مرت هذا الشهر الذكرى العشرون لسقوط حائط برلين، فهل أصبح العالم أفضل بعد سقوط ذلك الحائط الرهيب؟ لاشك أن سقوط الحائط وتوحيد ألمانيا قفزا بالعالم إلى الأمام، قفزة واسعة. عندما سقط السور أرسلتنى فوزية سلامة من لندن إلى برلين لأكتب تحقيقات عن الميلاد الجديد لألمانيا ولأوروبا. وكان الوقوف أمام أطلال السور تجربة لا تنسى. طافت بذهنى صورة حراس الجحيم الذين التقيتهم عندما عبرت السور فى 1977 قبل 12 عاما. ها هى برلينالشرقية رمادية ومنكسرة أمام الوهج الرأسمالى المنبعث من برلينالغربية. ها هى البدل العسكرية للجنرالات السوفيت تباع فى أسواق الروبابيكيا ومعها قطع ملونة من أحجار السور. ها هو شارع أونتر دن ليندن الذى أعتبره روح أوروبا يمتد بحرية بين الشرق والغرب دون نقاط تفتيش ولا كلاب حراسة. ومع هذا كله تطن فى أذنى وشوشات البارانويا: التاريخ كله عبث، وانهيار قلاع الرعب كانقضاء مواسم الفرحة، دليل على أن كل الأنهار تمضى إلى البحر والبحر ليس بملآن، لأن الكل باطل الأباطيل وقبض الريح. لكن بائع الروبابيكيا المهاجر السودانى الذى عرض على بدلة جنرال سوفيتى وصديقته الألمانية كانا صورة للشباب والفرح والأمل بغد أفضل، فهل جاء الفرح وتحقق الأمل؟ بعد سقوط سور برلين ظهرت أسوار وأسوار: من أمريكا الشمالية إلى الشرق الأوسط، وأبشعها هى أسوار العنصرية غير المرئية التى تنتشر الآن فى جميع أنحاء العالم، والتى سالت دماء مروة الشربينى فوق الهيكل الشفاف لواحد منها عندما حاولت أن تجتازه، بالحب وبالقانون، فذبحها عدو لألمانيا وللإنسانية. الأمل الذى برق أمامى فى عيون مهاجر سودانى وصديقته الألمانية غداة سقوط السور لا يزال بعيدا. وما يجرى حولنا فى فلسطين والعراق والصومال دليل على ذلك. لكن بوسعنا إحياء الأمل والعمل من أجل تحقيقه، واحذر أن تسخر من قدرتنا كعرب وكمصريين على ذلك، فنحن بين أهم من عملوا على إسقاط سور برلين. كيف؟ فى كتابه »عالم مسطح وساخن ومزدحم (2009) يقول توماس فريدمان أن تفجير حرب أكتوبر والحظر النفطى غيرا عالمنا المعاصر، فقد رفعا أسعار النفط ورفعا أسعارالسلع الاستهلاكية، ففقد السوفيت تدريجيا القدرة على تمويل إمبراطوريتهم وبدأ عصر الجمود العظيم، كما يسميه مؤرخو حقبة بريجينيف، وتدهورت الأمور فى الثمانينيات، ولم تعد موسكو قادرة على مساندة نظام ألمانياالشرقية فارتبك النظام وانهار السور تحت ضغط الملايين الراغبة فى الخروج من الدولة - السجن. وهذا ما كرره الكاتب الأمريكى فريدريك تايلور المتخصص فى تاريخ السور يوم 9 نوفمبر 2009 وهو يتحدث إلى راديو صوت أمريكا والذى ربط بين سقوط السور والصدمة النفطية، التى صنعنا بدمائنا وبسالتنا الظرف العسكرى الذى كان مبرر وجودها. نستطيع أن نعود إلى تغيير العالم لكن هذه المرة ليس بالسلاح، ليس بمبادرات عسكرية، ولكن بمبادرات سياسية واقتصادية وبعدالة اجتماعية تجعل مصر نموذجا للتنمية الوطنية، بالتعاون مع القوى التى تمثل الطريق الثالث عالميا، وفى مقدمتهم باراك أوباما وحزبه الديمقراطى فى أمريكا، والاشتراكيون فى أوروبا، والقوى الصاعدة فى آسيا، لنبنى مصر التى يرضى عنها مواطنوها، لا مصر التى يمنحها البنك الدولى أو غيره شهادة تقدير. مصر التى يرضى عنها ويفخر بها مواطنوها هى القادرة على إقناع الإسرائيليين والفلسطينيين وعرب الخليج (بهذا الترتيب) بالعمل معا لتحويل قلب العالم إلى مصدر إشعاع، لإحياء المنطقة ووقف فوضاها والظرف الدولى جاهز للتجاوب، ومحتاج أشد الاحتياج لمصر القوية والمبادرة. وكما قلت مرارا: كل ما يجرى فى منطقتنا يؤثر فى العالم كله وخاصة فى أوروبا، وفى كتاب للشيوعى العراقى عزيز سباهى بعنوان »المقايضة: برلين - بغداد ربط يبدو جديرا بالاهتمام بين سقوط حائط برلين والتحرك لإسقاط نظام صدام حسين فى العراق. ابحث عن الكتاب واقرأه وقل لى رأيك.