تراوحت أفلام السينما المصرية فى التعبير عن المعاق بين التقليد المشوه عن السينما العالمية أو تقديم صورة عاجزة عن المعاق - وهو الأغلب - وقليل منها نجح فى تقديم صورة جيدة للمعاق.. لهذا كان ظهور المهرجان العربى الأول لسينما المعاق فى الفترة من 15 - 20 يونيو المقبل مهما فى إعادة اكتشاف هذه الفئة سينمائيا، خاصة مع وجود أعضاء من الفنانين فى لجنته: «نبيلة عبيد» و«خالد صالح». ومع طرح قسم خاص للمهرجان، وهو الخاص بالأفلام التى يصنعها معاقون بأنفسهم، لكن تظل الإشكالية فى أن المهرجان خاص بالأفلام التسجيلية والقصيرة، وهى الأفلام التى للأسف رغم أهميتها الفنية، الجمهور المصرى لايزال يعتبرها نوعا غريبا عليه من الأفلام. وبالنظر إلى الأفلام المصرية التى تعبر عن المعاقين، سنجد أن من أبرزها فيلم «الكيت كات»، فحينما تنظر إلى أفيش فيلم «الكيت كات» - ذى الخلفية الخضراء - قد لا تجده مبهرا، لكنك إن دققت - بعيدا عن حكمك الفنى عليه - ستلاحظ أن «الشيخ حسنى» الأعمى هو من يقود الدراجة البخارية، فى الوقت الذى لا يهتم فيه بابنه «يوسف» - «غير المعاق» - المتشبث به من الخلف، أو حتى بالدراجة البخارية نفسها، بل كل ما يهمه هو العود والغناء، وقد يتردد فى ذهنك إحدى أغانى الفيلم التى غناها «الشيخ حسنى»: «يلا بينا تعالوا.. نسيب اليوم بحاله.. وكل واحد مننا يركب حصان خياله درجن درجن ».. و«حصان الخيال» يتحول هنا إلى «دراجة بخارية» أو أىٍّ ما كان، فهو الذى يقود ابنه «السليم» - ونحن معه - لرحلته الإنسانية الداخلية التى يقود فيها العالم كله من حوله بالرغم من إعاقته الظاهرة، وهذه الرحلة نراه فيها كوميديانا «كما يظهر فى بداية الفيلم عند جلوسه مع أصدقائه لشرب المخدرات»، أو حزينا «حينما يحادث بائع الفول كيف كانت الحارة أيامه وأيام والده المتوفى»، أو عاشقا «حينا يتغزل فى أم روايح»، أو لئيما «حينما يلتقى بتاجر المخدرات الهرم أو حينما يفاوض صاحب محل الطيور فى بيع منزله»، أو أبا «حينما يضرب ابنه يوسف على وجهه ويشعر بالندم على فعلته هذه»، أو قائدا ومخادعا «حينما يخدع أحد العميان بأنه سليم البصر ويقوده لمشاهدة فيلم».. ليشعر السليم بأنه هو نفسه المعاق فى أحلامه عن تغيير الواقع المحيط به..ليس ملاكا أو شريرا.. ليس قويا أو ضعيفا.. ليس طيبا أو خبيثا.. بل هو خليط من هذا وذاك ليقدم الفيلم صورة إنسانية وحقيقية عن المعاق. ربما تقترب شخصية «سعيد المصرى» - فى فيلم «أمير الظلام» ل«عادل إمام» عام 2002 - من شخصية «الشيخ حسنى» فى هذه التحولات الإنسانية، فهو المصاب بالعمى أيضا، والعاشق، والمدافع عن إخوانه من المعاقين، والمتهور والكوميدى بجعل إخوانه المعاقين يستحمون فى نافورة بميدان عام، لكن تكمن المشكلة فى أن «سعيد المصرى» ليس «مصريا» فالفيلم مقتبس من فيلم «Scent Of Woman» عام 1992 ل«آل باتشينو»، كما أنها شخصية مثالية أكثر - ربما لأنه أحد طيارى 1973 - وبالتالى ليست إنسانية مثل شخصية «الشيخ حسنى» الذى يتمايل فى التعبير عن الشر والخير والقوة والضعف. السينما العربية عموما تناولت بشكل مبكر شخصية المعاق، ويعتبر فيلم «ليلى فى الظلام» عام 1944 من إخراج «توجو مزراحى» من أوائل الأفلام عن المعاقين فى السينما المصرية، وهو عن فتاة تفقد بصرها، وترفض الاستمرار مع حبيبها.. وتجد أن صورة المعاق مشوهة وكأنه شخص مثالى، مما لا يحقق المصداقية. والصورة العاجزة عن المعاق قد انتقلت إلينا من السينما العالمية ففيلم «City Lights» أو «أضواء المدينة» ل«شارلى شابلن» عام ,1931 نجد «شابلن» يؤدى شخصية الصعلوك المتشرد، ويتعرف على بائعة ورد ضريرة، والتى تعتقد من خلال سلسلة من المواقف بأن الصعلوك المتشرد هو ثرى من أصحاب الملايين، ويحاول هو جمع المال اللازم للفتاة المكفوفة من أجل إجراء عملية جراحية لعينيها كى تسترد بصرها. ولم تختلف صورة المعاق فى السينما العالمية - فى نفس الوقت الذى ظهرت فيه «ليلى فى الظلام» - فتجد مثلا فيلم «The Best Years Of Our Lives» «أفضل أيام حياتنا» عام 1946 عن ثلاث شخصيات، منها البحار «هومر باريش»، والذى فقد كلتا يديه فى الحرب العالمية الثانية، والذى يتلقى الأسى فى عيون الآخرين، ولا يستطيع الزواج من حبيبته منذ الطفولة، فيتبين لنا أن المعاق مهزوم فى الحياة، حتى وإن كان بطلا فى الحرب. وظلت زاوية تناول شخصية المعاق على أنه الشخص العاجز عن الاندماج ويرفضه ويستضعفه المجتمع. ولم تتغير فى السينما المصرية أيضا فى الستينيات، ففى فيلم «الخرساء» عام 1961 ل«سميرة أحمد»، نجدها فتاة خرساء، تتعرض للاغتصاب، وهى عاجزة عن تعريف المغتصب لأهلها، و«سميرة أحمد» تعتبر الممثلة الوحيدة التى مثلت 5 أفلام تعبر عن المعاقين، وهى أفلام: «أغلى من عينى» عام 1955، ثم «جسر الخالدين» عام ,1960 و«رجل فى حياتى»، ثم فيلم «قنديل أم هاشم»، والذى جسد الوضع الفعلى للمعاقين فى المجتمع فى هذه الفترة الزمنية، ثم فيلم «العمياء» عام 1964، والذى تظهر فيه «سميرة أحمد» فى شخصية «نعيمة» العمياء، والتى تعيش مع اثنين من الشباب هما «خليل» و«أديب» ويقنع «عبود» «نعيمة» ببيع الزهور، وهى فى الحقيقة تبيع هيروين، فيعرف «أديب» الأمر بالمصادفة، ويواجه «عبود»، وتقوم مواجهة، يأتى بعدها البوليس ليقبض على «عبود»، وتتزوج «نعيمة» من «خليل»!.. فالمعاق هنا تنطبق عليه مقولة «جعلوه فانجعل»، فنعيمة تنساق لبيع المخدرات، ويتم إنقاذها لتتزوج، فالمعاق هنا لا يحرك هو العالم، بل العالم هو الذى يحركه. الصورة السابقة تختلف فى السينما المصرية كثيرا فى السبعينيات بظهور فيلم «قاهر الظلام» عام 1978 ل«محمود ياسين» فهو المأخوذ عن القصة الحقيقية لعميد الأدب العربى «طه حسين»، والذى أثبت أنه رغم ظلام عينيه وظلام مجتمعه الذى كان يحيط به، إلا أنه استطاع أن يصبح أستاذا بالجامعة، ثم عميدا، ونشهد معاركه حتى صار وزيراً للمعارف، ومعاركه الفكرية من أجل إتاحة مجانية التعليم لجميع فئات الشعب. والحال فى الدراما التليفزيونية لا تختلف كثيرا عن حال السينما، وهى التى ذكرها «د.