وزير الري يؤكد عمق العلاقات المصرية التنزانية على الأصعدة كافة    جامعة المنيا تفوز بثلاثة مراكز متقدمة على مستوى الجامعات المصرية    انخفاض سعر جرام الذهب عيار 21 اليوم في الأسواق ومحال الصاغة    خبير: يجب وقف قرار رفع سعر الخبز لهذا السبب    الخارجية العراقية: نحث الفلسطينيين على التعامل الإيجابي مع المبادرات المطروحة بما يحفظ حقوقهم    حزب الله: استهدفنا رادار القبة الحديدية في ثكنة يردن الإسرائيلية وأوقعنا الضباط والجنود    للمرة الثانية.. كوريا الشمالية تطلق بالونات قمامة تجاه جارتها الجنوبية    أوكرانيا: تدمير 24 طائرة روسية بدون طيار من طراز «شاهد» خلال يوم    مواعيد مباريات اليوم الأحد 2-6 - 2024 والقنوات الناقلة لها    «الأرصاد»: اضطراب الملاحة على شواطئ البحر الأحمر وخليج السويس    نتيجة الشهادة الإعدادية محافظة قنا 2024.. تظهر خلال الأسبوع الحالي    122 لجنة بكفر الشيخ تستقبل 30 ألف طالب بالتعليم الفنى لأداء الامتحانات    إحالة تشكيل عصابي للمحاكمة بتهمة سرقة الدراجات النارية بالقطامية    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى بولاق الدكرور دون إصابات    بدء تشغيل قطار 1935/1936 ثالثة مكيفة «مرسى مطروح - القاهرة»    رئيس جامعة القاهرة: استحداث جائزة «الرواد» لأول مرة لإبراز نخبة العلماء المؤثرين أكاديميًا ومجتمعيًا    وسام أبوعلي: معظم عائلتي استشهدت    إضافة 3 مواد جدد.. كيف سيتم تطوير المرحلة الإعدادية؟    تكدس مروري بالطريق الزراعي بسبب انقلاب سيارة في القليوبية    «أوقاف شمال سيناء» تنظم ندوة «أسئلة مفتوحة عن مناسك الحج والعمرة» بالعريش    استقرار سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 2 يونيو 2024    سيناتور أمريكي: نتنياهو مجرم حرب ولا ينبغي دعوته أمام الكونجرس    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الأحد 2يونيو 2024    الفنان أحمد جلال عبدالقوي يقدم استئناف على حكم حبسه بقضية المخدرات    أسعار الخضار في الموجة الحارة.. جولة بسوق العبور اليوم 2 يونيو    عبير صبري: وثائقي «أم الدنيا» ممتع ومليء بالتفاصيل الساحرة    ل برج الجدي والعذراء والثور.. ماذا يخبئ شهر يونيو لمواليد الأبراج الترابية 2024    ورشة حكي «رحلة العائلة المقدسة» ومحطات الأنبياء في مصر بالمتحف القومي للحضارة.. الثلاثاء    توقيف يوتيوبر عالمي شهير نشر مقاطع مع العصابات حول العالم (فيديو)    الزمالك يدافع عن شيكابالا بسبب الأزمات المستمرة    عمرو السولية: معلول ينتظر تقدير الأهلي وغير قلق بشأن التجديد    «خبرة كبيرة جدًا».. عمرو السولية: الأهلي يحتاج التعاقد مع هذا اللاعب    براتب 50 ألف جنيه شهريا.. الإعلان عن فرص عمل للمصريين في الإمارات    أحمد موسى: الدولة تتحمل 105 قروش في الرغيف حتى بعد الزيادة الأخيرة    مدحت شلبي يكشف 3 صفقات سوبر على أعتاب الأهلي    عمرو أدهم يكشف آخر تطورات قضايا "بوطيب وساسي وباتشيكو".. وموقف الزمالك من إيقاف القيد    تشيلي تنضم إلى جنوب أفريقيا في دعواها ضد إسرائيل    الصحة تكشف حقيقة رفع الدعم عن المستشفيات الحكومية    أمير الكويت يصدر أمرا بتزكية الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح وليا للعهد    إجراء جديد من محمد الشيبي بعد عقوبة اتحاد الكرة    بعد حديث «حجازي» عن ملامح تطوير الثانوية العامة الجديدة.. المميزات والعيوب؟    