لم يسلم أى مجال من تأثير التكنولوجيا التى قلبت موازين كل شىء وأفقدته بريقه. فلم يعد للجمال الطبيعى زهوته ولم تعد للمنتجات التقليدية قيمة وحتى الذهب فقد هيبته داخل المختبر، بينما أصبح الألماس مجرد حجر لامع يُصنع داخل المختبرات. فقد جردت التقنيات والأنابيب الزجاجية فى المعامل المجوهرات من سحرها القديم. فصار الجمال يصنع بدلًا من أن يُكتشف ،والبريق يُبرمج بدلًا من أن يولد حتى فقدت زينة النساء روحها وتحولت من رموز لتخليد أفضل الذكريات إلى منتجات بلا ذاكرة وبلا قيمة حقيقية.وبين هذا البريق الزائف والقيمة الأصيلة،يقف المستهلك أمام واقع جديد يختبر فيه الفرق بين اللمعان المصنوع والأصالة الطبيعية. طفرة فى مبيعات المجوهرات المختبرية أظهرت دراسة حديثة أجرتها شركة Precedence Research أن سوق الألماس الصناعى العالمى بلغ نحو 30 مليار دولار أمريكى مع توقعات بارتفاعه إلى ما يقارب 98 مليار دولار بحلول عام 2034، وهو ما يعكس نموًا هائلًا فى هذا القطاع. وهنا يجدر الإشارة إلى أن سعر الألماس المُصنع فى المختبرات أقل بنحو 10 % من سعر الألماس الطبيعى وعلى مدار العقد الماضى أدت التطورات التكنولوجية وزيادة الإنتاج إلى انخفاض حاد فى أسعار هذا النوع من الألماس . أما اليوم فيباع عادة بخصم يتراوح بين 80 % و90 % مقارنة بالألماس المستخرج من المناجم. كما تغيرت مواقف المستهلكين تجاه الألماس ،فالمشترون اليوم غالبًا ما يفضلون الألماس المصنع والذى يمكنهم من الحصول على حجر أكبر حجمًا أو أعلى جودةً بنفس الميزانية. والغريب أن المستهلكين أصبحوا يرون أن الألماس هو ألماس بغض النظر عن أصله، وذلك نظرًا لعدم وجود طريقة فعالة للتمييز بينه وبين الألماس الطبيعى فهو مطابق كيميائيًا وبصريًا للأماس المستخرج من المناجم بشكل يصعب معه التمييز بين الحقيقى والزائف. رحلة الذهب المُصنع فى المختبرات أما الذهب فرحلته الكونية الملحمية تثير الإعجاب بلا شك كما هو الحال مع فائدته فى أشياء كثيرة إلى جانب المجوهرات. لكن الآن أصبح هناك شكل جديد من الذهب أكثر ذهبًا من أى وقت مضى وهو ما رصدته مجلة «نيو ساينتست» New Scientist ، حيث كشفت عن قيام فريق من «مركز علوم النانو والمواد اللينة» فى (بنجالور) الهندية ببعض التجارب فى هذا المجال. استخدم العلماء كلوريد الذهب وقاموا بتسخينه فى أفران عند درجة حرارة 220 درجة مئوية لمدة نصف ساعة إلى جانب بروميد رباعى أوكتيل الأمونيوم الصاخب. وكانت النتيجة صناعة ذهب عنصرى على شكل كتل مجهرية متعرجة ومستطيلة.
وأصدر الفريق ورقة بحثية بعنوان «أنبل من الأنبل» أوضحوا فيها أن هناك فى الواقع بعض المواد التى يمكنها إتلاف الذهب الطبيعى مثل مزيج حمض النيتريك مع حمض الهيدروكلوريك وهو ما يسمى الماء الملكى أو الزئبق. أما الذهب المُصنع فقد قاوم التآكل مقاومة شديدة خلال التجارب المعملية ولذلك اعتبروه أفضل وأقوى. ورغم أنه حتى وقتنا هذا لم تطرح المجوهرات الذهبية المختبرية فى الأسواق إلا أن العلماء يتوقعون نجاحًا منقطع النظير للذهب المصنع بعد أن بدأت علامات المجوهرات الكبرى والمصممون المستقلون بالانضمام إلى هذا التوجه. الهندوالصين فى الصدارة تتصدر (الهند) و(الصين) و(الولاياتالمتحدة) قائمة الدول الرائدة فى تصنيع الألماس المُصنع فى المختبر، حيث تقود هذه الدول الابتكار والإنتاج فى هذا القطاع المتنامى. ففى (الولاياتالمتحدة) تزدهر الشركات الناشئة التى تركز على الاستدامة والجودة، بينما تعد (الهند) مركزًا عالميًا لصقل الألماس وقد دخلت بقوة فى إنتاجه بل إنها أنتجت بالفعل أكبر ماسة صناعية مسجلة حتى الآن بوزن 34.59 قيراطًا. مما يعزز مكانتها كمركز عالمى لصناعة الألماس المُختبرى. وكشف تقرير صادر عن Kotak Institutional Equities تحولاً ملحوظًا فى