لا تزال دارُ الإفتاء المصرية تعمل بصورة عملية ومكثفة من أجل تنفيذ استراتيچيتها نحو مكافحة التطرف والتى أعلنت عنها منذ أكثر من سبع سنوات من خلال إنشاء عدد من المراكز كان أولها إنشاء مرصد الإفتاء لرصد الفتاوى والأفكار المتطرفة، وأحدثها «مركز سلام لدراسات التطرف» وهو مركز بحثيٌّ وأكاديميُّ يتبع دار الإفتاء المصرية، وهو معنىٌّ بدراسة التطرف ومناهج مكافحته والوقاية منه، ويسعى إلى تأصيل فلسفة الدولة المصرية ودار الإفتاء فى نطاق المواجهة الفكرية والدينية الشاملة المتعلقة بقضية التشدد والتطرف. ومن خلال «مركز سلام لدراسات التطرف» تعقد دارُ الإفتاء المصرية تحت مظلَّة الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء فى العالم المؤتمر الدولىَّ الأول ل«مركز سلام لدراسات التطرف» بعنوان «التطرف الديني: المنطلقات الفكرية.. واستراتيچيات المواجهة»، تحت رعاية معالى رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى،وذلك ب«فندق الماسة» بمدينة نصر فى القاهرة، خلال الفترة من (7 - 9) يونيو الجارى بحضور نخبة من المسئولين والباحثين والمتخصصين والأكاديميين من 42 دولة حول العالم، من بينها الولاياتالمتحدةالأمريكية وألمانيا وإيطاليا والهند وبولندا وسنغافورة والمغرب وتونس والجزائر... بالإضافة إلى ممثلين عن مجلس الأمن والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية يُناقشون قضايا العائدين وتمويل الإرهاب. ويأتى المؤتمر انطلاقًا من أن ظاهرة التطرف تحتاج إلى تكاتف الجميع وتبادل الرؤى المُختلفة على المستويات الثلاثة؛ المحلية والإقليمية والدولية. كما يهدف المؤتمر إلى تعزيز التعاون الدولى فى إطار مكافحة التطرف والتشدد، وتبادل الخبرات والتجارب الدولية فى هذا الشأن، مع الاهتمام الشديد بفتح آفاق أوسع للتعاون البحثى والأكاديمى. ووفقًا لما أعلنته دار الإفتاء؛ فإن مؤتمر سلام الدولى سيعمل على مناقشة أطروحات التطرف المُبررة لجرائمه، وتفكيك هذه المقولات والمفاهيم والرد عليها، وترسيخ قيم السلام والتعايش والتفاهم بين الشعوب والحضارات. ومن المقرر أن يخصِّص ضمن فعاليات المؤتمر جلسة حول «التطرُّف الدينى: المنطلقات الفكرية واستراتيچيات المواجهة»؛ لاستعراض تجارب الدول المختلفة؛ انطلاقًا من أهمية تقييم فاعلية هذه التجارب، وللإجابة عن عدة تساؤلات مهمة، منها على سبيل المثال: هل الدول التى طبقت هذه التجارب نجحت فى استئصال التطرف والإرهاب؟ وكيف يمكن الاستفادة من النجاحات المحققة فى هذا الجانب؟ وما نقاط القصور التى واجهت هذه التجارب؟ وكيف يمكن التغلب عليها؟ هذا بالإضافة إلى النظر فى آلية إقامة تعاون دولى لتتبُّع خرائط التطرف والإرهاب ومحاصرتها والحدِّ من انتشارها لحماية العالم من براثن هذه الجرائم، وبحث إمكانية بناء استراتيچية متكاملة لمواجهة التطرف والإرهاب عبر الاستفادة من هذه التجارب المُتعددة. وستتضمّن مَحاور المؤتمر أيضًا تقييم تعامل هذه التجارب مع «قضية العائدين من التنظيمات الإرهابية»، فى محاولة للوصول إلى معرفة هل نجح أىٌّ من هذه التجارب فى استيعاب العائدين؟ وكيف تعاملت معهم؟ وهل مَثَّلوا خطورة على مجتمعاتهم وعلى أبناء جالياتهم؟ وكيف تصدَّت الحكومات لهذه المخاطر؟ من جهته أعلن الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء فى العالم، أنَّ المؤتمر الدولىَّ الأول لمركز سلام لدراسات التطرف يُعدُّ أكبر تجمُّع للمتخصّصين فى مجال مكافحة التطرف؛ إذ يحضره ممثِّلون عن مجلس الأمن والأمم المتحدة والمفوضية الأوروبية، وجامعة الدول العربية، وعدد من الوزراء، والقيادات التنفيذية، والمفتين، ورجال الفكر والإعلام، بالإضافة إلى رؤساء المراكز البحثية المعنية من مختلف دول العالم. مشدِّدًا على أهمية المؤتمر وتوقيت انعقاده بما يحقِّق الريادة المصرية فى هذا المجال. وأوضح أنَّ المؤتمر الدولىّ سيعمل على الخروج بمبادرات علمية تدعم عملية مكافحة التطرف وقايةً وعلاجًا، وتعميق النقاشات الدينية والأكاديمية حول ظاهرة التطرف، وتعزيز التعاون والتنسيق بين المؤسّسات البحثية والخبراء المختصين فى مجال مكافحة التطرف والإرهاب. مظلة بحثية مصرية فيما قال الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتى الجمهورية، أمين الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء فى العالم ورئيس