فى سقطة مصرفية خطيرة تعصف بسمعة بنك القاهرة قام فرع البنك فى شارع عدلى بفتح محتويات الخزينة رقم 50/32 والخاصة بأحد العملاء وسلم محتوياتها لورثة عميلة أخرى توفيت قبل 20 عاماً، فى واحدة من العمليات التى تكشف بوضوح حجم الإهمال الذى يعبث بممتلكات الغير فى هذا البنك الكبير. القصة التى يتكتم بنك القاهرة عليها، ويفرض طوقاً من السرية على تفاصيلها، كشفتها شكوى رسمية مقدمة من دكتور جورج عطية حبيب إلى هشام رامز محافظ البنك المركزى، وقال فيها: «أنا دكتور جورج عطية حبيب صاحب الخزينة رقم 50 فى بنك القاهرة/فرع عدلى، والتى تم فتحها من قبل البنك فى غيبتى ودون الرجوع لى، وتسليم محتوياتها، من الألماس وخلافه، إلى ورثة عميلة متوفاة منذ 20 عاماً، فى مخالفة وانحراف خطير عن الإجراءات المتبعة لفتح الخزائن،حيث خالفت إدارة البنك كل الأعراف والقوانين المتفق عليها، بل وقامت بتسهيل الاستيلاء على ممتلكاتى، فى واحدة يمكن وصفها بأنها أول عملية اختلاس للممتلكات تتم بهذه الصورة على مستوى العالم، إذ لا توجد حادثة مماثلة لهذه الكارثة إلا فى الأفلام الأمريكية، أما على أرض الواقع فلا توجد حادثة مماثلة لهذه الكارثة لا فى مصر ولا فى خارجها، وهذا ما أفاد به جهابذة المصرفيين والقانونيين». وأضاف الدكتور جورج عطية فى شكواه: «إننا وقد عهدنا فى البنك المركزى حرصه على حفظ حق العملاء والبنوك معاً، ومن قبل ذلك سمعة المصارف المصرية فإننا نهيب بسيادتكم مراجعة هذا الملف تفصيلاً»، وكانت إدارة البنك فى الفرع الرئيسى بمدينة نصر، قد عجزت الحيلة فى إخبار الدكتور جورج بالكارثة، فتم الاتصال به على هاتفه الخاص، لمقابلة مجلس إدارة البنك فى المقر الرئيسى، وأبلغوه رغبتهم فى التعاقد معه ضمن مشروع العلاج فى مشروع التأمين الصحى الخاص بموظفى البنك، ولما توجه الدكتور جورج إلى البنك أخبروه بالكارثة وبأنه قد وقع خطأ إدارى، صرخ الرجل فى وجههم، تسهلون الاستيلاء على مجوهراتى وتقولون خطأ إدارى، الرجل قال إن بعضها لا يقدر بثمن من وجهة نظره، لارتباطه معنوياً بهذه المجوهرات، وأخبروه أن عملية فتح الخزينة تم بطريق الخطأ وتسليم محتوياتها إلى ورثة عميلة أخرى. وقال البنك إن المشكلة وقعت بسبب أن الخزينة رقم 5/32 والخاصة بالسيدة فوزية محمود قد قام البنك بفسخ عقدها نظراً لعدم سدادها قيمة الإيجار الخاصة بالخزينة لما يزيد على 20 عاماً، وقد قام البنك بطريق الخطأ بفتح الخزينة رقم 50/32 الخاصة بالدكتور وتسليم محتوياتها إلى ورثة العميلة المتوفاة منذ 20 عاماً. الغريب فى هذه القصة أن ورثة العميلة المتوفاة رفضوا إرجاع أى من المجوهرات التى حصلوا عليها، وفشلت كل محاولات البنك فى إعادة المجوهرات، ولم يكن أمامه إلا إخبار صاحب الخزينة بالكارثة، وعلى أساسه يتم التفاوض معه، وكانت الكارثة أن معظم محتويات الخزينة