تعاني المرأة المصرية والعربية ظروفًا لا تُحسد عليها، وبعد الثورات العربية ربما ازداد الأمر سوءًا، نتيجة الظروف الاقتصادية التي خلّفت مزيدًا من الفقر والبطالة، فأصبح العبء ضعفين على المرأة المعيلة، التي تبلغ نسبتها 38% من نسبة المجتمع المصري بحسب الإحصائيات والدراسات. وبالرغم من أن بعض المجتمعات العربية تتمسك بطبيعتها الذكورية القمعية في مواجهة الأنثى الشرقية، فباتت تكبلها العادات والتقاليد التي تحتل المرتبة الأولى في تلك المجتمعات، وبالرغم من سوداوية المشهد، فإن هناك نماذج من النساء المصريات اللائي خرجن من رحم القمع المجتمعي، ورفعن شعار "لا للعادات والتقاليد الزائفة.. سنفعل ما نؤمن به"، وتحدين الظروف، والمجتمع الذي يترصد لهن. في مصر، قرر عدد من الفتيات، أن يتخذن من "سكوتر"، وسيلة لمواصلتهن هربًا من الزحمة والتحرش في المواصلات العامة، في مشهد غير مألوف على المجتمع المصري، أو العربي ككل، وذلك في جرأة غير مسبوقة. أسست "بسمة الجابري" مدرسة لتعليم الفتيات قيادة السكوتر، عبر موقع "الفيسبوك" استقطبت به عددا من الفتيات اللائي ينوين شراء الاسكوتر بإسداء النصائح لهن أو تعلم قيادته، عن طريق تدريبهن في الساحات الفارغة، كما أن حائط الجروب، لا يخلو من الاستفسارات عن أنواع الدراجات وقطع الغيار، ونصائح الأعضاء "المُخضرمين" لحديثي الاستخدام في عالم الدراجات النارية. قصة فكرة قيادة الاسكوتر مثيرة للاهتمام، تقول "بسمة": كان ذلك مُنذ عام ونصف العام، لم يكن الأمر سهلًا، بالنسبة لأسرتي في أن تتقبل أن ابنتهم تقود "دراجة نارية" أو "سكوتر" على غرار الشبان، لجأت إلى حيلة "المنطق" وأقنعتهم بأن قيادة "سكوتر" من مصلحتي، كما أنني سأرتدي كل وسائل الحماية، ولم أكتف بإقناعهم بالموافقة لي بقيادته، بل أقنعت "أخواتي الفتيات" به، وقد حدث. بالطبع "بسمة" محظوظة في أن تقنع أسرتها في الحال بفكرة قيادة الاسكوتر، وكذلك أقنعت أختيها الاثنتين، في حين أن هناك فتيات لا يستطعن الخروج من البيت أو التأخير خارج المنزل حتى التاسعة مساء. "أن يفتح المجتمع صدره تجاه الأفكار الجديدة الخلاقة"، هو أحد مطالب "بسمة الجابري"، لأن الفتاة التي تقود "سكوتر" ليست مُنفلتة ولا مُتبجحة، كما تتمنى لو أن تقود كل فتاة "سكوتر"، وأن تطرح الخوف والرهبة جانبًا. وتطمح "بسمة" لو أن يقاسمها شريك حياتها المستقبلي، عالمها، عالم قيادة "سكوتر"، وتقول: لا أعتقد أنني من الممكن أن أرتبط بشخص غير قادر على فهم احتياجاتي وموقفي من الحياة. والمُضايقات التي تتعرض لها، لا تُذكر، لكن القاسم المُشترك الذي يجمع الناس، هو "الذهول" و"الاستغراب"، وترديد عبارات مُكررة، وكأن الشارع اجتمع على نفس رد الفعل، والعبارات على شاكلة: إيه ده؟ هو اللي سايق ده بنت؟ هو في بنات بتسوق موتوسكلات؟.. والله جدعة؟.. متجبيلك أحسن عربية؟ إلخ. وإلى نموذج آخر، تحدى الظروف الصعبة والفقر، سيدة مُسنة تُدعى "أم حسن"، امتهنت مهنة يحتكرها الرجال، فكانت أول امرأة تعمل "ماسحة أحذية" في مصر، بعد أن توفى زوجها، وترك لها 5 أطفال، تصارع من أجل قوت يوم أسرتها، وتعليمهم، وتعليمها هى أيضًا. وطموح "أم حسن" لا يعرف الحدود، التحقت بكلية الخدمة الاجتماعية، بجامعة حلوان، وتنوي أن تحصل على الدكتوراه، كذلك التحق أبناؤها بكليات القمة، منها، كلية "الهندسة"، و"الاقتصاد والعلوم السياسية"، وكانت تطمح لو أن تصبح "عضوا في البرلمان المقبل 2016، ويعينها الرئيس عبد الفتاح السيسي، ضمن 27 عضوا الذي يُتيح له القانون تعيينهم وفق اختياره". و"أم حسن" تبدأ عملها من السادسة صباحًا حتى الرابعة عصرًا، تقضي أيام الأسبوع، بعضها طالبة في الجامعة، والأخرى امرأة كادحة على أحد أرصفة المهندسين. وفي الوقت الذي يدعي بعض الرجال، أن المرأة لا تستطيع أن تمارس وظائف بدنية، "لقاء الخولي" أول فتاة صعيدية تعمل ميكانيكية سيارات في مصر، كسرت القواعد، وحطمت الثوابت العرفية. لم يكن أمرًا مألوفا على المجتمع الأقصري المحافظ الذي تحرم في بعض الأسر المتشددة فتياته من التعليم، ويحجبهن في الصغر، أن يقبل فتاة تحاكي الرجال في عملهم، بل إن إرادة وتحدي "لقاء" ذات التسعة عشر عامًا كانت أصلب من كل العادات والتقاليد، بسواعد رجل شرقي متفتح، هو "والدها"، الذي شجعها على امتهان ما تحبه، ونصحها بألا تعبأ بالناس. "ليس هناك فرق بين الرجل والمرأة"، هكذا تقول "ولاء عادل" الشهيرة ب"ولاء طيارة" أول فتاة دليفري، تقوم بتوصيل الطلبات إلى المنازل، في محل دواجن مشوية، تقول "ولاء": في المستقبل سأمتلك مطعمًا كبيرًا للدواجن، سأوظف كل طاقم العمل به من الفتيات، حتى "الدليفري". ومن المعروف أن مهنة الدليفري، لا يمتهنا سوى الرجال في البلدان العربية، نظرًا لارتباطها بأمرين، أولهما قيادة الدراجة النارية، وهى وسيلة يحتركها الرجال، ثانيهما، في ظل انعدام الأمن قد تتعرض الفتيات اللائي يذهبن لبيوت الزبائن إلى بعض المضايقات. و"أمل سليمان عفيفي" أول مأذونة مصرية، بدأت عملها في 2008 بعد حصولها علي ترخيص مزاولة مهنة المأذونية من محكمة الأسرة، وسط استنفار مجتمعي، وصل إلى أن بعض المأذونين الرجال هددوا بتقديم استقالتهم حال توليها المنصب، لكن محاولات منعها باءت بالفشل. وتعرضت "أمل" لمضايقات عديدة في بادئ الأمر، تنتقص من كفاءتها ومؤهلاتها، بل وتنتقص من النساء جميعا، بأنهن لا يصلحن لهذة الوظيفة المُقدسة في رأيهم. لكن "البطالة" وانعدام فرص العمل، كان الدافع الوحيد لها حتى تفكر في أن تصبح "مأذونة"، لا شعار المساواة بين الرجل والمرأة، كما تقول، كذلك تسعى لأن تُشكّل نقابة للمأذونين، تضمهم، وتكون حصنًا لهم. و"التحرش" هاجس ينغص حياة النساء المصريات، يعكر صفوهن، ويؤذي مشاعرهن، حتى يلجأ بعضهن إلى العيادات النفسية، للتخلص من آثاره، وتقع مصر في موقع سيئ للغاية من نسبة التحرش على مستوى العالم، لأن "التحرش" ذلك الوحش الأسود، هو الذي دفع "ريم فوزي"، سيدة الأعمال إلى تأسيس مشروع "بينك تاكسي" أو "تاكسي الفتيات"، وتقتصر قيادته على النساء، وخاص للنساء والعائلات فقط، لتحقيق الأمان والحماية للسائقة والزبائن أيضًا. وشروط الالتحاق بمشروع "ريم" هو أن تجيد الفتاة القيادة، وأن تكون حاصلة إما على مؤهل متوسط أو مؤهل عالٍ، وتجيد الإنجليزية بما يمكّنها من الحديث مع الزبائن لو كانوا من جنسيات مختلفة. أما الأعمار فتبدأ من 25 عاماً وحتى 40 عامًا.