ثناء يوسف وكم كانت سعادتي عندما خصص لي مكتب بالدور التاسع لا يبعد سوي عدة أمتار من مكتب الوزير كان والدي يردد دائما علي مسمعي عبارة »ما حك جلدك» مثل ظفرك فتولي انت جميع أمرك» وكان مبدؤه رفض الوساطة وقد قبلت بذلك وسلكت ذلك الطريق منذ أن تخرجت في قسم اللغة الفرنسية بكلية الآداب جامعة عين شمس. وقبل أن تعلن نتيجة التخرج لفت نظري إعلان بجريدة الاجيبشين جازيت تطلب فيه سفارة الكونغو شخصا يجيد اللغة الفرنسية لتولي عمل مراسل صحفي ولم أتردد في التقدم لهذا العمل إلا أن المفاجأة هي أن مقر العمل سيكون بسفارة الكونغو في بكين وبعد أن اجريت الاختبار حصلت علي عقد عمل ولكن اقناع والدي بالسماح لي بالسفر وعمري لا يتعدي 21عاما الي الصين كان مشكلة وعندما اتصلت به في أسوان حيث كان يشرف علي الأعمال المبدئية لانشاء السد العالي اخبرته أنني قد استدعيت الي مكتب الرئيس للشئون الافريقية بالقصر الجمهوري. وقال والدي ان قراره النهائي سيكون بعد اجراء اللقاء في الرئاسة.. وفي الموعد المحدد ذهبت مع سفير الكونغو في القاهرة للقاء السيد محمد فايق الذي كان يشرف علي الشئون الافريقية بالرئاسة. وكان أول سؤال هو مدي معرفتي بالشئون السياسية واعطاني بضع صفحات لأكتب ما أعرفه عن الكونغو وبادرت بكتابة موضوع مستفيض عن الكونغو وبطلها لومومبا. ونال ما كتبته استحسانا من الاستاذ محمد فايق وأوضح لي انه نظرا لحداثة عمري فان سفارة مصر في بكين ستكون مسئولة عن إقامتي. وقد سهل ذلك موافقة والدي وكان من المقرر ان اسافر الي مقر العمل بعد عشرة أيام وكان علي ان اذهب الي السفارة الكونغولية يوميا للتدريب علي العمل الصحفي وكان علي والدتي ان تشتري لي معطفا ثقيلا وبعض الملابس الثقيلة حيث إنني كنت سأصل الي الصين ودرجة الحرارة لا تزيد علي 5 درجات. وبعد استخراج جواز السفر والحصول علي تذكرة الطائرة حدثت مواجهة أدت الي اغلاق السفارة الكونغولية في بكين.. وطارت الوظيفة ولم يعد معي سوي عقد العمل.. وقررت السفارة في القاهرة منحي مكافأة قدرها 35 جنيها استرلينيا نظير عملي لمدة اسبوع. وغضبت وشعرت بمرارة وعندما قلت لوالدي إنني أريد ان ارفع قضية تعويض وان عقد العمل هو وثيقتي رفض الوالد منطقي. ومرت الأيام والشهور وعملت لفترة بمكتب نائب رئيس الوزراء لشئون الادارة المحلية وكان حماسي للعمل واضحا ونقلت بعد ذلك للعمل مع محافظ القاهرة سعد زايد وكانت مهمتي كعلاقات عامة اصطحاب الوفود الأجنبية لزيارة الوحدات المحلية والحديث عن قانون الادارة المحلية. وامضيت عدة سنوات ثم تلقيت مكالمة من مكتب وزير الاعلام لاعمل بمكتبه ولم يكن لدي واسطة بل ذهبت لأعين كمديرة للعلاقات العامة بوزارة الاعلام وكم كانت سعادتي عندما خصص لي مكتب بالدور التاسع لا يبعد سوي عدة أمتار من مكتب الوزير. ومع حماسي للعمل واجادتي اللغة الفرنسية قامت الوزارة باستخراج باسبور مهمة لونه ازرق لأسافر الي فرنسا مع العظيم اسامة الباز والسفير النابغ تحسين بشير وذلك للاتفاق علي الاستعدادات الخاصة بزيارة الرئيس السادات لفرنسا. وقد كنت خلال هذه الزيارة مسئولة عن المكتب الصحفي الذي خصص له موقع متميز بفندق بريستول حيث اقام الوفد الرسمي المرافق للرئيس السادات وبتعليمات من وزارة الاعلام