من شوارع هولندا.. أحمد حلمي يدعم القضية الفلسطينية على طريقته الخاصة (صور)    17 جمعية عربية تعلن انضمامها لاتحاد القبائل وتأييدها لموقف القيادة السياسية الرافض للتهجير    دراسة حديثة تحذر.. "الوشم" يعزز الإصابة بهذا النوع من السرطان    باستخدام البلسم.. طريقة سحرية لكي الملابس دون الحاجة «للمكواه»    طبيب مصري أجرى عملية بغزة: سفري للقطاع شبيه بالسفر لأداء الحج    قصواء الخلالي: التساؤلات لا تنتهى بعد وقف وزارة الإسكان «التخصيص بالدولار من الخارج»    نبيل فهمي: نتنياهو يعمل من أجل مصلحته وفقد اتزانه لتحالفه مع اليمين المتطرف    موازنة النواب: الديون المحلية والأجنبية 16 تريليون جنيه    عضو أمناء الحوار الوطني: السياسة الخارجية من أهم مؤشرات نجاح الدولة المصرية    السفير نبيل فهمى: حرب أكتوبر كانت ورقة ضغط على إسرائيل أجبرتهم على التفاوض    صحة الإسماعيلية: بدء تشغيل حضانات الأطفال بمستشفى التل الكبير    مجلس حكماء المسلمين: بر الوالدين من أحب الأعمال وأكثرها تقربا إلى الله    مصر تشارك في مؤتمر العمل الدولي بجنيف    تكريم الحاصل على المركز الرابع في مسابقة الأزهر لحفظ القرآن بكفر الشيخ    تعرف على صفة إحرام الرجل والمرأة في الحج    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 1-6-2024 في المنيا    قبل الحج.. تعرف على الطريقة الصحيحة للطواف حول الكعبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وردة بيضاء لمن خلق من السواد طاقة نور!
نشر في روزاليوسف الأسبوعية يوم 24 - 10 - 2009

زمان أوى، كنا نسكن بجوار بيته، فى حى الهرم، كان عمرى الصغير جداً، لا يسمح لى باستيعاب ما تقوله "أمى" لى، حين تراه خارجاً من بيته، أو راجعاً له، "ده طه حسين يا نونا.. شفتى إحنا محظوظين إزاى عشان ساكنين جنبه وبنشوفه كل يوم.. بكره لما تكبرى، هتعرفى ليه أنا باحبه، وليه هو راجل عظيم يا نونا".
وكبرت "نونا"، وعرفت مَنْ هو "طه حسين" الذى رحل فى 28 أكتوبر ,1973 منذ 36 سنة. فى يوم رحيل "طه حسين"، لا أهتم باللقب الذى يسبقه "عميد الأدب العربى"، أولاً، لأن "الأدب العربى" ليس "جامعة"، حتى يكون لها "عميد"، واللقب لا نعرف مَنْ الذى أطلقه على "طه حسين"، مثل بقية الألقاب المنتشرة فى حياتنا، ولا نعرف مَنْ أطلقها، أو طالبنا بالإصرار عليها.
من سمات المجتمع العربى استمتاعه بلعبة الألقاب، منحها لمَنْ يشاء، وحجبها عمَنْ يشاء.
وبالطبع ليس "طه حسين" هو الذى أوحى إلى "لجنة التسميات" بهذا الاسم له.. جزء من عظمة "طه حسين" أنه يدرك أن الألقاب الممنوحة من الشلل السياسية، والشلل الأدبية، والشلل الاجتماعية، والشلل الدينية، والشلل الصحفية، والشلل الإبداعية، والشلل الإعلامية، لا تصنف شيئاً له قيمة فكرية، أو إبداعية حقيقية متفردة، لصاحبها، أو لصاحبتها.
من أجمل ما قرأت، من السير الذاتية، الإبداعية، كتاب "الأيام" ل"طه حسين"، إنها "أيام"، تغوص فى طين التربة المصرية، الفكرية، وتفضح إلى أى مدى، القرى، والأرياف، لا يصلها أى بصيص من العلم، إلى درجة أن يتسبب الأهل فى فقدان البصر لفلذات أكبادهم دون قصد. أعجبتنى أيضاً "الأيام" لأن "طه حسين" بكل براعة إنسانية، قبل أن تكون براعة أدبية، استطاع مزج مشاعره الدفينة الخاصة جداً، وأسراره المحتجبة بينه وبين نفسه، وبين ما نسميه "الحالة العامة الواقعية الموضوعية".. والتى أعتقد أنها "حالة" مخزنة فوق أرفف المكتبات، لا يقرؤها أحد، والسبب هو هذا بالضبط.. إنها "الحالة العامة الواقعية الموضوعية"، والتى نستطيع معرفتها، من مانشيتات الجرائد، ونشرات الأخبار، ودعابات الرجال على المقاهى.
