معظم عمال «الألماس الدموي» تحت سن الثلاثين بما فى ذلك آلاف الأطفال الذين تركوا مقاعد المدرسة وسنهم لا يتجاوز تسعة أعوام تجارة الألماس تغذى العنف في إفريقيا لا بريق أقوى من بريق الماس, فلا شئ يضاهى جاذبية عقد مرصع بالألماس يتدلى فى كبرياء على عنق امرأة جميلة ليخطف منها الأنظار, فهو أقسى مادة طبيعية على سطح الكوكب تشكلت نتيجة لضغط وحرارة عاليتين عبر ملايين السنين, مما جعله يتربع على عرش أغلى وأثمن المجوهرات فى العالم, ولكن مع التطور التكنولوجى الهائل برز السؤال: هل بات ممكنا إنتاج ألماس اصطناعى بجودة عالية وسعر أقل بحيث يصبح فى متناول البعض ولا يقتصرعلى طبقة الأغنياء فقط؟ لا تستغرب, فهناك بالفعل ألماس اصطناعى لا يمكن تفريقه بسهولة عن الطبيعى المستخرج من باطن الأرض, فقد أطلقت لأول مرة كبرى شركات إنتاج الألماس فى العالم «دى بيرز»، منتجات الألماس الاصطناعى بسعر أقل من الألماس الطبيعى فى أكبر تحول لسياسة الشركة التى كانت تتبنى لفترة طويلة حملة «فقط الحقيقى هو النادر». وتناسب منتجات الألماس الاصطناعى التى حملت اسم «لايت بوكس» مجوهرات وحلى الموضة لكنها لا تدوم للأبد بل تفى بالغرض الآن, على حد زعم الرئيس التنفيذى للشركة بروس كليفر. إذن كيف تتم عملية زراعة «الألماس الإصطناعي»؟ وما هى المواد التى تدخل فى تركيبته؟ وهل يستلزم إنتاجه فترة زمنية طويلة كالألماس الطبيعى أم لا؟ الإجابة جاءت فى تقرير أعدته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية تشرح فيه مراحل إنتاج الألماس الاصطناعى التى تتم داخل مختبرات منظمة يقوم فيها المختصون بوضع بعض المواد الكربونية تعرف بال»بذور» فى غرفة خاصة، ثم تضاف إليها بعض الغازات مثل الكربون وتسخن حتى تشكل بلازما، وتتحلل الغازات حيث تتعلق جزيئات الكربون على البذور. ثم بعد أيام قليلة تتكسر لتكشف عن أشكال تستغرق الطبيعة مليارات السنوات لصنعها, ويقول الخبراء إن مكونات الألماس الذى يُصنع فى المختبرات يشبه المكونات ذاتها للألماس المستخرج من الأرض، إلا أن الفرق يكمن فى عدم احتواء الألماس الاصطناعى على أى شوائب, هذا بجانب انخفاض سعره مقارنة بالألماس الطبيعى بحوالى 30%, ويحتاج إلى 500 ساعة فقط لإنتاجه. ولكن هل تعد هذه أسبابا كافية لتتخلى نجمات ومشاهير العالم وزوجات الأغنياء عن متعة امتلاكهن ماسة حقيقية نادرة تزين حليهن وإستبدالها بأخرى مزيفة؟ للإجابة على هذا السؤال لابد أن نعرف أولا القصة وراء استخراج الألماس الطبيعي, كثيرون لا يعرفون قصة فيلم «الألماس الدموي» أو «Blood Diamond», فيلم الإثارة والحرب الذى صدر فى عام 2006 بطولة النجم ليوناردو ديكابريو وإخراج إدوارد زويك, ويحكى عن دولة سيراليون التى مزقتها الحرب الأهلية فى التسعينيات، حيث قام الثوار المعروفون بمقاتلى الحرية بمهاجمة القرى واحدة تلو الأخرى ليقتلوا النساء والضعفاء ويأسروا الرجال الأصحاء، ليتم إرسالهم للعمل فى معسكراتهم ومناجمهم للبحث عن الألماس, بينما يقومون بتجنيد الأطفال دون الثانية عشرة من عمرهم ليصبحوا من الثوار. المؤلم هو أن أحداث الفيلم لم تكن من نسج الخيال وإنما هى أحداث مقتبسة من صلب الواقع الذى تعيشه إفريقيا الخضراء الزاخرة بالثروات والموارد و مقومات اقتصادية مهمة ومواقع استراتيجية مذهلة, لكن قدرها ألا تخلوا من الحروب والانقلابات والرصاص التى جعلت البلاد أسواقا مفتوحة يجنى العالم منها المال وجعلت من سكانها سلاحا لحصد الثروات, وهكذا أصبحت إفريقيا قارة غنية تسكنها شعوب فقيرة! شعوب أنهكها التطرف والجوع وهى تعيش فوق أرض تنوء بالخيرات، هذا حال العمال الذين يستخرجون الألماس فى المنطقة التى سيطرت عليها قوات المتمردين التى تعارض الحكومة المعترف بها دوليا, جماعات المتمردين هذه تتاجر فى الألماس لأجل تمويل تحركاتها المتطرفة بالمناطق التى مزقتها الحرب. وهذه المناطق هى سيراليون وليبيريا وأنجولا و الكونغو الذى راح فيها منذ عام 1998 نحو 5.4 مليون مواطن ضحية للحرب التى يغذيها الألماس، وأنجولا التى قتل فيها أكثر من نصف مليون شخص وتم بتر أطراف نحو 100 ألف آخرين، وكذلك ساحل العاج وجمهورية إفريقيا الوسطي. معظم عمال «الألماس الدموي» تحت سن الثلاثين، بما فى ذلك آلاف الأطفال الذين تركوا مقاعد المدرسة وسنهم لا يتجاوز تسعة أعوام والمجبرين على العمل فى ظروف مروعة تحت الأرض وتحت الماء فى أعماق تصل إلى 25 مترا، علاوة على التعذيب والضرب والعمل القسرى مقابل مبلغ زهيد، إنه الهوس الذى خلف ما يقارب ثلاثة ملايين قتيل بسبب تعدين الألماس وسط الصراعات والنزاعات الناتجة عن الحروب. والسؤال الآن: هل ينهي»الألماس المزروع» سنوات الدم وينقذ الأطفال من العبودية؟ يرى بعض الخبراء أنه مع تطور التكنولوجيا وتقنيات الوصول إلى المعلومات وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي، أصبح جيل الألفية الجديدة أكثر وعيا وسعيا للتسوق الذى يتوافق مع الأخلاقيات، وبناء على أنباء الصراعات الوحشية الناتجة عن الألماس التى تنتشر تفاصيلها الدامية فى الأخبار، شهدت مبيعات المجوهرات الراقية فى الولاياتالمتحدة (أكبر سوق للألماس بالتجزئة فى العالم) ركودا كبيرا فى الفترة من عام 2004 إلى عام 2013، وفسروا ذلك بأنه ربما يريد المستهلكون أن يضمنوا أن ما يشترونه شرعى وأخلاقى ويريدون أن يعرفوا من المستفيد من أموال الاقتصاديين, مما قد ينعش سوق الألماس المزروع فى الفترة القادمة.