تحقيق الحلم والنجاح والعمل، يدفع الكثير من الشباب إلى تحمُّل المعاناة والمجازفة بالبعد عن الأهل والاغتراب عن الدفء الأسرى، ومواجهة صعوبات الحياة وأزماتها، وفى مقدمتها العيش فى مسكن لا يلبى أدنى متطلبات الحياة فى أخذ قسط من الراحة بعد معاناة يوم شاق فى العمل أو الدراسة. سكن العزاب فى العاصمة رحلة عذاب ترصدها «روز اليوسف» لتكشف كواليس حياة المغتربين وآلامهم داخل القاهرة، بعيدًا عن أعين الأهل، فوجود سكن يتلاءم مع معيشة الآلاف من الشباب ومقدرتهم المادية وحالتهم الاجتماعية كونهم «عُزاب» يعد ضربًا من الخيال، فى ظل العديد من القيود التى تمنع سكن العزاب فى شقق بمفردهم، وهو ما يدفع الكثيرين منهم للوقوع فريسة لسماسرة العقارات. تحت منظار البواب هادية عبدالفتاح فتاة من محافظة دمياط جاءت إلى القاهرة منذ أعوام كان أكثر ما يثير جنونها لماذا أصبحت غير قادرة على تحقيق ما تريد من دون وجود بواب يركز معها فى كل تحركاتها: «قعدت أيام أبحث عن شقة للسكن بمفردى، أغلب السماسرة كانوا بيرفضوا وكنت دائمًا أواجه الأسئلة المتعلقة بحالتى الاجتماعية إذا كنت متزوجة أو لأ أو مطلقة وكونى لا أزال آنسة كان الأمر يقفل العديد من الأبواب». واجهت هادية العديد من الصعوبات مع بعض أصحاب العقارات الذين رفضوا منحها سكنًا لكونها من بحرى. مبررة ذلك أن فتيات بحرى أكثر انفتاحًا من فتيات الصعيد، وكان ذلك أشبه بكوميديا سوداء لها: «فى نهاية الأمر اضطررت أن يأتى أبى وأمى لإمكانية التأجير من أى سمسار أو صاحب عقار، للتأكد من أننى لستُ هاربة أو آخذ الشقة بمفردى لكونى غير محترمة». استغلال السماسرة الحديث مع هادية جعلنا نسأل أمل - وهى فتاة عزباء تسكن بمفردها منذ سنوات- عن كيف تعامل معها السماسرة فى القاهرة عند تأجير مسكنها الأول، فقالت: «فى البداية تواصلت مع بعض الأشخاص عن طريق جروبات مخصصة لإيجار أو سكن المغتربات، وصُدمت كثيرًا فى إعلانات الشقق وأسعار الغرف المبالغ فيها؛ فقد يصل إيجار الغرفة الواحدة ل 3 آلاف جنيه شهريًا ومثلها تأمين ومثلها لسمسار العقار، فكان الأمر مبالغًا فيه حتى بدأت أبحث خارج جروبات الفضاء الاجتماعى وليتنى لم أفعل». تضيف: «بعد التوصل لأرقام هواتف سماسرة العجوزة والدقى ووسط القاهرة، أول شىء كنت أُسأل عنه مصاحبة ولا لا، الشقة لا تسمح بالزيارات.. لكن لو الأمر ضرورى يمكننا رفع الإيجار، إذا كنت تعودين متأخرة فسيكون لك شقة أخرى لا يمانع المالك فيها بذلك وهكذا، ولأن طبيعة عملى كطبيبة تجعلنى أعود فى وقت متأخر من الليل لم أجد سوى شقة فى منطقة مصر الجديدة عن طريق أحد السماسرة يمكننى النزول والخروج دون أن يعلق البواب أو زوجته على تأخيرى»، لافتة إلى أن السمسار أخذ منها شهر «إيجار» كعمولة، بالإضافة إلى ألف جنيه للبواب حتى لا تتعرض للمضايقات، مؤكدة أن مافيا السماسرة يعتمدون بشكل أساسى على الفتيات المستقلات والشباب المغتربين أو الذين يحتاجون شقة بإيجار فترة قصيرة كأيام أو شهر. التأجير من الباطن محمود أحد سكان محافظة الإسماعيلية يعمل محاميًا وطبيعة شغله تجعله يأتى كل شهر أسبوعيًا للمكوث فى القاهرة وبعد التعامل مع الفنادق فضَّل أن يسكن بمفرده فى شقة بالإيجار اليومى،وهنا يلعب السمسار دورًا آخر، وتبدأ أسئلته ممزوجة بالعروض؛ إذا كنت ترغب فى شقة تسمح بالزيارات النسائية ستكون فى مناطق محددة مثل الزمالك أو الدقى، وكان فى وقت سابق منطقة وسط البلد هى الأشهر لكن الوضع أصبح أصعب فى ظل التشديدات الأمنية على تأجير الشقق. أكد محمود، أن