«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



آخر السلاطين:التفسير السردي للتاريخ
نشر في أخبار الأدب يوم 03 - 02 - 2015

منذ صدورها مؤخراً عن دار أوراق للنشر بمصر، شكلت رواية (آخر السلاطين ذ حروب السلطان علي دينار علي تخوم مدافن السلاطين) للروائي السوداني منصور الصويم حضوراً بارزاً في المشهدين الثقافي السوداني والإقليمي العربي. وسبق صدور هذا العمل بفارق زمني قصير روايته س أشباح فرنساويس.
والرواية في الأصل منحة حصل عليها الصويم من الصندوق العربي للثقافة والفنونت ذ آفاق كمقترح تقدم به لكتابة رواية عن السلطان علي دينار آخر سلاطين سلطنة دارفور 1445 م -1916مت بالسودان.ت ويعد هذا العمل الرابع في سلسلة مشروع الصويم الروائي وترجمت أعماله السابقة إلي اللغتين الإنكليزية و الفرنسية. نحاول هنا مقاربة الرؤية التي حاولت الرواية مرتكزة علي شخصية تاريخية أحاطت بها أحداث شكَّلت سجلاً تاريخيا تمدَّد في تاريخ و جغرافية إقليم دارفور. ونشير إلي أن مقاربتنا للرواية ليست قراءة نقدية قائمة علي تشريح النصَّ السردي وفق معايير النقد التقليدي بقدر ما هي مداخلة في استجلاء الأبعاد التاريخية ومدي استجابة الرواية لها.
السرد والتاريخ:
قد لا تتزامن الاحداث بين وقعها في التاريخ بما هو وقائع موثقة متعينة في التسلسل الزمني، وبين تأويلها كأحداث في النصوص بما يجعلها مستوثقة من حيث المصدر والفعل، أي الحدث التاريخي في المطلق. وبعيداً عن عقل التاريخ إن جاز إحالة التفسير الفلسفي لأحداثه (فلسفة التاريخ) يتقاسم السرد كل من متن التاريخ و النصَّ الروائي وإن بقي المصدر الذي تنبثق عنه المرويات التاريخية واحداً يوحي بالحدث التاريخي ومن ثَّم يندرج تحت التأويل الروائي للتاريخ و تفسيره. فتفسير الحدث أو وضعه في إطار نصِّي آخر بعيداً عن المرجعيات التاريخية كالسير والتدوين قد يتقيد بالإضافات التي يضعها الراوي للحدث وفق البنية التي يرتئيها. وهكذا تمَّ الفصل بين مهمة المؤرخ كمسجل لأحداث للتاريخ و عناصره ، وبينت الرؤية التخييليِّة (الإبداعية) للتاريخ كما يستوحيها الروائي سردياً. ومن هنا تباعدت المفاهيم السردية في إجرائها البحثي فيما هو انساني أولاً كمشترك عام بين التاريخ و الزاوية التي تفسره من حصرية الوثائق إلي تأويله فنياً، و من هنا زحف المصطلح النصيَّ لمفهوم التأويل من حقل الدراسات الثيولوجية إلي النصوص الإبداعية. فأصبح التأويل مقابلاً للتحليل النقدي في حقل الدراسات النقدية كما لو كانت ذ خاصة النقد العربيت ذ التحليل النقدي للنصوص أصبح مرادفاً لعلم الدراسات النقدية في جانبها التطبيقي (دراسة النصوص السردية).
