توافد المصريين بالسعودية للتصويت في 30 دائرة ملغاة بالمرحلة الأولى لمجلس النواب    مجلس الدولة يعلن عن مسابقة للتعيين في وظيفة مندوب مساعد    إعلان توصيات المنتدى الخامس لاتحاد رؤساء الجامعات الروسية والعربية    عاجل- البورصة المصرية تسجل إنجازًا تاريخيًا باختراق EGX30 حاجز 42 ألف نقطة لأول مرة    استقرار أسعار العملات العربية في ختام تعاملات اليوم 8 ديسمبر 2025    السفير البريطاني ووزير الكهرباء يبحثان التعاون في مجال الطاقة المتجددة    رئيس الوزراء يبحث مع محافظ البنك المركزي تدبير الاحتياجات المالية للقطاعات الأساسية    الاتحاد الأوروبي يهاجم استراتيجية ترامب    دخول 256 شاحنة مساعدات مصرية وعربية ودولية إلى غزة عبر معبر رفح البري    نتنياهو: انتهاء المرحلة الأولى من خطة ترامب للسلام باتت وشيكة    رسميا.. استبعاد محمد صلاح من قائمة ليفربول ضد إنتر ميلان    أمير قطر: مباحثات الرياض فرصة لاستعراض آفاق الشراكة الاستراتيجية    رسميًا.. ليفربول يستبعد محمد صلاح من قائمته لمواجهة الإنتر    عضو مجلس الزمالك يتبرع ب400 ألف دولار لسداد مستحقات اللاعبين الأجانب    إنجاز أممي جديد لمصر.. وأمل مبدي: اختيار مستحق للدكتور أشرف صبحي    أمطار تضرب القاهرة وانخفاض حاد في درجات الحرارة    محمد هنيدي يحتفل بزفاف ابنته فريدة الجمعة المقبل    منزل عبد الحليم يفتح أبوابه رقميا.. موقع جديد يتيح للزوار جولة افتراضية داخل إرث العندليب    لليوم الثالث على التوالي.. استمرار فعاليات التصفيات النهائية للمسابقة العالمية للقرآن الكريم    محافظ الجيزة يبحث مع مدير الشئون الصحية المتطلبات اللازمة لرفع كفاءة العمل بمستشفى الصف    وزير الصحة يبحث مع الأوروبي للاستثمار إطلاق مصنع لقاحات متعدد المراحل لتوطين الصناعة في مصر    بعد ساعتين فقط.. عودة الخط الساخن ل «الإسعاف» وانتظام الخدمة بالمحافظات    د. معتز عفيفي يكتب: المسئولية القانونية للذكاء الاصطناعي.. بين تمايز المجالات وحدود الإعفاء المهني    فرانكفورت يستعيد نجمه قبل مواجهة برشلونة    عرض كامل العدد لفيلم غرق بمهرجان البحر الأحمر السينمائى    الكواليس الأولى من مسلسل «على قد الحب» ل نيللي كريم في رمضان 2026 | صور    وزير إسكان الانقلاب يعترف بتوجه الحكومة لبيع مبانى "وسط البلد"    إمام الجامع الأزهر محكمًا.. بورسعيد الدولية تختبر 73 متسابقة في حفظ القرآن للإناث الكبار    السيدة زينب مشاركة بمسابقة بورسعيد لحفظ القرآن: سأموت خادمة لكتاب الله    المرور : أمطار خفيفة على الطرق.. وحركة السيارات تسير بانتظام    وزير الزراعة يكشف تفاصيل جديدة بشأن افتتاح حديقة الحيوان    وزير الصحة يتابع تطورات الاتفاقيات الدولية لإنشاء مصنع اللقاحات متعدد المراحل    أمين الأعلى للمستشفيات الجامعية يتفقد عين شمس الجامعي بالعبور ويطمئن على مصابي غزة    «القومي للمرأة» يعقد ندوة حول حماية