روسيا تبدأ أولى خطوات أكبر مشروع لتغيير خارطة التجارة العالمية اقتصاديون: مصر مؤهلة للتحول إلى مركز رئيسى للاستثمارات الجديدة الخبر من الشمال، والفكرة من أقصى الشرق، والثمار تتساقط على مسار أكبر طريق اقتصادى فى تاريخ العالم الحديث، ومصر لاعب أساسى فيه. أما الخبر الذى طيرته وكالات الأنباء مؤخرا فيقول إن روسيا وافقت رسميا على شق طريق سريع يمتد عبر أراضيها على طول 2000 كيلو متر من حدود بيلاروسيا إلى الحدود مع كازاخستان، فى إطار مشروع «طريق الحرير» الذى يربط الصين بالعالم القديم فى أوروبا وآسيا وإفريقيا. وتبلغ تكلفة الطريق طبقا لوسائل الإعلام الروسية نحو 9.5 مليار دولار، لكن التكلفة الإجمالية للطريق غير محددة ومتغيرة من وقت لآخر طبقا للفكرة التى ولدت بالصين وتم تسويقها عالميا. مصر على الطريق، وإن لم يتضح حجم نصيبها بشكل قاطع بعد، غير أن إجمالى المكاسب الاستثمارية يقدر بنحو 2.5 تريليون دولار. ونظرة سريعة على مشروع قناة السويس ومجموعة المشروعات المقامة بالمنطقة والمقدرة بنحو 55 مليار دولار حتى عام 2030 يؤكد أن مصر يمكن أن تحقق استفادة كبرى من المشروع العالمى. الفكرة ببساطة أن الرئيس الصينى شى جين ينغ خطط للاستحواذ على نسبة أكبر من التجارة العالمية خلال السنوات العشر القادمة من خلال إحياء طريق الحرير الذى يربط بين ثلاث قارات هى آسيا وأوروبا وإفريقيا والتى تمثل حضارات العالم القديم قبل اكتشاف قارة أمريكا نهاية القرن الخامس عشر الميلادى. ويوضح تقرير مؤسسة «بزنيس انسيدر» العالمية حول حجم الأسواق فى العالم أن الصين هى ثانى أكبر سوق عالمى بعد الولاياتالمتحدة وأنها تستحوذ وحدها على 14% من حجم التجارة العالمية. وتقول التوقعات المبدئية إن الصين ستتجاوز خلال ثلاثة أعوام نسبة ال20% وتحتل الموقع الأول بدلا من الولاياتالمتحدة، وهو ما يعزز فكرة التخطيط للاستفادة من الفرص المتاحة بدلا من التحول فقط إلى دولة مُستهلكة لكل ما تنتجه الصين دون استفادة مباشرة من فرص التصدير المتاحة لهذا السوق الضخم . ويرى الاقتصاديون أن قناة السويس الجديدة تزيد القدرة على استيعاب وتدفق عدد اكبر من السفن بعد تمهيد ذلك الطريق، فضلا عن استيعابها لحمولات وغواطس أكبر، لذا فإنه من المنطقى ارتباط القناة بطريق الحرير العائد إلى العالم بعد غياب عدة قرون . وتقول دراسة حديثة أعدتها الباحثة نسمة أشرف لجمعية رجال الأعمال المصريين إنه كان لطريق الحرير القديم تأثير كبير على ازدهار كثير من الحضارات القديمة مثل الصينية والحضارة المصرية والهندية والرومانية حتى أنها أرست القواعد للعصر الحديث, حيث إنه يمر بين عشرات الدول, فإذا كانت البداية من الصين فبعدها تأتى منغوليا وتركمانستان، كازاخستان، أوزبكستان، أفغانستان، تركيا، إيران، الهند، باكستان، سوريا، مصر، وإيطاليا. من هنا فإن إحياءه يُنعش التجارة العالمية ويفتح مسارات جديدة لها. وتؤكد الدراسة أن الطريق يمر ب65 دولة، حيث يخترق قارات آسيا وأوروبا وأفريقيا، وهما يربطان دائرة شرقى آسيا الاقتصادية النشطة من طرف، بدائرة أوروبا الاقتصادية المتقدمة من طرف آخر ويقع بينهما عدد غفير من الدول التى تكمن فيما إمكانيات هائلة للتنمية الاقتصادية، حيث يتركز الحزام الاقتصادى لطريق الحرير على تفعيل ممرات الصين-أوروبا (بحر البلطيق) عبر آسيا الوسطى وروسيا، والصين- منطقة الخليج والبحر الأبيض المتوسط عبر آسيا الوسطى وغربى آسيا. ويتمثل الاتجاه الرئيسى لطريق الحرير البحرى للقرن الحادى والعشرين فى الانطلاق من الموانئ الساحلية بالصين إلى المحيط الهندى مرورا ببحر الصينالجنوبى، وامتدادا إلى أوروبا، وكذلك من الموانئ الساحلية بالصين إلى جنوبى المحيط الهادئ عبر البحر الجنوبى. وتشير الدراسة إلى أن استكمال الطريق يتطلب إقامة سلاسل لوجستية وصناعية تغطى قارتى آسيا وأوروبا، لذا فقد خصص مجلس الدولة الصينى للحزام الاقتصادى لطريق الحرير ولمشروع طريق الحرير البحرى 40 مليار دولار من أجل تمويلهما من خلال صندوق طريق الحرير, وتعد مبادرة صندوق طريق الحرير واحدة من أربع مبادرات اكتسبت زخماً كبيراً فى بكين فى الأشهر الأخيرة لدعم التنمية فى إفريقيا وجنوب شرق آسيا. وكانت الصين وشركاؤها قد أسست مؤخرا بنكا جديدا للتنمية فى شنغهاى برأسمال يصل لنحو 100 مليار دولار, لمساعدة الدول الأعضاء للتغلب على تقلبات السوق المالية الدولية وتمويل