لاتزال المرأة المصرية مصممة على تغيير كل أشكال الثقافة الذكورية السائدة فى المجتمع المصرى والعربى أيضا، بل وتسعى دائما إلى أن تحقق هذا التغيير من خلال أفكارها المبتكرة والخروج بها «برة الصندوق» من أجل إنجاز طموحاتها وأهدافها، والجميع يعلم أن النساء لكى ينجحن فى مصر يبذلن جهودا مضاعفة عن الرجال، فى التغلب على العادات والتقاليد الذكورية والمجتمعية التى تقف وتحد من طموحاتها. نيروز طلعت، فتاة ثلاثينية ،لم تنتظر فى طابور البطالة بعد التخرج مثل غيرها من الشباب أو واسطة تهبط عليها من السماء لتعمل فى وظيفة تقليدية، أو أن تلخص كل حياتها ومستقبلها فى أن تصبح عروسة مثل أى فتاة مصرية وتجمد حياتها المهنية للأبد. فأسست أول مدرسة نسائية لتعليم فن القيادة للفتيات على أيدى مدربات نساء. تحكى نيروز طلعت قصة نجاحها، بأنها تخرجت فى كلية آداب قسم إنجليزى، ثم انخرطت للعمل مباشرة فى التسويق ثم دخلت مجال الصحافة والإعلام وتخصصت فى الكتابة عن مشروعات ريادة الأعمال فى مصر، وتحمست للكتابة عن هذه المشروعات المبتكرة التى تقدم حلولاً جديدة لمشكلات المجتمع، ثم انبهرت بفكرة ريادة الأعمال فى العالم بصفة عامة وكانت الثمرة التى طورت فكرها وألهمتها بالبدء فى تدشين مشروعها الخاص وهو «دريكسيونة»، لتتولى مدربات تعليم الفتيات فن قيادة السيارات، وبدأت الفكرة منذ عام ونصف، حيث تقدمت بطرح فكرة مشروعها لأحد برامج ريادة الأعمال التى تقوم بدعم الأفكار وتطويرها حتى تصبح مشروعًا ناجحًا. وأشارت طلعت إلى أن الهدف من فكرتها هو تمكين النساء اقتصاديا عن طريق توفير فرص عمل لهؤلاء المدربات، حيث وصل عدد المدربات إلى 20 مدربة، تتراوح أعمارهن بين 24 و40 سنة، وخلال هذا العام نجحنا فى تدريب 200 بنت حتى الآن، ونبدأ من عمر 19 عامًا حتى الأربعينيات. مضيفة أن مشروع «دريكسيونة» يغطى محافظاتالقاهرة الكبرى وتسعى للتوسع خلال الفترة القادمة فى المحافظات الأخرى كالإسماعيلية والإسكندرية وأسوان، فهناك رغبة وحماس شديد من فتيات الأقاليم لتعلم قيادة السيارات، فى ظل الصعوبات التى تواجهها الفتيات فى التعلم مع مدارس بها مدربين رجال نظرا للطبيعة المحافظة لهذه المناطق. وتوضح نيروز أن أهم الأسباب لإقبال الفتيات على مشروع «دريكسيونة» عن غيره من مراكز التدريب الأخرى، هو رفض الأهل أو الزوج أن تذهب زوجته إلى مدرسة تعليم قيادة ويكون بها المدربون رجالاً، فالأسرة المصرية تتخوف كثيرا من سلوكيات المدرب أو احتمالية تعرض الفتاة للتحرش، ومن ثم وجود المدربات مع البنت يشجع الأسرة أكثر للموافقة على التدريب. ومشددة على مهارة السيدات فى تعليم وتعلم القيادة بالقول: «مفيش حاجة اسمها إن الستات سواقتهم وحشة»، هذه ثقافة ذكورية وجزء من التنميط الذى يعانى منه المجتمع. وتستطرد مؤسسة مشروع «دريكسيونة» إن خططها المستقبلية هى تطوير الخدمة والانتقال من مجرد موقع إلكترونى يقدم المعلومة عن المشروع، إلى أبلكيشن على الموبايل، يسهل على العميل أو الفتاة الراغبة فى الحجز والتعلم التواصل بسهولة وتحديد المكان والزمان المناسب لها، فضلا عن الانتشار فى باقى محافظات الجمهورية، من خلال ضم عدد كبير من المدربات وتطويرهن بشكل إبداعى احترافي. وبسؤالها عما تتميز به «دريكسيونة» كمركز تدريب للقيادة عن غيره من المراكز، تقول: «لا نقوم بتعليم الفتيات فن القيادة فقط مثلما يحدث فى مراكز تدريب مشابهة، ولكن نختلف بتقديم برنامج شامل يضم الدعم النفسى