تبدو الانتخابات البرلمانية كعربة تسير بأقصى سرعتها من دون «فرامل» على طريق وعر، والخوف كل الخوف أن تصطدم بما يوقفها، فيتعطل الاستحقاق الدستورى الثالث عقب الثلاثين من يونيو، أو أن تصل العربة بنا إلى «سكة الندامة»، فنعود إلى برلمان «سرور والذين معه» أو «الكتاتني» ومن والاه. المؤكد أن عودة أى من النظامين الساقطين، بعد ثورتين، ستكون فادحة الثمن على مصر.. والمؤكد أيضًا أنهما حشدا أتباعهما، هذا بالمال السياسي، وذاك بالفتاوى الشرعية «البراجماتية» بالطبع، للقفز على البرلمان الذى يحظى بصلاحيات دستورية غير مسبوقة، وأمام الحقيقتين المؤكدتين تغدو المشاركة ليست مجرد فعل إيجابي، وإنما وبلا مبالغة «واجبًا وطنيًا». ويطالب خبراء سياسيون بالمشاركة الايجابية الفعالة فى الانتخابات البرلمانية الجارية كونها تأتى مرحلة مفصلية تقتضى أن تكون محسوبة الخطوات بحيث لا يعود «طيور الظلام». ويؤكد الدكتور يسرى غرباوى الخبير السياسى بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام أهمية المشاركة فى هذه الانتخابات معتبرا أنها الأهم على الإطلاق وأن خيار العزوف عن التصويت خيار سلبى لا يجوز بعده البكاء على اللبن المسكوب، على حد قوله. ويقول: المشاركة فى الانتخابات ليست خيارا وإنما واجب وطنى ستترتب عليه ملامح عملية الإصلاح السياسي، وسيحدد التشريعات المنظمة له ليقضى على حالة فراغ السلطة التشريعية، فأهمية الانتخابات هذه المرة نابعة من أن البرلمان القادم سيسن تشريعات مهمة تتعلق بمسيرة عملية التحول الديمواقرطى فى مصر ومطالب ثورتى الشعب المصري، والسعى إلى استكمال خارطة الطريق، وهو ما يتطلب أن يكون هناك توحد لجميع الأطياف المدنية عن طريق الصندوق الانتخابى للوقوف أمام عودة الفكر القديم ورموز الفساد السياسي. ويرى أن الصوت الانتخابى هو المحرك الرئيسى للمشهد السياسى من أجل طرح وجوه جديدة وفكر جديد يستجيب لطموحات الشعب بشكل عام، كما أن مساهمة المواطنين الذين تتوافر فيهم الشروط القانونية فى اختيار المرشحين وفقا لما يرونه صالحًا، يترتب عليه التحول من السلبية الفردية وحالة الكسل السياسى التى تعانى منها الأحزاب السياسية ويكون فى الإقبال دافعًا لتلك الأحزاب حتى تنشط و تنشر برامجها الانتخابية من أجل الوصول لأكبر عدد من المواطنين فى المرحلة القادمة. ويحذر أمير سالم المحامى بالنقض والناشط الحقوقي، من تأثير المال السياسى على سير العملية الانتخابية، موضحًا أن هناك مؤشرات «غير مريحة»، فرموز المخلوع عادوا إلى الواجهة، وتيارات الإسلام السياسى تتاجر بحاجة الناس على طريقة «الزيت والسكر»، كما تتاجر بنصوص القرآن وتجعل التصويت لها مما يقرب العبد إلى ربه. ويقول: «الذين سيتخذون قرار العزوف قد يجدون الصورة ملتبسة، فالرموز التى تمثل الثورة توارت، ورموز الماضى عادت، كما أن المؤشرات الاقتصادية قد تدفع بالكثيرين إلى الجرى وراء لقمة العيش، ورفع شعار «أخذنا إيه من السياسة»، وهذا فى تصورى سيناريو خطير، لأن الساحة ستكون خالية لرجال الأعمال المنتمين إلى نظام مبارك، ممن يستطيعون تجييش عمال المصانع والشركات، والسلفيين الذين يعتبرون وصولهم إلى البرلمان بنسبة معتبرة مسألة حياة أو موت، فحجم كتلتهم البرلمانية سيؤدى إلى مكاسب منها الضغط على الدولة لتنفيذ مطالبهم ذات العلاقة بتحريم كل شيء.. والارتداد بمصر إلى زمن «داحس والغبراء». وتطالب مارجريت عازر البرلمانية السابقة وعضو قائمة فى حب مصر المصريين بالاستفادة من دروس الماضى القريب وعدم ارتكاب نفس الخطأ الذى جاء بحكم الإخوان، مشددة على أن العزوف عن التصويت والمشاركة ليس له معنى سوى العودة للوراء من جديد والسماح لسيطرة رجال الأعمال وأصحاب المصالح على البرلمان الجديد. وتقول: من يشارك فى تلك الانتخابات يقوم بدور وطنى وتاريخى فهو يحمى مستقبل أبنائه ويحافظ على هوية مصر، أما من يكتفى بالمشاهدة ويتخذ موقفاً