يستعد "أحمد. ج" للعودة من إيطاليا، أحمد شاب عبقرى ينتمى إلى أسرة من الموهوبين الذين يتميزون بالشجاعة والابتكار، وقد وقف تعليمهم جميعا عند الدبلومات المتوسطة.. ووقف الفقر واختلالات سوق العمل فى بلادنا عائقا يحول دون أن يحتل أبناء وبنات هذه الأسرة الموهوبة الأماكن اللائقة بهم والمناسبة لقدراتهم. وعندما التقى أحمد مع أحد الخبراء الإيطاليين فى مصنع فى السادس من أكتوبر أبدى الخبير الإيطالى إعجابا بالحلول الابتكارية التى أقدم عليها أحمد ومهندس المصنع، لكنه حذرهما من أن هذا الابتكار الذى لا يقوم على أسس علمية يمكن إذا حالفه الحظ أن يحل مشكلات عويصة، أما إذا جانبه التوفيق فقد يؤدى إلى تفجير المصنع بما فيه ومن فيه، وختم الخبير حديثه بعبارة وجهها إلى أحمد قال فيها إنه لو كان فى إيطاليا لحقق نجاحا كبيرا. وظل أحمد بعد ذلك يبحث عن فرصة للسفر إلى إيطاليا حتى وجد من ساعده على السفر بشكل غير شرعى. ولأن سفره ارتجالى وغير قانونى، تماما مثل حلوله العبقرية للمشكلات الصناعية، فقد وجد نفسه يواجه صعوبات لا حصر لها وصلت إلى ذروتها مع الأزمة المالية العالمية التى يعانى منها العالم منذ الخريف الماضى. قال لى أخوه الأكبر محمود إن أحمد سيعود لأن معاملة أصحاب العمل للمهاجرين المصريين سيئة للغاية، وأكد على هذا المعنى صابر الذى هاجر ابنه إلى إيطاليا قبل أن يبلغ الثامنة عشرة، وأبقت عليه السلطات الإيطالية باعتباره طفلا لا يجوز ترحيله، لكن أباه يقول إن الأزمة المالية وقوانين العمل الجديدة التى أصدرتها حكومة بيرلسكونى جعلت العمال المهاجرين ومنهم ابنه عرضة لضغوط ومضايقات شديدة. وفى حديث على الهاتف مع صديقى السويسرى رولاند هويجونون.. الذى يقيم فى برلين ويعمل مع معهد بانوس الفرنسى.. أكد لى رولاند ضرورة عقد ندوة دولية لمناقشة أوضاع العمالة من شمال أفريقيا فى الاتحاد الأوروبى بعد أن أصدر بيرلسكونى قوانينه سيئة السمعة، وأكد رولاند من برلين ما قاله محمود وصابر فى القاهرة عما تتعرض له العمالة المهاجرة من ضغوط فى إيطاليا. لكنى شعرت بأن محمود وصابر يبالغان، وبأن رولاند يتكلم انطلاقا من انطباع عام، واتصلت بزميلى وصديقى مهدى النمر فى إيطاليا الذى ألقى على الموقف أضواء كاشفة. قال مهدى النمر إن تقريرا صدر فى أواخر أغسطس الماضى عن البنك المركزى الإيطالى أوضح أن العمالة المهاجرة أصبحت من المكونات الأساسية للاقتصاد الإيطالى بعد أن بلغت حصتها من الناتج المحلى عشرة بالمائة، وهذا يجعل وهم الاستغناء عن العمالة الأجنبية كبقية الأوهام العنصرية والانعزالية الأخرى، أمرا يستحيل تحقيقه. وأضاف مهدى : إن ثمانمائة ألف أسرة إيطالية تعتمد على العمالة المهاجرة فى رعاية كبار السن وأن قسما كبيرا من هذه العائلات هم من الموسرين الذين يمثلون قاعدة قوة لليمين الإيطالى الحاكم، ولهذا فقد وجدت الحكومة الإيطالية أنها مضطرة للطناش حتى لا تغضب هذه العائلات التى يعتمد استقرارها على خدمات التمريض والرعاية التى يقدمها العمال المهاجرون الشرعيون وغير الشرعيين لكبار السن من رجالها ونسائها، وقد بدأت فى نهاية الأسبوع الأخير من أغسطس إجراءات توفيق أوضاع المقيمين غير الشرعيين ممن يخدمون هذه الأسر، وهذه أول ثغرة فى جدار التعنت الذى شيدته قوانين بيرلسكونى الأخيرة. وتعليقا على ما قاله محمود وصابر قال إن جانبا كبيرا من المهاجرين المصريين الآن يعملون فى إيطاليا عند بلدياتهم الذين سبقوهم إلى الهجرة، والذين أصبحوا أصحاب أعمال فى مجالات المقاولات والخدمات والحرف، وتحكم الجانبين قيم وأعراف تخفف من قسوة وصرامة العلاقات الرأسمالية، لكن محمود وصابر وزميلا لهما هو سيد عبده عبدالوهاب "أذكر اسمه كاملا لأنه ليس مهاجرا غير شرعى ولا قريب مهاجر غير شرعى" ويؤكدون أن المصرى المهاجر عدو لابن بلده المهاجر مثله، وهذه أسطورة أسمعها منذ السبعينيات وأعرف أنها مكذوبة وردى عليها أن المصرى يساعد ابن بلده، لكن ليس كما يجب، ورد علىّ الثلاثة بأن خبرتى قديمة "منتهية الصلاحية" وأن الزمن تغير. الخلاصة أن أولادنا وبناتنا فى إيطاليا بخير، لكن المسألة برضه عايزه شوية شغل.