بين شيراتون القاهرة والفورسيزون مسافة قطعها محمد فودة ذهابا وإيابا بنفس الخطوات تقريبا.. من الفساد والإفساد إلى السجن، مكررا أخطاءه وجرائمه، مع تغيير الوجوه فقط التى شاركته العبث مرات ومرات فى هذا البلد. عبث يكشف إلى أى حد تجبر فودة وشركاؤه الذين سقطوا فى قضية فساد وزارة الزراعة، والذين ينتظرون السقوط منهم.. وإلى أى مدى كانوا واثقين من أن سقوط نظام حكم بل نظامين، بعد ثورتين، ومجيء رئيس للمرة الثالثة بعد حبس مبارك، ليس إلا مشهد تليفزيوني، يتابعونه من نفس مقاعد الفساد فى مكاتبهم وقصورهم وموائدهم الخاصة فى الفنادق الكبري. شيء ما ربط بين حب الشاب متواضع التعليم والحال أيضا، محمد فودة، صاحب دبلوم الصنايع، للفنادق.. وبين اقتياده إلى السقوط، فى كل مرة، بصحبة حفنة ممن تطوله أيديهم من المسئولين. لا يفضل فودة، السقوط وحده، هكذا فعل بالأمس، حين حطم صورة قاض جلس على كرسى المحافظ مرتين من الغربية إلى الجيزة ماهر الجندي.. وهكذا يفعل اليوم بحفنة من المسئولين على رأسهم وزير الزراعة.. وما يستجد من وزراء. كان لعدة أسماء فى حياة فودة حيز خاص من المساهمة فى صعوده غير المبرر ولا المفهوم.. بل ودعم قدرته على الصعود على أكتاف قامات مسئولة فى الدولة، بالتأكيد حصلوا على قسط أعلى كثيرا من التعليم والشهادات تجاوز شهادة دبلوم الصنايع.. ويحتل اسم خالد العزازى رئيس مجلس أمناء جامعة المستقبل مكانة خاصة بين تلك الأسماء.. حيث ساهم من البداية فى تصعيده إلى قصور الحكم والبزنس أيضا. كان فودة تصدى لتنظيم حفل للجامعة فى القاهرة الجديدة، واستطاع أن يحشد له الكثير من وجوه السياسة والجامعات والبزنس، الأمر الذى وطد علاقته بعزازي، وكان ظهور نصف وزراء مصر فى الحفل، واجهة جيدة لإقناع الجميع بأن فودة «واصل» لما لا يصل إليه أحد.. حتى إنه استغل وجود عزازى فى صندوق تحيا مصر، لإيهام رجال الأعمال بأنه من بطانة الرئيس.. يرفع الهاتف على أحدهم قائلا: «الرئيس مبسوط منك.. فين التبرع بتاع الصندوق»! هذه الممارسات أثارت غضب الرئيس بعد عدة تقارير رقابية. حفنة من وزراء مصر.. من عبد الأحد جمال الدين إلى فاروق حسنى كانوا «ندماء» فودة بالأمس فى شيراتون القاهرة.. ومثلهم رجال أعمال كانوا شركاءه فى الفورسيزون قبل السقوط الأخير.. من أحمد أبوهشيمة الذى فتح له بابا واسعا لغسل السمعة فى منابره الإعلامية.. ومحمد الأمين صاحب قنوات سى بى سي، ومنصور عامر الذى يضخ المال من وراء الستار. بدايات فودة كانت بسيطة، بائع «آيس كريم» فى بلدته زفتي.. لكنه كان طموحًا وانتقل للقاهرة، وتوسط له وزير الشباب الراحل عبدالأحد جمال الدين، ابن زفتي، فى فرصة للعمل فى بوفيه وزارة الثقافة ولكنه انطلق داخل الوزارة حتى تولى منصب مستشار الوزير للشئون الإعلامية والصحفية. واستفاد فودة من كل أبناء زفتى الوزراء السابقين وهم عبدالأحد جمال الدين وصفوت الشريف ومحمود أبوزيد، واستخدم كل السبل حتى أصبح أهم رجل فى وزارة الثقافة وقت فاروق حسني، وكون ثروة ضخمة وتوسعت علاقاته بشكل مثير للجدل وكون شبكة علاقات غير مسبوقة تضم إعلاميين ومثقفين وسياسين ورجال دولة ومحافظين ورجال أعمال ومسئولين