تم التنبيه باقامتي بنفس الفندق علي الرغم من اقامة الوفد الاعلامي بفندق ثلاث نجوم والسبب هو انني كنت مسئولة عن اعداد الموجز الصحفي اليومي في ساعة مبكرة من صباح كل يوم. وقد تعرفت خلال تلك الزيارة علي كل القيادات الصحفية المصرية وعدد من الصحفيين الفرنسيين.. وتوالت بعد ذلك مهام قمت خلالها بالسفر الي عدة دول ومازلت أذكر سفري مع الوفد المكلف بالاعداد لجدول أعمال قمة دول عدم الانحياز وبعد انتهاء العمل والعودة من تونس الي القاهرة وكنت أجلس بالطائرة الي جانب الاستاذ الفاضل عبدالملك عودة واضطرت الطائرة الي الهبوط في مطار بنغازي نظرا لعاصفة رملية حالت دون استمرارها. وفي هذه المرحلة كانت العلاقات فيما بين مصر وليبيا ليست علي ما يرام وصعد الحرس الليبي الي الطائرة وبدأ في جمع جوازات السفر.. وكنت الوحيدة التي تحمل هذا الجواز الازرق ونظر لي جاري في الرحلة وقال اننا جميعا مواطنون عادييون أما أنت فتمثلين الحكومة ربنا يستر. وتنفست الصعداء عندما عاد مندوب الحرس ليعيد لي الباسبور الأزرق وهو ينظر لي بنظرة مليئة بالشك.. حقوق الإنسان تتسم سياسة الولاياتالمتحدة حاليا بازدواج المعايير الي جانب ان المساومة التي يتبعها الرئيس الامريكي دونالد ترامب رجل الأعمال الناجح جعلت من الصعب التكهن بأي من خطوات السياسة الخارجية. وابرز مثال علي ذلك هو القرار الامريكي بالانسحاب مؤخرا من مجلس الاممالمتحدة لحقوق الانسان وادعاء واشنطون ان المجلس يضم العديد من الدول التي تنتهك حقوق الانسان.. وجاء رد فعل انطونيو جوتيرز سكرتير عام الأممالمتحدة علي هذا القرار مختصر وفي الصميم حيث اكد ان هذا يعني الحد من قدرة الولاياتالمتحدة علي حماية حقوق الانسان. ولم تمضي ايام قليلة حتي أعلنت واشنطون رفضها تمويل الجهاز الدولي الذي تم انشاؤه لمكافحة الارهاب بدعوي ان هذا الجهاز يرفض مشاركة منظمات المجتمع المدني في مناقشاته وهو أمر غير سليم وفقا لمحاضر جلسات هذا الجهاز. وهكذا نري ان الولاياتالمتحدة تنسحب تدريجيا من أي من أجهزة الأممالمتحدة وتهدد بوقف دفع حصتها من تمويل المنظمة الدولية.. وقد سبق أن رفضت واشنطون التوقيع علي اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية واتفاقية المناخ وترفض تمويل وكالة غوث اللاجئين والبقية تأتي. والواقع يؤكد ان الدولة التي ترفع شعار الديموقراطية ترفض التعامل الدولي الديموقراطي فيما يتناول الشئون العالمية.. وكل دولة مهما كانت غنية أو فقيرة لها صوت واحد سواء في الجمعية العامة أو كل الاجهزة الدولية والاستثناء الوحيد هو مجلس الأمن الذي يعطي للدول الخمس الدائمة العضوية حق الفيتو أو الاعتراض وهذه الدول الخمس هي الدول التي انتصرت في الحرب العالمية الثانية أما باقي اعضاء المجلس العشرة فإن انتخابهم يتم وفقا لنظام محدد ولمدة عامين فقط. وعلي الرغم من مرور أكثر من عشرين عاما علي محاولات اصلاح مجلس الأمن فقد فشلت تلك المحاولات وبطبيعة الحال فأن الولاياتالمتحدة لا تريد الانسحاب من مجلس الأمن حيث ان سيطرتها علي مقدرات العالم تتم من خلال الاممالمتحدة وهي ارخص وسيلة للتحكم في الشئون العالمية. الغزو البشري لم تعد الأسلحة هي كل ما يهدد أمن الدول واستقرارها بل ان القضية الاولي التي تشغل