من الألماس، لا يوجد لدى البنك مستندات تعكس قيمة الألماس «الألماظ» الحقيقية وكل ما لديه هو مجرد محضر جرد غير دقيق فى تفاصيل الوصف والأوزان، ولا يعكس دقة وقيمة الألماس الحقيقية، لأن البنك يرى أنه لم يكن من الضرورى استدعاء خبير ألماس وقت الجرد نظراً لما يراه بأن المجوهرات مجرد مال راجع لأصحابه، ولا داع من تحرى الدقة فى تحديد قيمته. وفجرت تحقيقات النيابة عدة مخالفات قانونية بدءاً من قرار مجلس الإدارة بفتح الخزينة والذى يناقض قانون التجارة المصرى، وإنتهاءً بجميع آليات فتح الخزائن، وتسليم المحتويات، حيث أظهرت التحقيقات كثيراً من الشبهات التى تمت على مرأى ومسمع من مجلس الإدارة بل وأيضاً بمشاركة قسم الشئون القانونية. الدكتور حبيب فى شكواه يقول إن سبب كارثته مع بنك القاهرة أنه ظل مؤمناً بأنه يتعامل مع مؤسسة مصرفية لها وزنها، ولم يكن يتخيل أنه وقع لعملية تسويف واحتيال منظمة. وفى محضر تحقيقات النيابة قال وكيل النيابة محمد عبد الرحمن إنه وأثناء تواجدنا بسراى النيابة، تبين لنا ورود المحضر رقم 1851 لسنة 2012، جنح عابدين، وبمطالعته تبين لنا أنه محرر بمعرفة الملازم أول مهند نور بتاريخ 2012/5/20 الساعة 11 م، والمثبت به حضور كل من رشدى محمد حلمى وصالح عبد الله سيد وأبلغ الأول أنه وكيل عن رئيس مجلس إدارة بنك القاهرة وبتاريخ 2012/3/5 تم تشكيل لجنة لفتح خزينة السيدة فوزية محمود السيد رقم 32 صندوق رقم 50 بمقر البنك وذلك لعدم الاستدلال على ورثة العميلة، وبتاريخ 2012/3/25 تم الاستدلال على أحد ورثة العميلة وتم الاتصال به ودعوته للحضور وإعلام الوراثة وباقى الورثة، وعليه تم تسليم محتويات الخزينة، التى تم فتحها بتاريخ 2012/5/16 وبمراجعة ملف الخزائن تبين أن ما تم فتحه هو الصندوق رقم 50 وليس الصندوق رقم 5 وبمراجعة ورثة العميلة تناكروا إعادته للبنك. وقال محامى البنك لوكيل النيابة: «اللى حاصل ان عندنا فى البنك خزائن مؤجرة يقوم العملاء بوضع بعض متعلقات خاصة بهم ودون علم البنك بماهيتها، وبخصوص الخزينة رقم 32 الصندوق رقم 5 فهو مؤجر للسيدة فوزية محمود السيد حسنين، وتقاعست عن سداد الإيجار وفى هذه الحالة وطبقا للعقد المبرم بينها وبين البنك يكون العقد مفسوخا من تلقاء نفسه، وقمنا بإنذارها بخطاب مسجل بعلم الوصول، إلا أنه ورد الرد على الخطاب بما يفيد بعدم وجودها فى محل إقامتها، وعقب ذلك ورد لنا خطاب من إدارة الاستعلامات يفيد بوفاة مستأجرة ذلك الصندوق، وفى هذه الحالة تم تشكيل لجنة مختصة لفتح وجرد محتويات ذلك الصندوق، وأنا- المحامى- كنت موجودًا مع اللجنة لتذليل أى عقبات قانونية، وتولى عملية الصياغة القانونية فقط لاغير، وبعد جرد محتويات ذلك الصندوق تم تحريز تلك المحتويات وأودعت كأمانة فى خزينة الأحراز العمومية، الخاصة بالفرع. وأضاف المحامى بأن اللجنة مكونة