تدهور مخزٍ شهده أسطول الصيد المصرى خلال العشرين عاما الأخيرة، فلم نعد نمتلك أسطولا بحرياً سواء تجاريا أو للصيد يؤمن احتياجاتنا حتى إن السفن المملوكة لنا مرفوضة من دخول الموانئ المتطورة، وطردنا عمليا من صناعة الصيد العالمية بعد أن كنا نشارك فيها منذ أيام "محمد على"! والسؤال الذى نطرحه: لماذا لم تتدخل الدولة لاستعادة الأيام الخوالى لأسطولنا للصيد الذى لم يعد له وجود فى ظل غياب القطاع الخاص عن ضخ أى استثمارات فى البنية الأساسية خوفا من المخاطرة ورغبة منه فى الكسب السريع خاصة أن مثل هذه المشروعات تحتاج إلى وقت طويل لتغطية ما تم الإنفاق فيها، ومع استمرار غياب الدولة وتجاهل هذا الملف الاقتصادى المهم! كانت البداية الحقيقية للأسطول المصرى فى عهد محمد على ، فقام ببناء أسطول كبير من السفن فى ترسانة بولاق، مستخدما أشجار التوت وأخشابا جلبها من آسيا الصغرى، واستخدم الضباط الأتراك لقيادة سفن هذا الأسطول، أما البحارة فكانوا من الفرنسيين والإنجليز واليونانيين والأتراك، وكان استخدام الأسطول فى البداية لنقل الإمدادات والتموين طوال سنوات الحملة التى قام بها محمد على لقمع الحركة الوهابية فى الحجاز من 1811 إلى, 1818 كما قام بشراء مجموعة من السفن من الدول الأجنبية استخدمها بجانب الأسطول العثمانى فى حرب المورة "اليونان" وفى بداية الستينيات من القرن الماضى اشترت الحكومة أسطول صيد ضخما من الاتحاد السوفيتى مجهزا بثلاجات لحفظ الأسماك ومصنعا للتعليب، وكان مزوداً برادارات لاكتشاف المواقع الكثيفة للأسماك، وذاع صيته كثيرا فى بلاد العالم، حيث كان يقوم بصيد الأسماك فى أعالى البحار وبحيرة ناصر جنوب السد العالى، وللأسف تدهورت حالته وتوقف نشاطه ولا يعرف مصيره رغم سلسلة محال بيع الأسماك الكثيرة التى كانت تعتمد على إنتاجه! ومع اختفاء هذا الأسطول ظهرت تجمعات تضم قطاعات كبيرة من أسطول صيد السمك، حيث بلغ عددها عام 2001 حوالى 6388 سفينة منها 3954 سفينة مزودة بمحركات، والأخرى من السفن الشراعية، وكانت السفن الشراعية تمثل 21 ٪ من هذا الأسطول، وهو عبارة عن سفن خشبية صغيرة يقل طولها عن 10 أمتار، وكانت نسبة 3 ٪ من السفن الكبيرة المصنوعة من الصلب مزودة بمحركات تتجاوز قوتها 500 حصان، حيث يعمل فى هذا القطاع نحو 27,550 صيادا يندرج منهم حوالى 3013 فردا ضمن قطاع الصيادين الهواة، وتعتبر إمكانات هذا الأسطول محدودة، حيث إنها ليست مجهزة للعمل بأعالى البحار، وتراجعت الأرباح التى تحققها مع مصاعب الصيد وقلة الإنتاج وانخفضت أعداد سفن الأسطول إلى النصف فبلغت3200 وحدة بعد أن كانت 6388 وحدة، ثم انخفضت إلى ألفى وحدة صيد فقط تضم1137 سفينة للصيد بشباك الجر 937 قاربا للصيد بالخيط الطويل والسنارة و632 قارباً للصيد بالشباك المثلثة والخيشومية و 238 سفينة للصيد بالشباك الكيسية، حيث كان متوسط عدد أفراد طاقم العاملين بسفن الصيد بشباك الجر من 6 إلى 8 أفراد، وعلى سفن الصيد بالشباك الكيسية من 17 إلى 23 فردا، بينما يعمل على القوارب الأخرى ما بين 2 و3 أفراد، وهذا يعنى أن إمكانات هذا الأسطول كانت متواضعة للغاية، ويتركز أكثر من نصف حجم الأسطول حاليا فى عزبة البرج بدمياط، وهى المدينة التى تشتهر تاريخيا بصناعة السفن منذ العصر الفاطمى، حيث أنشأ بها الظاهر بيبرس حوالى 1263 ورشة لصناعة السفن، ومازال الأهالى يعملون فى صناعة سفن الصيد الخشبية الصغيرة يعمل منها حوالى 100 مركب فقط مؤهل للصيد عبر البحار. وتوجد 9 مراكز للصيد على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط منها أربع مؤانى صيد متطورة فى الإسكندرية والمعدية ودمياط وبورسعيد، هذا ما أوضحه لنا د. محمد رفعت عثمان