كبارًا، حتى تم سجن فودة فى قضية «المشاهير الكبري» التى اتهم فيها مع محافظ الجيزة الأسبق ماهر الجندي، عام 1997 بالكسب غير المشروع وتسهيل الاستيلاء على أراضى الدولة التابعة لهيئة الآثار. العيب ليس فى فودة ولا الفخرانى ولا شيراتون القاهرة ولا فورسيزون إذن.. حالة من طوفان الأخبار عن فودة والفخراني.. نفس المحطات ونفس المذيعين ونفس الجرائد التى كانت تسمى الفخرانى قاهر الفساد محارب الفساد الأول رئيس جمعية محاربة الفساد وآخرها مؤتمر صحفى فى نقابة الصحفين يتصدر المائدة الفخرانى والجميع ينصت فى خشوع لرئيس الجمعية والتصفيق تسمعه خارج أبواب النقابة.. والأربعاء مساء كل برامج التوك شو تتحدث عن الفاسد الفخرانى نفس المذيعين.. مداخلة من إحدى المتصلات وسؤال لابنة الفخراني: هو الوالد (تقصد الفخراني) بيشتغل إيه بالضبط وبعد محاولة للهروب من الإجابة ردت ابنته إحنا عندنا أرض.. يعنى بدون عمل.. كما قالت أنا وأختى نرفع القضايا معه متضامنين «بمعنى شغلتهم هن والبابا رفع القضايا». والعيب ليس فى الفخرانى بل فى أباطرة الإعلام الذى فتح أبوابه على مصراعيه قدمه كبطل قومى ونموذج للشباب، وسنرى فى المستقبل كيف كان الفخرانى يهدد بالإعلام وحدد أسماء برامج ومذيعين، ومن وراء هؤلاء مراكز قوى تعبث بثروة البلد وذمم مسئوليه من أجل مصالحها عبر وسطاء أمثال فودة يقدمون كل شيء وأى شيء من أجل الدولارات، ولو كانت زوجاتهم. نعود إلى بطلنا القومى الآخر محمد فودة والذى لا يلام لسبب بسيط أنه يعمل ويفعل كل شيء وأى شيء فى النور وفى وضح النهار وليس فى بطن الجبل (يعنى على عينك باتاجر)، والأخطر والأعجب أنه تعددت لقاءاته مع كبار المسئولين والصحف كانت تنشرها، وهو ليس عضوًا فى نقابة الصحفين والفاجعة الكبرى التى لم أجد لها تفسيرا حتى الآن هى الخطاب الموجه من وزير الرى الحالى إلى السيد الأستاذ الكاتب الكبير محمد فودة نصه: «يتشرف المجلس الأعلى لحماية حوض النيل أن يضمكم إلى عضويته» علمًا بأن هذا المجلس برئاسة رئيس الوزراء شخصيًا. جلست مع نفسى أفكر فى حيرة مما يحدث وتذكرت بدايات فودة فى زفتى يحمل مؤهلاً متوسطًا ويقف يبيع «الجيلاتي» على عربة حتى توسل والده للدكتور عبدالأحد جمال الدين ابن بلدهم أن يجد وظيفة لابنه بالقاهرة فتم تعيين فودة ساعيًا بوزارة الثقافة حتى التقاه صدفة فاروق حسنى فضمه إلى السكرتارية بمكتبه وبدهاء فودة استطاع أن يتقرب إلى الوزير وتفاعلت الكيمياء بينهما فأصبح السكرتير الخاص له ولم تمض شهور حتى أصبح المسئول الإعلامى ولا يستطيع أحد مقابلة الوزير إلا عن طريقه، وكان الوزير دائمًا يمتدح قدرات ومواهب فودة وقربه منه إلى أبعد مدي، ومن هنا بدأ فودة طريقه إلى النجومية والسجن. حجز جناحًا بفندق شيراتون القاهرة 1997 ليستقبل فيه إعلاميين ورجال أعمال وفنانات، وكان فى ذاك الوقت ماهر الجندى هو محافظ الجيزة وكان من يريد موعدًا مع المحافظ يكون فودة هو الوسيط، وأثبتت التسجيلات وقتها أن فودة يتصل بالفنانات ويعطى السماعة إلى ماهر بك حتى ورط المستشار ماهر الجندى فى قضية رشوة وفساد، ودخل الاثنان معا السجن، وتمت مصادرة جزء من أموال فودة لصالح