إلزام صاحب العمل بإنشاء حضانة أو تحمل تكاليفها.. أهم مكتسبات المرأة العاملة بالقانون الجديد    أسعار اللحوم اليوم الخميس في شمال سيناء    أسعار الذهب اليوم اليوم الخميس 30 أكتوبر 2025 بالشرقية    اسعار الحديد فى الشرقية اليوم الخميس 30102025    سعر الدولار اليوم الخميس 30أكتوبر 2025 أمام الجنيه المصري تعرف على اسعار العملات الأجنبية والعربية    ترامب يعلن بدء اختبارات نووية جديدة على الفور مشيرا إلى تجارب تجريها دول أخرى    الإعصار ميليسا يصل إلى جزر البهاما    حالة الطقس في الكويت اليوم الخميس 30 أكتوبر 2025    "تعاطي المخدرات والاضطرابات النفسية".. التفاصيل الكاملة لإشعال كهربائي شقته بالفيوم    اليوم.. أولى جلسات محاكمة التيك توكر أم مكة بتهمة بث فيديوهات خادشة    كلمة موحدة عن المتحف المصري الكبير تتصدر الفقرة الإذاعية في مدارس الجمهورية    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 30-10-2025 في الشرقية    أعلى شهادات الادخار في البنوك.. كم فوائد 100 ألف جنيه في البنك شهريًا؟    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 30اكتوبر 2025فى محافظة المنيا...تعرف عليها بدقه.    دوري أبطال أفريقيا.. كواليس جلسة رئيس بيراميدز مع اللاعبين قبل مواجهة التأمين الإثيوبي    زينة تكشف آخر تطورات حالتها الصحية بعد إصابتها خلال تصوير "ورد وشوكولاتة" (فيديو)    بعد عرض الحلقه الاولي.. مسلسل كارثة طبيعية يتصدر تريند جوجل    طريقة استخراج جواز سفر مصري 2025.. التفاصيل كاملة    ترامب لنظيره الصينى: العلاقة بين بلدينا ستكون رائعة لفترة طويلة    سر الخلطة المقرمشة..طريقة عمل البروستيد في المنزل بمذاق كنتاكي الأصلي    طريقة عمل الطحال، أكلة شعبية وقيمتها الغذائية عالية    رحمة محسن تتصدر تريند جوجل.. لهذا السبب    حميدتي يأسف ل«الكارثة» في الفاشر ويتعهد توحيد السودان «سلما أو حربا»    «محافظ على مستواه لا بيهاجم ولا بيدافع».. إبراهيم سعيد يسخر من نجم الأهلي    محمد عبد المنعم يصدم الأهلي بهذا القرار.. مدحت شلبي يكشف    التصريح بدفن ضحايا انقلاب سيارة في ترعة بطريق بنها - طوخ    رسميًا اليوم.. موعد تغيير الساعة للتوقيت الشتوي 2025 وإلغاء الصيفي    بالشراكة مع عدة جامعات.. صيدلة المنيا ضمن مشروع بحثى ممول من الاتحاد الأوروبي    نتائج قرعة ربع نهائي كأس الرابطة الإنجليزية    محمد الأسود: الثقافة طريق العدالة ومركز البحوث الجنائية مشروع وطني لنشر الوعي وبناء الثقة    «مش هسيبكم».. زوجة خالد الصاوي تفتح النار بعد مصرع المصورين ماجد هلال وكيرلس صلاح    في ذكرى تأسيس بلاده: سفير أنقرة يهتف «تحيا مصر وفلسطين وتركيا»    إعلام فلسطيني: تجدد غارات إسرائيل على خان يونس جنوبي غزة    وسائل إعلام فلسطينية: جيش الاحتلال يشن أكثر من 10 غارات على خان يونس    انطلاقة ساخنة لدور الانعقاد.. «الشيوخ» يشكّل مطبخه التشريعي    «الهيئة العامة للرقابة الصحية» تختتم برنامج تأهيل المنيا للانضمام للتأمين الصحي الشامل    بايرن ميونخ يسحق كولن برباعية ويتأهل بثقة إلى ثمن نهائي كأس ألمانيا    نبيل فهمي: سعيد بخطة وقف إطلاق النار في غزة.. وغير متفائل بتنفيذها    التحفظ على جثة المصور كيرلس صلاح بمستشفى القنطرة شرق العام ب الإسماعيلية    فاهمة الحياة كويس.. أهم 3 أبراج حكيمة وعاقلة ترى ما بعد الحدث    محامي شهود الإثبات: الأيام القادمة ستكشف مفاجآت أكبر في القضية التي هزت الإسماعيلية    وكيل لاعبين: النظام المتبع فى الزمالك يسهل فسخ العقود من طرف واحد    تشالهان أوجلو يقود إنتر للانتصار بثلاثية زيادة جراح فيورنتينا    موناكو يقلب الطاولة على نانت في مهرجان أهداف في الدوري الفرنسي    محمد علي السيد يكتب: التجريدة المغربية الثانية.. مصر73    وكيل صحة شمال سيناء يتفقد عيادات التأمين الصحي بالعريش    الحبس شهر وغرامة 100 ألف جنيه عقوبة دخول المناطق الأثرية بدون ترخيص    أبراج وشها مكشوف.. 5 أبراج مبتعرفش تمسك لسانها    أخبار × 24 ساعة.. مدبولى: افتتاح المتحف المصرى الكبير يناسب مكانة مصر    من تأمين المصنع إلى الإتجار بالمخدرات.. 10 سنوات خلف القضبان لاتجاره في السموم والسلاح بشبرا    الشرقية تتزين بالأعلام واللافتات استعدادًا لافتتاح المتحف المصري الكبير    مطروح تستعد ل فصل الشتاء ب 86 مخرا للسيول    بالصور.. تكريم أبطال جودة الخدمة الصحية بسوهاج بعد اعتماد وحدات الرعاية الأولية من GAHAR    سوهاج تكرّم 400 من الكوادر الطبية والإدارية تقديرًا لجهودهم    هل يجوز للزوجة التصدق من مال البيت دون علم زوجها؟.. أمين الفتوى يجيب    الشيخ خالد الجندي: الغني الحقيقي هو من يملك الرضا لا المال    انطلاق الاختبارات التمهيدية للمرشحين من الخارج في المسابقة العالمية للقرآن الكريم    محاكمة صحفية لوزير الحربية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محاكمة صحفية لوزير الحربية
4 اتهامات.. والمتهم واحد
نشر في روزاليوسف الأسبوعية يوم 30 - 10 - 2025

