شهد السودان فى عهد حكومة عمر البشير تدويلاً غير مسبوق فى تاريخه السياسى لقضاياه المحلية، فتعددت المنابر التفاوضية من عاصمة إلى أخرى وأبرمت العديد من الاتفاقيات فى أبوجا وأسمرا وجيبوتى والقاهرة وأنجمينا والدوحة وجنيف وفشلت أغلب تلك الاتفاقيات ولم تنجح سوى اتفاقية «نيفاشا» بكينيا التى أدت إلى انفصال جنوب السودان من خلال حق تقرير المصير. على الرغم من أن أديس أبابا مدعاة لتفاؤل السودانيين، فقد سبق أن أبرمت فيها اتفاقية للسلام بين حكومة السودان بقيادة جعفر نميرى، وحركة الأنانيا 2 الجنوبية المتمردة فى العام 1972، إلا أن المفاوضات التى تجرى بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان، تعتبر مضيعة للوقت عند أغلب المراقبين والمحللين السياسيين. تناقش مفاوضات أديس أبابا التى يرعاها الاتحاد الأفريقى وضعية منطقتى النيل الأزرق وجنوب كردفان، استكمالاً لاتفاقية السلام الشامل التى وُقعت بين حكومة السودان وزعيم المتمردين الجنوبيين الراحل دكتور جون قرنق عام 2005 والتى نصت على خصوصية المنطقتين وأرجأت التفاوض حولهما لاحقاً لأن الهدف الأول وقتها كان الوصول إلى اتفاق حول إيقاف الحرب وتقرير مصير الجنوب نفسه. بعد انفصال جنوب السودان عن الشمال فى عام 2009 استمرت الحرب فى منطقتى النيل الأزرق وجبال النوبة بين الجيش السودانى وما تبقى من الحركة الشعبية عقب انفصال الجنوب والذى سمى بقطاع الشمال، وتأتى أهمية المنطقتين من خلال قربهما من دولة جنوب السودان ومناطق البترول واحتوائهما على ثروات وأراض زراعية. تعددت جولات التفاوض بين الطرفين لإنهاء أزمة المنطقتين ووصلت إلى سبع جولات، عجزت خلالها الوساطة فى تقريب شقة الخلاف بين الطرفين ووقف نزيف الحرب. وكانت العاصمة الإثيوبية أديس أبابا قد احتضنت الأسبوع الماضى وبوساطة إفريقية يقودها الرئيس السابق لجنوب إفريقيا ثامبو أمبيكى الجولة السابعة من المفاوضات بين حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان قطاع الشمال، لكن تم تعليق الجولة، دون تحديد موعد جديد لبدء الجولة الثامنة، وقال الوسيط الإفريقى، ثامبو أمبيكى فى الموتمر الصحفى الذى عقده بمقر المفاوضات: «خطوة تأجيل المفاوضات جاءت لإتاحة الفرصة للأطراف السودانية للتشاور بشأن الحل النهائى». وكانت الحركة الشعبية قد طالبت بتقديم اتفاق وقف إطلاق النار على بقية البنود، بهدف ضمان توصيل المساعدات للمحتاجين فى مناطق الحرب، بينما موقف مفاوضى الحكومة هو أن يكون وقفاً فورياً لإطلاق النار ضمن ترتيبات أمنية وعسكرية. وتعود أسباب فشل الجولة السابعة إلى تمسك كل طرف بموقفه، ولم تجد الورقة التوفيقية التى طرحتها الوساطة الإفريقية قبولاً من الطرفين مما ساعد بوضع نهاية سريعة للجولة، كما أن وضعية أطراف المفاوضات «الحكومة والحركة الشعبية» قد أصبحت أكثر تعقيداً نسبة لارتباط كل طرف بتحالفات مع قوى سياسية أخرى. وتستعد الوساطة فى الجولة الثامنة والتى لم يحدد الوسيط موعدها إلى ممارسة ضغوط على الطرفين رغم تطور الأحداث بالنسبة لكل طرف، فالحركة الشعبية دخلت فى تحالف مع