الإيجار لثلاثة أيام يمكن أن يصل ل 5 آلاف جنيه فى هذه المناطق ويكون الإيجار من الباطن شقة مفروشة لا يعلم صاحبها عن أمر تأجيرها يترك المفاتيح لحارس العقار والذى بدوره يتواصل مع السماسرة للبحث عن مستأجرين باليوم. فى إحدى المرات قام حارس العقار بالتحرش بموكلتى وهى صاعدة فى الأسانسير، لأنه اعتقد أمرًا آخر، ما دفعنى للتشاجر معه وبعد تهديده بالذهاب للقسم توسل لى واعترف بحقيقة أن المالك الحقيقى للشقة لا يعلم بأمر الإيجار وسيكون هناك قطع لعيشه فأخذت فلوسى وتركت الشقة على الفور وقررت ألا أستأجر مرة أخرى إطلاقًا، فالأمر به العديد من الشبهات وغير قانونى. يستفيد السماسرة والبوابون من قطاع كبير من الشباب المنتدبين للعمل بمؤسسات فى القطاعين العام والخاص من خلال استغلال حاجتهم للسكن فى ظل ارتفاع أسعار الوحدات السكنية وكونهم «عزاب»، من خلال قيام البعض بإيجار شقق من ملاكها وتأجيرها غرفًا للشباب «العزاب» للاستفادة المادية من الوضع القائم. مساكن غير آدمية يقول هانى «مدرس لغات» إن الصعوبة تكمن فى عدم وجود سكن مخصص للعزاب، فنلجأ للسماسرة الذين يعرضون سكنًا غير صحى ولا مريح، وبسعر مرتفع جدًا ولا يكتبون لنا عقود إيجار ولا نأخذ أى ضمان، فيمكن فى أى لحظة طردنا من الشقة، وأغلب الشقق التى شاهدتها كان حارس العقار هو ذاته السمسار فهو يتحكم فى كل شىء تقريبًا من زوار ومواعيد الخروج والرجوع والصوت فى المنزل وهكذا. ويضيف: لكن الحاجة الماسة للسكن تدفع الكثيرين للقبول بهذا الوضع، حيث يتقاسم أكثر من 4 أشخاص الشقة ذاتها ونعلم جيدًا أن الأمر غير قانونى باعتبارها مؤجرة من الباطن من جهة، ويقطنها عزاب من جهة أخرى، لكن ما باليد حيلة، فضلًا عن الأسعار المبالغ فيها فمثلا أنا أسكن فى غرفة فى إحدى شقق منطقة طلعت حرب تكلفنى إيجارًا شهريًا 2000 جنيه غير مصاريف الكهرباء والمياه والأسانسير وغيرها. حياة العازبات السنوات الأخيرة أصبحت ظاهرة الاستقلال فى مصر منتشرة، ما جعل أصحاب العقارات غالبًا لا يقبلون أن يكون المُستأجر شابة بمفردها، تقول منى إحدى العازبات عند البحث عن سكن: أستعد بالطبع للمالك أو السمسار وحتى حارس العقار يسألوننى عن عائلتى وما إذا كنت هاربة منهم، عما إذا كنت وراء «مصيبة» من نوع ما، هذا بالطبع بعد رمقى بنظرات تقييم أخلاقية، لافتراض أن العازبات فاسدات أخلاقيًا بسبب اختيار العيش منفصلات عن أسرهن، وهناك دور آخر فى الأمر للجيران فأغلب السماسرة يعرضون علينا كعازبات الشقق بمبلغ مضاعف للتكتم على حالتنا الاجتماعية، بحجة أن الجيران «مبيحبوش الستات تسكن لوحدها علشان وجع الدماغ»، وإن استأجرتِ فى مكان راقِ ووافق مالكه على سكنى بمفردى سيطلب منى حارس العقار أموالاً بين حين وآخر حتى لا يُضيق الخناق على الزائرين رجالًا كانوا أو نساءً. وأوضحت، أنه فى مشارف الدخول على عام 2020، لا بد أن يتأكد الجميع ويسلم بأمر الاستقلال للفتيات والشباب، وأن جميعنا برغم التضييقات التى نتعرض لها أصبح لدينا مناعة من كل الأسئلة السخيفة والسلطة الأبوية التى لا تعى شيئًا لنا، لكننا أصبحنا بحاجة إلى توفير مساكن للمستقلين لمنع الجشع الذى يقع علينا من السماسرة بشكل خاص؛ فأقل سمسار يحصل على مبلغ لا يقل عن 3 آلاف جنيه بعد أن يفرض علينا شروطه وندفع نصفها للبواب وهى تكاليف مبالغ فيها، وهذا وأنا أسكن دائمًا فى شقق بعد موافقة الملاك ولا أقبل السكن من الباطن كما يلجأ الكثيرون والكثيرات وفى هذه الحالة يمكن أن تصل السمسرة إلى 5 آلاف خاصة لو فى منطقة راقية.