من هشام محمد رفعت بصفته رئيساً للجنة، وهو مدير فرع البنك، وأشرف صبحى عبد المنعم من الجهاز المركزى للمحاسبات، وعادل واصف رمزى عضو الإدارة العامة للتفتيش وعزت فاروق محمد من الإدارة العامة للأمن، وأمين شرطة رضا الحنفى المرشدى مندوبا من قسم شرطة عابدين، وجيهان كمال إبراهيم مسئولة الخزائن بفرع عدلى بصفتها الرئيس المباشر لأمن العهدة ومشرفة على أعماله ومحمد عبد الباقى إسماعيل وهو أمين العهدة بالفرع وجرجس رسمى خبير الخزائن الذى يستعين به البنك ودوره ينحصر فى كسر كالون الصندوق المراد فتحه، فى حالة عدم حضور المستأجر أو أحد ورثته. وقال محامى البنك إن أحداً من ورثة المستأجرة لم يحضر عملية فتح الخزينة نظراً لأنه لم يستدل على أحد منهم وقتها، وتم الاستدلال عليهم بعدها بمعرفة قسم الاستعلامات، وتبين أن الورثة هم محمد قاسم عبد الحليم مأمون، وعبد الحليم قاسم عبد الحليم مأمون، وقد أخطرتنا إدارة البنك بحضور هؤلاء الورثة يوم 2012/4/1 بفرع عدلى لاستلام محتويات الصندوق، بموجب محضر سحب وديعة رقم 9558 الخاص بالحرز، وبمحتويات الصندوق، والذى تم فتحه وجرده بحضور الورثة والمثبت به فض ذلك الحرز، وتسلم البنك إقراراً من الورثة باستلام المحتويات. وأضاف محرر البلاغ ممثلاً عن رئيس مجلس إدارة البنك إن الخطأ حدث بسبب أن أمين العهدة أرشدنا إلى الصندوق رقم 50 بدلاً من الصندوق رقم 5 وعليه فإن الصندوق الذى تم فتحه، وتسليم محتوياته غير الصندوق المفترض فتحه والخاص بالعميلة المتوفاة. وقد تم اكتشاف الواقعة بعد تعيين أ.خالد محمد شوقى أميناً جديداً للعهدة، حيث تبين أن الصندوق رقم 50 مازال مؤجراً ولم يتم فتحه بموجب السجلات، كما تبين أن الصندوق رقم 5 تم فتحه وجرده، وتسليم محتوياته مستندياً إلا أن الواقع فإن الصندوق رقم 5 مازال مغلقا، واتهم مقدم البلاغ أمين العهدة المدعو محمد عبد الهادى إسماعيل بالتسبب فى هذا الخطأ لأنه أرشد عن الصندوق رقم 50 بدلاً من الصندوق رقم 5 وأرجع محامى رئيس مجلس إدارة البنك الخطأ فى ذلك إلى قيام البنك يومها بفتح أكثر من خزينة، لكن وكيل النيابة وبسؤال فى غاية الدقة سأل: وهل على كل صندوق الرقم الذى يحدد مطابقته للأوراق، فأجاب المحامى بنعم، ما يعنى أنهم جميعاً شركاء فى المسئولية وليس أمين العهدة بمفرده، بمن فيهم المحامى مقدم البلاغ. البنك وفور عملية الفتح والجرد وتحريز المحتويات وتسليمها إلى غير أصحابها وبعد أن توصلت إدارة البنك إلى الكارثة قام بالاتصال بالورثة وأفادوا بأنهم سيحضرون لاستيضاح الأمر، لكنهم لم يحضروا، وفشلت كل الطرق الودية معهم مؤكدين أن ما حصلوا عليه هو ملك مورثتهم وأنه ليس لديهم شك فى ذلك. وقدم المحامى أصل التوكيل رقم 399 لسنة 2011 توثيق البنوك عن منير عبد الوهاب الزاهد بصفته رئيساً لمجلس إدارة بنك القاهرة، وقامت النيابة بصرفه