لم يتعامل أبناء هذا الجيل مع مثل هذا النموذج في تاريخهم المعاصر ولا أظن أنهم تعاملوا معه قبل ذلك فنحن أمام ما يطلق عليه العلماء اسم "كاريزما القيادة" ونحن أمام نموذج عجيب يجمع بين العاطفة الشديدة والجمود في نفس الوقت كما يجمع بين الرقة الشديدة والقسوة الشديدة أيضا. إن شخصية "شكري مصطفى" من الصعب أن نجسمها أمام القارئ في عبارة أو فكرة أو موضوع، وإنما إذا أردنا المنهج الصحيح في البحث فإننا سوف نلقي كل ما نعرفه من معلومات أمام عين القارئ ثم نطلب منه أن يقرر بنفسه أمام أي نموذج هو. لقد كان أعضاء الجماعة يتوددون إلى "شكرى مصطفى" وينظرون إليه على أنه الواقع والأمل إلا أنهم في ذات الوقت سرعان ما تشككوا في صحة هذا الطريق وفى هذا الفكر ومع ذلك سوف نترك "شكري مصطفى" يتحدث عن نفسه ثم ننظر في قوله على النحو الذي سبق أن قررناه. شكري مصطفى يتحدث أمام النيابة : مجمل ما قاله "شكري مصطفى" عند سؤاله في تحقيق النيابة العسكرية أنه كان طالبا في كلية الزراعة في جامعة أسيوط وعضوًا بجماعة الإخوان المسلمين عندما اعتقل عام 1965 وكان في السنة الثالثة منقولا للسنة الرابعة بالكلية المذكورة وظلا بالاعتقال حتى عام 1971 حيث أفرج عنه وأكمل دراسته الجامعية وقرر أن يقوم بتشكيل جماعة لتعبيد الناس لله وإعادة الإسلام في الأرض كلها "على حد تعبيره" وأنه لم يطلق على هذه الجماعة اسمًا معينا وإن كان من بد فليكن اسمها "جماعة المسلمين" على حسب قوله. وقال إنه قام بدعوة ابن أخته "ماهر عبد العزيز بكرى" الذي اقتنع بفكره ومذهبه عام 1971ثم لحق به آخرون بايعوه جميعا على السمع والطاعة. وقد كرر"شكري مصطفى" هذه الأقوال أمام المحكمة وأضاف عليها "إن الإسلام الحق هو ما يدعوا إليه دون غيره وأن أحدًا لم يصل إلى مثل ما اهتدى إليه إلا الرسول "صلى الله عليه وسلم" والمسلمون في عهد الخلافة الراشدة فقط ومن بعدهم لم يكن ثمة إسلام صحيح على وجه الأرض. وقد سألته المحكمة: "أليس هناك مسلمون حقا خارج جماعتك؟ فأحاب: إن الجماعة المسلمة الوحيدة على الأرض هي جماعتي على أساس أن سنة الله بزعمه أن ينشئ سبحانه نواة واحدة للأمة الواحدة التي يريدها. ثم سألته المحكمة: فإذا دعوت إنسانًا بعينه إلى فكرك ومذهبك ولم يدخل فيما دخلت فيه هل تعطيه الحق في أن يستقل برأيه فيحاسبه الله سبحانه وتعالى على نيته واجتهاده؟ فأجاب: بل لا يوجد عندنا سبب للكفر غيره إلى أن قال: "هذا وقد جعلنا الله شهداء على الناس فى الأرض". وقد استطردت معه المحكمة فقال "شكري مصطفى" انه يشكك في إسلام الناس جميعًا بما في ذلك الفقهاء وقرر أن الجماعة المسلمة الوحيدة على الأرض هي جماعته وأن خطة الجماعة تقوم على الانسحاب رويدا رويدا من المؤسسات الجاهلية "كالمعابد" ودور التعليم والجيش وأنهم لا يصلون في المساجد وأن كثيرًا منها هي مساجد ضرار يدعي فهما لغير الله. فسألته المحكمة: لماذا لا تتخذ مسجدًا لا يكون ضرارًا ولا كفرًا لتصلي فيه طالما أن الصلاة في المساجد أفضل شرعًا من الصلاة في البيوت! فأجاب شكوى بثقة بالغة: "إذا كان الأمر يدور في مسألة الجواز وليس الوجوب فليس لأحد أن يسألني في أمر يجوز تركه لما تركته" هكذا كانت العبارات وهكذا كان الحوار ونرى أن من اللازم أن ننقل نص الحوار الذي دار بين المحكمة العسكرية وبين شكرى مصطفى.. وللقارئ أن يتبين منه ما يريد...... "س : وما الحكم الشرعي في حالة تواجدك أو واحد من أفراد جماعتك عند المسجد الحرام وقت النداء لصلاه الجمعة ." ج : وأنا أجيب ولا أخشى إلا الله : وإن نودي بألف صلاة جمعة من منادٍ غير خاضع لجماعة المسلمين وجماعة المسلمين غير باسطة سلطانها على هذا المسجد فلا فريضة للجمعة عليها. س: هل أمرت أحدا من جماعتك بترك كلية أو مدرسة؟ ج : نعم ولا ريب وباقتناعه...................... إن أمة الإسلام وهو خير أمة أخرجت للناس إنما هي أمة أمية لا تكتب ولا تحسب وأنه يحرم تعلم الكتابة في الجماعة المسلمة إلا بقدر الحاجة العملية الواقعية لا يتصل بالكتابة من حيث مصلحة تلك الجماعة وأن تعلم الكتابة لذاته حرام. س : من المحكمة - وما قولك في قوله تعالى :" الذي علم بالقلم" – "علم الإنسان ما لم يعلم " – "لتعلموا عدد السنين والحساب". وأن رسول الله "صلي الله علبه وسلم" كان يقبل الفداء من الأسرى بتعليم المسلمين الكتابة بدلا من الفداء بالمال؟ ج : تعلم الكتابة لذاته حرام وأحد سمات أمة المسلمين إنها لا تكتب ولا تحسب. وعن الدستور المصري : فقد عاب "شكري مصطفى" على من يصدر دستورا يسميه الدستور الدائم للبلاد وهو غير قائم على الشريعة الإسلامية. س: هل قرأته؟ ج : لا – وأرجو ألا أقرأه. س : كيف تحكم عليه بمخالفة الشريعة الإسلامية وأنت لم تقراه ؟ ج : إن المواد الأولى في هذا الدستور جاء بها أن الشعب مصدر السلطات وهذا مخالف للشريعة الإسلامية لأن الأمر كله لله ولا سلطات لأي مخلوق فردا كان أو أمة وإن الحكم لله العلي الكبير. س : ولكن هذا المبدأ لا يتعارض مع كون الحكم والأمر لله تبارك وتعالى وأن العبارة المذكورة لها مفهوم قانوني دستوري محدد مفاده ومؤداه منع تسلط الحاكم على المحكومين واستبداده بهم بحيث يكون لهؤلاء المحكومين الحق في اختيار الحاكم ابتداء ثم رقابته أثناء حكمه لمنعه من الانحراف والإضرار بمصالحنا؟ ج : من شكرى مصطفى: وذلك أيضا يؤدى إلى قلب الميزان الذي وصفه الله تعالى للعلاقة بين الأمة وإمامها حيث لم يجعل للأمة سلطة على الإمام بل على العكس جعل للحاكم سلطة على المحكومين. س : من المحكمة : ولكن ولاية الخلفاء الراشدين كانت عهدا وعقدا بينهم وبين الأمة يلتزم فيه الإمام بطاعة الله والالتزام بكتابه وسنة رسوله والنصح للمسلمين وتلتزم فيه الأمة بالسمع والطاعة على ذلك الشرط وأن أولئك الخلفاء الراشدين حين توليتهم كانوا يتأذنون للناس بقول كل منهم إن رأيتم في عيبا فقوموني وإن اختيارهم كان يتم بترشيح من أهل الحل والعقد وهم صفوة الأمة من صحابة رسول الله "صلى الله عليه وسلم " تم ببيعة عامة من أفراد الأمة جميعا وأن هذا النظام الإسلامي موافق تماما للمفهوم الدستوري الصحيح بمبدأ سيادة الشعب وكون الأمة مصدر السلطات؟ ج : شكري مصطفى : أنا أصر على ما قلت. س : وماذا عن القوات المسلحة؟ ج : هي محرمة شرعًا فهي لا تجاهد في سبيل الله لأن المجتمع المصري لا يختلف في كفره عن المجتمع الإسرائيلي وإن جماعتنا قد لقيت من مباحث أمن الدولة ما يجعلنا العدو الأول الذي يجب مواجهته من الناحية العملية. س : فهل يصح أن تترك البلاد بغير جيش وطني يصد الجيش الاسرائيلي فيدخل الجيش الإسرائيلي بلادنا حتى يصد إلى بيوتنا ومنها بيتك ؟ ج لو علمت أن الإسرائيليين سيدخلون مصر فسوف افر من وجههم ذلك أن الأصل أن الحركة الإسلامية تبنى في أول أمرها على الفرار وأن الفرار من العدو الوافد حكمه تماما كالفرار من العدو المحلى. ويبدو أن المحكمة قد استرحت لاستدراج المتهم الأول إلى اعترافات وعرض أفكار لن تثير إلا استغراب المجتمع ورفضه.. ولم يشفع عندها قلة خبرة المتهم الأول السياسية وسهولة استدراجه فأصرت على أن تقدمه للمجتمع فريسة سهلة.. وللتاريخ أيضا فانتقلت به من خانة إلى خانة ومن حكم إلى حكم وكأنها تطلب من الناس أن يحكموا عليه. (وها هي هيئة المحكمة تستكمل استدراجها للمتهم): س : وما الحكم عندكم إذا دعيت زوجة لدخول جماعتكم فدخلتها ولم يدخلها زوجها ؟ وهل عرضت هذه المسألة بالفعل من عدمه؟ ج : هذه الحالة عرفت بالطبع لنا كثيرًا ومن الناحية النظرية فإنها عندنا لا تحل له ومن الناحية العملية فإنها تهجره باقتناعها وتستضيفها الجماعة ثم تطلب الطلاق رسميًا إلى أن تحصل عليه. س : وإذا رفض الزوج الطلاق ماذا تفعلون؟ ج : هي في النهاية لن تذهب إليه.. وتقرفه.. ونقرفه...!! س : وإذا تمكنت المرأة من مغادرة مصر وقد حكمتم بكفر زوجها ودون أن يطلقها فهل لها الحق بالرغم من إصرار الزوج على عدم الطلاق أن تتزوج من غيره؟ ج : نحن لا نفرق مطلقًا بين ما نعتقده وما نفعله حين التمكن على شرط عدم الإضرار بمصلحة المسلمين وللإجابة مباشرة على هذا السؤال أقول إنني لا أمانع مطلقًا إذا رغبت في الزواج أن تتزوج بالشروط التي ذكرتها وفى هذه الحالة....................................................................................................................................................................................................... س : وهل تسمح لنفسك بحسب اعتقادك من الناحية الشرعية بأن ترمي إنسانا بعينه بالكفر الآن وقبل التمكن؟ ج : نعم بالشروط التي ذكرتها وبعد البلاغ وإقامة الحجة وفى حدود الحاجة العبادية العملية. س : والذي تحكم عليه بالكفر هل تتخذه عدوًا لك ؟ بمعنى هل يحل لك أن تقتله وتستبيح دمه لنفسك في الوقت الحاضر؟ ج : لا....... لا يحل لنا من الناحية العملية قتل من نحكم عليه بالكفر الآن حتى نعطيه الفرصة الكافية في البلاغ والتي لا تكون إلا بعد هجرة المسلمين - أما ما يتصل بالقتل وغيره دفاعًا عن النفس فهو بداهة ليس متصلا بالكفر ونحن نؤمن بان حق الدفاع عن النفس مكفول للجماعة المسلمة من أول يوم تستخدمه فهما لا يتعارض مع غايتها وإمكانياتها الواقعية" وقد سألته المحكمة عن الشيخ الذهبى تحديدا : فأجاب شكري : بأن الشيخ الذهبي في نظره كافر ويبرر كفره بأنه أقسم قسم الوزارة الذي يشتمل على القوانين الوضعية المخالفة للشريعة الإسلامية وبأنه كان مسئولاً عن مساجد الضرار التابعة لوزارة الأوقاف." "انتهت أقوال شكري مصطفى" وكانت هذه بعض ملامح شخصية شكري مصطفى من الناحية الفكرية أما من الناحية النفسية فسوف نلقى ضوءًا آخر على هذه الشخصية من خلال تركيبته العاطفية ومن خلال أشعاره التي كتبها قبل وبعد تكوينه لجماعته. إلا أننا نجزم الآن أن المحكمة كانت أنكى بكثير من المتوقع فقد استدرجت شكري مصطفى لكي تضعه في الهاوية وتركته للتاريخ لكي يحكم عليه.. فهو يرى أن الأصل في أمة الإسلام أنها أمه أمية لا تقرأ ولا تكتب ويحرم عليها تعلم الكتابة ويفر من أمام إسرائيل ويعتبر أن الأصل هو الفرار من العدو - وهو شخص لم يقرأ الدستور ولا يعرفه والخلافة عنده هي سلطة مطلقة للإمام على المحكومين - وغير ذلك مما استظهرته المناقشة بإرادة حرة أمام المحكمة.. ترى ماذا سيقول الناس في هذا العصر عن هذا الفكر..؟!