ومع أن الفصم يتعذر بين الرواية والتاريخ من الوجهة التاريخانية Historicism في حال استخدام الزمن في السرد الروائي، ونزّع الاحداث بإحالتها علي الحاضر؛ فالرواية أو الحكاية هي التاريخ كما في حقلها اللغوي الدلالي في بعض اللغات تطلق علي التاريخ أو القصة histoire وهي الدلالة ذَّات الإبانة الجليِّة في الصلة بين نصيِّن يتبادلان الدور و الفهم و التفسير . و ما يحكمُ التاريخ من حيث إنه تأريخ الفعل البشري بعيداً عن تدخلات العوامل الخارجية
و خاصة الميتافيزيقية علي الأقل عند تفسير الفعل التاريخي الأمر الذي دارت حوله الغاية أو الفكرة من التاريخ بعبارة فيلسوف التاريخ الإنكليزي كولنجوود، أو لا يزيد (التاريخ)ت عن أخبار عن الأيام والدول، والسوابق من القرون الأولي بقول ابن خلدون. وفي مقابل هذا الانتزاع العلمي التجريدي، نجد أن النصَّ الروائي يرصد و يورد هذا الفعل دون تدخل لتحليله مباشرة أو تحليله عبر أدوات أخري تختلف في التفسير و تتقارب في ارتياد الآفاق السردية و التاريخية. وبما أن التفسير قد أقصي عن مهمة الرواية من قبل المؤرخين، وأصبحت مهمته مقتصرة علي التاريخ النظري في الإجابة علي كيف حدث و لماذا حدث الفعل التاريخي. وعليه يبقي تفسير الرواية تفسيراً غيرت مباشر يتخذ من تحليل الاحداث هدفاً تنزع اليه الرواية، وعلي التخصيص الرواية التاريخية.
الشخصِّية الروائية في محور التاريخ:
قصة الرواية وفقاً لتصور المنحة- تتبع صعود وسقوط السلطان علي دينار ، أي بالمفهوم التقليدي التاريخي رصد و توثيق وقائع تاريخية و التوثيق لشخصية لعبت دوراً محورياً وإعادة تفسير بعدها التاريخي سرديا. فالرواية محاولة لإعادة اكتشاف وقائع تتصل بتاريخ شخصية حقيقية أنجزت فعلها البشري في مسار تاريخي محدَّد وفق زمن معلوم!ت وقعت أحداث الرواية بين طبقات تاريخية تراكمية
مستوثقة المصادر من حيث الأداء التقني لكتابة التاريخ Historiography لتحيط بالشخصية التي ابنت عليها الأحداث التاريخية و أثرها عليها؛ ومن ثَّم استعادة تلك الاحداث و الشخصية الفاعلة (شخصية السلطان) إلي بنية السرد الروائي وفق البنية الروائية التأويلية للأحداث ذاتها. فهي من جانب كتابة تاريخية بتوثيقها لشخصية السلطان وسلطته ذ تاريخ السلطة وتاريخ اجتماعي يبحث عن مصائر وحيوات بعيداً عن السلطة أو تفسيرها بمنحي سردي. إذاً رواية آخر السلاطين محاولة روائية جريئة أدمجت السرد الروائي في طبقات التاريخ بتوظيف كل من المادة التاريخية بالبحث استقصاء للواقعة التاريخية، وإعادة تفسيرها في سياق سردي ابداعي لا يعيد تشكيل الاحداث، بل ينزع إلي مقاربتها بأسئلة الرواية، وتصوراتها الفنية. وتكمن حساسيِّة المنطقة التي تؤدي فيها الروائي سردها مدعمة بمعطيات التاريخ في القدرة في تناول الحدث التاريخي كحقيقة واقعة، في وجود صورة أخري تبنتها الرواية في الأخذ بما قرَّ من أطر سردية لكتابة جنس أدبي تتسع عوالمه لاستيعاب مضامين ومفاهيم وشخصيات ضمن نمط سردي جديد.
في السياق المنطقي الذي عادة ما يبرِّر العودة إلي التاريخ بتمثله سردياً هو احتمالات الحاضر وتنبؤات المستقبل وذلك بإعادة صياغة الحدث التاريخي وقراءته مجدداً وفق رؤيا معاصرة.