الكسب غير المشروع لتسهيل بيع أراضي، وخرج الجندى وفودة من السجن بعد قضاء المدة. الجندى لم يحتمل وتوفاه الله وكان ليلاً ونهارًا يدعو على فودة الذى ورطه.. أما فودة فغير اتجاهه هذه المرة وحجز جناحًا فى فندق «الفورسيزون» جاردن سيتى ومائدة عامرة يوميًا فى البار بالدور الثانى ومائدة بالمطعم الإيطالى لاصطياد الفرائس من الإعلاميين ورجال الأعمال والفنانين والفنانات. وكانت كل الأحاديث فى المجتمع تدور كيف لهذا الشخص العادى أن يصل إلى هذه المكانة؟ ومن أين هذا النفوذ والصداقات مع الكبار وهو له تاريخ أسود «رد سجون» وتزوج من الفنانة غادة عبدالرازق الذى كان يعرفها من أيام ماهر الجندي، وظهر الثراء الفاحش عليه، واستطاع أن يدخل فى شراكة فى أكثر من مجال وصداقة برجال أعمال منهم أحمد أبوهشيمة ومحمد الأمين وغيرهما، وكان يزور دائرته مرتين فى الأسبوع برفقة أحد الوزراء أو الإعلاميين أو الفننات وأدخل الغاز الطبيعى إلى قريته دون أى قرية مجاورة! وكانت القنوات تلهث لنقل مؤتمراته فى زفتى وتكررت زيارات د.عادل العدوى الصديق المقرب لفودة إلى زفتى دائرة فودة الذى كان يحلم بالترشح فيها رغم أنه خريج سجون. مجددًا.. لا أحد يستطيع أن يلوم فودة لأنه هو المسلكاتى المهلباتى فحل وعنتيل الثقافة بائع الجيلاتى فى زفتى سابقًا محمد حسنى فودة. «كأى شاب عنده طموح اشتغلت مراسل لجريدة الجمهورية فى زفتي، وبعدها اشتغلت فى جريدة الوفد، وانتقلت بعدها لجريدة ميدان الرياضة، ووصلت لمساعد رئيس التحرير وكان يرأس تحريرها علاء صادق، وكونت علاقات من هذه المحطات»، كذا تحدث «فودة» عن بداية حياته فى حواره الشهير إلى وائل الإبراشي، ضمن سلسلة غسل السمعة التى كان تصنع على أعين الإعلام ويديه. «عندى نشاط شبابى فى زفتي، وتوطدت علاقتى بماهر الجندي، وقتما كان محافظا للغربية، ومن خلال التعامل الشبابى وحماسى ونشاطى كان بيساندنى لأنه بيشوف نشاط قدامه»، يروى «فودة» بداية علاقته بمحافظ الجيزة الأسبق ماهر الجندي، ويؤكد: «أنا كنت طفل المحافظ المُدلل، وكان صديقى أيه المانع يعني؟» تضخمت ثروة «فودة» رغم أن راتبه من عمله لا يزيد عن مئات الجنيهات شهريا، ومع ذلك ووفقا لتحريات الأجهزة الرقابية تبين أنه يمتلك وقتها 3 ملايين جنيه، وبحسب حوار أجراه مع وائل الإبراشى فى 2006، وضبطته متلبسًا فى قضية رشوة بين المستشار ماهر الجندى محافظ الجيزة وقتها ورجل الأعمال عمرو خليفة، لإنهاء إجراءات تخصيص 130 فدانا بطريق مصر- إسكندرية الصحراوى ووجهت له النيابة تهمة أخري، وهى استغلال النفوذ والكسب غير المشروع خلال سنوات عمله بالوزارة. النيابة العامة أحالت «فودة» للمحاكمة، وقررت المحكمة حبس محافظ الجيزة الأسبق ماهر الجندى وحكم على فودة بالسجن 5 سنوات، وغرامة 3 ملايين جنيه، كما قررت المحكمة ضم زوجته كمتهمة فى القضية وطالبتها برد 3 ملايين أخري. وخرج ماهر الجندى عن صمته فى 2009، وتحدث عن محمد فودة، وبدا من الحوار الذى أجراه مع إحدى الصحف أن «فودة شخص لا يستطيع أحد السيطرة عليه»، وتقدم ببلاغ للنائب العام فى 2009 للتحقيق مع السكرتير الخاص لفاروق حسني، وزير الثقافة الأسبق، بتهمة