فى أواخر الأربعينيات كانت مصر على موعد مع واحدة من أخطر الأزمات السياسية والعسكرية فى تاريخها الحديث.. قضية الأسلحة الفاسدة.. وقد اندلعت شرارة الأزمة مع حرب فلسطين عام 1948، عندما اكتشف الجنود فى خضم حربهم أن الأسلحة التى تم تزويدهم بها معطوبة،لا تعمل بل ينفجر بعضها بمجرد لمسه.
كعادتها لم تكن «روزاليوسف» بعيدة عن هذه القضية بل كانت فى قلبها النابض، فقد خاضت معركة شرسة بالقلم والكلمة كشفت فيها كل ما حاولت السلطة إخفاءه من فساد وسوء إدارة، ولم تكتف «روزاليوسف» بالتعليق على الأزمة بل اقتحمت القضية بجرأة غير مسبوقة من خلال سلسلة مقالات كتبها «إحسان عبدالقدوس»، واجهت المجلة الفساد بشجاعة ولم تخش بطشا ولم ترهبها السلطة الغاشمة وقتها ولا تعرضها للمصادرة أو المنع أو المحاكمات.

لم تكن الصحافة فى مدرسة «روزاليوسف» يومًا مجرد مهنة ولم تنحصر اهتمامات أبنائها فى السعى الأعمى لنقل خبر أو التسابق المحموم للفوز بعنوان مثير ربما يزول أثره بمجرد قراءته، بل كانت نظرتهم للمهنة أعمق وأبعد إذ آمنوا أن الصحافة ليست انعكاسًا ساذجًا وسريعًا للحدث وإنما مسئولية وطنية تقتضى الفهم والتحليل لما وراء الخبر والبحث عن الحقيقة مهما كلف الأمر، وكان الصالح العام دائمًا نُصب أعين كتابها وصحفييها.

حملات صحفية كثيرة خاضتها مجلتنا العريقة خلال 100 عام لم تكن مجرد تغطيات عابرة بل معارك فكرية وسياسية خاضها أبناء «روزاليوسف» وكانت أقلامهم هى السلاح وصفحات المجلة ساحة للمعركة.

ومن هنا لم تكن الصحافة فى هذه المدرسة الصحفية الواعية والمسئولة مجرد شاهد على الأحداث بل قوة توقظ الوعى وتغير الواقع.

وهذا بالضبط ما فعلته مقالات «إحسان عبدالقدوس» التى جعلت من أزمة الأسلحة الفاسدة فضيحة مدوية هزت أركان النظام وأصبحت حديث الشارع المصرى.

أربعة مقالات كل منها حمل اتهامًا مختلفًا لوزير الحربية، ولم تكتف «روزاليوسف» بكشف الفساد المستشرى فى البلاد بل تحولت إلى محرك رئيسى لغضب الشارع المصرى لتدق بكلمات كالرصاص آخر مسمار فى نعش النظام الملكى الحاكم حينها.

1 – الاتهام الأول : التدخل في سلطات القادة العسكريين
فى الحلقة الأولى من سلسلة مقالات «إحسان عبدالقدوس» بعنوان «إنى أطالب بالتحقيق مع الفريق محمد حيدر باشا» وجه الكاتب أول اتهاماته لوزير الحربية والتى تستلزم التحقيق معه وهى التدخل فى سلطات القادة العسكريين وفى اختيار الضباط وإخفاء قرار الحملة العسكرية على فلسطين عن الجميع وعلى رأسهم القائد العام للحملة وبالتالى لم يكن الجيش مستعدًا لدخول حرب. عدّد «إحسان» فضائح الفساد والتقصير داخل الجيوش خاصة تلك التى وقعت وسط أجواء حروب أو ظروف صعبة تمر بها بلادهم، مشيرًا إلى أن تلك الجيوش كانت حريصة على محاسبة المخطئ والإعلان عن تفاصيل الواقعة.



وأكد المقال الأول فى سلسلة المقالات النارية أن ضباط الجيش المصرى وخاصة صغار الضباط يتساءلون عن أسباب التكتم على التقصير الكبير والهزيمة المخزية التى تعرض لها الجيش فى حرب فلسطين.

حملة «روزاليوسف» من أجل المحاسبة والإصلاح
ووجهت «روزاليوسف» أسهمها تجاه وزارة الحربية منتقدةً تقاعصها عن إصدار كتاب عن حملة فلسطين يرصد كل ما وقع بها من أخطاء «حتى يستريح الأبطال، وتستريح أرواح الشهداء، ويطمئن الرأى العام إلى أن هذه الأخطاء لن تتكرر».

وكان هذا هو الهدف الرئيسى من معركة «روزاليوسف» فلم تكن الحملة الشرسة التى شنتها المجلة على الجيش نوعًا من الشجاعة الزائفة أو ادعاءً للبطولة بل كانت تهدف إلى إجراء إصلاحات ومحاسبة المخطئ حتى يحتفظ الجيش بثقة الشعب المصرى التى اهتزت بعد الهزيمة ولم يكن ليعيدها إلى سابق عهدها إلا تحقيق لا تشوبه مجاملة ومحاسبة لا تستثنى قيادة وإصلاحات لا تعرف أنصاف الحلول بل تقتلع جذور الفساد من أساسها.