فشخصيات التاريخ الرسميَّ أو الشعبي (الذاكرة الشفاهية) لها افتقاد في الحاضر وتُستدعي في بعض منعطفات الشعوب لسّد فراغ ما قد تحدثه المفارقات الزمانية، ولكنهات لا تكون بحال إحياءً لمكوناتها الشخصية و أبعادها النفسية. ولكن كيف تعاملت رواية آخر السلاطين مع شخصية السلطان علي دينار مقروءا علي ضوء ما تشهده تخوم سلطنته (دارفور) وما يجري فيها من احداث آنية؟ تركبت الرواية من مكونات قائمة في التاريخ والواقع الموضوعي ينظمها جدل يتسق مع بعدها الزمني (التاريخي) والمكان والصَّراع الإنساني (الشخصيات) تعاملت معها برؤية الراوي من حيث كونها معطيات دون أن تمثل انعكاساً أو تستجيب إلي تحديات آنية تفرضها سلطة خارج سلطة النصَّ الإبداعي بالشكل الذي تطورت معه الأحداث في بنية السرد. وكما يتضِّح من سياق الأحداث الروائية فإن التزام الرواية بالتقيد بالحدود الزمنية و الظروف التاريخية التي أحاطت بشخصية السلطان جعلت من الاستدراكات التاريخية مدعاة إلي الربط غير المباشر بين حدث تاريخي و حاضر مثخن بتناقضات ضمن قراءة أخري ربما من خارج النصّ. ومن هنا تكون العودة إلي الماضي برؤية الحاضر بما لا يعني ترحيل مشكلات الواقع إلي الماضي من منظور النقد التاريخي بغرض معالجته، بل تمثله وهو ما نجده في متن الرواية التاريخي.
المنطلقات التاريخية للرواية:
تتشكلَّت الرواية بدءا في فضاء تاريخي احتوته فصول سبعة فصول معالجة باقتباسات من كتابات تاريخية في مقدمة كل فصل؛ مستفيدة من التاريخ كعلم له خصائصه المتعدَّدة والمتصلة بالمقاربات المعرفية في التي منحته ابعاده الإنسانية و سياقات ابستمولوجية شكلتها علوم الانثروبولوجيا والجغرافيا والاركولوجيا والثقافة المادية استيثاقا للأثر التاريخي. هذا الثقل التاريخي موضوع الرواية (شخصية السلطان) ألزم الروائي بأن يُسندَّ الرواية في مجملها إلي مقدمات الفصول باقتباسات ذَّات صلة بالشخصية التاريخية، وما تقتضيه الرواية من شخصيات وأحداث مقصيِّة عن أرشيف التاريخ التقليدي. ووصف طبوغرافي ( للمكان) بوجوده الطبيعي في جغرافيا التاريخ دون أن يتخلق مكاناً أو فضاء تخلقه بنية السرد متصور علي خلفية الرواية الإبداعية. إن ثَبت الوثائق المتحدرة من كتابات محايثة لفترة حكم السلطان في الرواية تستعيد الوقائع التاريخية في نصَّ الرواية مُشكِّلة تناص يُقرأ في تزامن مع النص السردي؛ وتدعم بالتالي الرؤية السردية لتاريخ شخصية أوجدت في النصِّ الروائي بحركتها و تفاعلاتها الإنسانية وتوجههات الأيديولوجي السياسي أحاطت بسلطنة السلطان بمنظومة تحالفاتها في الحرب العالمية الأولي بوقوفها إلي جانب تركيات -دولة الخلافةت الإسلامية- ضد الحلفاء. فقد استعاد السلطان علي دينار سلطنة اجداده كحق موروث متصل بتاريخ يمتد إلي قرون المجال الزمني الذي تتبعته الروائية لمسار السلطان في التاريخ.ت فالبداية من موقعة كرري بأم درمان بعد انهيار دولة المهدية علي يد القوي الامبريالية في زحفها نحو افريقيا Scramble for Africaت كما عرف في تاريخ المستعمرات. استطاع الراوي أن يصف تلك المعركة وصفاً تعمق في ابراز سطوة السَّرد وهيمنته علي احداث الرواية بلغة تطابقت مع مستوي تاريخي و ابداعي بين الحدث و طريقة تقديمه في نصِّ الرواية. تتقارب الشخصية الروائية في سياقي التاريخ و الزمن السردي انفلاتاً من المفهوم السيكولوجي إليت ذ بالمفهوم السيمولوجي- كشخصية مرجعية دارت حولها أحداث و تحركت في حيِّز سردي و اكتسبت سمتها الدلالية بالإشارات التاريخية و الطاقة الممنوحة لها في النص السردي. ويتمثلت هذا المفهوم في شخصية السلطان كإحدي شخصيات التاريخ متمثلة في بعد سردي آخر (الرواية)، فقد انطوت الروايات التاريخية علي شخصيات مرجعية كنابليون في ملحمة رواية الحرب و السلام لليو تولستوي، الرواية التي صورت غزو نابليون لروسيا في القرن التاسع عشر. فنجد أن رواية ( آخر السلاطين) نزعت إلي كتابة التاريخ بإضافة البعد السردي لحركة النص الإبداعي، ليس كتاريخ مجزوء يضاف إلي التاريخ بالمفاهيم النقدية للرواية و الرواية التاريخية من خلال صوت الراوي كراوٍ بارز Homodiegeticت الحضور في النص السّردي.
