رغم أن قانون بناء الكنائس، يعد على أرض الواقع خطوة جادة من الدولة، نحو منح الأقباط حقهم فى ممارسة العبادة، وفق الاحتياجات الفعلية، ورغم أن تراخيص بناء الكنائس أصبحت أسهل كثيرًا فى المدن، إلا أن قرى الصعيد، حيث يسيطر شيوخ التطرف لا تعترف بالقانون، وتتصدى لمحاولات بناء الكنائس بأساليب همجية بعيدة كل البعد عن نص القانون وروحه المتسامحة. وهذه الحقيقة بدت واضحة مؤخرًا على خلفية حريق كنيسة مارجرجس بقرية النغاميش فى مركز البلينا فى سوهاج، حيث كادت الأمور تخرج عن السيطرة، ما يؤكد أن الطائفية تعشش فى الصدور، ولن تطردها إلا خطط تنويرية حقيقية، وأن الكراهية التى سعت الجماعات الظلامية إلى زرعها لن تستأصل بالوسائل التقليدية، مثل تصوير قس وشيخ أزهرى وهما يتصافحان.. فالأزمة أعمق وأكثر تشعبًا. إن حريق كنيسة يؤكد أن قانون بناء الكنائس لم يصل إلى تلك القرية، كما يؤكد أن هناك من يسعى لافتعال أى أزمات تحول دون بناء الأقباط لكنائسهم. بدأت أحداث الواقعة عندما ذهب الأنبا ويصا أسقف البلينا إلى القرية لتأدية صلاة القداس الإلهى بكنيسة مارجرجس بالنغاميش، وهى كنيسة صغيرة داخل مبنى خدمات بنى على مساحة 200 متر مربع فقط لا غير، وقد تقدمت المطرانية بطلب لتوفيق أوضاع الكنيسة بحسب القانون الجديد الذى يقر تقنين وضع أى مكان أقيمت فيه الشعائر ككنيسة. وعقب انتهاء الأسقف من صلاة القداس ذهب إلى «دوار» العمدة لزيارته، ولم يجد هدية أكثر تعبيرًا من المصحف الشريف ليقدمها للعمدة.. وبالفعل استقبل العمدة الأسقف بحفاوة شديدة فى جو من الود والمحبة. وعقب زيارة الأنبا ويصا إلى القرية انطلقت شائعة أن الأقباط سوف يقومون بتحويل مبنى الخدمات إلى كنيسة، وهو الأمر العجيب.. فالأسقف صلى القداس فعليًا فى الكنيسة وذهب للقاء العمدة الذى يعلم أنه كان يصلي، ووفقا للأمر الواقع فإن الكنيسة قائمة بالفعل وكل ما تحتاجه هو تقنين وضعها ومع ذلك تضخمت شائعة بناء الأقباط للكنيسة، وصارت ذريعة استغلها المتطرفون للهجوم على الأقباط وممتلكاتهم وحرق دورهم فى مشهد أليم متكرر. ولعل أبرز ما يكشفه ذاك المشهد هو أن هناك أطرافًا يمكن القول بإنهم «أهل الشر» الذين يسعون إلى شق صف الوحدة الوطنية وإدخال البلاد فى دوامات الطائفية. والمؤكد أن القرى النائية فى الجنوب تعد بيئة خصبة لتحقيق هذا السيناريو التآمري، وإلا ما اندلعت أعمال العنف بعد اللقاء الودى بين الأسقف والعمدة. وبالفعل تم حشد العديد من الصبية الذين لا تتجاوز أعمارهم الثامنة عشرة وقاموا بإشعال النيران فى الكنيسة والتعدى على منازل الأقباط وهو ما نتج عنه بعض الإصابات. جلسة ترضية اتخذت الجلسة العرفية منحى آخر هذه المرة فكان الغرض منها لم الشمل وليس التصالح أو التنازل وسعى الجميع إلى ترضية المتضررين.. وأقيمت الجلسة بحضور مشايخ القرية وتعهد المحافظ بإعادة بناء الكنيسة على نفقة المحافظة فى الوقت نفسه، تم إعمال القانون وقامت قوات الأمن بضبط المتسببين فى تلك الاعتداءات تمهيداً لتقديمهم إلى المحاكمة. وعلى النقيض مما حدث فى «نغاميش» نجح قانون بناء الكنائس فى التطبيق على أرض الواقع فى بورسعيد، ووافق اللواء عادل الغضبان، محافظ المدينة الساحلية على تخصيص قطعة أرض لمطرانية الأقباط الأرثوذكس مساحتها خمسة آلاف متر مربع لبناء كنيسة جديدة. وكان قرار بناء الكنيسة هو هدية المحافظ أثناء زيارته للأنبا تادرس مطران بورسعيد لتهنئته بمناسبة مرور 45 عاماً على توليه مهام الأسقفية فى المدينة. وقام المطران بإهداء درع المحبة للمحافظ فى جو من المحبة والإخاء. وعن هذا القرار يقول القمص بولا سعد وكيل مطرانية الأقباط الأرثوذكس ببورسعيد: «تقدمنا منذ عدة سنوات بطلب لبناء كنيسة جديدة ببورسعيد نظراً لاحتياج الأقباط لتلك الكنيسة، وبمجرد صدور قانون بناء الكنائس الجديد تم الانتهاء سريعاً من تقديم كل المستندات المطلوبة وتفضل اللواء المحافظ عادل الغضبان بالموافقة على بناء الكنيسة وإصدار قرار بذلك. وعن وجود احتقان ببورسعيد يقول: تربطنا بالجميع علاقة محبة كبيرة والترابط بين أبناء شعب بورسعيد ليس وليد اليوم، ولكن له جذور ضاربة فى التاريخ فهذا الترابط كان سببا فى نجاح الشعب فى مقاومة الحروب العديدة التى توالت على المدينة فالكنيسة هى كنيسة كل البورسعيدية والمسجد هو مسجد كل البورسعيدية ولا نشعر بأى فارق بين مسجد أو كنيسة. وبمجرد صدور قرار بناء الكنيسة الجديدة تلقينا العديد من التهانى من أحبائنا المسلمين وقد عرض البعض منهم المساعدة فى بناء الكنيسة الجديدة. وعن علاقة الكنيسة فى بورسعيد بالجهات التنفيذية يكمل القمص بولا: هناك علاقة محبة كبيرة تربط الأنبا تادرس مطران بورسعيد بالمحافظ اللواء عادل الغضبان وكثيرا ما نتبادل الزيارات فى المناسبات وفى غير المناسبات وفى لفتة كريمة قام المحافظ مؤخراً على رأس وفد من المسئولين التنفيذيين بالمحافظة بزيارة الأنبا تادرس مطران بورسعيد لتهنئته بالعيد ال 45 لرسامته مطراناً لبورسعيد.