لكن "طه حسين" لأنه "صادق" لا يهمه النقاد، بقدر ما يهمه أن يكون "نفسه".. ولأنه "موهوب" فى كتابة الأدب.. تلك الموهبة، التى بداخلها، القدرة العجيبة، على ربط كل الأشياء.. وجميع العلاقات، ومزج ما يسمى خطأ "خاص"، بما يسمى خطأ "عام".. ولأنه كانت لديه "البصيرة" لا "البصر"، الذى لا يساوى شيئاً، بدون "البصيرة" الداخلية المتفردة، التى تسمع وترى، وتمس، وتلمس، وتنقد، وتتمرد، وتغير.
أحب فى "طه حسين" بمناسبة ذكرى رحيله ال ,36 تواضعه.. هدوءه.. بطء خروج الكلمات منه.. التحدى الهائل الذى جعله "المبصر" الأول فى عصره.. يدافع عن مبادئه، وكأنها عيناه المفقودتان فى الطفولة.
أحب "دعاء الكروان" و"الحب الضائع".. من كتابات "طه حسين"، التى تحولت إلى أفلام سينمائية.
فى دعاء الكروان، فضح الذكورية الشرسة، التى تقتل فتاة ضحك عليها، البيه المحترم، ويقدم لنا مفارقة من مفارقات الحياة الوجودية، الفلسفية، حين تقرر أخت هنادى- الفتاة المقتولة بكلام الحب المعسول- الأخذ بثأرها والانتقام من البيه، المحترم، يقع الاثنان فى حب بعضهما البعض.
أحببت "الحب الضائع"، ولا أعتقد أن هناك رواية أديب، رسم الصداقة العميقة المختلفة، بين صديقتين، حيث تقول واحدة "حتى زوجى الذى يحبك لن يستطيع إفساد صداقتنا".
فى المجتمع الذكورى، كثيراً ما يحدث أن الرجال تفسد الصداقة بين النساء، وبين الزوجات. لكن "طه حسين" كانت "الذكورية" المتوحشة فى مجتمعنا، تهمه، وتؤرقه، ويراها أعمق بكثير من المبصرين والمبصرات.
فى "الحب الضائع" يقول لنا "طه حسين" إن الصداقة بين امرأتين، بدأت منذ الطفولة، هى أجمل من العلاقة برجل، وتحتوى على أبعاد إنسانية أكثر ثراءً، من مجرد حب رجل، ووضح لنا، كيف أن كل صديقة، كانت تبكى من أجل الأخرى لا من أجل نفسها.
والرسالة الثانية، التى يلمح لها، فى "الحب الضائع" واضحة من العنوان ف"الحب" كما نتمناه.. كما نشتهيه.. كما ننتظره.. كما نحلم به.. كما نفكر فيه.. كما نجد فيه الاكتمال، "حر" كالهواء، يأتى عندما هو يريد، وليس عندما نريد نحن، لأنه دائماً، يأتى فى الوقت غير المناسب، للبشر، لكنه الوقت المناسب له هو، للحب.. لا سلطان على الحب. لكننا نترك الحب، يضيع، لأننا لا نريد دفع ثمن الحب، الذى لا يأتى إلا مرة واحدة فى العمر.. وكل شىء بعد ذلك.. يهون.
لذلك.. هذا الشهر أهدى وردتى إلى "طه حسين" بدون ألقاب.. يكفى أنه "طه حسين".. وردة "بيضاء".. نقيض الظلام الطويل الذى عاشه، وخلق منه طاقة من النور، الفياض المشع. ولأننى أعرف نبل أخلاق "طه حسين" فإنه لن يفرح بوردتى، إلا إذا أهديت "سوزان" رفيقة كفاحه، وزوجته، وشريكة أحزانه، وأفراحه.. المرأة الفرنسية الميسورة، التى أحبت شاباً فقيراً مصرياً، فاقد البصر، وقررت العيش معه إلى الأبد.
إلى "سوزان".. الفريدة فى حبها.. النادرة فى وفائها.. حبيبة قلب طه حسين، أقدم لها وردة، لها اللون الأبيض، مثل وردتى لطه حسين- حتى لا يزعل منى- ويتهمنى أننى لا أقدر عطاء امرأة، عاشت من أجله، وماتت على أمل أن تلقاه.
من بستان قصائدى
من المهم جداً
أن يقرأنى واحد
أو أن تتذكرنى واحدة
وأنا على ذمة
النساء الأحياء
لكن الأهم
مَنْ يفعل هذا، ومَنْ تفعل ذلك
وأنا مقيدة بنعى أخرس
فى صفحة الوفيات


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.