بعيدًا عن التداعيات السياسية والجيوستراتيجية لاتفاق تعيين الحدود البحرية الذى جرى توقيعه بين مصر واليونان قبل أيام، التى لاتزال مستمرة حتى الآن؛ فإن الاتفاق له ثمار اقتصادية شديدة الأهمية، كونه يفتح آفاقًا جديدة للتعاون والاستثمار بين البلدين فى المناطق الاقتصادية الخالصة للدولتين، وهو ما يؤدى إلى زيادة حجم الاحتياطات المصرية من الغاز والبترول لحدود خيالية؛ خصوصًا بعد الكشف عن أن الاحتياطات فى المنطقة الخاصة باليونان ومصر تصل لأكثر من 200 تريليون قدم مكعب، أى ما يوازى سبعة أضعاف احتياطى حقل «ظهر» من الغاز تقريبا. وسط التقديرات والتوقعات المُحتملة؛ فإن القاهرة ستشهد- فى القريب- توقيع عُقودٍ جديدة لِستّة مراكز أخرَى خاصة بالتنقيب البحرى بالمنطقة البحرية الواقعة غرب الدلتا المصرية؛ وبذلك يمكن القول إن ثمار هذا الاتفاق قد ظهرت مبكرًا للغاية. أهمية الاتفاقية اكتسب الاتفاق «المصرى- اليونانى» الذى يتم التفاوض حوله منذ أكثر من 3 سنوات أهمية كبيرة، عكستها مواقف الدول المرحبة والرافضة لهذا الاتفاق؛ خصوصًا تلك التى تقع فى منطقة شرق المتوسط، فقد أكد «سامح شكرى» وزير الخارجية، أننا سنمضى قُدُمًا مع اليونان فى استثمار احتياطات الغاز الواعدة فى شرق المتوسط. مشددًا على أن العلاقة بين مصر واليونان كانت عاملًا رئيسيّا فى الحفاظ على أمن واستقرار شرق المتوسط. قال المهندس «طارق الملا» وزير البترول والثروة المعدنية، إن الاتفاقية تفتح الباب أمام قطاع البترول. موضحًا أن الأمر سيتيح طرح مزايدات عالمية للبحث والاستكشاف والتنقيب عن البترول والغاز فى المنطقة الاقتصادية المصرية، بما يسهم فى زيادة الاحتياطى من الغاز والبترول. وأضاف: «جميع المؤسّسات الدولية وبيوت الخبرة العالمية تشير إلى أن هذه المنطقة (شرق المتوسط) واعدة، فيما يخص احتياطيات الغاز الطبيعى». موضحًا أنه سيتم خلال الفترة المقبلة دراسة طرح مزايدة عالمية واختيار البلوكات المراد طرحها بعد أخد الموافقات والإجراءات اللازمة فى هذا الشأن. الثمار الاقتصادية كما كان للاتفاق البحرى بين مصر وقبرص ثمار تمثلت فى اكتشاف حقل ظهر ونورس ونور وغيرها؛ فإن من المتوقع أن يحقق الاتفاق بين مصر واليونان مكاسب قد تكون أكبر بكثير؛ نظرًا لضخامة المساحة المتمخضة عن هذا الاتفاق، بجانب تأكيد شواهد عمليات البحث والاستكشاف السابقة فى منطقة غرب الدلتا. وكشف الدكتور «ماهر عزيز» خبير الطاقة الدولى وعضو مجلس الطاقة العالمى، أن تقديرات هيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية فى عام 2010م، قالت إن حجم الاحتياطى فى حوض شرق المتوسط يزيد على 4.3 مليار برميل بترول، ونحو 345 تريليون قدم مكعب. مشددًا على أن هذه الثروات كانت ستصبح محل نزاع إذا لم ترسم الحدود البحرية بين الدول، بدلًا من أن تكون فرصة للتعاون وفائدة لكل الأطراف. وأضاف إن مصر تسعى للاستقرار، ومن أجل أن تكون هذه الثروات موزعة بين الشركاء على أساس من العدل، وفقًا لما يؤسّسه قانون البحار الذى وُضع 1982م، وهو الأساس القانونى الذى تستند إليه فى الشئون المتعلقة بالحدود البحرية والاستغلال الاقتصادى لها. وأكد خبير الطاقة الدولى، أن هذا الرصيد يُعتبر ضخمًا بالتأكيد ويضع مصر على عتبة متقدمة جدّا بين الدول المنتجة للغاز، وهو ما يؤمّن وجودها كحلقة وصل بين الشرق والغرب فى تجارة الغاز ويُعزز مركزها، فى إنشاء سوق غاز إقليمية عبر منتدى غاز المتوسط. وأضاف إنه فى الحقيقة أن التقديرات أكبر كثيرًا مما نتصوره، فإذا كانت البداية ب200 تريليون قدم مكعب من الغاز؛ فإن الأفق متسع لإضافات كبيرة، وهو ما يجعل مصر على مدى نحو 30 عامًا على الأقل لها مركز محورى فى تجارة وتبادل الطاقة فى حوض شرق المتوسط. مشروعات غرب الدلتا تُعَد خريطة مشروع غرب الدلتا، أحد أهم الشواهد التى تؤكد أهمية الاتفاقية الجديدة فى تعزيز احتياطات مصر من الغاز والنفط، ويتضمن هذا المشروع 5 حقول بحرية شمال الإسكندرية، ويشمل اتفاقيتين هما اتفاقية شمال الإسكندرية واتفاقية غرب البحر المتوسط. وتوقف العمل فى مشروع إنتاج الغاز غرب دلتا