البنية التاريخية و السرد الروائي :
تنبئ رواية آخر السلاطين بمواجهة حقائق التاريخ الماديِّة ومحاولة تشكلها في نصِّ سردي يتقوَّم بمحتويات تاريخية دون أو التقيّد بموضعها التاريخي (الزمني)، كانفتاح النصُّ الروائي علي معركة برنجية بداية نهاية السلطان و سلطنته. فقد تمكن الراوي مُحملاً بسرد وصفي لما حدث من وقائع والابتعادت ما أمكن من إعادة انتاج تفاصيل ما هو معروف بالمعني التاريخي إلي الاختيار الإبداعي بتقنين البنية التاريخية. فالإحالات التاريخية تعامل معها النصَّ وفق محددات السرد و ما يمكن مقاربته وفق التفسير السردي، ولم ترد كمقاطع مقتصرة داخل بنيتها التاريخية المُلزِمة بحكم ضرورات التوثيق التاريخي، فقد تجلَّت الوقائع كالمعارك في تتبع الراوي لها مجردة بكل ويلات الحروب. ومن جانب آخر انبثقت الايحاءات الإنسانية العميقة كالمعاناة و المصير الوجودي عبر صوت الراوي مخاطبا سيده السلطانت مستعيداً لمعركة كرري التي منها بدأ زحف السلطان علي دينار غرباً لاسترداد سلطنته بإقليم دارفور. تواجهنا الرواية بمشهد صدام بين قوة امبريالية غازية و مدمرة لأوطان و ثقافات بعيدا عن اوطانها و كيف أن شعوبها واجهت محنة هذا الغزو بما يشبه الصدام الحضاري. تبنت الرواية بما يشبه الانحياز إلي القيِّم التي قامت علي مخطط المواجهة بإبراز دور القادة و كبار مستشاريه في التخطيط للمواجهة الأخيرة. وإن بدا أن شخصية السلطان تغولت علي مساحة سردية واسعة للحدِّ الذي تخطّت فيه مسافتها التاريخية علي الرغم من تحكم الراوي بحركة السرد و تتابع التفاصيل التي تطورت مع الاحتفاظ بأسبقية الشخصية المحورية وصفاتها المثالية في البطولة والقيادة وأخيرا الاستشهاد علي يد الضابط الإنكليزي هدلستون. بعيداً عن السلطان واستعداداته الحربية، استلهمت الرواية الواقع السوسيولجي ومكوناته الاثنية الهجين ( قبائل دارفور) كحراك بشري كثيف في التاريخ كوَّن و منح المكان (السلطنة) التعريف السياسي اللازم كدولة لها حدودها ورعاياها تمارس سياساتها ضمن توازنات القوة في النظام العالمي في ذلك الوقت كما تشير اتصالات ومكاتبات السلطان. فعاصمة السلطان (الفاشر) تحتشد بزخم الأحداث بصوت الراوي وأصوات شخصيات أخري كاشفة عن مشهد اجتماعي كان ضمن عوامل أخري تستعد للمواجهة في منظومة الدولة العضوية. ولم يدع الراوي مشهد الاستعداد للمعركة مجرداً عن علاقات إنسانية كانت تتفاعل في مدينة السلطان بتدافعها الحيويت إلا أنها اذيبت في شخصية السلطان وسلطنته. فكل ما يردد أو يعبر عنه طقس تعبيري لشخصية سيدي السلطان في الاشعار والرقص والغناء، ولم تجرؤ الرواية في تخطي الصفة الغالبة لشخصية سلطان و دلالة ممارسته لسلطاته المطلقة.
