ترتبط مصر والصين بعلاقات سياسية واقتصادية متنامية منذ عقود، لكن هذه العلاقة يبدو أنها بانتظار انطلاقة جديدة خلال السنوات المقبلة، وذلك بفضل الموقع والأهمية الاستراتيجية التى تتمتع بها قناة السويس على خريطة التجارة العالمية، وحاجة مشروع «طريق الحرير» الصينى إليها بشكل كبير. ومنذ وضعت الصين قناة السويس ضمن أهم المحاور الذى سيرتكز عليها «طريق الحرير»، تعمل مصر على استغلال المنطقة الاقتصادية بمحور قناة السويس لتحقيق الاستفادة القصوى من المشروع العملاق المنتظر، فى هذا التقرير نتطرق للمكاسب التى يمكن أن تجنيها مصر من هذا المشروع. ما المطلوب؟ يمثل «طريق الحرير» الحلم القديم الحديث لجمهورية الصين الشعبية، ويرجع تاريخه إلى العام 3000 قبل الميلاد، وكان عبارة عن مجموعة من الطرق المترابطة تسلكها السفن والقوافل بهدف التجارة، وذلك بين الصين والجزء الجنوبى والغربى لآسيا الوسطى والهند. وترجع تسمية «طريق الحرير» بهذا الاسم فى العام 1877ميلادية، إلى أن الصين كانت أول دولة فى العالم تزرع التوت وتربى ديدان القز وتنتج المنسوجات الحريرية وتنقلها لشعوب العالم عبر هذا الطريق، لذا سمى بهذا الاسم نسبة إلى أشهر سلعة تنتجها الدولة التى أطلقته. وفى سبتمبر من العام 2013 أعلن الرئيس الصينى شى جين بينج مبادرة جديدة لإعادة إحياء الطريق، ليربط بين قارات آسيا وإفريقيا وأوروبا، ويمر ب56 دولة، بهدف تعزيز الربط الدولى ودعم حركة التجارة، وذلك بتكلفة تبلغ 47 مليار دولار، وجاءت المبادرة فى ظل سعى الصين للاستفادة من الطريق فى مضاعفة تجارتها مع الدول العربية من 240 إلى 600 مليار دولار، ورفع رصيدها من الاستثمار غير المالى فى هذه الدول من 10 إلى أكثر من 60 مليار دولار، بالإضافة إلى الوصول بحجم تجارتها مع إفريقيا إلى 400 مليار دولار بحلول2020. وفى بداية العام 2016 وافق الرئيس عبدالفتاح السيسى على انضمام مصر لمشروع «طريق الحرير»، ويرى العديد من الخبراء أن المشروع سيجعل البلاد مركزا استراتيجيا واقتصاديا مهما فى المنطقة والعالم، وسيفتح الطريق أمامها لشراكات وتحالفات اقتصادية مهمة تجعلها دولة محورية وفاعلة فى التجارة الدولية، ومعبرا لمرور حركة التجارة من الصين لمختلف دول العالم. ويتحقق ذلك وفق الخبراء باستخدام قناة السويس كمحطة رئيسية بالمشروع، ما سيكمل دورها ويعظم الاستفادة منها، ويجعل محور إقليم قناة السويس مركزا لوجيستيا للسفن والبضائع، ويزيد عدد السفن المارة بالقناة ما يحقق إيرادات إضافية من رسوم المرور، ويوفر فرص العمل ويحقق التنمية الاقتصادية. ومع بلوغ حجم البضائع التى عبرت من قناة السويس فى العام الماضى نحو مليار طن، يتطلب للاستفادة من هذا الكم الهائل من التجارة الدولية المارة عبر القناة، توافر ثقافة القيمة المضافة والمناطق الصناعية واللوجستية فى محور القناة، بجانب العمالة الفنية المدربة، وقوانين الاستثمار المرنة، والبنية التحتية التى تتيج المجال للاستثمار وتحقق الاستفادة القصوى من المنطقة الاقتصادية بقناة السويس. لذا تعمل مصر منذ فترة وفى الوقت الحالى على تطوير وتنمية المنطقة الاقتصادية لقناة السويس لتكون جاذبة للمستثمرين، وحددت أنواع الصناعات التى يمكنها النجاح فى تلك المنطقة مثل تجميع السيارات والغزل والنسيج والأغذية والمشروبات. شرق بورسعيد وتعد منطقة شرق بورسعيد، أحد أهم محطات الاستفادة من قناة السويس فى مشروع «طرق الحرير»، باعتبارها أحد أهم المناطق التابعة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس أو ما يسمى ب«محور تنمية القناة»، وذلك بمساحة بالغة نحو 461 كيلو مترا، يستحوذ ميناء «شرق بورسعيد» على 14 كيلو مترا منها. ونظرا لأن هذا الميناء يعد نقطة ارتكاز وناصية تربط بين القارات الثلاث القديمة، شرعت الهيئة الاقتصادية لقناة السويس منذ قرار إنشائها فى العام 2015- فى تطويره، لتعزيز قدراته التنافسية وجعله من أفضل الموانئ، ليس فى منطقة شرق المتوسط فقط بل البحر المتوسط بأكمله. وبدأ مشروع تنمية وتطوير ميناء شرق بورسعيد بحفر