قدم الرئيس مبارك نموذجا لعدم المساس بهيبة القضاة وإعلاء قيمة المحاماة، عندما رفض التدخل في أزمتهم، وفي ظل هذه الأجواء رفض المستشار أحمد الزند - رئيس نادي القضاة - في حوار شامل مع «روزاليوسف» عن الأزمة تأويلها بأنها عقاب من الدولة للقضاة بعدما طالب عدد قليل جدا منهم بعودة الإشراف القضائي الكامل علي الانتخابات، وقال إن هذا غير لائق وغير منطقي، فهناك تقدير من جانب الرئيس مبارك شخصيا للمؤسسة القضائية بكامل أعضائها، والقضاة أنفسهم ملتزمون بدستور دولتهم وقائمون علي تطبيق القوانين المنبثقة عن هذا الدستور. وأشار الزند إلي أن هناك فئات أعطت لنفسها حقوقا لم يتضمنها الدستور أو القانون.. والتجرؤ الذي يتم ضد القضاة حاليا يعود ربما للقضاة أنفسهم الذين أسرفوا في التسامح ولم يدركوا أن هذا في غير موضعه ضعف... موضحا في نفس السياق أن مطالب بعض أصحاب المهن الحرة بإضفاء حصانة عليهم غير منطقي لأنه لا توجد دولة في العالم تقوم بذلك، إضافة إلي أن معني حصول أصحاب مهنة علي هذه الحصانة من غير القضاة يستدعي معه وفقا للدستور الذي يقضي بالمساواة أن تحصل باقي المهن علي ذات الحصانة، الأمر الذي نصبح معه - علي حد قوله - أمام شعب كامل يتمتع بالحصانة ولا مجال لتطبيق القانون! «الزند» حدد أيضا طرق معالجة الهجوم والتجرؤ علي المنصة وقضاتها عن طريق ما أسماه «تأمينا إعلاميا لقضاة مصر».. وتأمينا أمنيا كاملا.. وتعديلا تشريعيا لنص قانون العقوبات بحيث يتم تعديل لفظ «جنحة» إلي «جناية» حتي تكون رادعا في المستقبل لمن يحاول المساس بهيبة القضاء. وإلي نص الحوار: لماذا التجرؤ علي القضاة بهذا الشكل؟ - أنا أسميه افتراء وتجرؤا معا.. وفيما أتصورر أنه يعود لعدة أسباب مرتبطة بالتحول الذي طرأ علي الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية إذ فهمت الحرية الموجودة بالدولة علي أنها «فوضي».. والالتزام علي أنه ضعف.. والتسامح علي أنه «نقيصة». أضف لذلك عملية انهيار التعليم وضعف الوازع الديني، ولا أقصد بالطبع كل المجتمع، ولكن بعض جماعات أو فئات المجتمع.. وإذا نظرت إلي المستوي الاقتصادي ستجد أن بعض رجال المال فهموا خطأ أنهم يمكن أن يعوضوا أي شيء بأموالهم، أما علي المستوي السياسي فأصبح هناك بعض القوي السياسية التي ظنت أنه من خلال سلطاتها السياسية أو من خلال موقعها يمكن للسياسة أن تلعب دورا في العدالة، أو بمعني آخر أن العدالة نوع من أنواع السياسة، الأمر الذي انعكس علي البعض ثقافيا بأن أصبحوا غير مدركين لمعني المنصة والعدالة وقيمتهما في المجتمع، ناهيك عن بعض الفئات التي أعطت لنفسها حقوقا لم يتضمنها الدستور أو القانون. من تقصدون بكلمة «بعض الفئات»؟ - أقصد هنا الفئات التتي ارتأت أنها فوق القانون.. وظنت أن لها حقوقا توفر لها مظلة من الحماية إذا ما أخطأت أو حادت عن الطريق المستقيم، فضلا عن ضعف الدور الأمني بالمحاكم والنيابات وعدم وجود تأمين كامل لجميع رجال القضاء سواء كانوا من القضاة أو النيابة العامة، بشكل يردع كل من تسول له نفسه التجرؤ علي رجال القضاء... إضافة إلي سبب مهم جدا يعود للقضاة أنفسهم الذين أسرفوا في التسامح ولم يدركوا أن التسامح في غير موضعه «ضعف»، وأن الشدة في غير موضعها «ظلم»، لأنه لو كانت الأمور قد أخذت من البداية بحسم من خلال محاسبة كل مخطئ سواء كان فردا أو جماعة لما استشرت هذه الظاهرة. معني أن هناك أسبابا.. يعني أيضا أن هناك حلولا؟ - الحل من وجهة نظري يكمن بداية في دور وسائل الإعلام الواجب عليها تكريس أهمية تأمين المنصة العالية باعتبارها الضمانة الأولي والأخيرة لكل مواطن في هذه الدولة، ثم تأتي ضرورة تغليظ عقوبة الاعتداء علي الهيئة القضائية الموجودة حاليا بقانون العقوبات.. بحيث يتم تعديل هذه العقوبة من «جنحة» إلي «جناية»، لأن العقوبة في هذه الحالة ستكون أشد عقابا.. وأقول لك أيضا وظيفة العقاب أهم من وظيفة الثواب عندما تسوء الأحوال.. ولذلك شرع الله تعالي مبدأ الثواب والعقاب. تم تصدير صورة مفادها أن القضاة يتعاملون مع المواطنين بمبدأ التعالي «يعني فوق البشر»! - كلنا بشر، ولكن هل كل البشر يؤدون رسالة العدل بالقسطاس المستقيم؟! ويدفعون عن المظلوم تهمة العجز والجور؟.. هل كل البشر يؤدون رسالة الأنبياء والرسل؟! أقول لك أيضا.. نعم كلنا بشر، ولكن أؤكد لك أيضا ومن خلال «روزاليوسف» أن الحصانة التي يتمتع بها القضاة ليست لأشخاصهم، ولا يتميزون بها علي غيرهم من سائر المواطنين، ونحن كقضاة لا نقبل أن نتميز عن سائر المواطنين، لأن الذي يقبل بذلك إنسان غير سوي والقضاة أسوياء والحمد لله، بل حكماء، لأنهم يحكمون بين الناس بالعدل والحق. هناك مطالب فئوية بإضفاء حصانة مشابهة لحصانة القضاة عليهم؟ - لا يوجد في العالم كله دون استثناء حصانة لمهنة حرة وكل دول العالم علي الإطلاق بها سلطات ثلاث، تنفيذية وقضائية وتشريعية، لكن عندما تنظر لطبيعة هذه السلطات ستجد أن السلطة التنفيذية ليس لها حصانة مطلقا، وعلي سبيل المثال رئيس الوزراء ليست لديه حصانة، وكذلك الوزراء.. ولكن ضمانات مثل قانون محاكمة الوزراء الذي يحول بينهم وبين استخدام سلطاتهم بشكل متعسف، ثم السلطة القضائية وهي السلطة الثانية بالدولة، وصاحبة حصانة أزلية ولا يوجد قضاء في العالم كله دون حصانة. حصانة أزلية؟! - نعم، حصانة أزلية وأقصد بكلمة «أزلية» هنا أن القاضي يمنح الحصانة منذ تعيينه بدرجة معاون نيابة حتي بلوغه سن التقاعد القانوني، ولا يفقدها طوال مدة عمله، أما السلطة الثالثة وهي السلطة التشريعية فلها حصانة أيضا، ولكنها حصانة قد تسقط لفترة عن أحد أعضائها إذا لم يترشح ثانية لعضويتها، أي أن هذه الحصانة قابلة للإسقاط وقابلة للعودة، بعكس حصانة القضاء.. وأقول لك أيضا إن العالم كله لم يعرف يوما أن مهنة من المهن الحرة أعطيت أو أضفيت عليها حصانة لأنه ببساطة شديدة جدا إذا أعطيت حصانة لمهنة سيكون هناك مبرر مفاده ما المانع من أن نعطيها لمهنة أخري؟! وهكذا علي التوالي، طبقا لقاعدة المساواة، التي نص عليها الدستور إلي أن نجد أنفسنا أمام شعب كامل يتمتع بالحصانة، ولا مجال لتطبيق القانون وسيادته، وللعلم ليس معني هذا الكلام أنه انتقاص من أي مهنة موجودة بالدولة، أو عدم الإيمان برسالتها سواء كانوا أطباء أو مهندسين أو صحفيين أو محامين! ؟ بعض القضاة ارتأي أنه يجب تخصيص ميزانية مفتوحة للسلطة القضائية بشكل يحقق لهم استقلالا مطلقا من حيث عدم اللجوء مثلا إلي استقلال قطار قد يكون به أحد الموكلين أمامه في قضية؟ - القاضي عندنا «قنوع» ويقدر ظروف دولته تماما ويضحي من أجلها، ومن أجل إعلاء سيادة القانون، والقضاة لا ينظرون لمخصصاتهم المالية علي كونها مصدر تحقيق للرفاهية، ولكن من أجل توفير الحد الأدني من الحياة الكريمة، التي تمنعهم من الاختلاط بالناس، ليس تعاليا عليهم، لكن حتي لا يكون هناك احتكاك بأحد من قريب أو بعيد، أما مسألة تخصيص ميزانية مفتوحة للقضاة من ميزانية الدولة فنحن يجب ألا نقارن أنفسنا بالآخرين، لأن القاضي مهمته تحقيق العدل.. والتضحية من أجل الوطن.. خاصة في ظل الأجور الضئيلة التي يحصل عليها المواطنون. يري البعض أن القضاة يريدون استعادة بعض من هيبتهم نتيجة لمؤثرات بعض السنوات الماضية.. والمحامون يرون أنهم أصبحوا فوق القانون لأنهم تجرأوا علي القضاء؟ - أنا لا أوافق علي كلا الرأيين، لأن الرأي الذي يقول إن القضاة يحاولون استعادة بعض من هيبتهم التي افتقدوها لظروف ماضية، علي حساب المحامين قول ورأي خطأ، لأن القضاة لم ولن يفقدوا شيئا من مقومات هيبتهم أو منصتهم العالية، نتيجة حوادث قليلة، لكن يوم أن نري أننا كقضاة فقدنا شيئا مهما «سيكون لنا قول آخر»، أما القول الخاص بأن المحامين أصبحوا يتباهون بالقول بأنهم اعتدوا علي القضاة فنحن نرفضه ولا نوافق عليه، لأنه من الخطأ أن يقال كل المحامين يعشقون انتزاع الحقوق باليد أو يحاولون الحصول علي حقوق ليست لهم، نرد عليهم بأن القاعدة الأساسية بخير، وليس معني أن نفرا أو مجموعة شذت عن القاعدة، أن نطلق الأحكام علي الجميع بدرجة متساوية، وأقول لك «المحاماة» لاتزال بخير. ألا يمكن أن تتصوروا معي أن هناك بعدا نفسيا في الأزمة المفتعلة بين القضاة والمحامين.. نظرا لطبيعة الظروف التي تقتضي في بعض الأحيان أن يقف زميلا الدراسة بالحقوق.. موقفين مختلفين أحدهما «قاض» والآخر «محام»؟ - شخصيا لا أميل إلي هذا التخيل، لأن النوازع البشرية لا تستطيع الحكم عليها لأنها عبارة عن نوايا مدفونة بين قلوب البشر، وهذه النوايا لا يعلمها إلا المولي عز وجل، وهناك أعداد كبيرة من خريجي كليات الحقوق راضون عما هم فيه، ولكن هناك ملاحظة لابد أن أبديها هنا، وهي أن النيابة العامة أو مهنة القضاء عموما ليست هي الوحيدة التي تنفرد بمبدأ الانتقاء والاختيار بناء علي معايير دقيقة جدا، لأن هناك مهنا تطبق المبدأ نفسه، مثل كليات الشرطة والطب، فهل معني أن من لم يلتحق بهذه الكليات يوغر صدره ضد زميله الذي التحق بها؟! وعلينا أيضا في سياق هذا ألا ننسي أن مهنة المحاماة تدر دخلا علي من يمتهنها بشكل كبير، يصل في بعض الأحيان إلي أضعاف ما يحصل عليه القاضي أو لنقل بدقة زميل المدرج الذي التحق بالقضاء.. وحتي نكون منصفين أيضا هناك فعلا من المحامين الجدد من يعاني بطالة شديدة وهذه مسئولية النقابة التي ترعاهم. ترددت بعض الآراء أنكم كنتم سببا مباشرا في إشعال الأزمة بين القضاة والمحامين كأفراد عندما أصررتم علي ضرورة تقديم المحاميين المتهمين بالتعدي علي مدير نيابة طنطا للمحاكمة العاجلة.. وعدم قبول التصالح.. ودليل ذلك ذهابكم مباشرة إلي طنطا؟ - هذا قول مغلوط، لأنني ذهبت إلي طنطا ثاني يوم الواقعة يوم السادس من الشهر الجاري، أي عقب انتهاء النيابة العامة من التحقيقات مع الطرفين ب 24 ساعة، وهو ما يعني أننا لا يمكن لنا أو لأحد غيرنا أن يتدخل في أعمال القضاء.. أضف لذلك أنني تحملت دوري كرئيس شرعي ومنتخب من القضاة للنادي الذي هم أعضاء فيه، وكذلك رجال النيابة العامة، ودوري ينطلق من حرصي علي سلامة هذا الوطن، وأجريت اتصالات مع النائب العام ورئيس مجلس القضاء الأعلي، ورئيس البرلمان د. أحمد فتحي سرور بضرورة أن يسود القانون ويطبق علي المخطئ في ظل ضرورة الالتزام بسيادة القانون بالدولة. وأوضح لك شيئا مهما.. علي المستوي الشخصي أكن كل تقدير لمهنة المحاماة، والمحامين الملتزمين، ودليل ذلك أنني لو لم أكن مؤمنا بهذه الرسالة لما ظلت العلاقة طيبة بيني وبينهم طيلة أربعين عاما، ولك أن تسأل أنت شخصيا عن طبيعة المعاملة الحسنة التي يلقاها المحامون الذين يترافعون أمام الدائرة التي أشرف برئاستها داخل محكمة استئناف القاهرة، منذ بداية الأزمة وحتي الآن. ولكن يتردد أن هناك تصعيدا من جانبكم بهذا الشكل؟ - إذا اعتبرت أن الاحتكام للقانون ونبذ شريعة الغاب وإنكار الترويع والإرهاب ضد القضاة بمثابة تصعيد، فأنا أفخر بهذا، وأعتز به وسوف أظل عند موقفي هذا مدي الحياة، لأنني لا أدري بأي منطق يتحدث هؤلاء الذين يطالبون ببديل عن الاحتكام للقانون، وأقول أيضا نحن أمام أمرين: إما أن نستخدم وسائل غير قانونية في رد الاعتداء وهذه ليست أساليب القضاء، أو التسامح الذي أدت نتائجه إلي فهمه بشكل مغلوط، ولذلك كان إصراري ولايزال علي ضرورة تطبيق القانون، ولا أعتقد شخصا يلوم علينا في مطالبنا بضرورة سيادة دولة القانون، وللعلم موقف القضاة بعدم المهادنة أو المساس بهم ليس موجها ضد المحامين كما يري البعض، لكنه تمسك بأحكامه وقانون دولته. الحديث عن فكرة تدويل القضايا المثارة داخليا.. علي المستوي الدولي كيف تراه؟ - أنا مع من يعطي الحق لصاحبه داخل بلدي، ومصر ليست دولة صغيرة، أو ناشئة، مصر دولة عريقة وكبيرة، وإذا ما قارناها بأمريكا باعتبارها دولة عظمي سنجد مصر أكثر عراقة وأمنا واستقرارا والتزاما بسيادة القانون، ويكفي أننا كدولة ليس عندنا قانون يبيح التنصت كما عند الأمريكان، لذا أري أن من يذهب إلي مسألة التدويل في أي قضية داخلية أيا كان نوعها يعد نوعا من أنواع الاستقواء بالخارج وليس مصريا، لأن المصري الأصيل يأبي مثل هذه الأمور. هل تعتقد أن عمومية سحب الثقة من مجلس نقابة المحامين الحالي.. التي كان قد دعي إليها قبل الأزمة الحالية استغلت بشكل دعائي لصالح مجموعة بعينها من المحامين؟ - كل ما يخص نقابة المحامين هذا شأن داخلي لا علاقة لي به، ولا يجوز لنا كقضاة التعليق عليه، سلبا أو إيجابا، لأنني لا أسمح لأحد أن يتدخل أو يعلق علي أمور داخلية تخص نادي القضاة، لأن هذا شأن خاص بنا، ونفس المبدأ ينطبق علي نقابة المحامين، هذه أمور تخصهم هم! بصراحة عدد قليل جدا من القضاة يري أن ما يحدث حاليا هو نوع من العقاب علي مطالبهم الخاصة بما يسمي تعديلا دستوريا جديدا يعيد الإشراف القضائي الكامل علي الانتخابات؟ - القضاة ملتزمون بدستور وقانون دولتهم ويطبقونه نصا، وهم ملتزمون بتطبيق الإشراف القضائي كما نص عليه الدستور، سواء كان كليا أو جزئيا.. أما أن يقال إن الدولة تقاعست عن حماية القضاة داخل المحاكم لعلاج الموقف الحالي كعقاب لهم علي أنهم طالبوا بالإشراف القضائي الكامل علي الانتخابات.. فنحن نرد علي هذه الأقاويل بالآتي: هناك تكريم من الرئيس مبارك شخصيا للقضاة.. وذهب إليهم في مجلس القضاء الأعلي، ويفخر بهم في كل مكان.. فهل يليق مثل هذا الحديث حاليا؟!