العالم حاليا هي قضية اللاجئين والمهاجرين. واذا كانت الدول الاوروبية تعاني حاليا من كيفية التعامل مع أفواج البشر القادمين اليها عبر البحر الابيض المتوسط ومازالت بصدد وضع طريقة انسانية للقادمين اليها باسلوب غير شرعي فإن الولاياتالمتحدة التي يقف تمثال الحرية رافعا شعلة الترحيب بمن يطلب المساعدة أصبحت قضيتها الاولي هي الهجرة. ويأتي المهاجرون واللاجئون غير الشرعيين الي الولاياتالمتحدة عبر حدودها الجنوبية مع المكسيك وأغلب هؤلاء من دول امريكا اللاتينية والبعض من افريقيا والشرق الاوسط. ولا تمنع المكسيك هؤلاء الذين يمرون عبر أراضيها من التسلل الي الأراضي الأمريكية.. فالمطلوب سداد رسوم العبور القانونية أما بعد ذلك فان هؤلاء العابرين يصبحون فريسة سهلة لتجار المخدرات أو العصابات.. وبحثا عن حياة أفضل يدفع الأهالي بأطفالهم للتسلل الي الأراضي الأمريكية وحدهم لعلهم يكونون أفضل حظا أو يغامرون باصطحابهم والنتيجة واحدة احتجاز الصغار في مراكز للايواء والقبض علي الأهالي لاحالتهم الي القضاء وبعد تحرير المحاضر يطلق سراحهم مع تحديد موعد للمحاكمة.. وبطبيعة الحال لا يعود اغلبهم ويسعون للحصول علي أي عمل كوسيلة لكسب العيش أما الاطفال فيعيشون بعيدا عن الاهالي وتوضع اسوار عالية حول مراكز الايواء لتجعلها اشبه باقفاص الحيوانات. وعندما اصدرت المحكمة الدستورية العليا قرارها بأن من حق الرئيس الامريكي دستوريا منع من يري أنهم يشكلون خطرا علي الأمن القومي وحددت الادارة سبع دول لمنع دخول مواطنيها للولايات المتحدة لمدة 3 أشهر حتي صدور قرارات جديدة تحدد حقهم في الحصول علي تأشيرات للدخول. أما الصغار فقد انتشرت المظاهرات المطالبة بضمهم ولم شملهم مع أسرهم ومؤخرا اصدرت محكمة في كاليفورنيا قرارا يدعو الي ضم شمل هذه الاسر. وأعلن ان وزارة الدفاع ستضع قاعدتين لايواء الاسر واصبح علي الاسر ان تثبت انتماء الطفل لها قبل ان ينضم اليها.. واصبحت القضية أكثر تعقيدا. خدمة المجتمع بعد ان انتهي العام الدراسي وفي اليوم التالي مباشرة قال لي حفيدي انه سيذهب مع شقيقه للمعسكر لمدة »5 اسابيع» وعلمت ان الذهاب للمعسكر كان بناء علي اختيارهما وبعد اجراء اختبار شخصي لكل منهما.. والمعسكر هو وسيلة لخدمة المجتمع حيث يقوم التلاميذ من سن العاشرة وحتي سن الخامسة عشرة بالتعاون لخدمة المعاقين أو المتوحدين من زملائهم.. والحضور للمعسكر من الثامنة صباحا وحتي الساعة الثالثة بعد الظهر وعلي كل طالب ان يحضر طعام الغذاء الخاص به. ويقوم الطلبة المشاركون بالاشراف علي زملائهم المحتاجين وتمضية الوقت معهم في ممارسة الالعاب الرياضية أو القراءة، واحيانا الذهاب الي مناطق الترفيه في سيارات توفرها المدينة. ويقوم الطالب المشرف بالاشتراك مع زميل له في الاشراف علي 12 من التلاميذ المحتاجين للمساعدة.. وتعتبر هذه المسئولية الانسانية وسيلة لتأهيل التلاميذ لخدمة المجتمع وتري بعض الجامعات أن سجل التلميذ في خدمة المجتمع لا يقل في اهميته عن مستوي قدراته التعليمية. وعندما سألت حفيدي عن أي مشاكل فيما يقوم به من عمل انساني.. قال ان المشكلة ان من بين من اشرف عليهم تلميذ لديه اضطراب نفسي ويسعي دائما للهروب من المعسكر، وبالتالي فانني حريص علي مراقبته.