لهؤلاء الفتيات المتعلمات وكورس كامل عن الصيانة وميكانيكا السيارات، وكيفية مواجهة هذه الأعطال المفاجئة التى يمكن أن تتعرض لها أثناء سيرها على الطريق». وتضيف: «حاولت اختيار المدربات من نفس مستوى ثقافة الفتيات المتعلمات، والمستوى الفكرى لهن حتى تنقل لها المعلومة حسب مستوى تلقيها، وهذا يحدث بالصدفة فى المدارس الموجودة، فهن يتعاملن مع المدربات على أنهن موظفات يردن الحصول على راتب فقط، ولكن فى «دريكسيونة» نهتم بتطوير المدربات باستمرار حتى يقمن بتوصيل جميع المعلومات الحديثة للمتعلمات. كما نوفر فى المشروع استغلال الوسائل التكنولوجية الحديثة سواء فى الحجز الإلكترونى واختيار المواعيد المناسبة لظروف كل فتاة سواء كانت طالبة جامعية أو أمًّا بأطفالها أو عاملة، وبعد الانتهاء من تعليم الفتاة القيادة، نهتم بتدريبهن على مضاعفة ثقتهن بأنفسهن، بالإضافة لحصولها على تدريب على أيدى متخصصين فى الأمان على الطريق، وكيفية مواجهة المشكلات على الطريق، وهو يؤدى فى النهاية إلى زيادة أعداد البنات اللاتى يقدن سيارات، ومنحهن مزيدًا من الجرأة والشجاعة فى القيادة. وأوضحت أن مدة تعلم الفتيات للقيادة تتراوح من ثلاثة أسابيع للفتاة التى تبدأ من الصفر، أما المراحل المتقدمة من الفتيات الراغبات فى تدريب للتعامل مع الزحام أو الطرق السريعة، فيحتجن فقط لمدة أسبوع لأنهن بالفعل لديهن خبرة سابقة فى القيادة، ولا نبخل على الفتيات بإطالة مدة التدريب حتى تكون «وحش» على الطريق أثناء القيادة. أما عن الصعوبات التى تواجه الفتاة فى الطريق، فقالت نيروز: «الخوف وعدم الأمان عامل مشترك بين الرجال والنساء، فأغلب البنات تهتم فقط بالقيادة والسير على الطريق دون الاهتمام بأعطال السيارة أو كيفية التصرف حال وقوع حادثة». وعن نصائحها للفتيات اللاتى يتعرضن للتحرش أثناء قيادتهن السيارة، تنصح نيروز الفتيات قائلة: «فى حالة التعرض للتحرش اللفظى فى الطريق، يجب أن تكونى هادئة ولاتدخلى فى مهاترات مع أحد، ولا تعرضى نفسك للعصبية، لأن ذلك يؤثر على تحكمك فى القيادة طوال الطريق». وبسؤالها عن الصعوبات التى واجهتها فى بناء المشروع، أوضحت نيروز، أن التقليدية هى أبرز المعوقات التى يمكن أن تواجه الشباب عند بدء تجاربهم ومشروعاتهم، خاصة عندما تكون صاحبة المشروع فتاة، وهو ماتعرضت له، ولكنها رفضت التابوه الذى تحلم به كل فتاة فى العمل المكتبى، وكل الأدوار التقليدية أن تكون مهندسة أو طبيبة، حيث يجب احترام العمل كقيمة أولا وأخيرا طالما يقدم خدمة تساعد المجتمع، ومن ثم كانت فكرة «دريكسيونة» وهى كسر المفاهيم الثابتة والخاطئة، حيث يتقدم لوظيفة المدربات فتيات جامعيات وخريجات فنون جميلة، وهندسة، بل بعضهن يعملن بالفعل وفى مناصب إدارية كبيرة، ولكن لديهن الرغبة فى ممارسة هوايتهن فى القيادة وتعليمها للآخرين. مشيرة إلى أن الفتيات فى أمريكا يدرسن ويعملن فى نفس الوقت بالمطاعم للحصول على عائد مادى لاستكمال الدراسة، لذا نحتاج فى مصر إلى تغيير المفاهيم القديمة، وأن تغير البنت نفسها طريقة التفكير فى بناء مستقبلها، بدون خجل أو كسوف. مطالبة الشباب عدم حصر أنفسهم فى وظائف بعينها، وأن يتخلوا عن الصورة السينمائية التقليدية، والانتظار للتعيين الحكومى والعمل المكتبى، فيجب أن يفكر الشباب خارج الصندوق حتى يحققوا أحلامهم وإلا لن ينجحوا فى بناء حياتهم العملية فى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التى تمر بها البلاد.