المرأة من مخاطر الإنترنت    وكيل تعليم بني سويف تبحث استعدادات امتحانات نصف العام لسنوات النقل والشهادة الإعدادية    فرقة القاهرة للعرائس المصرية تكتسح جوائز مهرجان مصر الدولي لمسرح الطفل والعرائس    بسام راضي يشرح موقف مصر من سد النهضة أمام المؤتمر الدولي للمياه بروما    انطلاق أعمال المؤتمر الدولي ال15 للتنمية المستدامة بمقر الأمانة العامة للجامعة العربية    تعليق ناري من محمد فراج على انتقادات دوره في فيلم الست    مصدر بالزمالك: تصريحات وزير الإسكان تسكت المشككين.. ونسعى لاستعادة الأرض    محافظ جنوب سيناء وسفراء قبرص واليونان يهنئون مطران دير سانت كاترين بذكرى استشهاد القديسة كاترينا    موجة تعيينات قضائية غير مسبوقة لدفعات 2024.. فتح باب التقديم في جميع الهيئات لتجديد الدماء وتمكين الشباب    عاجل- الاحتلال الإسرائيلى يواصل خروقاته لوقف إطلاق النار لليوم ال59 وقصف مكثف يطال غزة    حبس زوجين وشقيق الزوجة لقطع عضو شخص بالمنوفية    وزير الثقافة: أسبوع باكو مساحة مهمة للحوار وتبادل الخبرات    وزارة العمل تحتفي باليوم العالمي لذوي الإعاقة بجمعية المكفوفين    المقاولون عن أزمة محمد صلاح : أرني سلوت هو الخسران من استبعاد محمد صلاح ونرشح له الدوري السعودي    أمطار شتوية مبكرة تضرب الفيوم اليوم وسط أجواء باردة ورياح نشطة.. صور    كامل الوزير يوجه بإنشاء محطة شحن بضائع بقوص ضمن القطار السريع لخدمة المنطقة الصناعية    الرئيس السيسي يؤكد دعم مصر الكامل لسيادة واستقرار ليبيا    الإفتاء تؤكد جواز اقتناء التماثيل للزينة مالم يُقصد بها العبادة    ضمن مبادرة «صحّح مفاهيمك».. أوقاف الغربية تعقد ندوات علمية بالمدارس حول "نبذ التشاؤم والتحلّي بالتفاؤل"    النيابة تطلب تقرير الصفة التشريحية لجثة سيدة قتلها طليق ابنتها فى الزاوية الحمراء    هويلوند: نصائح كونتي قادتني لهز شباك يوفنتوس مرتين    وزير الصحة يترأس اجتماعا لمتابعة مشروع «النيل» أول مركز محاكاة طبي للتميز في مصر    تايلاند تشن غارات جوية على طول الحدود مع كمبوديا    وزير الرياضة: إقالة اتحاد السباحة ممكنة بعد القرارات النهائية للنيابة    متحدث "الأوقاف" يوضح شروط المسابقة العالمية للقرآن الكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شغف : تنويعات في تقنيات بنية النص السردية
نشر في أخبار السيارات يوم 16 - 06 - 2018

إذا تأملت الحياة وأنت تقرأ رواية »شغف»‬ لرشا عدلي تشعر أن كل إنسان يؤدي رقصته الخاصة بهذا الوجود، الرقصة التي تُمهر ببصمة روحه والتي يتحرك وفق إيقاعها، دائرة الشغف التي يدور فيها وفي محيطها تنبعث موسيقاه الخاصة الداخلية، حيث يُساق إلي أقداره ساعياً علي قدميه، منساقاً ومأخوذاً لنداء داخلي يوجه حركته، منطقة قدرية نُخلق فيها وفي جاذبية محيطها ندور، ومنطقة أخري باختيارنا، الشغف الذي يتملك إرادتنا حتي لو علمنا أن فيه نهايتنا وعذاباتنا.