الفساد.. وقال محافظ الجيزة السابق فى حواره إن فاروق حسنى افتتح «حظيرة» فى زفتى على أنها قصر ثقافة مجاملة لمحمد فودة. تزوج فودة من الفنانة غادة عبدالرازق فى مارس 2012 وتمت استضافة بعض الفضائيات له باعتباره كاتبا صحفيا، كما خصصت له صحيفة مستقلة عمودا ثابتا لكتابة مقال يومي، ولوحظ أن هذه الصحيفة تفرد مساحات وصورا لجولاته ولقاءاته مع بعض رجال الأعمال والوزراء، وكما كانت تنشر له حوارات صحفية مع الوزراء مثل وزيرى البترول والزراعة، وعمل بعد ثورة 25 يناير مستشارًا إعلاميًا لإحدى القنوات الخاصة. فى فبراير الماضى تقدم فودة بأوراق ترشحه لانتخابات مجلس النواب عن دائرة زفتي، وفى الشهر نفسه طلق زوجته الفنانة غادة عبدالرازق للمرة الثالثة، بسبب خلافات بينهما وبعد طلاقه ترك منزل الزوجية. وأقام بصفة مستمرة فى جناح خاص بالفورسيزون، واقتحمه رجال الأمن الأسبوع الماضى للقبض عليه بعد ثبوت تورطه فى قضية الفساد الكبرى بوزارة الزراعة بالاشتراك مع محيى قدح مدير مكتب الوزير ومسئولين آخرين بالوزارة، حيث اشتركوا فى التوسط لرجال أعمال كبار فى الحصول على أراض لهم مقابل رشاوى وعمولات ضخمة. وأعلنت النيابة العامة مساء الاثنين الماضى أن التحريات أظهرت أن المتهم فى القضية كل من: صلاح الدين هلال، وزير الزراعة، ومحيى الدين محمد سعيد، مدير مكتبه، ومقدم الرشوة أيمن محمد رفعت عبده الجميل، والوسيط محمد فودة. وتسربت معلومات أن قضية «لفساد الكبرى بوزارة الزراعة» طالت شخصيات سياسية وإعلامية ومسئولين بارزين، ولم تفصح النيابة العامة عن أى تفاصيل جديدة فى القضية، وتبين أن الهدايا موضوع الرشاوى التى حصل عليها وزير الزراعة المستقيل، وقدمها له «فودة» تمثلت فى عضوية عاملة بالنادى الأهلي، بمبلغ 140 ألف جنيه لأحد المتهمين، ومجموعة من الملابس من أحد محلات الأزياء الراقية، قيمتها 230 ألف جنيه، والحصول على هاتفين محمولين، قيمتهما 11 ألف جنيه، وإفطار فى شهر رمضان بأحد الفنادق الكبري، بتكلفة قدرها 14 ألفا و500 جنيه، وطلب سفر لأسر المتهمين، وعددهم 16 فردا لأداء فريضة الحج عن طريق إحدى الشركات السياحية، بتكلفة 70 ألف ريال سعودى للفرد الواحد، وطلب وحدة سكنية بأحد المنتجعات بمدينة السادس من أكتوبر، قيمتها 8 ملايين و250 ألف جنيه. غادة عبدالرزاق: مش هاتكلم عن فودة خالص رفضت النجمة غادة عبدالرازق الإدلاء بأى تصريحات صحفية عن طليقها المتهم بقضايا فساد محمد فودة، وقالت ردًا على سؤال ل«روزاليوسف»: أنا «الموضوع ده ماليش دعوة به، ومش هاتكلم عن فودة خالص». وأضافت أنها لن تدلى بتصريحات صحفية أو حوارات فى الوقت الراهن لأنها «مش طايقة الجو فى مصر». من دون أن تفسر مغزى العبارة. وأوضحت أنها سافرت إلى خارج مصر للاستمتاع بالصيف على شواطئ إسبانيا، فى حين ترددت شائعات فى أروقة مهرجان الإسكندرية للسينما مؤخرًا بأنها فى الجونة وتزعم وجودها خارج البلاد للهرب من الإعلام. وأنهى الطلاق علاقة الزواج بين فودة وغادة مع قراره الترشح لانتخابات البرلمان، وهو الأمر الذى لم يتسن له بعد إلقاء القبض عليه، فى القضية المتعارف عليها إعلاميا ب«الفساد الكبرى فى وزارة الزراعة».