مشروعات البنية التحتية فى الدول الناشئة. كما خصصت بكين 50 مليار دولار من أجل المساهمة فى تأسيس بنك الاستثمار الآسيوى للبنية التحتيةAIIB وسيقوم البنك بتمويل مشروعات البنى التحتية فى جميع أنحاء آسيا، مع الاهتمام بدول رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان). ويستهدف البنك رفع تمويل مشروعاته لنحو 100 مليار دولار. وتكشف الدراسة أنه سيتم فى إطار المبادرة شق طرق برية وبحرية وجوية ومرافق نقل واتصالات وتوليد كهرباء وطاقة وسكك حديدية جديدة بحيث تزيد حركة التدفقات للسلع والمعلومات والسياحة والطلاب ورجال الاعمال والتكنولوجيا الحديثة والمعارف العملية بين الصين وشتى بقاع العالم، وخلال سنوات قليلة سيكون النقل والسفر بين الصين وأوروبا على سبيل المثال أيسر وأسرع بكثير بنحو 10 مرات من الوقت الراهن, مما سيكون له بالغ الأثر فى توسيع الاستثمارات الخارجية وتعزيز النفوذ العالمى لبكين من خلال وضع آليات لزيادة الاستثمارات الصينية فى مشروعات البنى التحتية والمشروعات التجارية فى الدول الأخرى التى بحاجة ماسة إلى تطوير الطرق والبنية التحتية والتى تقع على طريق الحرير. ووفقا لبنك التنمية الآسيوى ADB، فإن الناتج المحلى الإجمالى السنوى للبلدان فى هذه المناطق المستهدفة يصل إلى نحو 21 تريليون دولار. وتضيف الدراسة أن حجم التجارة الصينية مع الاتحاد الأوروبى يبلغ ما يقارب 559 مليار دولار، بينما بلغ حجم التجارة الإجمالية مع رابطة دول جنوب شرق آسيا أكثر من 443 مليار دولار، فى مقابل ما يقرب من 257 مليار دولار مع دول الشرق الأوسط، ونحو 192 مليار دولار مع الدول الإفريقية, وتمثل المناطق الأربع مجتمعة أكثر من ثلث «1.45 تريليون دولار» اجمالى تجارة الصين «4.2 تريليون دولار» مع العالم وفقا لأحدث بيانات صندوق النقد الدولى. وسيؤدى ازدهار تجارة الصين مع أوروبا، ودول الآسيان، والشرق الأوسط وإفريقيا إلى زيادة اعتماد الصين على الممرات البحرية عبر قناة السويس وباب المندب ومضيق هرمز والمحيط الهندى ومضيق ملقا, وفى هذا الشأن يمكن إدراك مدى أهمية الخطوط البحرية للصين. وتقول الدراسة إن الصين تستهدف الوصول بحجم التجارة الثنائية بالنسبة لإفريقيا إلى 400 مليار دولار بحلول عام 2020، فضلا عن الوصول بتجارتها مع الدول العربية إلى 600 مليار دولار الأعوام القادمة، ورفع رصيد الاستثمار الصينى غير المالى فى الدول العربية من 10 مليارات دولار إلى أكثر من 60 مليار دولار خلال العشر سنوات القادمة، فضلاً عن تسريع مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة FTA بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجى ودفع الدول العربية للمشاركة فى بنك الاستثمار الآسيوى للبنية التحتية. ووفقا للمهندس حسين صبور رئيس جمعية رجال الأعمال السابق، فإن مصر يمكنها أن تكون مركزا إقليميا رئيسيا على الطريق الجديد وليس أدل على ذلك من أن هناك تواجدا صينيا قويا فى مصر يتمثل فى 1220 شركة تعمل فى مجالات استثمارية متنوعة باستثمارات تتجاوز نصف مليار دولار. ومن المعروف، أن مصر انضمت رسميا للاتحاد التجارى للحزام الاقتصادى لطريق الحرير الصينى الذى يضم نحو 92 منظمة أعمال صينية وأجنبية, وتم الاتفاق على اختيار جمعية رجال الأعمال المصريين ممثلا لمصر فى اتحاد طريق الحرير من خلال التعاون بين غرفة تجارة شنغهاى والجمعية. ولتعظيم الاستفادة من طريق الحرير ترى جمعية رجال الأعمال ضرورة بحث شكاوى الشركات الصينية فى مصر من عدة أمور أبرزها انخفاض كفاءة الإدارات الحكومية وصعوبة التنسيق معها، فضلا عن صعوبات تسجيل الشركات، وطول عمليات التفتيش الأمنى والصحى على الانتاج، وصعوبات توفير الطاقة، بالإضافة إلى انخفاض كفاءة العمالة المصرية وضعف مستواها التقنى وافتقارها للتدريب ما يضطرهم لجلب العاملين من الصين. فضلا عن شكوى بعض الشركات من عدم اكتمال البنية التحتية للتنمية الصناعية وعدم توافر الإمدادات والخدمات المعاونة اللازمة. ويرى اقتصاديون أن مصر مؤهلة بحكم الموقع وبحكم مشروع محور قناة السويس للاستفادة من مبادرة القرن الصينية بإحياء طريق الحرير. ويؤكد خبراء الاقتصاد أن مصر فى اعتقادهم تقع فى قلب العالم القديم بين ثلاث قارات رئيسية وتطل على بحرين مهمين، فضلا عن امتلاكها لأهم مجرى ملاحى فى العالم، ما يسهل على مصر لعب دور رئيسى فى ضخ استثمارات جديدة على الطريق.