كما أن كل واحد منا يصنع ويهيئ أسلوب خلاصه وطريقته، انطلاقات نفسه التي تتسق وعالمه وطبيعة ثقافته، فإذا كان »‬شريف» مهندس العمارة الأثرية قد ارتاح إلي أن يعادل العالم المادي الذي عمل فيه برقصة الدرويش، فتلاقي مع عوالم التصوف حيث تمثِّل رقصة المولوية تسامياً وخلاصاً، ويفضي الدوران فيها إلي العودة إلي الله، فتصبح طقسه الذي يغتسل فيه من إيقاع الحياة المادي في فترات يقتطعها من الزمن. وتجد»ياسمين» أستاذه الفنون التشكيلية شغفها في رحلة البحث عن اللوحة مجهولة الرسام، ومجهولة الفتاة »‬شخصية اللوحة»، فتدور ياسمين في دائرة البحث والتقصي والدراسات. فتسافر من أجل أن تفك شفرات تلك اللوحة الغريبة، التي تخفي خصلات شعر آدمي بداخلها. فيتملك الشغف والانشغال الباحثة لشعورها بالغموض. ثم مع تقدم السردية تتوازي أسئلتها حول حياة الفتاة في اللوحة وتلتقي في نقطة تماس بوجه من الوجوه مع قصة أمها التي أنهت حياتها منتحرة، أو مع قصة كل امرأة في المجتمعات الشرقية، خاصة حين تطرح الروائية تساؤلات متعددة وهي تقص طريقة موت زينب البكري، وعلي من يقع ذنب ما حدث لها؟ وهل من حق أحد الحكم عليها بعد رحيل نابليون؟
مثل شريف وياسمين تنخطف »‬زينب البكري» فتاة الستة عشر عاماً التي تنبهر بعالم الفرنساوية ولا تري فيهم غزاة أفظاظاً كما المماليك، تُعجب بمظاهر عيشهم، وأزياء نسائهم وحريتهن، ورقة تعاملهم مع المرأة بعيداً عن الأمر والطاعة. تسوقها أقدارها إلي أن يعجب بها نابليون في النص علي نحو خاص، أو يقدمها أبوها بنفسه له، لكنها تجد شغفها في عشقها لإلتون جيرمان الرسام الذي جاء ضمن حملة نابليون، تقص زينب جدائل شعرها التي راقت لنابليون لشعورها أن مابينهما جريمة في حق نفسها ودينها ومجتمعها، وأن هذا الأخير لن يسامحها أبدا، وتظل علي عشقها للرسام إلتون رغم رحيله عنها مع الحملة للحرب، ثم موته.
في دائرة شغف آخر يدور نابليون القائد الفرنسي الذي تتمثل رغبته في انتصاراته وأن يصبح امبراطور الغرب والشرق معاً ويستحل في سبيل حلمه التوسعي دماء أهل البلاد التي يغزوها، كما جنود حملته ومواطنو بلده. يقع إلتون الفنان التشكيلي الذي يساق دون أن يعلم، ودون رغبة في مصاحبة الحملة إلي مصر في حب زينب الفتاة الشرقية التي يعلم انجذاب نابليون لها. كما يستنكر ويشعر بالكراهية تجاه الزعامات التي تفضي إلي كل هذه الدماء، ومظاهر الحروب والموت والخراب، ويسجل هذه الصراعات في لوحاته فيُظهر وحشية الفرنسيس في مقابل شجاعة المصريين والإصرار الذي بأعينهم وهم يدافعون عن وطنهم، كما يسجل مظاهر الحياة والحرف ووجوه البشر العادية. يمثل إلتون ومنظوره للحرب والإغارة علي بلدان شعوب أخري الوجه الآخر لنابليون بكل أطماعه الاستعمارية التوسعية الساعية للزعامة. رغبة الشعوب في الحياة الآمنة السلمية في مقابل غطرسة الحكام واستهانتهم بأرواح البشر.
الجميع، وكل فرد، يتبع خطي قلبه في دائرة شغف تتملكنا بحيواتنا القصيرة للغاية في الزمن، الزمان الممتد بهذا الوجود.
يتسيد الشغف بأنواعه المصائر، ويصبح مهيمناً علي توجه الشخوص ومسيراً لهم، فيحتل عنوان العمل وعتبته الأولي كما لوحة الدرويش، راقص إيقاع الصعود والاتصال مع القوي الأعلي. وتعتمد سردية الرواية علي سارد عليم يحكي عن الشخوص ويروي عنهم تباعاً في الفصول التي تأخذ تميزها من التواريخ المثبتة علي رأسها، يقص السارد وينقل حواراتهم مع الآخرين و يجعلهم يبوحون بمونولجهم الداخلي، فيبدأ بسرد حكاية د. ياسمين واللوحة وينتقل ما بين شريف، وزينب البكري، وإلتون أحد رسامي الحملة الفرنسية الذي يأتي حكيه بضمير أنا السارد، فهو الوحيد الذي يتحدث بضمير المتكلم وليس الراوي العليم، وربما اختارت الروائية هذا الاستثناء لكون إلتون عينا راصدة من خارج المجتمع المصري، وفناناً يلاحظ ويستبصر من خلال ثقافة أخري، حيث يمثل الاستشراق في صورته المنصفة المتعاطفة بلا رغبة في السيادة، والتقاط التميز في الشعوب والأفراد، كما يحاول إلتون أن يحلل الأحداث حوله، ويعلق علي دهاء خطابات نابليون مع المصريين، ومدي القسوة والبرجماتية التي صبغت معاركه في الشرق. وينطلق أيضاً صوت والدة زينب المكلومة لتسرد ما يحدث لابنتها وزوجها في جزء صغير من الرواية. هذا التنوع في طرق السرد بين الراوي العليم الفوقي الذي يرمي بأجنحته وعينيه وسمعه علي التاريخ، كما اللحظة المعاصرة، بالإضافة إلي استنطاق بعض الأصوات بحكيها المباشر وصوتها يسهم بشكل نسبي في تنوع طرق رواية السردية ومناظيرها المختلفة، كما أسهم في تعدد العوالم والمفردات الخاصة بكل عالم ومشاهدة التاريخ وتحسس فترات نابضة وحيوية منه.
