فارق كبير بين 52يناير في العام الماضي وبين 52 يناير هذا العام، الفارق ليس كبيرا فقط، لكنه محزن وموجع والتأمل فيه لا يبعث علي التفاؤل. في يناير الماضي كانت مصر تتجلي كما لم تتجل من قبل، كان المصريون علي قلب رجل واحد؛ كان الإخواني يحمي ظهر الليبرالي، وكان اليساري يحتضن السلفي ومندهش كيف أنه لم يعرفه من قبل، كان المصري القبطي يصب الماء للمسلم كي يتوضأ؛ وكان المسلم يرتل الترانيم مع القبطي قربي لله وللوطن. لم تكن هذه صورا بلاغية ولا هي عبارات إنشائية فارغة من مضمونها، لكنها كانت حقيقة واقعة يلمسها الجميع، ويعرفها الجميع ويمارسها الجميع، لكنها وللأسف صارت ذكري فارغة من المضمون والدليل هو 25يناير هذا العام. ∎∎ في يناير الماضي كان الجيش والشعب «إيد واحدة»، وفي يناير الحالي أصبحت اليدان متعارضتان وربما كانت إحداهما ملوثة بدم الأخري أو هكذا يراد للأمر أن يكون، فما الذي جري حتي يكون يناير الحالي نقيضا ليناير الماضي ومختلفا عنه كل هذا الاختلاف، وأي كارثة سيحملها لنا يناير القادم اذا استمر الحال علي ماهو عليه، وللأسف فإن الشواهد تقول أنه سيستمر أن لم يتدهور للأسوأ. انظر للمشهد في يناير الحالي وقارن بين مكوناته وبين مكونات المشهد في يناير الماضي وأحزن كثيرا، أو اشمت كثيرا إذا كنت من أعداء هذه الثورة وكارهي هذا الوطن. ∎∎ للأسف لن تري فصيلا يري 25 يناير مثلما يراه الفصيل الآخر، فالشباب الذين كانوا بحق هم الورد الذي فتح في جنائن مصر وميادينها في يناير الماضي، تحولوا في يناير الحالي إلي طلاب ثأر، يطلبون الثأر ممن سرق ثورتهم ويطلبون الثأر ممن قتل زملاءهم ويطلبون الثأر من الف يد ويد ،الثوار يريدون الثأر. ∎∎ أما الإخوان فيرون في يناير مناسبة للاحتفال بركوب الثورة التي يعتبرونها هدية ساقتها لهم السماء، ومكافأة لهم علي سنوات طويلة من الصبر والانحناءًوممارسة الدهاءً. وغير بعيد عن الإخوان ستجد السلفيين الذين اكتشفوا في مفارقة مدهشة بعد نجاح الثورة أن الخروج علي الحاكم ليس حراما، وهم بالتأكيد سيحتفلون في يناير الحالي بهذا الاكتشاف المذهل الذي مكنهم من أن يتحولوا من قوة محجوبة وسرية تعمل تحت الأرض وترتعد من بطش السلطان إلي حلفاء للسلطان نفسه، فضلا عن انهم أصبحوا القوة السياسية الثانية في البلاد، سيحتفل السلفيون إذن ب25يناير علي طريقتهم ويؤكدون علي الفتوي التي أصدرها أحدهم والتي تعتبر المعارضة السياسية السلفيين كفرا يستوجب معاملة أصحابه معاملة الخوارج. الشرطة من جانبها تفضل أن يكون 25يناير عيدا للشرطة لا للثورة وهي ربما لا تريد إزعاجا في هذا اليوم، رغم أن المنطق يقول إن التاريخ لا يعود للوراء. ∎∎ والمجلس العسكري الذي ناصر الثورة يبدو موقفه محيرا وقد استبق الجميع وتحدث عن مخطط لإحراق مصر في يناير، وأكد بالطبع أنه لن يسمح به. أصبح 25يناير القادم مثل الفيل وأصبحنا جميعا عميانا لا يري كل منا من الفيل سوي الجزء الذي يستطيع أن يتحسسه وأن تصل يده إليه، فما أتعس مصر بنا، وما أتعسنا في 25يناير. ليس مطلوبا ولا مقبولا بالطبع أن يتحول عيد الثورة إلي مناسبة للثأر وإراقة المزيد من الدماء، وليست مقبولة تلك الدعوات التي تطالب بأن تتخلي الثورة عن سلميتها، تماماً كما أنه ليس مقبولا أن يتحول اليوم إلي مناسبة للتهديد والوعيد وللتعامل مع الثوار علي انهم مخربون يتم التصدي لهم والتنكيل بهم. ∎∎ ليس مقبولا أن تستمر حرب الاستنزاف البلهاء بين الثوار والمجلس العسكري بينما (يلبد) الإخوان والسلفيون في الذرة وينتظرون أن يقضي الطرفان علي بعضهما البعض وأن يشوه كل منهما الآخر في عيون الشعب. ليس مقبولا ولا منطقيا أن ينقسم المصريون إلي فريق في التحرير وفريق في العباسية، رغم أن كلا الفريقين من أنصار الدولة المدنية ويترك الإخوان الطرفين يتنابذان ويتعارضان بينما هم يحصدون المكاسب ويخططون للدولة القادمة التي باتت قاب قوسين أو أدني. ليس مقبولا أن تستمر سرقة الثورة المصرية تماماً كما أنه ليس مقبولا الدعوة لهدم الدولة المصرية كما أنه ليس مقبولا أن يأتي 25يناير القادم والجميع يتربص للجميع ويريد أن يفتك بالجميع. المطلوب احترام دماء الشهداء الذين هم أطهر ما في هذه الثورة، والمطلوب مبادرة تحمل اسم الشهداء وتكون بداية لعقد جديد. ∎∎ هذه الثورة سقط فيها كريم بنونه وهو سلفي شريف لم يصدق أن الخروج علي الحاكم حرام، وسقط فيها مصطفي الصاوي وهو برعم إخواني صغير ونضر لم يكن بالتأكيد يوافق علي انتهازية الإخوان بعد الثورة، وسقطت فيها سالي زهران وهي فتاة ليبرالية واحمد بسيوني وهو فنان مستقل، وآخرون من كل التيارات والاتجاهات، وسقط فيها أيضاً ضباط من القوات المسلحة والشرطة نحسبهم عند الله شهداء، فلماذا لا نخجل من الشهداء؟ ولماذا لا نعلن مبادرة الشهداء لجمع شمل الفرقاء، ولماذا لا يحاول الجميع أن يفهموا بعضهم البعض وأن يتقاربوا ولو قليلا ؟ تذكروا دماء الشهداء واخجلوا ولو قليلا.