مركز سلام، إنَّ مركز سلام يسعى إلى إنشاء مظلَّة جامعة لكلِّ مراكز الأبحاث المعنية بمكافحة التطرف، يكون مقرها مصر؛ اتساقًا مع الدَّور الكبير الذى تقوم به مصر فى العديد من المجالات، ومن أهمها الخبرة المصرية فى مكافحة التطرف. ولفت إلى أن المؤتمر الدولىَّ الأول لمركز سلام لدراسات التطرف يسعى إلى إلقاء الضوء على العديد من التجارب العربية والدولية فى إطار مواجهة التطرف والإرهاب؛ بغيةَ الاستفادة من هذه التجارب وتقييم جدواها، وهل نجحت فى تحقيق المستهدف منها أمْ لا؟! وأشار مستشار مفتى الجمهورية إلى أنه فى ظل التطور الرقمى الهائل، أوضح د. إبراهيم نجم أن محاور المؤتمر تسعى كذلك إلى فهم وتوضيح طرُق تعامل الدول المختلفة مع القضايا المتعلقة بالعالم الرقمى والتكنولوچيا الحديثة وتداعياتها على النشاط المتطرف والإرهابى حول العالم، ومدى تعاملها مع مخاطر تنامى تمويل التنظيمات الإرهابية حول العالم، وكيف يمكن الاستفادة من الوسائل الحديثة فى التصدى لهذه التنظيمات؛ وذلك من واقع تجارب الدول المختلفة. وبيَّن أن مركز سلام يحرص خلال المؤتمر على تناول تجارب الدول وَفق أربعة محاور أساسية، هى: المواجهة الأمنية للتطرف والإرهاب، والمواجهة التشريعية، والجهود الفكرية فى مكافحة التطرف والإرهاب، ودَور المرأة فى المكافحة، ومن بين هذه التجارب: تجارب الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد الأوروبى وبريطانيا، والمملكة العربية السعودية والإمارات والأردن، وإندونيسيا. وأضاف د.نجم إن المؤتمر سيناقش ضمن محاوره فى جلسة خاصة «الدولة الحديثة عند المتطرفين عرض ونقد» فى اليوم الثانى لمؤتمره الدولى الأول؛ حيث يبحث هذه القضية وَفق محاور ثلاثة تتمثل فى: «رؤية التنظيمات الإرهابية لمفهوم الدولة فى الفكر والممارسة، وتقديم رؤية نقدية لادعاءات المتطرفين والإرهابيين حول الدولة، وعرض شبهات الفكر المتطرف والرد عليها». وأضاف إن المؤتمر سيسعى للإجابة عن تساؤلات عدة تتمثل فيما يلى: ماهية رؤية أو تصورات التنظيمات الإرهابية المتطرفة عن الدولة، وما الأسباب والمبررات المفسرة لتلك الرؤية؟ وهل تتفق تلك الرؤية ومستجدات الواقع السياسى؟ وهل توجد صلة بين ممارساتهم فى الدولة المزعومة ومقومات مفهوم الدولة فى أدبيات العلوم السياسية؟ وهل تتوافق أفعال هذه الجماعة وممارساتها وأيديولوچياتها مع الإسلام؟ فيما تخصص الجلسة الثالثة من المؤتمر لمناقشة قضية «تجديد الخطاب الدينى ودَوره فى مواجهة التطرف»، ويأتى هذا النقاش إيمانًا بأن «تجديد الخطاب الدينى»؛ ليس غاية فى حد ذاته؛ بل هو وسيلة لقبول وممارسة الاختلاف والتنوع فى المجتمع من جهة، وعدم فرض الرأى الأحادى على المخالفين من جهة أخرى، فضلًا عن أن ذلك يسهم فى النهاية فى القضاء على ظاهرة التطرف التى أساسها الاستعلاء فى المجتمع عبر الإيمان بتميز الذات المطلق من جهة ودونية الآخر المختلف من جهة ثانية. أمّا عن وِرش العمل التى سيعقدها مؤتمر «سلام» فقال د.إبراهيم نجم: إن المؤتمر ينظم ضمن فعالياته ثلاث ورش مُهمة على هامش انعقاده، تأتى الورشة الأولى بعنوان: «الإسهامات البحثية (العربية والإنجليزية) فى مجال التطرف والإرهاب» خلال اليوم الثانى للمؤتمر، وتستهدف هذه الورشة تناول خريطة الاتجاهات البحثية العربية والإنجليزية حول التطرف والإرهاب خلال عام 2021؛ للتعرف على أنماط القضايا التى اهتمَّ بها الكُتَّاب والباحثون؛ بغرض البناء على إسهاماتهم ومعالجة أوجه القصور، عبر صياغة أچندة بحثية يمكن الاهتمام بموضوعاتها؛ لتقديم اجتهادات بحثية جديدة تساعد فى تعميق فهم ظاهرتى التطرف والإرهاب. بينما تهتم الورشة الثانية- بحسب د.نجم- بتعزيز التنسيق والتكامل بين المؤسّسات البحثية المعنية بدراسة التطرف بصورة تُمكن من إنشاء مظلة عالمية تجمع المراكز البحثية المُتخصصة فى مكافحة التطرف يكون مقرها مصر. أمّا الورشة الثالثة فتتناول «تحليل التجربة المصرية فى مجال مكافحة التطرف»، وذلك على هامش اليوم الثالث للمؤتمر، وهذا باعتبار أن قضايا التطرف والإرهاب قد شغلت رؤية الدولة المصرية منذ عام 2013، وكانت ولا تزال أحد أهم محاور العمل لدى الدولة من أجل حماية وتحصين أبناء المجتمع المصرى من هذه الآفة التى ضربت كل دول العالم، وشغلت الرأى العام الدولى من أجل البحث عن أطر واستراتيچيات للتعامل معها. 1 2_copy