د.محمد سهري برشاوي احتلت المرأة على مر عصور مصر التاريخية دوراً هاماً، وتبوأت مكاناً بارزاً بداية بالملكة الفرعونية حتشبسوت، فالملكة البطلمية كليوباترا، وفي العصر المملوكي لعبت المرأة دوراً بارزاً في مجال العمارة، فقد ساهمت بعض النساء القديرات والميسورات، وبالتحديد نساء عِلية القوم في أعمال البر والإحسان، وجلّ هذه الأعمال تمثلت في بناء المساجد,المدارس، الخانقاوات والكتاتيب لتعليم الصبيان، وأُوقفت عليها الحوانيت والخانات والمزارع والأموال وغيرها للإنفاق على هذه المنشآت بغرض التقرب إلى الله تعالى. ولعل المكانة الكبيرة التي حظيت بها المرأة في العصر المملوكي ساعدتها علي التوجه إلي رعاية العمائر، فقد تمتعت المرأة في ذلك العصر بقسط كبير من الإحترام سواء كان ذلك من داخل الطبقة الحاكمة أو عند عامة الشعب، فالدولة المملوكية نظرت إلى نسائها نظرة إجلال وتقدير، بدا ذلك في الألقاب العديدة التي حظيت بها نساء السلاطين والأمراء مثل: بركة الدولة، وبركة الملوك، والسلاطين، والجهة الشريفة، والجهة الكريمة، وسليلة الدولة، وخوند (لقب خاص بزوجات السلاطين) وخاتون (آي السيدة)، وغيرها من الألقاب الآخرى التي تبرز مكانة المرأة العريقة في المجتمع المملوكي. هذا بالإضافة إلى نفوذ المرأة وسلطانها في الحياة العامة بمصر في عصر سلاطين المماليك ، فنجد أن زوجات السلاطين والأمراء كان لهن دور وتآثير كبير على أزواجهن وأبنائهن في الحكم تحدث عنه المؤرخين، مثل: "طغاي أم أنوك" زوجة الناصر محمد بن قلاوون و "بركة خاتون" أم السطان شعبان و"خوند زينب" إحدى زوجات السلطان إينال. ومما ساعد نساء سلاطين وأمراء المماليك إيضاً على التوجه للعمارة الثراء الفاحش والبذخ الذي تمتعت به، فالمرأة في العصر المملوكي نعمت بحرية الأمتلاك سواء عقارات أو أراضي أو أموالاً عينية مما جعلها تحظى بنصيب من الثروة والجاه وخاصة زوجات السلاطين وكبار رجال الدولة. ولا يمكن إغفال دور سلاطين وأمراء المماليك الذين لم يبخلوا على نسائهم بالأموال، وقد لخص المؤرخ "تقي الدين المقريزي" مستوى معيشة نساء السلاطين وبناتهم وجواريهم في تلك الحقبة عندما تحدث عن الملك الناصر محمد بن قلاوون بقوله: وجمع من المال والجواهر واللؤلؤ ما لم يجمعه ملك من ملوك الترك قبله ... وجهز إحدى عشرة ابنة له بالجهاز العظيم فكان أقلهن جهازا بثمنمائة ألف دينار.. ، وقد بلغنا إن إحدى زوجات السلاطين قد بلغت ثروتها بعد وفاتها ستمائة ألف دينار، ومن آشهر نساء المماليك الراعيات للعمارة في مصر المملوكية: السلطانة شجر الدر: ويتجلى إهتمامها بالعمارة والفنون في إنشائها ضريحين مازالا باقيين بمدينة القاهرة يشهدان بعظمة الإبداع الفني وقمة الثراء المعماري، أولهما ضريح الصالح نجم الدين أيوب وقد أنشأته له زوجته شجر الدر بالنحاسين (شارع المعز لدين الله الفاطمي) بجوار المدرسة الصالحية، كما أنشأت لنفسها ضريح في سنة (648ه/1250م)، ويقع بشارع الخليفة بالقاهرة، المتفرع من ميدان جامع أحمد بن طولون، ودُفنت فيها لما توفيت سنة (656ه/1258م) . الخوند طغاي الكبرى (زوجة السلطان الناصر محمد بن قلاوون): أنشأت طغاي الخونده الكبرى خانقاه (749ه/1348م) في صحراء المماليك، تجاه تربة الأمير طاشتمر الساقي، وأوقفت عليها الكثير من الأوقاف. السيدة تتر الحجازية (ابنة السلطان الناصر محمد بن قلاوون): أنشأت المدرسة الحجازية برحبة بشارع باب الوزير، وجعلت بها خزانة للكتب، وجعلت بها منبرا، كما جعلت به منبرا يُخطب عليه يوم الجمعة، وبنت بداخها قبة دُفنت بها، كما أنشأت بجوار المدرسة سبيلا وكتاب لتعليم أيتام المسلمين. السيدة حدق (مربية السلطان الناصر محمد بن قلاوون): أنشأت مسجداً لها بخط المريس في الجانب الغربي من الخليج الكبير بالقرب من قنطرة السد التي تقع خارج مدينة مصر ولقد أقيمت أول جمعة في هذا المسجد في العشرين من جمادي الاخر سنة (737ه/1336م)، وحرصت السيدة حدق على وقف الاوقاف على هذا المسجد. وخلاصة القول أن المرأة استطاعت أن تؤكد وجودها، وتبرهن على مكانتها العريقة داخل المجتمع في مصر المملوكية بشكل واضح وجوهري وملموس عن طريق ما قامت به من بناء المنشآت الدينية والخيرية الكثير منها لا يزال قائم إلى الآن يخلد ذكراها.