جددت مصر رفضَها القاطع لأى خطة «أمريكية- إسرائيلية» تهدف لاحتلال قطاع غزة، مؤكدة أن مثل هذه التحركات تمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولى وتهديدًا مباشرًا لأمن المنطقة واستقرارها، فضلاً عن كونها مساسًا بوحدة الأراضى الفلسطينية. الموقف المصرى جاء متناغمًا مع رفض عربى ودولى واسع، فى وقت أكد فيه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أنه لم يؤيد بشكل مباشر خطط إسرائيل لمهاجمة واحتلال مدينة غزة؛ لكنه أعرب عن اعتقاده بأن حماس لن تفرج عن الرهائن ما لم يتغير الوضع بشكل جذرى. وتحذر القاهرة، إلى جانب دول أوروبية، من خطط إسرائيلية لإعادة احتلال قطاع غزة، وهى خطوة ترى فيها تهديدًا للاستقرار الإقليمى وتكريسًا لحرب مفتوحة، كما شهدت جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولى، رفضًا دوليًا وإدانات لقرار حكومة بنيامين نتنياهو احتلال كامل غزة، وتحذيرات من تداعيات «خطيرة» للقرار على الوضع الإنسانى فى القطاع المحاصَر. وتواصل القاهرة لِعبَ دور محورى فى المساعى الرامية إلى التوصل لوقف إطلاق النار فى قطاع غزة، بالتوازى مع جهودها لإدخال المساعدات الإنسانية واحتواء المخطط الإسرائيلى الرامى إلى إعادة احتلال القطاع. كما تسعى بقوة لإحياء مفاوضات التهدئة؛ وبخاصة فى ظل مؤشرات إسرائيلية متزايدة حول نوايا لشن عملية عسكرية شاملة داخل قطاع غزة. وتعمل القاهرة على منع التصعيد، من خلال تعزيز التنسيق مع «حماس» من جهة، ومع القوى الدولية من جهة أخرى؛ خصوصًا الولاياتالمتحدة وقطر. وفى الأشهُر الماضية، ظهرت خطة يُزعم أنها مسنودة من الموقف الأمريكى (خصوصًا بعد تولى ترامب الرئاسة مجددًا) لاستعادة الاحتلال العسكرى لقطاع غزة، بما فى ذلك الدفع نحو احتلال كامل لأجزاء منه وإدارة تدفق المساعدات عبر شركات أمريكية خاصة- وتوطين السكان فى مناطق محددة نوعًا ما بصفتها «مناطق إنسانية». وأعلن ترامب عن دعمه العلنى لخطة الاحتلال الإسرائيلى لقطاع غزة، معتبرًا أنها «ضرورية لإعادة الأمن» و«حسم المواجهة مع حماس»، فى رسالة فُسّرت على أنها غطاء سياسى قوى لحكومة بنيامين نتنياهو. وفى يناير 2024، اقترح وزير الدفاع الإسرائيلى إطارًا لمرحلة ما بعد الحرب، تضمن استمرار السيطرة العسكرية الإسرائيلية و«توجيه» الإدارة المدنية الفلسطينية، دون نية للسيطرة الدائمة أو التهجير الجماعى، بينما نُفّذت خطة أخرى فى نفس الشهر لنقل السكان إلى سيناء، وهى التى صُنِّفت على أنها تهجير قسرى أو «تخطيط مجرد» من الجهات الأمنية الإسرائيلية. لكن هذه الرؤية لم تلقَ إجماعًا داخل إسرائيل نفسها؛ إذ واجهت معارضة شرسة من كبار القادة العسكريين والأمنيين، وعلى رأسهم رئيس أركان الجيش اللواء إيال زامير، الذى وصف الخطة بأنها «فخ استراتيجى» قد يَجرّ البلاد إلى حرب استنزاف ويُعرّض حياة الرهائن والجنود للخطر. وبين دعم البيت الأبيض وتحفّظ المؤسّسة الأمنية الإسرائيلية، تفجّر الجدل حول خطة الاحتلال، لتجد إسرائيل نفسَها أمام انقسام داخلى وضغوط عربية ودولية متصاعدة. ووفق معطيات الأممالمتحدة؛ فإن 87 % من مساحة القطاع صارت فعلاً اليوم تحت الاحتلال الإسرائيلى أو تخضع لأوامر إخلاء، محذّرة من أن أى توسع عسكرى جديد ستكون له «تداعيات كارثية». ومنذ أكتوبر 2023، يشن جيش الاحتلال الإسرائيلى- بدعم أمريكى- حربَ إبادة على سكان قطاع غزة أسفرت، حتى الآن، عن استشهاد أكثر من 61 ألف فلسطينى وإصابة أكثر من 153 ألفًا وتشريد سكان القطاع كلهم تقريبًا، وسط دمار لم يسبق له مثيل منذ الحرب العالمية الثانية. انقسام إسرائيلى يتزايد الانقسام السياسى داخل إسرائيل بشأن الاحتلال الكامل لغزة؛ إذ برزت أصوات فى الحكومة تعترض على الأسلوب المتبع للعملية، ولكنها توافق على الهدف المتمثل فى احتلال القطاع. وكشفت صحيفة «الجارديان» البريطانية عن أسبوع حافل بالتسريبات والاتهامات العلنية عن وجود خلافات واضحة بين القادة السياسيين الإسرائيليين وقيادتهم العسكرية العليا. وقال رئيس معهد دراسة العلاقات المدنية-العسكرية فى الجامعة المفتوحة فى إسرائيل: «هذه أخطر أزمة فى تاريخ العلاقات بين القيادة السياسية وجيش الاحتلال منذ حرب عام 1948، لم يسبق للقيادة السياسية أن أجبرت الجيش على تنفيذ عملية عارضتها بشدة». وفى الأيام السبعة التى سبقت الاجتماع الحاسم لمجلس الوزراء الأمنى الإسرائيلى؛ حيث تم اعتماد الخطة، عبّر رئيس الأركان، الفريق إيال زامير، بشكل متكرر عن مخاوفه من خطوة احتلال القطاع بشكل كامل، محذرًا من أن السيطرة على غزة قد تُورط إسرائيل فى «ثقب أسْوَد» من التمرد المطول، والمسئوليات الإنسانية الثقيلة، بالإضافة إلى تصاعد خطر احتجاز الرهائن. وأشعلت معارضة زامير عاصفة سياسية؛ حيث اتهم نجل رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، رئيس أركان الجيش بالتمرد، وحثّ وزير الأمن القومى الإسرائيلى اليمينى المتطرف، إيتمار بن غفير، رئيس الأركان على «التصريح بوضوح بأنه سيلتزم تمامًا بتعليمات القيادة السياسية، حتى لو كان القرار هو احتلال غزة». ويحذر المحللون من أن الصدام بين القيادة العسكرية والحكومة قد يؤدى إلى عواقب وخيمة على الدعم الشعبى للإدارة الإسرائيلية. إدانة عربية ورفض أوروبى أدانت دول عربية وإسلامية خطة إسرائيل لإعادة احتلال قطاع غزة، واعتبرتها تصعيدًا خطيرًا ومرفوضًا وانتهاكًا للقانون الدولى. وأكدت فى بيان مشترك، إدانتها الشديدة ورفضها القاطع إعلان إسرائيل نيتها فرض السيطرة العسكرية الكاملة على قطاع غزة. وأوضحت أن هذا الإعلان يشكل تصعيدًا خطيرًا ومرفوضًا، وانتهاكًا للقانون الدولى، ومحاولة لتكريس الاحتلال غير الشرعى وفرض أمر واقع بالقوة يتنافى مع قرارات الشرعية الدولية. وقد أعربت 8 دول أوروبية فى بيان مشترك عن رفضها قرار إسرائيل تكثيف هجماتها على قطاع غزة واحتلال مدينة غزة، محذرة من أى تغيير ديموجرافى على الأراضى الفلسطينيةالمحتلة، وذلك بعد بيان مماثل وقّعته 9 دول غربية. وقال وزراء خارجية آيسلندا وأيرلندا ولوكسمبورج ومالطا والنرويج والبرتغال وسلوفينيا وإسبانيا فى بيان: «ندين بشدة إعلان الحكومة الإسرائيلية الأخير تكثيف الهجوم العسكرى على قطاع غزة». وأضاف البيان: إن هذا القرار لن يؤدى إلا إلى «تعميق الأزمة الإنسانية وتعريض حياة الرهائن الباقين للخطر». وأكدت الدول الثمانى أنها ترفض أى تغيير ديموجرافى على الأرض الفلسطينيةالمحتلة، وتعده خرقًا للقانون الدولى، مشددة على أن قطاع غزة جزءٌ من دولة فلسطين إلى جانب الضفة الغربية بما فيها القدسالشرقية. ورأت أن تكثيف الهجوم الإسرائيلى واحتلال مدينة غزة سيكون «عقبة خطِرة أمام تنفيذ حل الدولتين». فى الوقت نفسه، حذرت مفوضة الاتحاد الأوروبى للمساواة وإدارة الأزمات حاجة لحبيب، من أن القرار الإسرائيلى سيعمق «الوضع الكارثى أصلاً» فى غزة. وفى وقت سابق، أصدرت ألمانيا وبريطانيا وإيطاليا وأستراليا ونيوزيلندا بيانًا مشتركًا يدين قرار إسرائيل توسيع الحرب على غزة، ثم انضمت إليها النمسا وفرنسا وكندا والنرويج، محذرة من انتهاك القانون الدولى بتهجير المدنيين وضم الأراضى.