قسمت الكاتبة النص لفصول مرقمة وهناك عناواين جانبية تدلل علي الانتقالات المكانية والتاريخية التي تتسق والفترة التاريخية التي يعيش فيها الشخوص سواء في اللحظة المعاصرة أو في الماضي زمن الحملة الفرنسية.
ولقد حرصت الروائية علي الحفاظ علي عنصر تشويق دائم وممتد في نسج سردية النص، وتظل اللوحة التشكيلية دائماً هي اللغز المعروف والمجهول معاً، الغامض الهوية الذي يفتح أبواب السرد، وحينما تنغلق هذه الأبواب ويتلاشي أمل معرفة سرها تنفتح خيوط أخري ويبرز نفق جديد، يفتح أحداثاً تمد الحكي بعوالم تثري مجمل السردية، وتهبها أبعاداً إنسانية غنية بالتنويعات البشرية وغرابتها. فبرغم صوت إلتون وحكيه عن علاقته بزينب إلا أن الروائية حرصت حتي آخر النص أن لا تفصح شخوصها عن سر اللوحة مضموناً وتشكيلاً إلا آخر الصفحات في العمل، وهو ما يدفع القارئ للاستمرار في متابعة الحكي.
وهنا ربما يُطرح سؤال عن قدر المتخيل في الجزء الخاص بالحكي التاريخي؟ فلا شك في أن الروائية استعانت بمراجع كثيرة لهذه الفترة التاريخية لتنقل الكثير من أحداثها وتفاصيلها المدونة لأنها وقائع حدثت بالفعل وأُرخت، كما استكملت من مخيلتها هذه الخيوط الدرامية الخاصة بالبشر، وأضافت بعداً لصراع زينب لم يرد بالتاريخ ليتناسب مع بناء النص القائم علي اللوحة التشكيلية التي تهب الحدث تراجيديته أكثر من سطوته التاريخية التي دونت، أحسب أن المتخيل قد تجسد في العلاقة التي أوجدتها الروائية بين زينب بإلتون أحد التشكيليين الذين قدموا مع نابليون، وفي تفاصيل صياغة مشهد طريقة موتها الدرامتيكية.
اللغة علي صعيد المفردات والأساليب:
تتميز سردية الرواية بإيقاعها السريع، فالجمل الحوارية قصيرة، تحمل دلالة واضحة ومباشرة بلا مراوغة بل موجهة لأهدافها وموحية، رغم وجود بعض مناطق السردية التي عانت من تكرار ذات المعاني مرات لكن النص تميز بلغة ناصعة ومتوجهة مباشرة لأهدافها الدلالية وذات بناء أسلوبي جميل وواضح.
ولتنوع عوالم وتواريخ الأحداث وشخوصها تنوعت مفردات اللغة، الألفاظ وليست التكوينات الأسلوبية، وكأن لغة السرد» المفردات» اصطنعت طرقاً متعددة الحارات يسير فيه كل محور سردي بألفاظه ومصطلحاته وعملاته وعوالمه التي تصنع أجواءه وطقسه، ففي القص الخاص بحكي زينب البكري هناك لغة قديمة تتضمن البارات وهي العملة المصرية في القرن الثامن عشر أيام المماليك، الحوذي والعطارين والسقائين، البيوت ذات المشربيات والملابس الخاصة بأولاد البلد ونسائهم. ثم هناك الفرنسيين وما استقدموه معهم من كل مظاهر الحياة وعاداتهم التي غايرت ما ألفه المصريون. تميز أيضا السرد الخاص بالتجربة الميتافيزيقية الصوفية التي خاضها المهندس شريف في مدينة قونية بتركيا، ولقائه بالدرويش »‬الطيف» مستجيباً لرغبة داخلية بذاته، يقول:» اصطدم نظره مرة أخري بلوحة الدرويش ، وتهيأ له أنه يلف ويدور، لا .. لم تكن تهيؤات كان الدرويش يرقص حقاً ، فتح عينيه اندهاشاً وتمعناً ، فلاحظ الرجل تبدل ملامحه» ، تنساب مفردات التصوف وعوالمه العرفانية التي تنقل أفقاً جديداً في دنيا شريف المادية .