الزمن التاريخي:
لقد أوغلت الرواية في زمنين تاريخي وسردي آخر ناقلة الإحساس ضمن منظومة وجودية زمانية، أي الزمن في تقسماته الماضية كتاريخ مستقل، وآخر زمن الإيقاع السردي. تنوع الاحداث يتكاثف في زمن الرواية ويتعدد بقدر حركة الشخصيات في زمن النص السردي. فالأحداث التاريخية أو تلك التي وقعت في زمن ماضوي توقفت في حدود الزمن الطبيعي ولم يعد للزمن إضافة، ولكن السرد الروائي بمدلوله الزمني (زمن السرد) يعطي بعداً آخر بطبيعة الزمن المتخلق في حركة الشخصيات والاحداث الروائية. وتجاوزت الرواية الزمن التاريخي بإدماجه ضمن مسَّار الزمن السردي؛ وبما أن التداخل الزمني بين الشخصيات وحضورها في عالمي النص والتاريخ يجعل من العسير تتبع تفاصيله دون التباس فقد تمكن الراوي بقدرة سر ديةت مكنته من إيجاد زمن متوحد محققاً تناغماً بين مكونات الرواية وتاريخها الزمني، حيث إن الزمن الجمعي المحيط بالشخصية الرئيسية في الرواية ( السلطان) تحدَّدت مساراته ضمن تفاعلاتها مع زمن الأحداث و الشخصيات الأخري المتطورة في سياق السرد و ايقاعه. فالزمن في الرواية انطوي علي الزمن الروائي في تشكله الفني و قدرة الراوي علي ضبطه وفق مقتضيات الخطاب الروائي، وخاصة أن رواية ( آخر السلاطين) رواية تستمد مشروعية خطابها السردي من الزمن وت الدلالة التاريخية. فالسرد هو التتابع الزمني ، بينما التاريخ هو اللحظات المستنفدة من الماضي ولكن استطاعت الرواية أن تجمع بين هذه المفارقة بإزاحة البعد التراكمي للأحداث والكشف عن مدلولاتها سرديا.تت المنحي السردي للرواية:
حاول الصويم في رواية (آخر السلاطين) استعادة شخصية من سياق الماضي بوعي تاريخي أبقي علي الحيِّز التاريخي دون التباس مع السَّرد ومكوناته التخييلية الحاضرة والثبات الدائم في مواجهة اللحظة التاريخية برؤية زمنية ذَّات معطي ابداعي. ولئن كانت قوة الحدث التاريخي لابد أن تؤثرت بسطوتها الطاغية علي أي مقاربة تحاولت المسّاس بحقائقها التي كادت أن تتخذ صلابة الشرائع الراسخة كما يقول نيتشه.ت وما اكسب الرواية صفتها السردية تلك الحالة التي يمكن أن يطلق عليها حيادية السرد والانفلات من الشكليات التاريخ التي تطبع مثل هذه النوع من السرد المنطلق من مصادر التاريخ وشخصياته. ومع أن الرواية عن شخصية مجسمة بالمعاني السردية إلا أنها لا يمكن وصفها بالترجمة الشخصيةتتت Biography لسيرة السلطان في حدود البنية المعرفية للتاريخ في تناول الفرد ودورهت التاريخي، فقد أدي هذا الاختيار إلي معالجة الشخصية التاريخية بمفهوم الخطاب الروائي استجابة لدواعي بنية الرواية السردية. يعثر القارئ علي شخصية السلطان علي دينار كقائد نتج عن ظروف محكومة بقدر التاريخ وسط محيط متماوج من الاحداث والشخصيات، وقاع اجتماعي كوقائع اجتماع بشري وصفته الرواية وصفاً انثروبولجيا نفذَّ إلي المستودعات الثقافية و ما حملته من مرموزات تشكل بنية ثقافية لغوية عبرت عنها بمفرداتها ربما ظلت من الوجهة التاريخية مهمشة تقع في عتمة التاريخ غير الرسمي. ربما للمرة الأولي ينتقل السلطان علي دينار إلي ليتجلي علي التاريخ مستعاداً عبر نص سردي كرواية آخر السلاطين.
مترجم وباحث سوداني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.