بينما، على الجانب الآخر، قامت حكومة «إسرائيل» فى ذلك الوقت بإصدار كتاب بعنوان «جيش إسرائيل» وطبعته وقامت بتوزيعه على وحدات جيشها.

ولذلك كتب إحسان معلقًا «لو استطاع معالى الفريق أن يحصل على نسخة منه، لعرف من طيات هذا الكتاب الذى وضعه الأعداء صدق إحساس الصاغ حسن الهاوى عندنا».

الصاغ حسن الهاوى
وهنا يجدر الإشارة إلى واقعة كاشفة عن حجم الغضب داخل صفوف الجيش المصرى فى ذلك الوقت ووقع الهزيمة ومرارتها فى حلق أبنائه الذين لم تخذلهم شجاعتهم يومًا فى هذه الحرب أو غيرها بل خانهم أولئك الذين باعوا الدماء الطاهرة بصفقات فاسدة فكان الغدر أقسى عليهم من رصاصات العدو.

ففى نوفمبر 1948 أى بعد بدء عملية انسحاب الجيش المصرى من مواقعه فى فلسطين،عقد اللواء «أحمد بك المواوى» قائد حملة فلسطين اجتماعًا بمركز القيادة، بهدف رفع الروح المعنوية للجيش ومناقشة أسباب الإنسحاب.

لكن كانت هناك مفاجأة فى انتظار القيادات إذ لم يتوقعوا حجم غضب أبناء الجيش واستيائهم حتى إن ضابطًا صغيرًا برتبة صاغ يدعى «حسن الهاوى» قال صارخًا فى وجههم «إن الجيش المصرى لم يُهزم لكن قيادته هى التى هُزمت».. عبارة تناقلها أبناء الجيش نظرًا لصدقها وشجاعتها حتى وصلت إلى مكتب وزير الحربية آنذاك «حيدر باشا» نفسه.

ويعلق الكاتب على هذه الواقعة بأنه «ورغم ذلك لم يحقق أحد مع الضابط فيما اتهم به قيادته ولم يحقق أحد مع القيادة فيما أُتهمت به».

قائد حملة فلسطين.. عامل تليفون مفقود السلطة عديم الحيلة
ينتقل المقال للحديث عما قام به الجيش المصرى فى أعقاب الحرب ويتساءل هل اللواء «أحمد المواوى»، بوصفه قائد الجيش المصرى فى حرب 1948، هو المسئول عن التخطيط للحملة وهل كان مسئولًا عن قرار الانسحاب؟.

المقال حمل فى طياته الإجابة عن التساؤل. فقد أزاح الستار عن مفاجأة من العيار الثقيل من خلال مذكرة اختارت «روزاليوسف» أن تكشف فقط جزءًا منها وهو الجزء الخاص بنص أقوال اللواء «المواوى» نفسه فى التحقيق الذى أجراه الجيش عقب الهزيمة.

كشفت المذكرة المؤرخة فى 11 نوفمبر 1948 أن اللواء المواوى وفقًا لما جاء بالمقال «لم يكن قائدًا لحملة فلسطين وإنما كان مجرد ساعى بريد أو عامل تليفون يتلقى الأوامر من القاهرة وعليه أن يبلغها -بالأمر-إلى قواد الوحدات، حتى لو لم يقتنع بها وحتى لو تجرأ وعارض فيها».

والأغرب أنه، ورغم كونه القائد العام للحملة، لم يكن من حق «المواوى بك»، وفقًا لتلك المذكرة، اختيار معاونيه من الضباط الذين كان يتم فرضهم عليه، ووصفه الكاتب «إحسان عبدالقدوس» بأنه «كان عامل تليفون مفقود السلطة،عديم الحيلة».

أما أخطر ما كشفته «روزاليوسف» فى هذا السياق فكان حقيقة صادمة جاءت على لسان قائد الحملة نفسه فى المذكرة وهى أن «المواوى بك» لم يكن يعلم بنية الحكومة ووزارة الحربية القيام بتلك الحملة من الأساس إلا قبل بدئها بأيام قليلة وهو ما انتقده «عبدالقدوس» فى مقاله بعبارات حادة لا تخلو من السخرية، إذ كتب «أيام لا تكفى نابليون بونابرت نفسه كى يدرس ويضع الخطط لتأديب عصابات إسرائيل، ولا حتى لتأديب عصابات الخُط وعصابات الأرياف!».

وترتفع لهجة المقال وتزداد حدتها عندما يطالب «عبدالقدوس» وزارة الحربية بالتحقيق مع «حيدر» طواعيًة قبل أن تضطر إلى ذلك مرغمة.

ولم يكن هذا مجرد تهديد أجوف من «روزاليوسف»، فأقلام المجلة طالما انتقدت الفاسدين والمقصرين فى كل مجال وهاجمتهم وضغطت بالكلمة الصادقة والرأى الحر حتى استجاب المسئولون. وهو ما جعل معاركها التى تنحاز فيها للشعب دون مواربة هى دائمًا معارك رابحة.



فقبل شهور من سلسلة المقالات التى نحن بصددها، كانت «روزاليوسف» قد شنت حملة مماثلة من خلال سلسلة مقالات طالبت فيها وزارة الحربية بالتحقيق فى صفقات توريد الأسلحة والذخائر للجيش.

وكانت البداية بمقال واحد لكن، ونتيجة لعدم استجابة الوزارة، اضطرت المجلة إلى استكمال حملتها ومطالباتها من خلال مقالات فجرت فيها فضائح مدوية ومعلومات خطيرة عن المتورطين فى الصفقات.

2 – الاتهام الثاني : الزج بالجيش في حرب بلا استعداد أو تدريب وبأسلحة فاسدة
واضطر النائب العام فى النهاية، ومع استمرار المجلة فى النشر عن القضية وفضح المزيد من الأسرار، إلى فتح تحقيق فى تلك الصفقات.


