رغم انخفاض سعر صرف الدولار واستقراره لفترة كافية لظهور انخفاضات ملحوظة فى أسعار السلع الغذائية وغيرها؛ فإن ذلك لم يحدث، فلماذا ترتفع الأسعار فى مصر بذريعة ارتفاع سعر صرف الدولار، وتستقر دون أى انخفاضات ملموسة عند انخفاضه؟ «روزاليوسف» طرحت السؤال على عدد من خبراء الاقتصاد؛ حيث أكدوا على وجود مجموعة من العوامل المعقدة التى تقف وراء استمرار أزمة ارتفاع الأسعار. بداية يصر المستوردون على أن انخفاض سعر الدولار لا يمكن أن ينعكس على الأسعار بشكل فورى؛ حيث تحتاج الدورة الاستيرادية إلى وقت طويل حتى يتسنى لهم بيع مخزونهم القديم الذى تم استيراده بتكلفة أعلى، وعلى الجانب الآخر يوضح خبراء الاقتصاد أن سياسات رفع الدعم عن المحروقات والكهرباء المرتبطة ببرامج الإصلاح الاقتصادى، تزيد من تكلفة الإنتاج بشكل مستمر، مما يجعل أى تخفيض فى الأسعار أمرًا صعبًا. أمّا قطاع الأدوية؛ فيؤكد مسئولوه أن أسعاره لا تخضع لآلية العرض والطلب؛ بل للتسعير الإجبارى، وأن تكاليف الإنتاج المرتبطة بزيادات أسعار المياه والكهرباء والحد الأدنى للأجور، هى التى ترفع السعر النهائى للمنتج. مبادرة حكومية وفى خطوة تستهدف تخفيف الأعباء المعيشية عن المواطنين، أطلقت الحكومة المصرية برئاسة الدكتور مصطفى مدبولى، مبادرة لخفض الأسعار بالتعاون مع اتحاد الغرف التجارية واتحاد الصناعات. يقول أحمد الوكيل، رئيس اتحاد الغرف التجارية، إن فكرة المبادرة وليدة الحوار المستمر بين مجتمع الأعمال والحكومة، المرحلة القادمة تحتاج إلى التكاتف، والمؤشرات الاقتصادية كلها تدعو للتفاؤل، وتدفع مجتمع الأعمال لزيادة الإنتاج، ومن هنا جاءت فكرة تخفيض هوامش الربح لتخفيف الأعباء عن أهالينا. ويضيف: هذه المبادرة هى مبادرة من القطاع الخاص المصرى، وليست تدخلاً أو فرضًا للأسعار من الحكومة، وهو ما يؤكد أن القطاع الخاص كان دائمًا العمود الفقرى للاقتصاد المصرى، وأود أن أشكر رؤساء الغرف الصناعية الذين اشتركوا معنا فى هذه المبادرة. من جانبه قال الدكتور علاء عز، الأمين العام لاتحاد الغرف التجارية ل«روزاليوسف»، إنه تم وضع خطة عمل نفذت نتائجها فى 27 محافظة، ونظمت الغرف التجارية اجتماعات مع التجار والشعب لعمل مبادرات داخلية، كما تم تبكير الأوكازيون الصيفى الذى بدأ يوم 4 أغسطس، ووصل عدد المحال المشاركة فيه إلى أكثر من 1600 محل بخصومات تتراوح بين 10 % و50 %. والأهم من ذلك هو استمرار الأوكازيون حتى بدء العام الدراسى لتوفير مستلزمات المدارس بأسعار مخفضة. وأضاف: وزارة التموين بدأت المبادرة من خلال الشركة القابضة ومنافذها التى طرحت خصومات تتراوح بين 5% و18% على 640 سلعة. كما تم الاتفاق مع عدد كبير من المنتجين والمستوردين والسلاسل التجارية على خصومات من 5 % إلى 20 % على السلع الغذائية. وفى الأجهزة الكهربائية، وصلت الخصومات إلى 20 %، وفى بعض الماركات إلى 35 %. أسعارالسيارات وشهدت أسعار السيارات انخفاضات بنسب تتراوح بين 10 % و25 %، وانخفاضًا فى أسعار الخضر والفاكهة بنسبة 10 %. كما شهدت مواد البناء انخفاضًا ملحوظًا؛ حيث هبط سعر طن الأسمنت إلى أقل من 4000 جنيه، وأعلنت شركات الحديد عن خفض إضافى بقيمة 2200 جنيه للطن. وتابع «عز»: نعمل على التوسع فى أسواق اليوم الواحد التى توفر خصومات تصل إلى 20%، كما بدأنا فى إنشاء أسواق للمزارعين لتخفيض أسعار الخضروات والفاكهة، ونتوقع استمرار انخفاض الأسعار، وينضم إلينا يوميًا ما بين 400 إلى 500 منتج ومحل. وأسعار الجملة للسلع الأساسية فى انخفاض مستمر، بما فى ذلك أسعار البروتين والدواجن والبيض.
آليات العرض والطلب المواطن شادى حاتم (41 عامًا) أكد أن حياته تأثرت بشكل كبير بسبب غلاء الأسعار «أنا من طبقة كان يطلق عليها متوسطة عليا، من يتحدث عن تحسن فى أسعار السلع «منفصل عن الواقع»، آليات العرض والطلب معطلة فى السوق المصرية لأن التجار أقوى من القانون، والرقابة على الأسواق ضعيفة والمواطن «مطحون» فى ظل غلاء لا يرحم. وعبّر المواطن سالم منصور (45 عاما)، عن إحباطه من عدم انخفاض الأسعار، مشيرًا إلى أن مبادرات الحكومة لن تؤثر بشكل ملموس ما لم يتم تفعيل آليات تجبر أطراف السوق على الالتزام بمرونة العرض والطلب. وقال «منصور» إن السبب الرئيسى لارتفاع الأسعار هو «زيادة أسعار المحروقات وسعر صرف الدولار»، وأشار إلى أن نسبة الفوائد على القروض تصل إلى 40 %، ما يكبل الاستثمارات الجديدة ويجعل من وضع الأموال فى البنوك وتحصيل فوائدها أفضل من ضخ استثمارات فى السوق، متسائلاً: «مين يقدر يكسب النسبة دى»؟ سوق السلع المستوردة قال أحمد شيحة، عضو شعبة المستوردين باتحاد الغرف التجارية، إن استقرار سعر الدولار وانخفاضه أمر لا يمكن أن ينعكس على أسعار السلع بشكل فورى، مشيرًا إلى أن الأمر يتطلب فترة زمنية لا تقل عن 15 إلى 20 يومًا حتى يطمئن المستورد إلى استقرار السعر ويبدأ فى التعامل على أساسه. وأضاف «شيحة»: إن الدورة الاستيرادية تستغرق من 60 إلى 70 يومًا، ما يعنى أن المستورد يكون قد تحمل تكلفة الدولار المرتفعة عند استيراد السلع، وبالتالى فإنه لا يستطيع تخفيض الأسعار فور انخفاض سعر الدولار، تجنبًا للخسارة؛ خصوصًا أن المخزون الموجود لديه تم شراؤه بسعر مرتفع. وأوضح «شيحة»، أن السبب فى الارتفاع السريع للأسعار مع ارتفاع الدولار يعود إلى أن التاجر أو المستورد لا يدفع من جيبه، فإذا كانت البضاعة مقيّمة على دولار بسعر 50 جنيهًا، ثم ارتفع إلى 51 جنيهًا؛ فإن التاجر يرفع سعر السلعة مباشرة، حتى إذا اضطر إلى شراء دولار جديد، فإنه سيشتريه بالسعر الجديد المرتفع، ما يجنبه الخسارة. أمّا فى حالة الانخفاض؛ فيحتاج المستورد إلى وقت للاطمئنان على أن السعر الجديد سيكون ثابتًا، حتى يتمكن من البيع بسعر منخفض، مع ضمان أن يتمكن من الاستيراد مرة أخرى بتكلفة مماثلة. استقرار نسبى وحول وضع سوق الاستيراد بعد استقرار سعر الدولار، أكد «شيحة» وجود استقرار فى الأسعار بالتزامن مع استقرار الدولار، وأوضح