تنحى وزير الدفاع الأمريكى السابق «جيمس ماتيس» رسميًا عن منصبه، يوم الاثنين الماضى، بعد مرور أسبوعين من تقديم استقالته للرئيس «دونالد ترامب». وانشغل المحللون السياسيون وغيرهم من الخبراء من وقتها، بالمرشح القادم لهذا المنصب الخطير والذى سيخلف «ماتيس» فى هذا الوقت الحرج بالنسبة للسياسية الأمريكية، وخاصة الخارجية. ويتولى «باتريك شانهان» مهام الوزارة كقائم بأعمال وزير الدفاع الأمريكى مؤقتًا لحين الإعلان عن مرشح جديد يختاره «ترامب»، وذلك رغم أنه لم يخدم بالجيش الأمريكى، حيث أمضى الجزء الأكبر من حياته المهنية كموظف بشركة «بوينج» للصناعات الجوية، ولكنه خلال عمله فى عهد «ماتيس» فى منصب مساعد وزير الدفاع الأمريكى، أعاد توجيه ميزانية ال«بنتاجون» نحو التصدى لتهديدات (روسيا، والصين). وقد كانت الحجة الأساسية، التى سيقت فور استقالة «ماتيس»، هى رفضه انسحاب القوات الأمريكية من الأراضى السورية، ولكن نظرًا لسرعة سير الأحداث العالمية، بدأ الخبراء الاستراتيجيون يفكرون فى هوية القادم ومهامه، والبحث عما افتقدته الإدارة الأمريكية خلال فترة وزير الدفاع السابق ومن الضرورى تعويضه. اتفق الخبراء الأمريكيون على أربعة محاور رئيسية يجب أن يفكر فيها «ترامب» أثناء اختياره لرئيس ال«بنتاجون» القادم التى يجب أن تكون محاور تغطى نقاط الضعف التى رآها ترامب فى «ماتيس» وأدت إلى قرار التغيير فى هذا التوقيت. ونرصد فى السطور التالية المحاور الأربعة ..وهى: التواصل الاستراتيجى تُشير رسالة «ماتيس» التى كتبت فى استقالته، إلى ضرورة التحدث بوضوح، وبشكل ثابت إلى كل من الحلفاء والخصوم. ويعتقد الخبراء الاستراتيجيون أن ما طلبه وزير الدفاع السابق، سيكون تنفيذه –فى أغلب الأوقات- صعبًا، نظرًا لأسلوب الرئيس الأمريكى الشخصى، غير التقليدى فى ممارسة «الحنكة» السياسية. وأوضح الخبراء أن التحول المفاجئ فى سياسة الإدارة الأمريكية تجاه (سوريا)، والذى جاء مفاجئًا للجميع، يقدم مثالاً لما يمكن أن يحدث عندما لا تكون المخططات مدروسة بدقة، فالوجود الأمريكى الدائم فى الأراضى السورية بحجة محاربة الإرهاب أو حفظ السلام لم يعد مقنعًا. وقد يكون تدخل دول ذات نفوذ أخرى فى الشأن السورى، هو ما أربك السياسة الخارجية الأمريكية. لذلك رأوا أنه من الضرورى على الإدارة الأمريكية أن تشرح أفعالها وتحركاتها، وأن تثبت أن خطتها مناسبة، ومتماسكة، وممكنة، لتبرهن أمام أعين الأمريكيين: كيف يحمى «البيت الأبيض» المصالح الأمريكية، ويخدم الاستراتيجية الإقليمية الأوسع وهى الادعاءات التى اعتادت (واشنطن) على استخدامها طوال تاريخها المعتدى. وعليه، تعرض الخبراء لصدمة، حينما رأوا فريق الأمن القومى للرئيس الأمريكى غير مستعد للدفاع عن سياسات الرئيس، أو تنفيذها.. وصار ال«كونجرس» والشعب الأمريكى، وحلفاء (الولاياتالمتحدة) فى حالة دهشة للقرارات المفاجئة السريعة، وتضارب التصريحات، واختلاف الآراء! وبناء على ذلك، سيحتاج «ترامب» إلى أحد مخضرمى الأمن القومى، من ذوى الخبرة الطويلة، وهو شخص ستعزز مهاراته من جهود الإدارة، التى يجب أن تكون منسقة، لشرح سياسات الرئيس الأمريكى، وإيجاد سبل لتنفيذها. اختيار فريق مناسب: على الجانب الآخر، كشف «ماتيس» عن قيود تعرض لها أثناء توليه المنصب، وظهر ذلك عندما كتب ل«ترامب»: «لك الحق فى أن يكون لك وزير دفاع، تتفق وجهات نظره بشكل أفضل مع رؤيتك»..حيث يرى «ماتيس» أن العمليات العسكرية، وأنشطة الدفاع، هى أنشطة لا تتعلق بحزب معين، أى لا تميل لأفكار حزب بعينه. بعيدًا عن مسرحية الاستقالة، والأحزاب، تشير كلمات «ماتيس» إلى حدوث تغيير فى تحركات الإدارة الأمريكية، تحتاج فى تنفيذها وزير دفاع جديدا، بفريق آخر، متفق فى وجهات النظر. مساحة وقت للكونجرس: لم يدرج وزير الدفاع السابق ال«كونجرس» كعنصر مزعج فى رسالة استقالته، ويوضح الخبراء أن السبب هو قضاء «ماتيس» القليل من الوقت هناك. لذا يجب أن يبحث «ترامب» –من وجهة نظرهم- عن شخص ماهر يثبت حضوره داخل قاعات ال«كونجرس»، ومستعد للتصارع مع قادته، من أجل الموارد اللازمة، لتنمية الجيش الأمريكى، لأنه من المرجح أن يشهد العامان الجارى والقادم، معارك صعبة فى الموازنة، ومناقشات مثيرة للجدل، بشأن قضايا السياسة الخارجية الأمريكية، بداية من الحروب الإرهابية المتنوعة، إلى القضايا النووية. الأهم: وزير فى هيئة «صاروخ حربى»: رغم أن وزير الدفاع السابق، لم يتأخر فى تلبية مطالب «ترامب» الصدامية والمشعلة للحروب خلال فترة ولايته، فإن «ترامب» قد لا يزال يحتاج لشخص، لا يفعل شيئًا آخر، سوى أن يكون مستعدًا للحرب دائماً كما يرى الخبراء، وذلك فى ظل الصراعات الحالية التى يشهدها المسرح الدولى، ولذلك سيتعين على الوزير القادم، الالتزام بالمحافظة على تحسين الأمن - بالنسبة ل(واشنطن) فى المقام الأول- عبر المحيط الأطلسى، وإثبات صرامة أمام القيصر الروسى بصورة أكبر من سلفه «ماتيس»، واستمرار تحدى (الولاياتالمتحدة) على استفزازات (الصين) التوسعية، والضغط بجدية على (كوريا الشمالية) لإخلائها من الأسلحة النووية، والقيام بعمل محنك فى جنوب (آسيا)، ناهيك عن سياسة منطقة (الشرق الأوسط) عامة، و(إيران) تحديدًا. فى النهاية، كان «ماتيس» رجل مرحلة احتاجتها الإدارة الأمريكية خلال سنوات خدمته. لكن يبدو أن الوقت الحالى، وبعد تغير الإاتراتيجية الأمريكية يتعين وجود وجه آخر للمهمة الجديدة، التى لم تظهر للنور بعد، ولكن يفصلنا عنها، وعن الوزير الجديد أيام قليلة.