ننتقل إلى المقال الثانى من سلسلة المقالات فى حملة «روزاليوسف» لمحاسبة المسئولين عن إخفاق الجيش فى حرب فلسطين عام 1948، ويحمل المقال الاتهام الذى توجهه «روزاليوسف» لوزير الحربية فهو مسئوليته المؤكدة عن الدفع بالجيش للدخول فى حرب دون إجراء التدريبات اللازمة بل وتزويد أبناء الجيش بأسلحة فاسدة.

حاول «عبدالقدوس» أن ينتقد «حيدر» بذكاء دون أن يهينه أو يحط من قدره أو يمس هيبته فالهدف، كما ذكرنا من قبل، هو الإصلاح فقط ولذلك فقد أكد أنه مشفق على الوزير من تناول سيرته بالسوء داخل الجيش وخارجه بكلمات تنتقص من هيبته ووقاره.. «وهو الرجل الذى عاش عمره لا يملك سوى الهيبة والوقار».



وتكشف «روزاليوسف» عن تلقيها عشرات الرسائل من ضباط يطلبون نشر الرسائل موقعة بأسمائهم ورتبهم والوحدات التابعين لها، لكن المجلة كانت ترفض نشر تلك الرسائل منسوبة إلى أصحابها احترامًا لتقاليد الجيش التى تحفظ الحد ود بين الرؤساء والمرئوسين وتحترم هيبة القائد.

وهنا تبرُز مدرسة «روزاليوسف» بكل وضوح، فقد كانت المجلة، ولا تزال، حريصة على المصلحة العامة أكثر من حرصها على تحقيق سبق صحفى يثير بلبلة أو يضر بأشخاص أو كيانات دون ضابط.

الضابط الشاب الذى هاجم وزير الحربية فى مقال صحفى
لكن «عبدالقدوس» يشير إلى مقال نشرته مجلة الاشتراكية بقلم اليوزباشى «مصطفى كمال صدقى» يكشف عن مدى الغضب والسخط بين صفوف ضباط الجيش وجنوده بعد الهزيمة.

قال الضابط فى مقاله، وفقًا لما نقلته روزاليوسف: «والمطلوب الآن من حيدر باشا إيقاف زياراته غير المرغوب فيها للوحدات والتى تأخذ شكلًا استفزازيًا قد ينتج عنه أضرار كثيرة!!»

أما مصير هذا الضابط، فقد كان تقديمه إلى مجلس تحقيق فى 7 أكتوبر ونقلت «روزاليوسف» لقرائها بعضًا مما دار فى التحقيقات، والتى كانت إجابات اليوزباشى مصطفى بها فى منتهى الوضوح والصرامة والجرأة، وجه الضابط الغاضب هجومه، خلال التحقيقات، إلى وزير الحربية، حتى إنه رد على سؤال حول لماذا لم يلجأ إلى الطرق القانونية لإيصال صوته إلى رؤسائه بدلًا من نشره فى الصحف، أجاب الضابط بأنه لا يثق بقيادة على رأسها «حيدر باشا».. مؤكدًا أنه ضحى بمصلحته الشخصية وما يمكن أن يتعرض له من بطش فى سبيل الصالح العام.

وعلى الرغم من عنف كلمات «اليوزباشى مصطفى» وتعمده تحدى «حيدر باشا» وانتقاده له إلا أن التحقيق توقف ولم يتم إحالة الضابط إلى مجلس عسكرى كما يقضى القانون بل تم منح الضابط إجازة.

ومن جانبه، علق «عبدالقدوس» على ما جاء فى نص التحقيقات مستنكرًا سكوت «حيدر باشا» ومتهمًا إياه بأنه يهين منصب القائد العام للقوات المسلحة.

بل إن هذه الواقعة اعتبرتها «روزاليوسف» سببًا جديدًا للتحقيق مع «حيدر باشا» بعد أن سمح أن يتعرض منصب القائد العام لمثل هذه الجرأة والتحدى دون أن يدافع عن هذا المنصب الذى ينطوى على هيبة واحترام تفوق هيبة من يتولى المنصب.

قائد الحملة أكد عدم جاهزية الجيش قبل قرار الحرب
اتهم المقال «حيدر باشا» بالمسئولية عن نتائج حملة فلسطين بسبب اطلاعه التام على وضع الجيش وأسلحته وذخيرته قبل الحرب.لكنه ليس اتهامًا أجوفًا بل ساق «إحسان» الدليل من أوراق توثق ما حدث فى مؤتمر لقادة الأسلحة عقد فى مكتب «عثمان باشا المهدى» رئيس هيئة أركان الحرب فى إبريل عام 1948، أى قبل شهر واحد من إعلان الحرب، وحضره اللواء المواوى.

وأكد جميع الحاضرين، خلال الاجتماع، وعلى رأسهم «المواوى» أن هناك نقصًا كبيرًا فى الأسلحة والعتاد بين جميع الوحدات.
وقد وصل محضر الاجتماع إلى «حيدر باشا».

النقراشى يعلن قرار الحرب بعد أيام من رفضه دخول الجيش فلسطين
ويستكمل عبدالقدوس قصة إعلان دخول الجيش المصرى أرض (فلسطين) وما قبلها فيقول إن «محمود فهمى النقراشى» باشا رئيس الوزراء وقت الحرب، والذى توفى فى ديسمبر 1948، أى قبل كتابة المقال بسنوات، كان قد أعلن فى جلسة سرية بمجلس النواب أن الجيش المصرى لن يدخل (فلسطين) لأن قيام جيش نظامى بمحاربة عصابات ينتقص من كرامة الجيش.. ولكنه عاد بعد أيام إلى نفس المجلس بقرار مناقض إذ أعلن أن الجيش المصرى مستعد للقيام بما أسماه حملة تأديبية للعصابات اليهودية.

