دمشق. كان يهدى نسخاً من مؤلَّفاته لعدد من المشاركين فى المؤتمر، فاقتربت منه، وقلت له: أنا قرأت لك، وكتبت عنك. وإن أهديتنى أقرأ لك و...قاطعنى: يكفينى هذا..وأهدانى مجموعة من رواياته. وكانت هذه الحادثة بداية صداقة أعتزُّ بها، فجبريل، كما عرفته، إنسان دمث، لطيف المعشر، طيِّب القلب، عفوى، وطنى قومى صادق، محبٌّ.
كما يضىء جبريل التاريخ والواقع، فيكشفهما ويرى إليهما من منظور نقدى، فهو يضىء، أيضا، أجواء الذات الانسانية المعتمة بلغة سلسة نافذة موحية، ويصوِّر الناس، وهم يسعون، كلٌّ فى فضائه الخاص، فيشعر القارى بأن هذا الفضاء أليف وحميم، وهو إذ يشكِّله يبدو مشعَّاً بالدلالات.
إن كان نجيب محفوظ قد روى حكايات القاهرة فى ثلاثيته المعروفة وروايات أخرى، فإن جبريل روى حكايات الاسكندرية فى «‬رباعية بحرى» وروايات أخرى.
يبدو أن نشأة جبريل فى حى شعبى متديِّن، ومتديِّن بخاصة تديُّناً شعبياً، تكثر فيه مقامات الأولياء والمساجد والاحتفالات الدينية.. أسهمت فى تشكيل منظوره الروائى وزاوية الرؤية لديه، فوجَّه مرآته الروائية الى بؤر مركزية، منها : التراث والشعبى منه بخاصة والحياة الشعبية...، فالتقطت موضوعات وشخصيات يغلب عليها التدين والشعبى الصوفى منه بخاصة والعجائبية والغرائبية.
تمثلت هذه المرآة الروائية «‬الوجدان الشعبى» للحيز الذى رأت إليه، ومثلته روايات واقعية وعجائبية وميتافيزيقية وصوفية فى الوقت نفسه، ما يجعلنا نرى أنَّ هذه الروايات تمثل تيارا متميزا فى الرواية العربية يعدُّ محمد جبريل رائده، وهو تيار «‬الواقعية الروحية».
يشير جبريل إلى هذا التيار بقوله: أنا «‬أتعامل مع الموروث والميتافيزيقيا من وجهة نظر دينية إسلامية مصرية...».
مرجع جبريل هو الحياة: وقائع وشخصيات وأماكن وأولياء وسير... يقول جبريل: أدين بأفكار لى إلى إمام جامع هو «‬ابن بامبا» الذى تحوَّل إلى ولى.
يصدر جبريل عن هذا المرجع، ويقيم من معطياته بنية متخيَّلة تعادله وتغايره وترى إليه.
وتفيد روايات أخرى لجبريل أنَّ المواطن يشعر بأنه يعيش الغربة فى وطنه، فيهاجر ليعيش فى غربة أمر وأقسي. ففى روايته الأخيرة: «‬النفى إلى الوطن»، على سبيل المثال، يستقبلنا التصدير الآتى لأبى حيان التوحيدى: «‬أغرب الغرباء من صار غريبا فى وطنه. وأبعد البعداء من كان بعيدا فى محل قربه». والمعروف أن شعور التوحيدى بالغربة فى وطنه دفعه إلى إحراق كتبه.
إن كانت روايات جبريل تتميَّز موضوعاتيا ورؤيويا، كما ذكرنا بإيجاز، فإنها تتميَّز بنيوياً، فمسار القصِّ فى هذه الروايات يمضى فى سياق متكسر، يتشكل من لقطات للَّحظات المهمة فى الحياة، قريبة من لقطات الفيلم السينمائى أو المسلسل التلفازى التى تترك مساحات مسكوتا عنها للمتلقى كى يتخيل، ويكمل القص. وهو - أى القارى - يتابع القراءة، فيسهم فى تشكيل البنية القصصية، ويكون شريكا فى الابداع من ناحيتين: أولاهما قول المسكوت عنه وثانيتهما تبين الدلالة وقولها، وهذا ما يؤتى لذة القراءة.
تتشكل روايات جبريل من فصول قصيرة يبدو كأنَّ كلاًّ منها قصة قصيرة، إن أُفرد، لكنه عندما ينتظم فى نظام البنية يسهم فى تشكيل بنيتها الكلية وفاعلية هذه البنية الجمالية الدلالية.
يتكوَّن نسيج هذه البنية من سرد مشوِّق ووصف خلاَّق للمعنى وحوار ذاتى وثنائى ملائم للموقف والشخصية وموظَّف فى تنمية مسار القص.
ما يؤلم هو أن يُترك هذا المبدع العربى الكبير الذى نذر عمره للعطاء إلى معاناة نتائج خطأ طبى أقعده فى منزله.
شفاك الله تعالى، صديقى العزيز، وأمدَّ الله، تعالى، في عمرك لتواصل إضاءة عالمنا بالكشف الممتع والمضىء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.