رئيس هيئة الثروة السمكية موكداً أن الكميات التى يتم إنزالها منها تمثل حوالى 45 ٪ من مجموع المصيد البحرى وتحقق نسبة 40 ٪ من الكميات التى يتم تفريغها حيث تمثل أسماك السردين 30 ٪ من الكميات التى يتم تفريغها تليها الأنشوجة أما الأصناف الأخرى كالسوبيط والروبيان والشابوط والبورى الرمادى والأحمر فتمثل 30 ٪ ، مشيراً إلى أن هناك 4 مراكز للصيد على طول خليج السويس و 6 مراكز على طول ساحل البحر الأحمر و3 مراكز على طول خليج العقبة بالإضافة إلى موانئ للصيد المتطور فى السويس والغردقة حيث يمثل البحر الأحمر نسبة34 ٪ من إنتاج الأسماك و51 ٪ من خارج المياه الإقليمية أما مصيد خليج العقبة فيمثل أقل من 1٪ حيث يشمل نحو 35 ٪ مجموعة من الأصناف تغلب عليها أسماك الماكريل والشابوط والمرجان والبورى الرمادى والوقار حيث تنتج مصايد البحر المتوسط 11 ٪ فقط من الإنتاج الكلى للأسماك وتنتج مصايد البحر الأحمر حوالى 8,8 ٪ من الإنتاج نظراً لوجود الشعب المرجانية بها التى تحد من حركة المراكب وتقتصر عمل هيئة الثروة السمكية على رقابة أعمال الصيد فقط وتنمية الثروة السمكية ولاتمتلك أسطولاً للصيد. وطالب بضرورة وقف أعمال الصيد فى سواحلنا لمدة عام مع تعويض الصيادين بشكل مناسب لإعطاء فرصة لزريعة السمك كى تنمو وتتكاثر لخلق جيل جديد من الثروة السمكية. فيما يطالب اللواء محمود القاضى رئيس غرفة الملاحة المصرية الدولة بضخ استثمارات ضخمة لتمويل هذا القطاع الحيوى ببناء مجموعة من سفن الصيد العملاقة تكون نواة لأسطول صيد على مستوى عالمى متطور يجوب أعالى البحر وفقاً للأساليب العلمية التى تتبعها الأساطيل الأخرى كما فى اليونان وفرنسا وإيطاليا، مع تفعيل الاتفاقيات المتعلقة بالصيد مع الدول المجاورة التى تنعم بمصايد الأسماك التى تكون هى الأغنى على مستوى العالم ورغم ذلك لا تمتلك أصلاً أساطيل متطورة لديها للصيد فى سواحلها مثل الصومال وموريتانيا، حيث إن هذا الأسطول سوف يستفيد منه الصيادون العاملون على السفن البدائية أما المراكب الحالية فلابد من إعادة تنظيم تشغيلها بحيث يقتصر نطاق عملها على المياه الإقليمية المصرية لأن هذه المراكب أصبحت متهالكة والصالح منها إمكانياته محدودة سواء من حيث السعة التخزينية التى تتطلب وجود ثلاجات ضخمة لحفظ الأسماك لأن هذه المراكب تستغرق أياماً وشهوراً كثيرة فى البحار. وأضاف: على البنوك أن تمنح تسهيلات ائتمانية لهذه الصناعة العملاقة حتى نستطيع القول أن لدينا أسطولاً بحرياً يوفر احتياجاتنا من الأسماك باعتباره عنصراً مهماً للغذاء ويعوض نقص البروتين فى المصادر الأخرى كالفراخ واللحوم. وأكد د. محمد يوسف عميد كلية تجارة القاهرة ورئيس الهيئة العامة للرقابة على التأمين سابقاً بأن 58.6 ٪ من إجمالى الأسطول التجارى المصرى ويقدر بحوالى68 سفينة يزيد عمرها على 20 عاماً وبالتالى فإن تشغيل هذه السفن يعتبر مكلفاً نسبياً من حيث الصيانة وإصلاح الأعطال بالإضافة إلى إنه لا يدر العائد المرجو منه، حيث ينخفض النولون بالشحن على هذه النوعية من السفن وبالتالى يصبح التأمين عليها نوعاً من أنواع المخاطرة، مشيراً إلى أن معظم هذه السفن لا تخضع للتأمين خاصة أن هناك محدودية شديدة للشركات المصرية المالكة للسفن وعدم تعاونها فيما بينها فى حين أن الاتجاه العالمى يتجه نحو الاندماج وامتلاك كيانات كبيرة. وقال إن التطور الهائل الذى حدث فى صناعة السفن من حيث السعة الطنية ومعدات السلامة يجعل من هذه السفن غير صالحة للخدمة على المدى القصير، فيما لانزال نطالب بضرورة بناء أسطول مصرى كامل للصيد لمواجهة الأساطيل المعادلة التى تسيطر على إقليمنا البحرى بل وتشتهر حول العالم خلال الفترة الأخيرة!