النيل لثلاثة أعوام عقب ثورة 25يناير 2011م، لكن بحلول عام 2014م، ومع الاستقرار السياسى والأمنى، بدأ التوصل لحلول تضمن استئناف العمل بالمشروع وإنتاج الغاز فى أقرب وقت ممكن من خلال الإسراع فى تنمية الحقول المكتشفة، ومنها مشروع شمال الإسكندرية؛ حيث بدأ العمل فى المشروع من خلال تحالف شركة (بريتش بتروليوم) البريطانية، وشركة (DEA) الألمانية. كما شهد المشروع كذلك مشاركة شركتَى إنبى وبتروجيت فى أعمال التنفيذ، وتبلغ احتياطيات المشروع 5 مليار متر مكعب غاز و55 مليون برميل متكثفات، ويصل حجم استثماراته إلى 9 مليار دولار. تم الانتهاء من المرحلة الأولى للمشروع قبل الموعد المقرر بثمانية أشهُر، ما يحقق لمصر وفرًا يبلغ مليار دولار سنويّا يصل إلى 1.8 مليار دولار بعد انتهاء تنفيذ المرحلة الثانية.. المشروع سيوفر 5 آلاف فرصة عمل مباشرة، فضلًا عن فرص العمل غير المباشرة فى مجالات الخدمات والصناعات ذات الصلة. وبحسب خطة تنمية مشروع غرب الدلتا العميق؛ فإنه كان من المقرر بدء الإنتاج من حقل ريفين نهاية 2019م بطاقة إنتاجية مبدئية تقدر بنحو 350 مليون قدم مكعب يوميّا من الغاز الطبيعى، سيتم نقلها إلى مجمع غازات الصحراء الغربية ومصنع البوتاجاز العامرية بمحافظة الإسكندرية التابع للشركة المصرية للغازات الطبيعية «جاسكو»، ومع دخول الحقول الثلاثة جيزة وفيوم وريفين فإن إجمالى إنتاج المشروع سيصل إلى نحو 1.6 مليار قدم مكعب يوميّا من الغاز الطبيعى. وشهد الرئيس عبدالفتاح السيسى افتتاح المرحلة الأولى من مشروع حقول شمال الإسكندرية- حقلا ليبرا وتورس- منتصف مايو 2017م بطاقة إنتاجية تصل لنحو 700 مليون قدم مكعب من الغاز. وتبلغ احتياطيات المشروع المؤكدة بجميع مراحله وحقوله نحو 5 تريليون قدم مكعب غاز ونحو 55 مليون برميل متكثفات. مزايدات جديدة مَثّلَ طرحُ المزايدات العالمية للبحث والتنقيب عن البترول خطوة مهمة لاستمرار الشركات الأجنبية فى ضخ المزيد من الاستثمارات والتأكيد على وجود احتياطات للثروات الطبيعية، الذى ينعكس بدوره على تنامى النشاط البترولى والمشروعات المنفذة، وهو ما ظهر وبقوة فى قطاع البترول المصرى خلال الفترة الماضية. وشهدت صناعة الغاز الطبيعى تحولات إيجابية هائلة، وذلك مع إعلان وزارة البترول، تزايد إنتاج الغاز الطبيعى ووصوله إلى أعلى معدلاته ليصل 7.2 مليار قدم مكعب غاز يوميّا والتوسع فى استخدامات الغاز بالسوق المحلية بعد الاكتفاء ذاتيّا من إنتاج وتوفير فائض للتصدير. وبالفعل نجح قطاع البترول فى إحراز تقدم كبير لدفع عجلة الاستثمار فى البحث عن البترول والغاز فى مصر من أجل تنمية الثروات البترولية وتحقيق اكتشافات جديدة، والذى تمثل فى طرح عدد من المزايدات العالمية خلال الفترات الماضية ووصل عدد المزايدات التى تم طرحها خلال السنوات الخمس الماضية إلى 7 مزايدات عالمية للبحث عن البترول والغاز فى جميع أنحاء الجمهورية فى مناطق بالبحر المتوسط والبحر الأحمر والدلتا والصحراء الغربية والشرقية وخليج السويس وصعيد مصر. وكان طرح المزايدات العالمية ومن ثم العودة إلى توقيع اتفاقيات بترولية جديدة كان نقطة الانطلاق والعودة واستعادة ثقة الشركاء والمستثمرين وزيادة الأنشطة البترولية من خلال توقيع 84 اتفاقية بترولية جديدة خلال السنوات الست الماضية مع الشركات العالمية للبحث عن البترول والغاز باستثمارات حدّها الأدنى نحو 15 مليار دولار، ومنح توقيع أكثر من مليار دولار لحفر 351 بئرًا. ووقّعت مصر مؤخرًا، 12 اتفاقية جديدة مع عدد من كبريات الشركات العالمية، وهى «شيفرون الأمريكية وأديسون الإيطالية وبى بى الإنجليزية وتوتال الفرنسية وشل الهولندية ونوبل الأمريكية وكوفبيك الكويتية ومبادلة الإماراتية». وذلك بواقع 8 اتفاقيات للشركة القابضة للغازات الطبيعية «إيجاس»، اثنتان منها بشرق البحر المتوسط و6 بمنطقة غرب المتوسط و3 اتفاقيات لشركة جنوب الوادى القابضة للبترول بالبحر الأحمر، واتفاقية لهيئة البترول بالصحراء الغربية، وتبلغ استثمارتها بحد أدنى نحو أكثر من مليار دولار، بالإضافة إلى نحو 19 مليون دولار منح توقيع لحفر 21 بئرًا.