تتوالي اللغة الخاصة بالفنون التشكيلية أيضا والمفردات والمصطلحات المعبرة عنها وأسماء المواد المستخدمة فيها وكيفية تكوين الألوان منذ تعرف ياسمين علي اللوحة وبحثها حولها تقول:» كانت تلك الشرارة الأولي التي أضاءت لها نفق البحث المظلم، المعلومات التي توصلت إليها أن الفنان محترف وليس هاوياً، وأكد لها ذلك طريقة مزجه للألوان. كتبت علي موقع البحث عن مزج الألوان بالرمل والملح وانتظرت النتائج، فأكد لها عدد من المواقع أن هذه الطرق في الرسم كانت مستخدمة من قبل عدد قليل من الفنانين الفرنسيين في منتصف القرن الثامن عشر»، وتظهر أيضا مفردات فن المعمار في وصف القاهرة وقت الحملة طرقها ومبانيها وحاراتها وحدائقها، كما الوصف التفصيلي لبيت السناري.
تصوغ الروائية اللغة العصرية المتأثرة بوسائط التواصل الاجتماعي وتصف رسوماتها المساعدة وتصفها، حين تتخيل ياسمين ما يدور بين شريف وتلك الفتاة »‬نرمين» التي تدرس وتعمل معه تقول: »‬ ربما في الصباح مثلا يكتب لها (هل استيقظت من النوم) ويعقبه برمز تعبيري لوجه نائم، ( مارأيك لو تتناولين معي فنجاناً من القهوة) ويختار رمزاً لفنجان من القهوة، ولكن هل يمكن أن يكتب لها كلمة (أحبك) ويختار من بين الرموز القلب الأحمر الكبير أو الوردي الذي يخترقه سهم».
تضمنت السردية أيضا ألفاظ ومفردات الحروب والمعارك والبارود، لغة الصراع بين محتل غازٍ وأناس بسطاء يدافعون عن أوطانهم، كما جاءت اللغة علي لسان إلتون معبرة عن قدر النذالة واللإنسانية التي تعامل بها نابليون مع أسراه وهو ما عُد نقيضاً لكل أفكار عصر التنوير التي آمن بها تنويريو أوروبا ولقد كان نابليون يفتخر بأنه من زمرتهم.
تجلت مستويات اللغة في المفردات والألفاظ وبعض المصطلحات لكنها لم تتنوع علي مستوي طريقة تراكيب وصياغة الجمل وإيقاعها التاريخي الخاص، فعلي سبيل المثال جاء الحكي علي لسان زينب ووالدتها بلا إيقاع التراكيب وجرسها المتداول والمشهور عن هذه المرحلة في الكتابة، حيث سيطرة المحسنات البديعية والسجع والجناس علي صياغة الجملة، كما بدا الحكي علي لسان إلتون بلا فارق مع باقي الشخوص رغم فرنسيته يقول:».. كنت متأكداً أنني مهما أحاول أن أرسمها تعجز ريشتي عن وصف صخبها وحجم الدمار. لقد دارت رحي المعركة بالقرب من أهرام الجيزة التي وقفنا أمامها كأقزام ونحن نتساءل:هل سنتمكن ياتري من هزيمة أحفاد هؤلاء العباقرة الذين بنوا هذه الصروح؟»،أو قوله في معرض وصفه لمراحل تعلقه بزينب: »‬بدأ الأمر بدقات خفيفة ثم صارت أقوي فأقوي، حتي صفعت باب القلب صفعاً ودخلت وتربعت علي عرشه»، لقد تشكلت الأساليب وكأنها لنهر تنساب فيه مياه واحدة لا تتغير مع الفصول، لغة عصرية أسلوبياً وإيقاعياً. وغلبت الكنايات والتشبهات علي الصياغات المجازية بالنص يحكي شريف عن وسط رجال الأعمال يقول:»لا يستطيع أن ينكر أنه في البدء انجذب تجاه هذا العالم .. حفلاته، سهراته، رحلاته، ككثبان رملية تسحبه لأسفل أكثر وأكثر، ومع الوقت تأكد أن المال هو غاية هؤلاء الناس..».