القناة الجانبية له بطول (9.2 كم)، بعد أن أطلق الرئيس عبدالفتاح السيسى شارة بدء أعمال إنشائه فى نوفمبر 2015، وذلك بالتزامن مع تدشين المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، التى أعلن الرئيس إطلاق أعمال التنمية بها من داخل الميناء، فى إشارة منه لأهمية الميناء بالنسبة للمنطقة الاقتصادية وللاقتصاد الوطنى بأكمله. ويشتمل مخطط التطوير على تعميق الميناء لاستقبال أكبر سفن حاويات العالم كمرحلة أولى، وهو ما تحقق بوصول أول وأكبر هذه السفن للميناء فى فبراير 2017، لتتوالى بعدها خطوات مخطط تطوير الميناء، متمثلة فى إنشاء رصيف جديد كمرحلة أولى بطول 5 كم وعمق 18.5 متر، ليصل حجم التوسعة فى أرصفة الميناء بهذا الرصيف الجديد إلى 200 %. وتزامن ذلك مع توسعة وإعادة استغلال المساحات الأرضية للميناء التى يشملها مخطط التطوير والبالغة نحو 14 كيلو مترا مربعا تم تخصيصها بموجب القرار 330 لعام 2015، وكذلك المسطح المائى والبالغ 16 كم مربع، وتضمن ذلك تنفيذ منطقة لوجستية بداخله على مساحة 4.8 كم مربع من إجمالى المساحة الأرضية، وتنفيذ مرحلة ثانية للأرصفة الجديدة بطول 5 كيلو مترات أخرى وعمق يصل ل22 مترًا، تماشيا مع التطور فى أحجام السفن العملاقة فى العالم. استثمار وتجارة وسياحة وتعد الصين الشريك التجارى الأول لمصر، ووصل حجم التبادل التجارى بين البلدين خلال العام 2018 إلى أكثر من 10 مليارات دولار، بزيادة بلغت 29.3 % عن العام السابق، وذلك بواقع 8.7 مليار دولار واردات صينية إلى مصر (28 % زيادة)، و1.3 مليار دولار صادرات مصرية إلى الصين (38 % زيادة). ولم تكن الاستثمارات الصينية فى مصر قبل العام 2014 كبيرة بالحجم الذى يعكس قوة العلاقات بين البلدين، ولم تتجاوز وقتها 700 مليون دولار، لكن نتيجة لتطور العلاقات بين البلدين خلال السنوات الخمس الأخيرة من المنتظر أن تصل هذه الاستثمارات إلى نحو 16 مليار دولار، بعد الانتهاء من تنفيذ عدد من المشروعات التى تم الاتفاق عليها مؤخرا. وتعد المنطقة المصرية الصينية فى العين السخنة أكبر هذه المشروعات، وذلك بمساحة 7.25 كم2 واستثمارات مليار دولار، وهى تتبع شركة «تيدا» - أكبر المطورين الصناعيين فى المنطقة الجنوبية بقناة السويس - بجانب مشروع إنشاء «حى المال والأعمال» فى العاصمة الإدارية الجديدة، وذلك بحجم استثمارات نحو 3 مليارات دولار . وإجمالاً، تبلغ استثمارات الصين فى مشروع العاصمة الإدارية الجديدة أكثر من 20 مليار دولار، موزعة على 10 سنوات، وتتولى شركة « CFLD» الصينية المتخصصة فى إقامة المدن، إنشاء مدينة صينية على على أرض العاصمة. وبجانب الاستثمار والتجارة، تنشط حركة السياحة الوافدة من الصين إلى مصر منذ فترة، وبلغ عدد السياح الصينيين الوافدين إلى مصر نحو 400 ألف سائح، فى العام الماضى، وهو رقم كبير للغاية مقارنة بالماضى، مع توقعات بزيادة الأعداد الوافدة خلال العام الحالى إلى 500 ألف زائر. وتعد الصين هى أكبر سوق مصدرة للسياحة فى العالم، ويبلغ عدد السياح الوافدين من الصين لدول العالم نحو 150 مليون سائح سنويا، لذا تعمل مصر على تكثيف الجهود لجذب أعداد كبيرة من الصينين خلال الفترة المقبلة، من خلال المشاركة فى المعارض، وتسهيل التعامل بالعملة الصينية «اليوان». ويفضل السياح الصينيون زيارة المعالم التاريخية والثقافية المصرية، للتعرف على حضارة وتاريخ مصر القديمة، ما يجعل المواقع السياحية مثل الأهرامات والأقصر وجهة أولى لديهم، بعكس السياحة القدمة من البلدان الغربية. ويبدو أن مصر تسير بخطى ثابتة ومتوازنة لتوطيد علاقاتها مع الأقطاب الدولية الكبرى، بما يحفظ لها مكانتها وموقعها الجيواستراتيجى فى المنطقة والعالم خلال المرحلة المقبلة، بما يمكنها من تحقيق التنمية الاقتصادية اللازمة للعب دور محورى فى القضايا الإقليمية والدولية، ولذلك تعمل على بناء علاقة استراتيجية مع كلا من روسيا والولايات المتحدة، بالتوازى مع بناء شراكة اقتصادية مع العملاق الصينى، بجانب إعادة العلاقات المميزة مع القارة العجوز إلى مسارها الصحيح.