تفضيلات المستهلكين الهنود حيث بدأ الاهتمام ينصرف تدريجيًا عن الذهب الذى ظل لعقود طويلة رمزًا تقليديًا للقيمة فى الثقافة الهندية لصالح الألماس غير الطبيعى. أما (الصين) فتمتلك قدرات إنتاجية ضخمة وتستخدم الألماس المختبرى فى كل من المجوهرات والتطبيقات الصناعية. إلى جانب هذه الدول تسهم كل من (روسيا) و(المملكة المتحدة) أيضًا فى تطوير تقنيات الزراعة المتقدمة مما يعزز من انتشار الألماس المُختبرى عالميًا كمنافس حقيقى للألماس الطبيعى. مخاطر الصناعة شهد قطاع تجارة الألماس الطبيعى تحولًا جذريًا حيث واجه التجار صعوبات كبيرة فى التكيف مع الإقبال المتزايد للمستهلكين على الألماس المُختبرى. واضطر العديد من التجار الذين كانوا يحتفظون بمخزون ضخم من الألماس الطبيعى إلى خفض أسعاره بشكل ملحوظ ،مما أدى إلى تراجع هوامش أرباحهم وفقدانهم لحصصهم السوقية ،خاصة أولئك الذين تأخروا عن مواكبة هذا التوجه الجديد. وفى المقابل، اتجه تجار التجزئة إلى تخزين الألماس المختبرى وتسويقه بكثافة حتى إن بعضهم أوقف تمامًا بيع الألماس المستخرج من المناجم. وأدى هذا التحول المفاجئ إلى انخفاض حاد فى أسعار الألماس الطبيعى الذى كان قد شهد انتعاشًا مؤقتًا خلال فترة جائحة كورونا قبل أن تنهار أسعاره إلى أدنى مستوياتها. ووفقًا لبيانات خبير الصناعة «بول زيمنيسكى»، فقد تراجعت أسعار الألماس الخام بنسبة 34% من ذروتها فى عام 2022 حتى نهاية عام 2024 نتيجة لتآكل قوة التسعير بفعل المنافسة من الأحجار المُصنعة. أما شركات التعدين الكبرى مثل «دى بيرز» فقد اضطرت إلى تقليص إنتاجها وتنقيبها بل إنها أطلقت خطوط إنتاج خاصة بها للألماس المُختبرى فى محاولة للتكيف مع متطلبات السوق. وتواجه شركة «أنجلو أمريكان» المالكة ل«دى بيرز» تحديات كبيرة، حيث تسعى منذ مايو الماضى إلى بيع الشركة أو فصلها بعد أن تكبدت خسائر تقدر ب2.9 مليار دولار من حصتها فى هذا القطاع المتغير. وثائقى يرصد الأزمة سلط الفيلم الوثائقى الترفيهى «لا شيء يدوم للأبد» الضوء على الأزمات العميقة التى تعانى منها صناعة الألماس، كاشفًا عن بعض أسرارها المظلمة. الفيلم تناول المخاوف المتزايدة بشأن مصداقية هذه الصناعة ،خاصًة فى ظل خلط الألماس المُصنع فى المختبرات مع الألماس الطبيعى المستخرج من المناجم دون الكشف عن الفرق بينهما كنوع من الغش التجارى. كما طرح الفيلم فكرة مثيرة للجدل مفادها أن ندرة الألماس الطبيعى ليست سوى خدعة تسويقية،حيث عمدت الشركات إلى التحكم فى العرض والطلب بهذه الخدعة بهدف إبقاء الأسعار مرتفعة ومن خلال حملات دعائية مؤثرة مثل شعار «الألماس يبقى للأبد» حتى كان الهدف دائمًا هو إقناع المستهلكين والحفاظ على قيمته السوقية. آراء النساء أما النساء وبحسب ما ورد فى عدة تقارير من مواقع متخصصة مثل NOZBO Jewelry وRedleaf Jewelry فيملن إلى اختيار المجوهرات بناءً على مزيج من العوامل وكثير منهن يفضلن المجوهرات الطبيعية لما تحمله من رمزية وتاريخ. فالمجوهرات الطبيعية ينظر إليها كرمز للخلود والتفرد خاصة فى المناسبات مثل الخطوبة والزواج إلى جانب احتفاظها بقيمتها على المدى الطويل ،بينما ترى أخريات فى المجوهرات المُصنعة خيارًا عصريًا وأخلاقيًا ويفضلون الخيارات المستدامة والصديقة للبيئة، خاصة أنه لا يقل جمالًا أو قيمة. ويشير الاتجاه العام إلى تزايد شعبية المجوهرات المُختبرية خاصًة بين الفتيات الصغيرات الباحثات عن التوازن بين جمال المجوهرات والسعر المناسب. لقد أصبح المستهلك اليوم أمام خيارات لم تكن موجودة فى الماضى..هل يختار البريق الفورى المُصنع بأسعار أقل أم يذهب إلى القيمة الحقيقية والأصالة والهيبة التى يمثلها الذهب والألماس الًمستخرجان من المناجم؟ ويبقى الخيار للمستهلك وهو ما ستكشفه السنوات القادمة.