كما تضمن السرد بعض العبارات والفقرات والجمل التي يمكن أن تتخلص من ثلث أو نصف حمولتها من عدد الكلمات في صياغة الجمل والعبارة دون أدني تأثير يمكن أن يحدث بالمعني إلا التكثيف والصياغة المحكمة، كأن الروائية تخشي ألا تقدم للمتلقي المعني واضحاً تماماً ومن كافة جوانبه، ومكرراً لمرات، وهو مالا يطلب في فعل الإبداع السردي كثيراً،فلا ضير من مناطق مقطرة، ولا ضير من كونها غائمة بينية، تترك للمتلقي مساحات للتأويل. وتهب تلك المناطق التي تعتمد أكثر علي الإيحاء معاني متعددة ومكثفة لاتكائها علي مخيلة القارئ وفضائاته الذهنية، هذا الاقتصاد في عدم تكرار الدوال والدلالات، والرمي بشرر فقط، هو ما يجعل الإبداع أكثر صخباً بالاحتمالية، مكثف المعاني، يتيح للقارئ قدراً من مشاركة الطاقة الإبداعية.
ترد بعض الجمل والمعلومات المكررة التي يمكن أن تصيب النص بالترهل وعدم التماسك، مثل وصف الفتاة التي في اللوحة وملابسها ونظرتها التي ترد مكررة في صفحات عدة.
وتفتقد بعض محاور السردية استكمال أبعاد التجربة البشرية بتجلياتها كتجربة شريف مع التصوف، هناك بتر كان من الممكن استكماله علي نحو ما؛ فيضيف عالماً فنياً وميتافيزيقياً ثرياً، لكنني أحسب أنّ اتساع رقعة النص ومراحله الزمنية المتفاوتة وتشعب عوالمه: المكانية والتاريخية كان وراء عدم اكتمال سرد تطور وإضافة هذا المحور لشخصية العمل.
هيمنة عوالم فن التشكيل علي سردية شغف:
نجحت الكاتبة في تخليق مزيج متجانس من رواية معاصرة تاريخية، ولقد أسست بنيتها السردية وفق طبيعة الفضاء الذهني للشخصية الرئيسية »‬ياسمين» المتخصصة بالفنون التشكيلية ومعارفها وعوالمها، فدار النص حول القضايا محور اهتمامها بالحياة وأولها اكتشاف سر اللوحة غامضة الهوية، وبذائقة فنانة ودارسة للفنون التشكيلية هيكلت الروائية موضوعات النص وبنية السرد، وعبرت عن منظورها لتلقي العالم بحساسية الفنان الذي تعلو مشاعره وينتظر من الطرف الآخر المشترك معه في علاقة عاطفية أن يتواجد بقدر احتياجه له، وهو ما سبب أزمة في علاقتها بشريف وأصابتها بالفتور، فالفنان غالبا ما يملك طاقة عاطفية وانفعالية يتوقع مثلها فيمن يثق به ويحبه.
ولقد تبدي وعي الكاتبة بتقنيات الفنون التشكيلية وموادها، ومصطلحاتها من خلال ياسمين، فلقد وظفت مفردات هذا الفن وعالمه لبنية سردية النص. تبدأ ياسمين ترميم اللوحة والبحث عن هويتها، فيبدأ عالم النص السردي ينمو وتتضح محاور صراعاتها في الحياة ومواطن حيرتها بها، ترمم مشاعرها أيضاً وتعيد تواصلها مع شريف، ترمم ذاكرتها الممرورة من أبيها وما تسبب فيه لأمها، تحنو علي جدتها التي كبرت.