التنظيمات المسلحة فى دارفور، تحت مسمى «الجبهة الثورية» ثم وقعت على «إعلان باريس» من خلال وجودها فى الجبهة الثورية مع حزب الأمة القومى بزعامة رئيس الوزراء السابق الصادق المهدى، حيث التزمت مع هذه الأطراف على طرح كل المشاكل والقضايا السودانية بآفق قومى، وفقا ل«إعلان باريس»، بينما الحكومة تتمسك بمناقشة القضايا مع الحركة الشعبية حول المنطقتين فقط وفقاً لقرار مجلس الأمن والاتحاد الإفريقى على أن تناقش القضايا الوطنية فى الداخل، بعيدا عن الوساطة. ومما زاد الأمر تعقيداً تمسك رئيس الوفد الحكومى فى المفاوضات بموقف الحكومة قائلاً: «موقفنا كان ثابتاً، وإننا جئنا لمناقشة قضايا المنطقتين، وإن القضايا القومية مكانها الحوار القومى مع كل القوى السياسية ليكون اتفاقاً سودانياً شاملاً». طرحت الحركة الشعبية من جانبها لمزيد من الضغط على الجانب الحكومى، إعطاء منطقتى جنوب كردفان والنيل الأزرق حق الحكم الذاتى، ضمن النظام الفيدرالى المطبق فى السودان منذ العام ,1992 ورفض وفد الحكومة مناقشة ذلك المقترح. رئيس وفد الحكومة السودانية للمفاوضات ومساعد الرئيس البشير الدكتور إبراهيم غندور، اتهم المبعوث الأمريكى بالسيطرة على موقف الحركة الشعبية، وقال إن المبعوث كان يمثل الرأى الذى جاء به القطاع- ويقصد الحركة الشعبية قطاع الشمال- وأوضح أن هناك توافقاً شاملاً بين الطرفين، وقال غندور فى برنامج تليفزيونى إن المبعوث الأمريكى دونالد بوث كان طرفاً فى كل اجتماعات قطاع الشمال حتى مغادرته! بينما نفى الناطق باسم وفد الحركة الشعبية المفاوض «مبارك أردول» تلك المعلومات ووصفها بأنها غير صحيحة، موضحاً أن الحديث عن اجتماع تم بين رئيس وفد الحركة الشعبية «ياسر عرمان» ووفد أمريكى طلب عدم التوقيع على الاتفاق مع المؤتمر الوطنى الحاكم فى السودان حديث مفبرك يهدف للابتزاز. وتفيد تسريبات إعلامية من أديس أبابا بأن السبب الرئيسى فى فشل المفاوضات هو سحب الوساطة الإفريقية الإشارة لمرجعية القرار 456 الصادر من الاتحاد الإفريقى من النسخة النهائية المعدة للتوقيع، والتى تنص على إجراء موتمر للحوار الوطنى السودانى، يسبق عودة عناصر الحركة الشعبية والمسلحين إلى داخل البلاد، كان الاتفاق الإطارى قد أشار إليها بوضوح، مما جعل الحركة الشعبية ترفض التوقيع على الاتفاق المعد من قبل الوساطة. وتقاتل الحركة الشعبية النظام فى منطقتى جنوب كردفان والنيل الأزرق، وتجرى المفاوضات بناء لقرار مجلس الأمن الدولى رقم «2046» الذى ينص على وقف الحرب بين الطرفين والدخول فى مفاوضات مباشرة، تتم عبر الوسيط المشترك بين الأممالمتحدة والاتحاد الإفريقى تابو أمبيكى. وكانت «الترويكا» الولاياتالمتحدة والنرويج وبريطانيا شركاء الهيئة الحكومية لتنمية دول شرق إفريقيا «الإيغاد»، قد طالبت فى بيانها الذى رحب ببدء الجولة السابعة للمفاوضات ب«توفير المساعدات الإنسانية لسكان المناطق المتاثرة بالحرب». وعقد رؤساء الوفدين اجتماعاً مغلقاً مع رئيس الوساطة الإفريقية ثامبو أمبيكى، استمر لمدة ثلاث ساعات، أعقبها إعلان الوساطة تعليق الجولة السابعة.∎