حققت رواية "مملكة الجوارح " للدكتورة زينب أبو سنة أعلى مبيعات لدار أفاتار فى معرض الكتاب الدولي للكتاب فى يوبيله الذهبي وقد تناولها الباحث أحمد محمد عبده بمعهد البحوث والدراسات الأفريقية جامعة القاهرة بالنقد، حيث أكد أن القاريء المصرى يجد نفسه فى شوق للرواية التاريخية سواء عنده الفترة بعيدة عن عصره الحالي أو قريبة, فبين ضفتي كتب التاريخ تقبع حكايات عجيبة حقا.. تحمل في ثناياها حلولا لمشاغل ومشكلات تتكرر في حياة الناس, ولذلك فإن الروائية د.زينب أبوسنة نقلتنا خطوة خطوة ولا أقول( سنة سنة) للوراء حيث تقبع أحداث روايتها التاريخية مملكة الجوارح( صادرة عن سنابل للكتاب في عدد صفحات مئتين وأربعين من الحجم الكبير) حيث تكمن أساليب السياسة الخطيرة والمؤامرات الحادة زمن الناصر محمد بن قلاوون في عصر المماليك والصراع وسلاسل من المكائد لانتزاع السلطة والظفر بالحكم وكأنها تجربة أداء وجدارة أحدهم بها. بطل الرواية ظاهريا هو الناصر محمد الذي انتزع من علي العرش مرة تلو الأخري ثم عاد ليحكم في طوره الثالث لإحدي وثلاثين سنة فكانت أطول فترة يحكمها سلطان مملوكي فعليا ووصلت الدولة في عهده إلي أعظم وأقوي مجد وازدهار.. ورغم الفتن والشدائد التي واجهت مصر والشام في حياته إلا أنه تغلب عليها بحسن إدارته لمالية الدولة وميله للعدل والإنصاف قدرإمكانه وهو المعروف في التاريخ بدهائه.. والكاتبة اشركت معه بطلتها الرئيسية والتي لا تقل دهاء عنه وهي إحدي موظفات القصر خوشطاشه حينما كان طفلا وتعتبر مربيته العجوز ووصيفة أمه آشلون خاتون التي لم يتغير ولاؤها له ولأسرته أبدا.. فتدبر المؤامرات وتخطط لحسابه وتتجسس وتوكل إليها أمور سرية خطيرة تتعلق بحياة السلطان وأسرته حتي صارت صاحبة الأمر والنهي في البلاط. وتتضح الصورة أكثر مع اقترابنا من مجتمع الحريم الحرملك بالعثماني وقيمته أو كهرمانته الخوند مسكه التي تعرف ما يدورويدبر وتستغل الحكومات الحالية الحديثة المسماه الأمن الداخلي ومع ثرثرة الزوجات والأبناء وأساليب الاستدراج في الكلام يسقط الأمراء وتودي الوشايات بحياة الأزواج وابنائهم لمجرد شبهة التواطؤ أو قرينة الأتهام بالتآمر.. الرواية تلقي ضوءا وظلالا للتفكير في أدوار النساء والمرأة عموما في أضابير الحياة السياسية للأمم والدول التي حكمت المشرق العربي الإسلامي المحافظ وهو دور خفي حقيقي لا يظهر بوضوح إلا أنه علامة علي كفاءة وكفاية المرأة العربية المسلمة في إدارة شئون الحياة السياسية لشعب ودولة منحازة للشرعية الدستورية بمفاهيم ذلك الزمن ولا عجب في ذلك فالمرأة قد ملأت الدنيا وشغلت الناس فمن منا معها في أشياء وعليها في أخري والكاتبة زينب أبوسنة في الرواية عددت بشكل منهجي منظم الجو التاريخي الذي تجري فيه الأحداث كي لا تكون معتمدة قدر الإمكان إلا علي حقائق يلعب الخيال فيها دور التنشيط ورغم أن هناك كتابات روائية كثيرة شهيرة عن مصر في العصر المملوكي مثل جمال الغيطاني في الزيني بركات وسعد مكاوي في السائرون نياما ومحمد عطافي في المملوك العاشق, ناهيك عن سيرة الظاهر بيبرس إلا أن الروائية في مملكة الجوارح حرصت علي اعتمادها علي التاريخ بشكل أساسي مع رتم سريع للأحداث نتفادي به ملل الوقوع في التطويل أو إيقاف اللحظات الدرامية واتخذت طابع احياء العصر من خلال السرد الدوري بصرف النظر عن الشخصيات مدرسة زيدان فلم تتعجل الاقتراب الإنساني من شخصياتها الثانوية أو حتي رسمها في ذهن وخيال القارئ, فعلت ذلك لمصلحة شخصياتها الرئيسية فوزع ذلك خطوطها الدرامية وبتر أطرافها ولم يعط العمق الكافي ورغم ذلك حافظ العمل علي عنصر التشويق وصولا لآخر كلمة في ص236 حيث تنتهي الرواية فجأة مثل انقضاض الطير الجارح ذي الريش الجميل والوقفة المهيبة الذي يخفي خلف مظهره الهادئ الوقور شراسة وعنفا في انتظار الفرصة.. فرصة الانقضاض الخاطف القاتل بلا أدني شفقة.رواية جديرة باسمها وعصرها حافلة بالدم والندم والخيانة وجواري أشبه بالأمزونيات القاتلات في التراث الإغريقي القديم.