من سراى النيابة، وطلبت تحريات مباحث الأموال العامة فى الواقعة، وصولاً لشخص مستأجر الصندوق رقم 50 بالخزينة رقم 32 لدى بنك القاهرة فرع عدلى. وضمت الأوراق محضر جرد محتويات الصندوق ، ووجد به مجوهرات متعددة الأنواع والأشكال والأوزان والعيارات بعشرات الأصناف، وهى عبارة عن سلاسل صلبان وأساور وغوايش وميداليات ودبابيس وخواتم و«عليقات» و«دبلات» وساعات وأحجار كريمة وألماس، تسلمها ورثة المرحومة فوزية فى عملية يكتنفها الكثير من الغموض والجدل فى بنك القاهرة، ويتكتم تفاصيلها، ما دعا صاحب الخزينة أن يتقدم ببلاغه إلى قسم شرطة عابدين ليثبت أحقيته بهذه المجوهرات وقال إنه مستأجر لإحدى خزائن بنك القاهرة فرع عابدين والتى تحمل الرقم 50/32 منذ أكثر من 20 عاماً وأنه يمر على الخزينة من حين إلى آخر، وآخر زيارة له كانت فى شهر 2009/7 ومنذ ذلك الحين لم يقم بفتح الخزينة، وفى يوم 2012/5/22 تحديداً فوجئ بالبنك يتصل به تليفونياً للحضور، وبعد حضوره أخطروه بأنهم فتحوا خزينته بطريق الخطأ وتم تسليم جميع محتوياتها إلى آخرين بتاريخ 2012/4/1 بدون الحصول على أمر قضائى من القاضى المختص، واتهم البنك بالتضليل فى تحديد كمية وحجم ونوع أحجار الألماس بالخزينة. القضية بتفصيلاتها تكشف إلى أى مدى يمكن أن تصبح مدخرات وممتلكات أصحاب الخزائن فى بنك القاهرة موضعا للعبث والضياع، وتسهيل الاستيلاء عليها، فالرجل الذى خاف على مدخراته من السرقة ووضعها فى خزينة بنك القاهرة، مثله مثل الآلاف الذين يقومون بحفظ مدخراتهم ومتعلقاتهم الثمينة، استيقظ ذات يوم على نبأ من البنك بتسليم مدخراته ومتعلقاته إلى آخرين يرفضون إعادتها إلى البنك، ورغم عشرات الأوراق التى ضمتها أوراق القضية، وعشرات جلسات التحقيق، وعشرات اللقاءات، فالقضية انتهت إلى قرار من المحكمة الإقتصادية يقضى بعدم اختصاصها فى النزاع الدائر بين البنك وبين الرجل من جهة وبين البنك وبين الذين أعطاهم متعلقات لا تخصهم من جهة أخرى، وتحول الأمر إلى مجرد سجال فى النيابات والمحاكم. وما يزيد الأمر سوءاً أن عمليات الجرد تجاهلت توثيق مقتنيات المجوهرات خاصة بعدما تبين أن بها أحجار ألماس مرصعة بالمجوهرات قدرها صاحبها بما يزيد على 485 قيراطًا قيمتها هى فقط حوالى ثمانية ملايين وأربعمائة وسبعون ألف جنيه مصرى لم ترد فى محضر الجرد المعد من قبل اللجنة التى شكلها البنك وضمت موظفًا فى جهاز رقابى يفترض أن يكون واعياً بالعملية، وما يزيد العملية غموضاً أن الأوراق والعقود الرسمية بالخزينة تضمنت عقداً لفيلا وشاليه، بأسماء صاحب الخزينة، وكان يفترض ساعتها أن تلفت انتباه اللجنة إلى أن الصندوق لا يتطابق فى محتوياته مع اسم السيدة العجوز.. القصة مليئة بالألغاز والغموض، لكنها كاشفة لشىء واحد فى غاية الأهمية، أنه لا أمان لمقتنيات أصحاب الخزائن فى بنك القاهرة.∎