أن جميع مكونات تكلفة السلعة مرتبطة بالعملة الأجنبية، من ثمن السلعة والشحن إلى الأرضيات والغرامات، مشيرًا إلى أن أى تغيير فى سعر الدولار ينعكس على تكلفة السلع. وأشار إلى أن توفر الدولار لم يعد يمثل مشكلة كبيرة كما كان فى السابق، لكنه لا يزال يخضع لأولويات معينة، إذ يتم توفير العملة للسلع الاستراتيجية والمواد الخام، بينما تجد السلع تامة الصنع صعوبة فى تدبير العملة. وفيما يتعلق بالإفراج عن البضائع من الموانئ، قال «شيحة» إن هناك تحسنًا، ولكن الأوضاع لا تزال بعيدة عن المعايير العالمية؛ حيث تستغرق عملية الإفراج فى مصر نحو 14 يومًا، مقارنة ب 24 ساعة فى دبى، مرجعًا ذلك إلى الروتين والإجراءات المُبالغ فيها، والتى تزيد من التكلفة على المستهلك، مثل نظام التسجيل المسبق للشحنات «ACI»، وبعض القرارات الأخرى مثل القرار 43، الذى يشترط تسجيل الشركات المصدرة، والذى وصفه بأنه «اختراع لا يوجد فى أى مكان فى العالم»، ويعيق عملية الاستيراد. وأكد أن هذه الإجراءات، مثل شهادات الفحص المسبق، تزيد من التكلفة على المستورد، وتنعكس فى النهاية على سعر السلعة للمستهلك. الكهرباء والمحروقات تمثل فواتير الكهرباء والغاز وتكلفة المحروقات عبئًا كبيرًا على الأسر المصرية، ومع استمرار ارتفاعها، يرى البعض أنه لا أمل فى حدوث أى انخفاض فى الأسعار فى المدى المنظور.. وفى تصريحات خاصة ل «روزاليوسف»، قال الخبير الاقتصادى الدكتور خالد عمارة، إن مصر ملتزمة بتحرير أسعار الكهرباء والمحروقات ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادى، لذلك؛ فإن أى زيادة مستقبلية فى أسعار الكهرباء والمحروقات ستؤدى حتمًا إلى زيادة جديدة فى أسعار السلع؛ نظرًا لأن هذه الخدمات تدخل فى جميع نواحى الإنتاج. وأكد «عمارة»، أن أزمة ارتفاع الأسعار والتضخم جاءت فى الأساس كنتيجة لكون مصر دولة مستوردة، تعتمد على الخارج فى توفير 75 % من احتياجاتها الأساسية. وقد أدى ذلك إلى نقص مستمر فى موارد العملة الصعبة، مما أجبر الحكومة على تحرير سعر الجنيه أمام الدولار، ونتج عنه زيادة كبيرة فى أسعار السلع والخدمات. أسعار الأدوية وفى تصريحات خاصة ل«روزاليوسف»، قال الدكتور محى حافظ، رئيس شعبة الأدوية باتحاد الصناعات، إن سبب استبعاد الأدوية من المبادرة الحكومية يرجع إلى أن سعرها يخضع لآلية التسعير الإجبارى. وأشار إلى أن الانخفاض الطفيف فى سعر الدولار فى سوق الصرف، والذى بلغ جنيهين فقط، لا يمثل نسبة كبيرة يمكن أن يترتب عليها إعادة تقييم سعر الأدوية. وشدد على أن تكلفة إنتاج الدواء تتحدد وفق عدة عوامل، أهمها سعر الصرف، ومعدل الفائدة، ومعدل التضخم. وأوضح أن التكلفة شهدت ارتفاعًا كبيرًا فى الفترة الماضية؛ خصوصًا بعد الزيادة التى طرأت على أسعار المياه والكهرباء والغاز والحد الأدنى للأجور. وأوضح «حافظ»، أنه على الرغم من الزيادات؛ فيظل الدواء المصرى هو الأرخص فى المنطقة نتيجة لسياسة التسعير التى تتبعها الدولة. 2