وهنا كان يجب على حيدر باشا الذى يعلم تمامًا الأوضاع داخل الجيش أن يتدخل ليمنع الكارثة قبل وقوعها أو يسعى إلى حلها.

أقوال اللواء المواوى بعد الهزيمة
ورصد هذا المقال الجرىء جانبًا من أقوال اللواء المواوى من محضر رسمى بتاريخ 11 نوفمبر بينما اختار أن يحجب جانبًا آخر من الأقوال إدراكًا من «روزاليوسف» لمسئوليتها، وهكذا يظهر مفهوم الحرية المسئولة التى تتميز بها مدرسة «روزاليوسف» الصحفية؛ فالغاية لم تكن إشعال النيران أو إثارة الجدل، بل كشف الحقائق بقدر ما يخدم وعى القارئ ويحفظ مصلحة الوطن فى نفس الوقت. ومن بين الأقوال التى رصدتها «روزاليوسف» ضعف وحدات المشاة نتيجة لانعدام التدريب بينما كان سلاح الخدمة عاجزًا تمامًا عن إمداد الجيش بالعربات اللازمة بينما كانت عربات سلاح الفرسان قديمة وكانت الدبابات بحالة يرثى لها.


الجيش انتصر فى البداية لكن حيدر باشا خذله بالسلاح الفاسد
ورغم هذا الوضع السيئ استطاع أبطال الجيش المصرى أن ينتصروا فى المراحل الأولى ويصلوا إلى أبواب (تل أبيب). أما الاستمرار فى تحقيق الانتصارات فكان مسئولية «حيدر باشا» الذى اتهمته «روزاليوسف» بالفشل فيما أسمته الجبهة الثانية والمقصود بها جبهة شراء السلاح الحديث وتوفير الذخيرة والمعدات وتطوير أداء القوات المصرية.


3 – الاتهام الثالث: مسئولية حيدر عن خطة الحرب التي انتهت بالانسحاب
أما المقال الثالث، فقد خصصه «إحسان» لإثبات مسئولية حيدر باشا عن خطة الحرب بكل تفاصيلها. معركة «روزاليوسف» للتخلص من «اللورد كليرن».

يذكرنا «إحسان عبدالقدوس» فى هذا المقال بمعركة أخرى خاضتها «روزاليوسف» وأدت إلى حبس الكاتب عام 1945 بسبب مقال بعنوان «هذا الرجل يجب أن يذهب». وكانت «روزاليوسف» قد شنت حملة ضد «اللورد كليرن» مطالبًة بإخراجه من مصر.

وبعد حبسه احتياطيًا، تقرر الإفراج عن «إحسان» وذهب لمقابلة «أحمد حسنين باشا» رئيس الديوان الملكى آنذاك والذى أكد خلال اللقاء أن الجميع يريد التخلص من « كيلرن» موضحًا «لكن مقالك هذا عرقل مسعانا».

وبرر «حسنين باشا» ذلك بأن (بريطانيا) عنيدة وبالتالى فإنها قد تميل إلى التمسك بسفيرها أكثر حمايًة لكرامتها وكرامته.

لكن «عبدالقدوس»، الذى لم يقنعه تبرير «أحمد حسنين باشا»، استمر فى مقالاته ضد اللورد كيلرن» بنفس الشجاعة والجرأة التى اتسمت بها المجلة، بل إن ذلك شجع صحفًا أخرى للانضمام إلى حملة «روزاليوسف» ضد السفير البريطانى والغريب أن «أحمد حسنين» استغل هذه الحملة الصحفية التى كان معترضًا عليها فى تأييد طلبه من الحكومة البريطانية والذى حصل عليه بالفعل وتم طرد «اللورد كيلرن».

نصيحة ل «روزاليوسف» بوقف حملتها ضد حيدر باشا
الأغرب أن نفس النصيحة التى تلقتها «روزاليوسف» بوقف النشر عن السفير البريطانى تجنبًا لعناد بلاده، تكررت فى حملة المجلة ضد «حيدر باشا» إذ قيل لإحسان «الحملة على حيدر باشا قد تؤجل استقالته إذا كان هناك أمل فى أن يستقيل، وقد تؤجل التحقيق معه إذا كان هناك أمل فى أن يحقق معه.. لا لشىء إلا لمجرد العناد».

لكن المقال ينتقد فكرة عناد المسئولين المصريين للصحفيين ولمجلة «روزاليوسف» على حساب المصلحة العامة للبلاد وخاصة فى أمور تتعلق بالجيش المصرى وبالتالى لا يمكن تجاهلها أو تأجيلها.

تجاهل حيدر باشا وشجاعة المارشال بيتان
يذكر المقال مثالاً واضحاً للمحاسبة داخل الجيوش من خلال « المارشال بيتان» القائد الأول للجيش الفرنسى الذى طالب بإجراء تحقيق عقب هزيمة الجيش الفرنسى وأثناء احتلال ألمانيا لفرنسا فى أعقاب الحرب العالمية الثانية.
وهو موقف شجاع فى توقيت صعب خاصًة أن نتيجة التحقيق كان يمكن أن تدين المارشال نفسه وتحمله مسئولية الهزيمة بل إنه كان يمكن أن تؤدى إلى محاكمته أو عزله.

ويصف المقال المارشال الفرنسى بأنه شجاع وشهم وغيور، بينما «حيدر» لم يتخذ موقفًا حيال الهزيمة يمكن وصفه بالشجاع أو الشهم أو الغيور.

وفى مصر، عندما أُحيلت قضية الأسلحة الفاسدة للتحقيق، كان هذا إجراءً حاسمًا طمأن الضباط والجنود وعمل على تهدئة نفوسهم.. وهو الإجراء الذى حدث بعد حملة «روزاليوسف» الجريئة وإصرارها على التحقيق فى الأمر ومعرفة المسئول عنه.