حسن السودانى» فى دراسته بعنوان «صورة المعاق فى الدراما العربية» بالقول: «وإذا أردنا فحص النتاج الذى تقدمه القنوات التليفزيونية اليوم فهو فى واقع الحال لا يختلف كثيرا عما قدمته السينما من قبل، فإذا كانت السينما غالبا ما تصور المعاق بطرق متعددة، لكنها تتفق على وحدة المضامين، فهى إما تصوره لصاً أو عضوا فى عصابة إرهابية - يقصد بهذا السينما العالمية التى سوقت هذه الصورة فى أفلام «المتسولون المحتالون» للمخرج «جيمس وليامسون» و«خدعة المتسول» للمخرج «سيسيل هيبورث» وغيرهما - فتعمد معظم المحطات التليفزيونية أيضا إلى تقديم المعاقين الذين تلتقيهم فى مناسبات مختلفة بصورة هامشية، مما يرسخ فى الأذهان وبطريقة غير مباشرة الفارق الثقافى والاجتماعى بينهم وبين الآخرين، وحتى فى حالة التناول التى يُقصد بها نوع من التعاطف الإنسانى معهم، نتلمس نوعا من التقديم الفنى المعتمد على استدرار العطف أكثر من إبراز الصورة الحقيقية أو الإنسانية لهم. والصورة بالفعل لم تتغير، حتى مع تطور المجتمع، فباستثناء فيلم «الكيت كات» تجد بعده بعام فيلما ك «ديك البرابر» يعود ليظهر الطبيعة العاجزة للمعاق، ففى الفيلم الرجل معاق ذهنيا، ويعيش كأنه طفل - أدى دوره «فاروق الفيشاوى» - وهو ابن المليونير «الدخاخنى» والذى يريد أن يزوج ابنه من «عشرية» - تلعب دورها «نبيلة عبيد» لتنجب له طفلا، وبالفعل تنجب الطفل، لكن الطفل ليس من الرجل المعاق ذهنيا، بل هو من شخص آخر، وبالتالى هذا الفيلم وغيره ترسخ صورة ذهنية عن المعاق لدى المشاهد أنه عاجز حتى «جنسيا»! وإن شاهدت فيلما ك «توت توت» عام 1993 ل «نبيلة عبيد» فما الذى ستخرج منه سوى أن الفتاة الشعبية المعاقة ذهنيا هى التى يستغلها الناس، ويعهدون إليها عادة بالأشغال الشاقة، حتى يعجب بها رجل ثرى، جاء لزيارة المولد، وشاهدها هناك فيستغل جسدها، ويتركها بجنينها فى وسط العاصمة. وحتى إن ظهر فيلم ك «التوربينى» عام 2007 والذى أظهر المعاق «محسن» - أدى دوره «أحمد رزق» - بصورة ذكية، بالرغم من أنه يعانى من حالة «التوحد»، لكنه متعلم، ومتفوق فى الدراسة أيضا، بل هو الذى يستطيع أن يحتفظ فى ذاكراته بأرقام لعبة «الكوتشينة»، مما يجعل شقيقه يربح مبالغ طائلة فى صالات القمار.. لكن الشخصية أيضا واردة من السينما العالمية من فيلم the rain man «رجل المطر» عام 1988 والذى أدى شخصية المعاق باقتدار «داستين هوفمان». السينما العالمية سبقتنا فى تناول شخصية المعاق بصورة أكثر إيجابية - بعدما صورته فى البداية أنه لص - وذلك من خلال فيلم forrest gump والذى حصل على 6 جوائز أوسكار، منها جائزة أفضل ممثل ل «توم هانكس»، والذى أصبح الصورة العالمية عن المعاق، الذى لا يستسلم لقدره، بل المحارب والرابح فى النهاية. فى الوقت الذى نظهر نحن المعاق بشكل هامشى، فنجد شخصية الفتاة الخرساء «حميدو» - لعبت دورها «نهى العمروسى» - فى فيلم «جزيرة الشيطان» ل «عادل إمام» عام 1990 وكأنها شخصية تظهر لتكون صديقة للبطل، دون أن يعلق بأذهاننا معاناة شخصية مثل أنها ليس لديها زوج، وتعيش فى البحر باسم «رجل»!.. وحتى فى فيلم «زى الهوا» عام ,2006 نجد شخصية الفتاة التى لديها إعاقة ذهنية - تلعب دورها «مروة عبدالمنعم» - ينسحب البساط من تحت رجليها، فى سبيل التوغل فى قصص الحب التى تجمع «خالد النبوى» مرة ب«غادة عبدالرازق» ومرة ب «داليا البحيرى»، ويصبح كل مفهومنا عن شخصية الفتاة المعاقة بأن معاناتها محصورة فى «عاوزة تاكل أو تشرب.. إلخ».