ومن خلال الفن التشكيلي ورؤاه وخيوطه ومشاهده وألوانه وأعلامه وأساتذته، تلتقط خيط اللوحة وتبحث حول رسامها الذي بدي محترفاً، تتوالي أحداث رحلة الكشف ووقائعها، فتصبح شخصية اللوحة وملامحها وطريقة تخليق الألوان بها مهيمنة علي شغف ياسمين المعرفي، من الفنان الذي رسمها، في أي عصر، ماهي قصته مع زينب شخصية اللوحة، ماهو سر الشعر المختفي تحت الألوان، لمن هذا الوجه الذي تكرر في كل لوحاته حين شاهدت أعماله بباريس، هل كان حقاً منافساً لنابليون في علاقتهما بزينب؟ تسافر إلي باريس وتزور أكثر من صالة عرض لتبحث وراء هوية الفنان، تجري حوارات مع أساتذتها في مصر وباريس، كلها محاور بدت كتناسلات سردية تدفع بدراما القص للنمو، كما تصوغه بحنكة في توظيف عنصر التشويق. كانت اللوحة أيضاً هي المحفز والدافع للعودة بسردية النص إلي التاريخ؛ لاستبطانه واستنطاق صوته من خلال خطوط وألوان وملامح شخصية اللوحة وما وجد بطبقاتها من شعر، ولقد اختارت الكاتبة شخصية رسام يسجل للحملة ويقيمها من خلال حساسيته الخاصة، يجسد الظلم وينقله بفرشاته من خلال مواقع موجودات اللوحة في المشهد الذي تحاكيه، الغطرسة والتعالي والعنف من قادة الجيش الفرنسي في مقابل الإرادة والطيبة والإصرار لدي المصريين البسطاء، من ملامح عناصر مشاهد لوحاته والمسافات التي بين الطرفين علي البالتة البيضاء يجسد الظلم والتعدي موتاً يتجلي في نظرات العيون الهلعة وملامح الوجوه، يصبح الخراب دماء حمراء تهيمن علي بياض اللوحات، كما تصبح خصوصية خطوط الفنان دلائل علي موقفه من الحملة التاريخية، موقفه الإنساني والسياسي منها ومن نابليون،.
وفي محور السرد المعاصر لحياة ياسمين تتبدي اللوحة والبحث عنها ورسامها علي المواقع الإلكترونية، وفي المراجع هي الخلفية الرئيسية، الظلال المتحركة في واقع أحداثها، في أحلامها، في البعد الثالث للمشاهد المعاصرة التي تحياها، تصبح اللوحة السبب الجوهري لرحلة ياسمين لباريس وليس المشاركة بالمؤتمر، بل لزيارة أكاديمية الفنون وقاعة العرض العسكري لكشف غموض الرسام.
لقد كانت عوالم الفنون التشكيلية مادة ثرية غذت سردية الرواية، كما استعانت بطبيعة تقنياتها وكيف تعبر عن الواقع والعالم لتشارك في بنية النص الروائي وخلق عالمه الخاص.
فقد دفعت الروائية بمخيلتها في التاريخ فتحقق لنصها خصائص الفن الذي لا يعيد انتاج الوقائع الاجتماعية والتاريخية لكن يقوم بوظيفة إيحائية نقدية في سياق حقيقي ومتخيل معاً، الموازاة الرمزية للواقع وإعادة اشتغاله بإمكانات المخيلة والذهن المعرفي المبدع.
ورسمت الروائية بالنص مشاهد مؤلفة من مفرداتها المكتملة التي تراعي فيها كافة التفاصيل: ديكور المكان، الملابس، حركة الضوء من خلال الليل والنهار، الحوار »‬ الداخلي والخارجي»، الحكي الذي يكني عن التناقضات الإنسانية، وغيرها من مكملات، وبدت هذه المشاهد وكأنها معدة لسيناريو سينمائي سواء شملت الجزء التاريخي الخاص بحكاية زينب، مثل المشهد الخاص بفك نابليون لجدائل شعر زينب ثم تركها، فهو علي المستوي المباشر مصنوع بمهارة وحساسية، كما أحسب أنه يتضمن بعدا رمزياً يشبه صنيع ما فعله نابليون في غزوته لمصر، نعم غزاها لكنه فك قيود عصور التخلف وقبضة المماليك الحاكمة، وجعلها تعيد النظر في موقعها علي خارطة الزمن، ثم لم تستمر إقامته بها فلم يفعل شيئاً مما خطط له.