لكن لم يحدث الأمر نفسه مع «حيدر باشا» بوصفه وزيرًا للحربية يصفه المقال بأنه «أخطر على الجيش من الأسلحة المغشوشة، فالسلاح المغشوش قد يتغلب على القائد الصالح، أما القائد القاصر فقد ينهزم حتى لو لم يكن السلاح مغشوشًا!».

إحسان عبدالقدوس: أطالب باستدعائى للتحقيق فى اتهاماتى لحيدر باشا
وتتصاعد حدة المقال فيطالب «إحسان» ْبالتحقيق ليس فقط مع وزير الحربية بل طالب باستدعائه هو نفسه كصحفى للتحقيق معه فى المقالات التى ينشرها مثلما فعلت الوزارة من قبل معه قبل ذلك عندما استدعته للتحقيق فيما نشره حول صفقات الأسلحة الفاسدة.

ويعلنها «عبدالقدوس» بمنتهى الوضوح والشجاعة أنه سيستمر فى الكتابة والضغط على الحكومة طالما استمر العناد والمكابرة ورفض إجراء تحقيق للوقوف على أسباب الهزيمة إذ كتب «وأخيرًا، لا أستطيع إزاء هذا العناد، إلا أن أستمر فى الكتابة..».

خطة حربية دون خبرة عسكرية
يؤكد «عبدالقدوس» فى مقاله أنه لا يلقى بالاتهامات دون دليل بل إنه يمتلك دليلا قويا على وضع حيدر لخطة الحرب وإجبار القادة على تنفيذها رغم اعتراضهم وعدم اقتناعهم بها.

كان حيدر قد وضع خطة للاستيلاء على بعض المستعمرات وحمل مدير مكتبه تلك الخطة التى حملت عنوان «مقترحات عن عمليات حربية مقبلة» إلى رئيس هيئة أركان حرب الجيش فى 22 يونيو 1948.. مشيرًا إلى أن إدارة العمليات الحربية تحتفظ بصورة من هذه الخطة بينما الأصل محفوظ فى مكتب الوزير.

الخطة التى نشرتها «روزاليوسف» نصًا جاءت فى نقطتين الأولى «توفر قوة ضاربة من القوت المحتلة أسدود، وتعطى لقائد مستقل، لمهاجمة على مستعمرات بيرتوفيا،بيت دراس و«كفاروينج» والاستيلاء عليها.

أما النقطة الثانية أو الأمر الثانى الذى وجهه حيدر لرئيس هيئة الأركان فكان «توفير قوة مماثلة من القوات المحتلة المجدل، لمهاجمة والاستيلاء على مستعمرات نجبا، جوليش، خان الواديات، والقضبة».



إدارة العمليات تحرج وزير الحربية
أما رد إدارة العمليات فقد وصفته «روزاليوسف» بأنه ردًا فنيًا «لو تأمله حيدر باشا لاعتبره إهانة»، ونشرت المجلة نص الرد الذى أرسلته إدارة العمليات للوزير وجاء فيه: «أن المجدل يجب أن تكون مؤمنة تأمينًا خاصًا، حتى إذا ما أُضطرت قواتنا إلى الانسحاب، لا قدر الله، بسبب ما، فإنها تنسحب إلى هذه القاعدة، وإلا فيتسبب عن انسحاب القوات من أسدود انهيار جميع الخطوط حتى الحدود المصرية».

«روزاليوسف» اعتبرت رد إدارة العمليات رغم أدبه الجم ورُقيه الشديد إلا أنه بدا وكأنهم يقولون للوزير «أنه لا يفقه شيئًا».

لماذا حيدر باشا غير مؤهل لوضع خطة حرب؟

«كيف أباح معاليه لنفسه أن يضع خطة حربية فنية، وأى تجارب اعتمد عليها ليغتصب لنفسه هذا الحق، وأى ثقافة حربية يتمتع بها معاليه ليجرؤ حتى على أن يشير أو يقترح فى عمليات تحركات الجنود».. هكذا انتقدت «روزاليوسف» وزير الحربية الذى تدخل فى تفاصيل الحرب وفنياتها دون خبرة أو تجربة سابقة.

وأشار «إحسان» إلى تاريخ حيدر باشا باختصار والذى يشير إلى أنه لم يعمل بالجيش سوى عام واحد انتقل بعده إلى سلاح الخيالة ومنه انتقل إلى العمل بالشرطة ثم وكيلًا وأخيرًا مديرًا لمصلحة السجون قبل أن يتولى وزارة الحربية.
وهى وظائف لا تمنحه أى خبرة تُذكر ليضع خططًا حربية.
وعبثًا يحاول «عبدالقدوس» أن يضبط لغته ويتحكم فى قلمه، إلا أنه فى النهاية لا يملك إلا أن يسخر من الوزير، لكنها سخرية لا تثير الضحك بل هى أشبه بالكوميديا السوداء إذ كتب «هل كان معاليه يعتقد أن انتصار جيش على الأعداء، لا يستلزم من الذكاء والعلم، أكثر مما يستلزمه انتصار البوليس على إحدى مظاهرات عام 1919؟» ويستمر «عبدالقدوس» فى موجة غضبه العارمة فيكمل سخريته «هل كان معاليه يعتقد أن قيادة جيش لا تستلزم من الهمة والدراية أكثر مما تستلزمه قيادة مساجين مصلحة السجون؟».

لم يكن الهدف من هذه السخرية التقليل من شأن أى عمل ولكن إثبات أن وزير الحربية يتدخل فى أمور لا يعيها ولا يستوعبها بشكل كامل ووضع خطة حرب وأصر على اختيار الضباط والضغط على القيادات العسكرية لتنفيذ أوامره رغم افتقاده التام للخبرة فى هذا المجال.