سلبياً فسوف يهدر أهداف ثورة 30 يونيو والتى تحققت بإرادة شعبية وكل المكتسبات التى نتجت عنها من دستور وقوانين وسيسمح لحزب النور بالفوز بعدد كبير من المقاعد داخل البرلمان المقبل. وتدعو عازر المصريين إلى المشاركة فى الانتخابات بقوة، لتفويت الفرصة على استغلال بعض التيارات المتشددة عدم مشاركة المصريين ووصولهم للمجلس الجديد. ويبدى الكاتب يسرى الجندى قلقه الشديد من أن تشهد الانتخابات البرلمانية إقبالا ضعيفا قائلاً: أخشى على البرلمان القادم من العناصر المخربة من رموز الحزب الوطنى والمتأسلمين من الإخوان والسلفيين فنعود لبرلمان سرور ونواب اللحي.. وأعتقد أن الرئيس عبدالفتاح السيسى لديه نفس المخاوف التى تساورنى وتساور المصريين، مستنكراً وجود مرشحين من حزب النور السلفى فى الانتخابات البرلمانية، الأمر الذى يتعارض مع نصوص الدستور، الذى يحظر إقامة أحزاب سياسية على أساس ديني. لكن الجندى فى نفس الوقت يؤكد أن المشاركة فى الانتخابات بنزولهم قد يغير المعادلة، فعلى الرغم من أن المشهد يبدو كأن المصريين ليسوا مقبلين على الانتخابات وفى عزلة عن المعركة الدائرة فلا يوجد لديهم إلمام كاف بالمرشحين ولا قوائمهم إلا أن الجميع يأمل أن يكون لدينا برلمان حقيقى متوازن يخلو من العناصر المخربة والتى تتمثل فى حزب النور السلفى الذين يعتبرون «ورثة الإخوان». ويضيف: كما أنهم سيشكلون فى حالة تواجدهم داخل المجلس بأى نسبة خطرًا حقيقيًا لأنهم ومن على شاكلتهم من رموز الفساد القديم «الحزب الوطني» يشككون فى ثورة 25 يناير ومن ثم سيعملون معاً ضد أهدافها وكل هذا قد يتمخض عن كارثة حقيقية فى حالة السيطرة على البرلمان. ويعتبر المفكر القبطى كمال زاخر، التخوفات من سيطرة تيارات أو قوى سياسية معينة منطقية وطبيعية فى ظل حالة السعار الانتخابى الحالى والحملات المضادة من النظامين البائدين وأذرعهما السياسية والإعلامية، موضحاً أن نسب التصويت فى الانتخابات البرلمانية تحكمها عدة عوامل أبرزها التوزيع الجغرافي.. ففى الوقت الذى ترتفع فيه نسبة المشاركة فى المحافظات بسبب الحشد والنفوذ القبلى والعصبيات تنخفض فى القاهرة على الرغم من ارتفاع نسب التعليم فيها، وقد يرجع انخفاض نسب الإقبال لأسباب اجتماعية أكثر منها سياسية خاصة مع وجود مفاهيم معينة لدى البعض واعتقاد مازال سائدا بأن من يتحكم فى الصندوق الحكومة وليس أصوات الناخبين. ويطالب الأحزاب السياسية بأن تقوم بدورها وتدعو أنصارها للتصويت فى الانتخابات وألا تتخلى عن دورها فى حث الناخبين على المشاركة فى صنع القرار وحماية مصالحهم. ويرى الدكتور رفعت السعيد رئيس حزب التجمع السابق أن نسبة الإقبال هى المقياس الحقيقى لشرعية البرلمان القادم بغض النظر عن النتيجة، لافتاً إلى أن مجلس النواب القادم يعد الأهم والأخطر فى تاريخ مصر لأنه لن يلعب دورا رقابيا فقط لكن سيصبح شريكاً فى السلطة من خلال صلاحيات الدستور الجديد. ويقول: إن أهمية البرلمان القادم تكمن أيضا فى إنجاز الاستحقاق الأهم من خارطة الطريق وعلى الرغم من ملاحظاتنا على قانون الانتخابات وأداء اللجنة العليا للانتخابات لا يمكن أن ننكر أن المحصلة النهائية التى سيذكرها التاريخ هو هذا الاستحقاق وكيف تعاطينا معه؟ هل تخلينا عن دورنا الوطنى وأعطينا له ظهورنا ولم نعره اهتمامنا أم لا. ويضيف أن البرلمان المقبل بمثابة اختبار وطنى حقيقي، فبغض النظر عن الاختلافات والملاحظات حول بعض نصوص الدستور إلا أنه ينبغى المشاركة فى اختيار عناصر سياسية تتمتع بكفاءة قوية وقدرة على التشريع، ولن يتحقق ذلك إلا من خلال إعلاء مصلحة الوطن على المصالح الشخصية الضيقة. ويقول: إن مصر أنجزت جزءا كبيرا من استحقاقات خارطة الطريق ولكن تبقى الخطوة الأهم والأخيرة لاستكمال خارطة الطريق، «البرلمان» والذى يتطلب أن يشارك الجميع فى اختيار نوابه بما يحقق أهداف ثورتى الشعب المصرى فى 25 يناير و 30 يونيو.