في مشهد آخر لنابليون مع زينب يحكي لها أن أصدقاءه لقبوه ب »‬صاحب الجوارب السائبة»، ثم يطلب منها أن ترقص له فتقول الكاتبة عن زينب: »‬ خلعت ببطء شالها، وربطته حول خصرها، وأخذت تهتز علي أنغام موسيقية كانت تستحضرها من داخلها» وهو ما يدلل علي حرص الروائية علي تغذية أكبر قدر من الحواس البشرية في تكوين المشاهد. وتتوالي مشاهد حكايات الحملة الفرنسية وخاصة مشاهد الحروب التي سردها إلتون وكأنها مرسومة بريشة فنان تشكيلي بالفعل، حيث يركز علي ملامح الكفتين المتصارعتين، والأوضاع التي تصور نابليون في اللوحات وقدر الغطرسة التي تسيطر عليه، كما بدا مشهد موت زينب البكري في آخر الرواية وخروج والدتها تناديها وتبحث عنها شديد الدراماتيكية. كما شكلت الروائية مشاهد رومانسية رائقة تدلل علي مشاعر عميقة، وذات تفاصيل مبتكرة مشغولة بعنصر التشويق بين ياسمين وشريف بباريس.
اتسعت الاستدعاءات التاريخية بالقص بمفهوم الزمن وطبيعته في النص، وبدا الزمن الحديث يحمل في طياته وخصائص ثقافته الزمن القديم بموروثاته وحوادثه، هي ذات المنطلقات التي توقع الظلم علي بعض الشخوص فيفقدون حياتهم بلا ذنب حقيقي، اللوحة التي تستدعي القصة التاريخية وبدورها تستدعي قصة ياسمين ووجعها الداخلي من انتحار والدتها بعد شعورها بالخيانة ورفضها للحياة، ولذا يبدو الزمن بالنص كأن القديم لم يزل يمسك بأطراف المعاصر ويعبأه بمخزونه المعرفي وأحكامه ومشاهده الدرامية. كما تنوعت الأماكن بالنص في القص الحديث مابين القاهرة وباريس ومتاحفها الفنية وجامعاتها، والسويد حيث درس شريف وقابل نيرفانا صديقته العربية، وتركيا أيضاً ففيها وجد لوحة الدرويش الراقص كما وجد ذاته الحقيقية في أطياف هذا المتصوف العائش بالمكان، الذي نصحه أن يتبع خطي قلبه. وتضفي الروائية مسحة سحرية علي الأماكن بالنص سواء علي بيت السناري أو بيت الدرويش بمقدونيا، يقول المشرف علي بيت السناري لياسمين: »‬ أقسم لك أن هذا المنزل مسكون بأرواح وأطياف كل من سكنوه يوماً ما، وكأن هناك شيئاً ما فيه يثنيهم عن الخروج منه» ويتطلب وصف الأماكن القديمة بلا شك من الروائيين أبحاثاً مستفيضة، فكثيراً ما شكا مبدعو السرد من عدم توافر المراجع التي تصف جغرافيا الأماكن التاريخية، التي هي مسارح لتحريك مشاهدهم السردية وشخوصهم وهو ما يسبب لهم هماً مؤرقاً للحصول علي أي مرجع غير مختص وتوثيق ما ورد فيه.
ومن خلال ملاحظات جيرمان إلتون ورصده للحياة في المجتمع المصري ووصف مظاهر حياة طبقاته وعيشهم، وانتشار الفقر المدقع في عامة الشعب المصري حيث اتضح في وصفه لبيوتهم وملابسهم والأطعمه والشوارع والحارات الضيقة في مقارنة غير متكافئة مع بيوت المماليك والحكام وعلية القوم والمشايخ ندرك أن التفاوت الشاسع بين دخل فئة قليلة حاكمة وبيدها السلطة وفقر عامة الشعب وعوزهم يُعد السبب الرئيسي في تردي الأوضاع العامة للشعوب والبسطاء، فبدون تسخير إمكانات الدول المادية وثرواتها للنهضة بالجميع تعليماً وصحة والارتفاع بمستواه المعيشي، بدون ألا تقتصر ثروات الدول علي فئة صغيرة فاسدة فقط، لن تتطور مجتمعاتنا، وسيظل مثلث الفقر والجهل والمرض أضلاعاً حادة مدببة تريق دم أية نهضة نرتجيها لأوطاننا وتعرقلها، الشيء الذي يدعو للأسف أنه برغم مرور أكثر من قرنين من الزمان لم تتغير الأوضاع السياسية الاقتصادية، ولا الثقافية الاجتماعية. المجتمع الظالم لم تزل حشرجته عالية ومخيفة، لم يزل هناك كثير من الزينبات بصور شتي، هناك أشكال من الأطماع الاستعمارية المقنعة أو المعلنة، حتي يبدو أن لدي الكثيرين شغفاً لاقتناص حيوات الناس وخيراتهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.