يشير كاتبنا الكبير إلى أن اليهود لم يصدقوا انسحاب الجيش المصرى بل كذبوا عملاءهم العرب الذين أبلغوهم بأخبار الانسحاب حتى إنهم لم يدخلوا (دير سنيد) إلا بعد مرور 48 ساعة على الاإنسحاب الذى أدى إلى رفض مجلس الأمن قرار العودة إلى خط 14 أكتوبر الذى يمتد حتى أسدود. كيف نفذ قائد الحملة أوامر القيادة العليا فى القاهرة دون اقتناع؟

كانت نسخة الخطة التى وضعها وزير الحربية للاستيلاء على المستعمرات هى الدليل الأول على تدخله فى وضع خطة الحرب, أما الدليل الثانى فقد جاء على لسان اللواء المواوى قائد الحملة فى أقواله التى نشرت «روزاليوسف» جزءًا منها فى الحلقة الثانية وأشرنا إليها سابقٌا.

وتستمر «روزاليوسف» فى نشر الأقوال فى الحلقة الثالثة لإثبات تورط حيدر باشا، كشف نص التحقيقات أن القائد العام شكا كثيرًا من «إجباره على التقدم أكثر مما يجب مما أدى إلى تعرض خطوط المواصلات الخاصة بالقوات إلى التهديد من جانب العدو لبعد المسافة.. مشيرًا إلى «تعارض هذه النظرية مع واجبات السلامة العسكرية» أى أن تدخل المسئولين فى القاهرة وعلى رأسهم وزير الحربية فى قرارات الحرب وفنياتها التى يفترض أن يقررها القادة على أرض المعركة بالاتفاق مع القيادة العامة بالطبع لكن رؤية القائد فى الميدان تكون فى الغالب هى الأقرب للواقع ويجب أن تأخذه القيادة فى الاعتبار.

اللواء فؤاد باشا صادق: حرب 1948 مسرحية هزلية على مسرح فلسطين
«يومية الحرب» لرياسة القوات المصرية فى فلسطين هى مصدر جديد ودليل ثالث على مسئولية حيدر باشا ينقله «إحسان» للقارئ نصًا كما جاء بالأوراق التى وصلته. كتب اللواء «فؤاد باشا صدقى»، الذى حل محل اللواء المواوى كقائد للحملة، موجهًا حديثه إلى اللواء المواوى الذى كان قد شرح له وضع القوات وما قام به أبطال الجيش فى ظل ظروف قاسية وخطة إجبارية: «أعرف أنك أُمرت بتمثيل رواية هزلية بالجيش المصرى على مسرح فلسطين كنت أنت أفرادها وجنودها وبطلها الأول» وأضاف «أعطيتنى صورة واضحة عن وضع وحالة القوات التى سأتولى قيادتها لحين عودتك من فترة الاستجمام التى أرجو أن تكون قصيرة».

وهنا يعلق «إحسان» بأن فؤاد باشا صادق الذى وصف ما جرى فى فلسطين بالرواية الهزلية كان هو شخصيًا جزءًا من هذه الرواية وإرساله لقيادة الحملة فصلًا من فصولها.

فقد كان «فؤاد» يعتقد أن «المواوى» سيقضى إجازة قصيرة يعود بعدها لاستلام القيادة لكن الحقيقة التى لم يخبره بها أحد هى أن الأخير قد تم سحبه من القيادة بصفة نهائية.

اعتبر المقال ما جاء فى «يومية الحرب» اتهامًا رسميًا لحيدر باشا موجهًا من اثنين من كبار قيادات الجيش.

طرائف حيدر باشا
اعتبر «إحسان» بعض تصرفات وزير الحربية تدخلاً فى نطاق الطرائف على الرغم من أنها أدت إلى كوارث، أول هذه الطرائف كانت عندما أرسل «أحمد ثروت بك» سفير مصر لدى فرنسا برقية مشفرة فى سبتمبر 1948 تحمل معلومات خطيرة تؤكد أن اليهود يجمعون نحو 40 ألف عسكرى فى النقب ليواجهوا القوات المصرية ويحسموا الحرب لصالحهم وذلك فى النصف الأول من شهر أكتوبر.

فما كان من «حيدر باشا» إلا أنه وقع بكلمة «عُلم» وأحال البرقية دون أن يحرك ساكنًا.علمت جميع القيادات بتلك المعلومات الخطيرة وسجلوا علمهم بكلمة «عُلم» لكنهم لم يتخذوا قرارات ولم يستعدوا لهذا الهجوم! وقد تحقق بالفعل ما جاء فى خطاب السفير ووقع الهجوم فى نفس التوقيت المذكور مما أدى إلى الإنسحاب.

الطرفة الثانية التى ينقلها المقال وقعت وسط ارتباك الإانسحاب حيث أُرسل أمر الانسحاب من الفالوجا إلى المجدل وأمر الانسحاب من المجدل إلى الفالوجا، فتسلم قائد قوات الفالوجا أمرًا نصه «انسحب عن طريق البحر»!! وقد يبدو الأمر اليوم مضحكًا أو مثيرًا للسخرية لكنه بالتأكيد لم يكن كذلك فى لحظات الحرب الصعبة ووسط ظروف معقدة.

وكانت الطرفة الثالثة لوزير الحربية تخص أمرًا أصدره إلى الأميرالاى «فؤاد ثابت» بشأن استرداد بئر سبع. وكان الأمر «بسريتين من الكتيبة الأولى احتياط استرد بنفسك بير سبع» بينما السرية التى يتحدث عنها الوزير لا يزيد عددها على 100 جندى! فما كان من الضباط إلا أن أطلقوا النكات ساخرين وتندروا بأن المقصود من الأمر هو أن يسترد فؤاد ثابت بئر سبع بنَفَسه.. بفتح النون والفاء!

