حملت لى أيام شهر يونيو الماضى من الأحزان ما لم أعانه فى حياتى، فقد اختطف الموت زوجتى بعد صراع مع المرض ترددت فيه على عدد من الأطباء والمستشفيات وغرف العناية المركزة وحملت لى صدمة الفراق ذكريات العمر التى ارتبطنا فيها أكثر من ستين عاماً. وشاء القدر أن يكون رحيلها قبل يوم واحد من العدوان الإسرائيلى الذى تعرضت له مصر يوم 5 يونيو عام 1967 كما شاء القدر أن أفقد بعض الأصدقاء بعد رحيلها بأيام.. فقد رحل صديقى وزميل دفعتى فى الكلية الحربية اللواء كمال الأتربى كما رحل الصاغ جمال الليثى زميلى فى هيئة الشئون العامة للقوات المسلحة والذى أصبح من أبرز منتجى السينما. توالت الصدمات وعادت لى ذكريات العمر الحزينة التى فقدت فيها ابنتى الكبرى نادية التى كانت تعمل ناظرة مدرسة فى أبو ظبى بدولة الإمارات، وابنى الدكتور علاء وكيل وزارة الثقافة ومدير المركز القومى لثقافة الطفل وأستاذ الفلسفة بكلية آداب جامعة القاهرة وشقيقى سعيد الذى دهسته سيارة فى شارع الكورنيش باسبورتنج فى الإسكندرية. وتذكرت ما كتبه الدكتور مصطفى الفقى فى مقال بجريدة «المصرى اليوم» أشار فيه إلى قدرتى على التحمل بعد فقدان الشقيق والأبناء.. وكانت الظاهرة التى هزت مشاعرى أن الدكتور مصطفى الفقى كان أول من اتصل بى تليفونيا فى الثامنة والنصف صباح يوم وفاة زوجتى وهو يواسينى بمشاعر صادقة. وشاءت الأسرة أن يقتصر العزاء على البرقيات حرصا على توفير الجهد للأصدقاء، وكانت المفاجأة ما ورد لى من رسائل من خارج مصر ومن بعض الدول العربية ومن السفير الروسى بجدانوف قبل أن يغادر مصر نهائيا إلى موسكو بعد أن أصبح وزيرا لمنطقة الشرق الأوسط.. ومن جمعية الشعب الصينى لكسب السلام ونزع السلاح والتى جاء فيها «لقد فوجئنا بخبر وفاة حرمكم الكريمة ونشعر ببالغ الحزن ونتقدم هنا بأحر التعازى والمواساة لكم ولأسرتكم ومنذ الزمن البعيد عملت عقيلتكم فى ممارسة النشاطات الشعبية الودية لكسب السلام حيث قدمت مساهمة كبيرة لحماية السلام وتعميق التفاهم والصداقة بين شعوب العالم، أما حضرتكم وبصفتكم الصديق القديم لجمعية الشعب الصينى ولكسب السلام ونزع السلاح فنسعى دائما إلى دفع التعاون والتبادل بين جمعيتنا ومنظمة تضامن الشعوب الأفرو أسيوية واللجنة المصرية للتضامن وقمتم بكثير من الأعمال الفعالة لتعميق الصداقة بين شعبى الصين ومصر، ونحن على ثقة تامة بأن التعاون والصداقة بيننا سوف يشهدان مزيدا من التعزز وذلك بفضل الجهود المشتركة المبذولة من قبل جانبينا.. مع خالص التحيات). ولم تكن هذه هى رسالة التعزية الوحيدة من الصين فقد أرسل السفير سونغ أى فوه سفير الصين فى مصر رسالة جاء فيها «لقد فاجأنى خبر وفاة حرمكم الكريمة فأشعر ببالغ الحزن باعتبارى صديقكم القديم اسمحوا لى هنا أن أتقدم باسمى الشخصى ونيابة عن جميع أركان سفارتنا بأحر التعازى والمواساة لكم ولأسرتكم.. وندعو للفقيدة بالرحمة ولأسرتكم الصبر والسلوان». هكذا عشت الشهر الأخير فى حزن تجدده مشاعره ومظاهره.. وذكرياتى مع الراحلة لا تضيع ورغم أن المأساة شخصية إلا أننى حرصت على الكتابة عنها لأنه لم تكن عندى فى هذا الشهر أوراق شخصية سوى الأحزان والذكريات. ومعذرة للقارئ العزيز.