بينما كانت الطرفة الثالثة هى الأكبر والأغرب على الإطلاق، حيث قرر حيدر تدريب الجنود التدريب الابتدائى فى أكتوبر 1948 أى بعد شهور من بدء الحرب بل وبعد انتهاء هدنتين خلال الحرب استغرقتا أكثر من شهرين. وكان الأمر أن يبدأ التدريب الابتدائى للجنود وضباط الصف بعد أن لاحظت القيادة فى القاهرة ضعف تدريبهم!

وبعد التدريب الابتدائى ينتقلون إلى التدريب على ضرب النار «إذا سمحت حالة الذخيرة بذلك» ثم يأتى أخيرًا التدريب على المهارة فى الميدان والتدريب الليلى.. كل هذا يفترض أن يتم على أرض فلسطين أثناء الحرب وبعد انتهاء الهدنة.

«تحرك يا رجل..وأعفنى من مقال الأسبوع القادم»..هكذا أنهى عبدالقدوس مقاله الثالث طالبًا من حيدر باشا أن يشفق عليه ولا يضطره إلى كتابة مقال رابع.

الاتهام الرابع : وضع خطة انسحاب القوات المصرية في الفالوجا بالتعاون مع جلوب باشا
كتب «إحسان» هذا المقال فى صباح يوم الجمعة بينما تم إعلان استقالة حيدر باشا من منصبه كوزير للحربية فى مساء يوم السبت.. وقد علق «عبدالقدوس» بأنه حاول وقف النشر لكن باعتبار استقالة الوزير هى نهاية حملة «روزاليوسف» ضده لكن كانت الطباعة قد بدأت بالفعل ولا يمكن التراجع عن النشر.

وقد علق «إحسان» على ذلك فكتب «ربما لم يكن ذنبى.. بل هو ذنب حيدر باشا الذى يجهل مواعيد الطباعة فى روزاليوسف»!!

طالب «عبدالقدوس» فى هذا المقال بالتحقيق فى أسباب انسحاب الجيش المصرى من فلسطين تحقيقًا إداريًا وفنيًا ينتهى بالوقوف على الأسباب وتوقيع عقوبات على المتسببين فى ذلك.

ويؤكد المقال على أن الجيش المصرى أصبح يطوق إلى نهضة جديدة ويتلهف إلى دم جديد يعوضه عن الدم الطاهر الذى نزف على أرض فلسطين.. مشيرًا إلى أن هذه النهضة لن تقوم إلا على أكتاف قادة أكفاء وضباط غيورين على كرامة جيشهم ومستقبل وطنهم.

وحول رد فعل وزير الحربية على حملة «روزاليوسف» فيؤكد المقال أن ما يفعله الوزير ليس تجاهلًا بل عجزًا عن الاتيان بدوره وتحمل مسئولياته. المقال يذكر واقعة جديدة تحمل اتهامًا لحيدر باشا حيث اتفق على خطة الانسحاب من الفالوجا مع الضابط الإنجليزى «جلوب باشا» قائد الجيش العربى بالأردن والذى اقترح أن تدمر القوات سلاحها قبل الانسحاب حتى يكون الإنسحاب أسهل.

وهى الخطة التى رفض قائد الفالوجا الأميرالاى «سيد طه» حتى رفضها وأرسل إلى قائد الحملة اللواء «فؤاد صادق» الذى ثار أمر طه بعدم تنفيذ أى أمر إلا منه شخصيًا وأمره بطرد الضابط والشاويش إنجليزيين اللذين حملا أوامر حيدر.

ويشير المقال إلى الدماء الجديدة وكأن «روزاليوسف» تتنبأ بما حدث بالفعل فى يوليو 1952 عندما قرر أبناء الجيش أن يُطهروا أنفسهم ويختاروا قيادات تعيد للجيش هيبته وللجندى المصرى كرامته. كانت رؤية «روزاليوسف» أن نهضة الجيش يجب أن تسبقها «حركة تطهير شاملة كاملة سريعة حاسمة».

جاء هذا المقال ليختتم الحملة دون أن يدرى كاتبه بأن كل كلمة يكتبها ستتحقق فقط لأنه تحدث بلسان أبناء الجيش بكل صدق، ولم تكن مقالات «روزاليوسف» خلال هذه الحملة مجرد عناوين مثيرة أو مقالات رأى بل تحقيقات صحفية ومعارك فاصلة تهدف إلى البحث عن الحقيقة وكشف الأسرار لتتضح الصورة للرأى العام.

فمقالات «إحسان» الأربعة وثقت الأخطاء وحددت المسئوليات بجرأة ودون مبالغة وبالأدلة.
دقت مقالات إحسان على صفحات «روزاليوسف» ناقوس الخطر وأيقظت وعى الشعب الذى كان مصدومًا بعد الحرب فأذهلته تفاصيل الفضيحة وبات على يقين من أن دماء أبنائه صارت رخيصة وسهلة أمام العمولات والصفقات الفاسدة.

فقد كشفت المقالات الخلل الإدارى والتقصير العسكرى الذى فضحته حرب فلسطين 1948، وأسهمت فى تعرية الفساد الذى ضرب بجذوره فى أعماق النظام الملكى.

وعندما وصلت المجلة إلى أيادى القراء، أدركوا جميعًا أن الهزيمة فى فلسطين لم تكن قدرًا محتومًا بل كانت نتاج سنوات من الإهمال والفساد. وتأكد الشعب المصرى حينها أن الإصلاح لم يعد ممكنًا فى ظل وجود النظام الملكى، فقد زرعت المقالات بذرة التغيير ومع كل مقال جديد كان صوت الغضب الشعبى يعلو داخل صدور المصريين والفجوة تتسع بين الشعب والقصر.

رسخت حملة «روزاليوسف» إيمان الشعب بأن الملك فقد شرعيته. وهنا تحولت المقالات من فكرة جريئة إلى ثورة أعادت تشكيل التاريخ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.